المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل فيمن طلق إحدى نسائه ومات قبل البيان] - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية - ط البيان

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر للحكم بِالْقَرِينَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْعَمَل فِي السَّلْطَنَة بِالسِّيَاسَةِ الشَّرِيعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر لِلْعَمَلِ بِالسَّلْطَنَةِ بِالسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّة]

- ‌[فَصَلِّ فِي سِيَاسَة الصَّحَابَة فِي قِيَادَة الْأَمَة مِنْ بَعْده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي فِرَاسَةِ الْحَاكِمِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفِرَاسَة الصَّادِقَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي محاسن الْفِرَاسَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي عَجَائِب الْفِرَاسَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي صُوَر للحكم بِالْفِرَاسَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الحبس فِي الدِّين]

- ‌[فَصَلِّ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الرَّجُل الْوَاحِد]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مُتَفَرِّدَاتٍ]

- ‌[فَصَلِّ شَهَادَة الرَّجُل الْوَاحِد مِنْ غَيْر يَمِين عِنْد الْحَاجَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي مَذَاهِب أَهْل الْمَدِينَة فِي الدَّعَاوَى]

- ‌[فَصَلِّ هَلْ السِّيَاسَة بِالضَّرْبِ والحبس للمتهمين فِي الدَّعَاوَى وَغَيْرهَا مِنْ الشِّرْع]

- ‌[فَصَلِّ فِي دَعَاوَى التهم]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّعْزِير]

- ‌[فَصَلِّ وَالْمَعَاصِي ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الطرق الَّتِي يَحْكُم بِهَا الْحَاكِم]

- ‌[الطَّرِيق الْأَوَّل الْيَدُ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى يَمِينٍ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْإِنْكَارُ الْمُجَرَّدُ وَلَهُ صُوَرٌ]

- ‌[فَصَلِّ اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ فِي الْحُدُودِ صُورَتَانِ]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا لَا يَحْلِف فِيهِ]

- ‌[فَصَلِّ فَوَائِد الْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ فِي الْحُكْمِ بِالْيَدِ مَعَ يَمِين صَاحِبهَا]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ وَحْده أَوْ بِهِ مَعَ رد الْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ يَمِين الْمُدَّعِي هَلْ هِيَ كَالْبَيِّنَةِ أُمّ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي رد الْيُمْن]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد بِلَا يَمِين وَذَلِكَ فِي صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّابِعُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين]

- ‌[فَصَلِّ فِي هَلْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين تَقْوِيَة وَتَوْكِيد]

- ‌[فَصَلِّ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ]

- ‌[فَصَلِّ وَالتَّحْلِيف ثَلَاثَة أَقْسَام]

- ‌[فَصْل تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْلِيف الْمُدَّعَى عَلَيْهِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْلِيف الشَّاهِد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّامِنُ فِي الْحُكْمِ بِالرَّجُلِ الْوَاحِد وَالْمَرْأَتَيْنِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي شَهَادَة النِّسَاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي النصاب الَّتِي تَقْبَل بِهِ شَهَادَة النِّسَاء]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعُ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيق الْعَاشِر فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِين الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَال]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ مِنْ غَيْر يَمِين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِيَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِثَلَاثَةِ رِجَال]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِأَرْبَعَةِ رِجَال أَحْرَار]

- ‌[فَصْلٌ فِي إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ وَمَا يَجِب فِيهِ أَرْبَعَة شُهُود]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعَبْد والأمة]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الصَّبِيَّانِ المميزين]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاق وَذَلِكَ فِي صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْكَافِر]

- ‌[فَصَلِّ فِي شَهَادَة الْكُفَّارِ عَلَى المسلين فِي السَّفَر]

- ‌[فَصَلِّ وَهَلْ تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْكَافِرِينَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي دينهم]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي حُكْم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالتَّوَاتُرِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالِاسْتِفَاضَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي أَخْبَار الْآحَاد]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْخَطِّ المجرد وَلَهُ صُوَر]

