الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَثْبَتَ مِمَّنْ يُحْفَظُ عَنْهُ وَيُصَدَّقُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي ": " بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ": حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ» . وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ. ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: جَائِزٌ الْحُكْمُ بِهِ. فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَيْشٍ مَعْنَى الْيَمِينِ؟ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَقْضُونَ فِي مَوَاضِعَ بِغَيْرِ شَهَادَةِ شَاهِدٍ، فِي مِثْلِ رَجُلٍ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَارًا، فَوَجَدَ صَاحِبُ الدَّارِ فِي الدَّارِ شَيْئًا، فَقَالَ: هَذَا لِي، وَقَالَ السَّاكِنُ: هُوَ لِي. وَمِثْلُ رَجُلٍ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَوَجَدَ فِيهَا دَفُونًا، فَقَالَ السَّاكِنُ: هِيَ لِي، وَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: هِيَ لِي. فَقِيلَ: لِمَنْ تَكُونُ؟ فَقَالَ هَذَا كُلُّهُ لِصَاحِبِ الدَّارِ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَقَالَ: هُمْ يَقُولُونَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَيَمِينٍ، وَهُمْ يُجَوِّزُونَ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، وَيُجِيزُونَ الْحُكْمَ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ. قُلْتُ: مِثْلُ أَيْشٍ؟ قَالَ: مِثْلُ الْخُصِّ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ يُعْطُونَهُ لِلَّذِي الْقُمُطُ مِمَّا يَلِيهِ. فَمَنْ قَضَى بِهَذَا؟ وَفِي الْحَائِطِ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ نَظَرُوا إلَى اللَّبِنَةِ لِمَنْ هِيَ؟ فَقَضَوْا بِهِ لِأَحَدِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ. وَالزِّبْلُ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ، وَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: أَكْرَيْتُكَ الدَّارَ، وَلَيْسَ فِيهَا زِبْلٌ.
وَقَالَ السَّاكِنُ: كَانَ فِيهَا، لَزِمَهُ أَخْذُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ. وَالْقَابِلَةُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ. فَهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ.
[فَصَلِّ فِي هَلْ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين تَقْوِيَة وَتَوْكِيد]
57 -
(فَصْلٌ)
وَإِذَا قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَالْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَحْدِهِ، وَالْيَمِينُ تَقْوِيَةٌ وَتَوْكِيدٌ. هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ، فَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ، كَانَ الضَّمَانُ كُلُّهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَلَّالُ فِي " الْجَامِعِ ": بَابٌ إذَا قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ - ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ - سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: تَقُولُ بِهِ؟ قَالَ. أَيْ لَعَمْرِي. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ قَالَ: تَكُونُ الْمَتَالِفُ عَلَى الشَّاهِدِ وَحْدِهِ. قِيلَ: كَيْفَ لَا تَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ، لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ بِيَمِينِهِ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا هُوَ السُّنَّةُ - يَعْنِي الْيَمِينَ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، فَرَجَعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ؟ قَالَ: يَلْزَمُهُ، وَيُرَدُّ الْحُكْمُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ قَالَ: إنْ أَتْلَفَ الشَّيْءَ كَانَ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ هَاهُنَا بِشَهَادَتِهِ، لَيْسَتْ الْيَمِينُ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدُ؟ قَالَ: يَضْمَنُ الْمَالَ كُلَّهُ، بِهِ كَانَ الْحُكْمُ.
وَقَالَ ابْنُ مُشَيْشٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: إذَا اسْتَحَقَّ الرَّجُلُ الْمَالَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَا شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدٌ: غَرِمَ نِصْفَ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ: غَرِمَ الْمَالَ كُلَّهُ. قُلْتُ: الْمَالُ كُلُّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بَخْتَانَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَالَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ فَقَالَ: يُرَدُّ الْمَالُ. قُلْتُ. أَيْشٍ مَعْنَى الْيَمِينِ؟ فَقَالَ: قَضَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ الشَّهَادَةِ كَمْ يَغْرَمُ؟ قَالَ: الْمَالَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا؟ قُلْتُ: لَا أَحْفَظُهُ. قُلْتُ لَهُ - بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ - إنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ، لِأَنِّي إنَّمَا حَكَمْتُ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهِ، وَيَمِينِ الطَّالِبِ، فَلَمْ أَرَهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - كَقَوْلِ مَالِكٍ -: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ قَامَتْ مَقَامَ الشَّاهِدِ، فَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِمَا. وَأَحْمَدُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةُ الدَّعْوَى، فَكَانَ مُنْفَرِدًا بِالضَّمَانِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ، فَجَرَى مَجْرَى مُطَالَبَةِ الْحُكْمِ بِهِ. وَمِنْهَا: أَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا حُجَّةً لَكُنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهَا حُجَّةً بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ، مَعَ أَنَّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي " التَّعْلِيقِ ": وَاحْتَجَّ - يَعْنِي: الْمُنَازِعَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ - بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُ الْمُدَّعِي كَشَاهِدٍ آخَرَ لَجَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى الشَّاهِدِ الَّذِي عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ أَيَّهُمَا شَاءَ.