- ‌[فَصَلِّ شَهَادَةُ الرَّهْنِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ إذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِهِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بالعلامة الظَّاهِرَة]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْقِيَاسُ وَأُصُولُ الشَّرِيعَةِ تَشْهَدُ لِلْقَافَةِ]

- ‌[فَصَلِّ الْحُكْمِ بَيْن النَّاس فِيمَا لَا يَتَوَقَّف عَلَى الدَّعْوَى]

- ‌[فَصَلِّ فِي عُمُوم الْوِلَايَات وَخُصُوصهَا]

- ‌[فَصَلِّ وَمنْ المنكرات]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي أَقْبَح الظُّلْم]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُصِرَ الْبَيْع عَلَى أناس معينين]

- ‌[فَصَلِّ فِي القسامين الَّذِينَ يقسمون الْعَقَار وَغَيْره بالأجرة]

- ‌[فَصَلِّ فِي حَاجَة النَّاسُ إلَى صِنَاعَةِ طَائِفَةٍ كَالْفِلَاحَةِ وَالنِّسَاجَةِ وَالْبِنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تُنَازِع الْعُلَمَاء فِي التَّسْعِير]

- ‌[فَصَلِّ فِي البذل والعطاء]

- ‌[فَصَلِّ فِي حُكْم الْوَلِيّ بالأمارات والعلامات الظَّاهِرَة وَالْقَرَائِن الْبَيِّنَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي التَّعْزِير بِالْعُقُوبَاتِ المالية]

- ‌[فَصَلِّ فِي وَاجِبَاتُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[فَصَلِّ فِي تَحْرِيق الكتب المضلة وَإِتْلَافهَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْفَاسِق يأوي إلَيْهِ أَهْل الفسق والخمر]

- ‌[فَصَلِّ فِي اختلاط الرجال بِالنِّسَاءِ فِي الأسواق والفرج ومجامع الرجال]

- ‌[فَصَلِّ فِي اللاعبين بالحمام عَلَى رُءُوس النَّاس]

- ‌[فَصَلِّ فِي اتِّخَاذ الْحَمَّامِ فِي الأبرجة]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْمَرَضِ الْمُعْدِي كَالْجُذَامِ إذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ بِأَهْلِهِ]

- ‌[فَصَلِّ وَمنْ طُرُق الْحُكْمِ الْحُكْمِ بِالْقُرْعَةِ]

- ‌[فَصَلِّ فِي كَيْفِيَّة الْقُرْعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِي مواضع الْقُرْعَة]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق امْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ لَا يَدْرِي أَيَّتهنَّ هِيَ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ عَبِيده]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق إحْدَى نِسَائِهِ وَمَاتَ قَبْل الْبَيَان]

- ‌[فَصَلِّ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصَلِّ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى امْرَأَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُهَا]

- ‌[فَصَلِّ الرَّجُل لَهُ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَةَ وَنَصْرَانِيَّة فَقَالَ فِي مَرَضه إحْدَاكُمَا طَالِق ثَلَاثًا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ ثَلَاثَة نِسْوَة فطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وَلَمْ يَدْرِي أَيَّتهنَّ ثُمَّ مَاتَ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ مُمَالِيك عدة فَقَالَ أَحَدهمْ حُرّ وَلَمْ يُبَيِّن]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل يَقُول أَوَّل غُلَام لِي يَطْلُع فَهُوَ حُرّ]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل لَهُ امْرَأَتَانِ وَهُوَ يُرِيد أَنْ يَخْرَج بِإِحْدَاهُمَا]

- ‌[فَصَلِّ فِي الْقُرْعَة فِي الشِّرَاء وَالْبَيْع]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَشَاحَّا فِي الْأَذَان]

- ‌[فَصَلِّ فِي الرَّجُل يَتَزَوَّج امْرَأَة عَلَى عَبْد مِنْ عَبِيده]

- ‌[فَصْلٌ فِي عَبْد فِي يَد رَجُل اخْتَلَفَ عَلَيْهِ غَيْره بِالْبَيْعِ وَالْهِبَة وَغَيْر ذَلِكَ]

الفصل: ‌[فصل فيمن طلق إحدى نسائه ومات قبل البيان]

الْوَاجِبَةُ هَاهُنَا عِدَّةٌ مِنْ غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، فَهِيَ مِنْ نِكَاحٍ مَحْضٍ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ، فَإِنَّهُ لَوْلَا ثُبُوتُ النِّكَاحِ لَمَا وَرِثَتْ.

وَقَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: " يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ "، صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ بِالْقُرْعَةِ، ثُمَّ قَالَ:" وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ فَهِيَ الَّتِي تَرِثُهُ " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُنَّ فِي حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْقُرْعَةِ وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَإِذَا أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأَصَابَتْ الْقُرْعَةُ إحْدَاهُنَّ: كَانَ رِضَا الزَّوْجِ بِهَا وَرِضَا وَلِيِّهَا وَرِضَاهَا تَصْحِيحًا لِلنِّكَاحِ. وَلَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقُرْعَةُ أَصَابَتْ غَيْرَهَا، فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، لِأَنَّ الْمَجْهُولَ كَالْمَعْدُومِ، وَلِأَنَّا نَأْمُرُهُ أَنْ يُطَلِّقَ غَيْرَ الَّتِي أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ، فَيَقُولُ: وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ فَهِيَ طَالِقٌ احْتِيَاطًا، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ تَوْرِيثِ الْجَمِيعِ وَحِرْمَانِ الْجَمِيعِ؛ وَأَنْ يُوقَفَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ وَيَنْكَشِفَ، وَقَدْ لَا يَتَبَيَّنُ إلَى الْيَوْمِ.

وَبِالْجُمْلَةِ: فَالْقُرْعَةُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ، شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِلتَّمْيِيزِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، فَسُلُوكُهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الطُّرُقِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ لَا بِعَيْنِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، وَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتُهُنَّ شَاءَ، فَإِذَا وَطِئَ انْصَرَفَ الطَّلَاقُ إلَى الْأُخْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، فَجَعَلُوا الْوَطْءَ تَعْيِينًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّعْيِينَ بِالْقُرْعَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْيِينِ بِالْوَطْءِ، فَإِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْرِجُ مِنْ قَدَّرَ اللَّهُ إخْرَاجَهُ بِهَا، وَلَا يُتَّهَمُ بِهَا، وَالْوَطْءُ تَابِعٌ لِإِرَادَتِهِ وَشَهْوَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَهِيَ غَيْرَ مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ إرَادَةُ طَلَاقِهَا، فَهُوَ مُتَّهَمٌ، فَالتَّعْيِينُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى مِنْ التَّعْيِينِ بِالتَّشَهِّي وَالْإِرَادَةِ.

وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ قَالَ - فِيمَا إذَا أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ، ثُمًّ وَطِئَ إحْدَاهُمَا - أَنَّ الْوَطْءَ لَا يُعَيِّنُ الْمُعْتَقَةَ مِنْ غَيْرِهَا.

وَقَالَ أَصْحَابُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، وَذَلِكَ يَنْفِي النِّكَاحَ، فَلَمَّا وَطِئَ إحْدَاهُمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارٌ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَطَأُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، وَأَمَّا الْعِتْقُ: فَإِنَّهُ - وَإِنْ أَوْجَبَ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ - فَلَا يُنَافِي مِلْكَ الْيَمِينِ، كَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ.

فَقَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُمْ: الطَّلَاقُ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ عِنْدَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجْعَةَ مُبَاحَةٌ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ: انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَاسْتِيفَاءُ الْعَدَدِ.

وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُكُمْ بِذَلِكَ، عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ - وَإِنْ نَافَاهُ التَّحْرِيمُ - فَالْمِلْكُ يُنَافِيهِ التَّحْرِيمُ، فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مِلْكٍ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ لِمِلْكِ الْمَوْطُوءَةِ.

[فَصَلِّ فِيمَنْ طلق إحْدَى نِسَائِهِ وَمَاتَ قَبْل الْبَيَان]

127 -

(فَصْلٌ)

ص: 261

وَمِنْ مَوَاضِعِ الْقُرْعَةِ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ، وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُقْرِعُونَ بَيْنَهُنَّ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ لَمْ تَرِثْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَأَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَنْصُورٍ وَمُهَنَّا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُوقَفُ مِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ عَلَيْهِ.

وَلَوَازِمُ الْقَوْلَيْنِ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقُرْعَةِ، فَإِنَّ لَازِمَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: تَوْرِيثُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثَلَاثًا، فَكَيْفَ تَرِثُ؟ وَلَازِمُ الْقَوْلِ الثَّانِي: وَقْفُ الْمَالِ، وَتَعْرِيضُهُ لِلْفَسَادِ وَالْهَلَاكِ، وَعَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَرُبَّمَا كَانَتْ مَئُونَتُهُ تَزِيدُ عَلَى أَضْعَافِ قِيمَتِهِ، وَهَذَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُنَّ إذَا عَلِمْنَ أَنَّ الْمَالَ يَهْلَكُ إنْ لَمْ يَصْطَلِحْنَ عَلَيْهِ: كَانَ ذَلِكَ إلْجَاءً لَهُنَّ إلَى إعْطَاءِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقَّةِ، فَالْقُرْعَةُ تُخَلِّصُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ الْمُسْتَحِقَّةَ لِلْمِيرَاثِ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، فَوَجَبَ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبِيدِ إذَا أَعْتَقَهُمْ فِي الْمَرَضِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَاتِ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ بِإِحْدَاهُنَّ، وَالْحَاكِمُ إنَّمَا نُصِّبَ لِفَصْلِ الْأَحْكَامِ، لَا لِوَقْفِهَا وَجَعْلِهَا مُعَلَّقَةً، فَتَوْرِيثُ الْجَمِيعِ - عَلَى مَا فِيهِ - أَقْرَبُ لِلْمَصْلَحَةِ مِنْ حَبْسِ الْمَالِ وَتَعْرِيضِهِ لِلتَّلَفِ، مَعَ حَاجَةِ مُسْتَحَقِّيهِ إلَيْهِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّا عَهِدْنَا مِنْ الشَّارِعِ أَنَّهُ لَمْ يُوقِفْ حُكُومَةً قَطُّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَخَاصِمِينَ، بَلْ يُشِيرُ عَلَيْهِمَا بِالصُّلْحِ، فَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحَا فَصَلَ الْخُصُومَةَ، وَبِهَذَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ النَّاسِ.

قَالَ الْمُوَرِّثُونَ لِلْجَمِيعِ: قَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، لِأَنَّ حُجَّةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَحُجَّةِ الْأُخْرَى، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْإِرْثِ، كَمَا لَوْ أَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالزَّوْجِيَّةِ.

وَقَالَ الْمُقْرِعُونَ: الْمُسْتَحِقَّةُ مِنْهُمَا هِيَ الزَّوْجَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ غَيْرُ مُسْتَحِقَّةٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُمَا اسْتَوَيَتَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ؟ عَلَى أَنَّهُمَا إذَا أَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا، وَصَارَتَا كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.

وَقَالَ الْمُوَرِّثُونَ: قَدْ اُسْتُحِقَّ مِنْ مَالِهِ مِيرَاثُ زَوْجَتِهِ، وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَنْ تَكُون هِيَ الْمُسْتَحِقَّةَ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، فَيُقَسَّمُ الْإِرْثُ بَيْنَهُمَا، كَرَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَابَّةً فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ: فَإِنَّهَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا.

وَقَالَ الْمُقْرِعُونَ: هَذِهِ هِيَ الشُّبْهَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَالْجَوَابُ وَاحِدٌ.

وَقَالَ الْمُوَرِّثُونَ لِأَصْحَابِ الْقُرْعَةِ: قَدْ تَنَاقَضْتُمْ، فَإِنَّكُمْ تُقْرِعُونِ بِإِخْرَاجِ الْمُطَلَّقَةِ فَإِذَا أَخْرَجْتُمُوهَا بِالْقُرْعَةِ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، إذَا كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَكَيْفَ تَعْتَدُّ

ص: 262