الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَقْلِهِنَّ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ "، فَبَيَّنَ أَنَّ شَطْرَ شَهَادَتِهِنَّ إنَّمَا هُوَ لِضَعْفِ الْعَقْلِ لَا لِضَعْفِ الدِّينِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ عَدْلَ النِّسَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَدْلِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا عَقْلُهَا يَنْقُصُ عَنْهُ، فَمَا كَانَ مِنْ الشَّهَادَاتِ لَا يُخَافُ فِيهِ الضَّلَالُ فِي الْعَادَةِ، لَمْ تَكُنْ فِيهِ عَلَى نِصْفِ رَجُلٍ، وَمَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَتُهُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، إنَّمَا هِيَ أَشْيَاءُ تَرَاهَا بِعَيْنِهَا، أَوْ تَلْمِسُهَا بِيَدِهَا، أَوْ تَسْمَعُهَا بِأُذُنِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَقْلٍ، كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ، وَالِارْتِضَاعِ، وَالْحَيْضِ، وَالْعُيُوبِ تَحْتَ الثِّيَابِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُنْسَى فِي الْعَادَةِ وَلَا تَحْتَاجُ مَعْرِفَتُهُ إلَى إعْمَالِ الْعَقْلِ، كَمَعَانِي الْأَقْوَالِ الَّتِي تَسْمَعُهَا مِنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ مَعَانٍ مَعْقُولَةٌ، وَيَطُولُ الْعَهْدُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ.
66 -
(فَصْلٌ) إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَيَمِينُ الطَّالِبِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَيُقْضَى بِهَا عِنْدَنَا فِي النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَالشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": مَنْ أَتَى بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ: لَمْ يَثْبُتْ بِهِ قَوَدٌ وَلَا مَالٌ، وَعَنْهُ يَثْبُتُ الْمَالُ إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَمَنْ أَتَى بِذَلِكَ فِي سَرِقَةٍ ثَبَتَ لَهُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ. اهـ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا. وَيُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الْخُلْعِ إذَا ادَّعَاهُ الرَّجُلُ، فَإِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَهُوَ مُدَّعٍ لِلْمَالِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ، فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ لِفَسْخِ النِّكَاحِ وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَة عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَقَالَ فِي الْوَكَالَةِ: إنْ كَانَتْ مُطَالَبَةً.
[فَصَلِّ فِي شَهَادَة النِّسَاء]
67 -
(فَصْلٌ)
وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ تُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ، وَنَوْعٌ لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ إلَّا مَعَ الرِّجَالِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ: فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَكْحُولٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِي الدَّيْنِ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مِنْ الشَّهَادَاتِ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةَ النِّسَاءِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ، إلَّا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ، مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَحَمْلِهِنَّ وَحَيْضِهِنَّ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَحْتًا، حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ " رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ.
وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهما: " لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ وَلَا النِّكَاحِ وَلَا الدِّمَاءِ وَلَا الْحُدُودِ ".
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: " مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ: أَلَّا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ ". وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَجَازَ فِي عَتَاقَةٍ: شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَبُولُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَجِرَاحِ الْخَطَأِ.
وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: قَبُولُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ. وَصَحَّ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَبُولُ امْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عَلَى رَجُلٍ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَمَّنْ يُرْضَى كِتَابُهُ - يُرِيدُ طَاوُسًا - قَالَ:
تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَعَ الرِّجَالِ، إلَّا الزِّنَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ: أَنَّ سَكْرَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا خِرَاشُ بْنُ مَالِكٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ عُمَانَ ثَمِلَ مِنْ الشَّرَابِ، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ.
وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ صَبِيًّا، فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. فَأَجَازَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَهَادَتَهُنَّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي طَلْقٍ، عَنْ أُخْتِهِ هِنْدٍ بِنْتِ طَلْقٍ، قَالَتْ:" كُنْتُ فِي نِسْوَةٍ وَصَبِيٍّ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَمَرَّتْ، فَوَطِئَتْ الصَّبِيَّ بِرِجْلِهَا، فَوَقَعَتْ عَلَى الصَّبِيِّ فَقَتَلَتْهُ وَاَللَّهِ، فَشَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَشْرُ نِسْوَةٍ - أَنَا عَاشِرَتُهُنَّ - فَقَضَى عَلَيْهَا بِالدِّيَةِ، وَأَعَانَهَا بِأَلْفَيْنِ ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: لَوْ شَهِدَ عِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا لَرَجَمْتُهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيَجُوزُ عَلَى الزِّنَا امْرَأَتَانِ وَثَلَاثَةُ رِجَالٍ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى مَتَاعَ الْبَيْتِ، فَجَاءَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَشَهِدْنَ، فَقُلْنَ: دَفَعَتْ إلَيْهِ الصَّدَاقَ، فَجَهَّزَهَا بِهِ، فَقَضَى شُرَيْحٌ عَلَيْهِ بِالْمَتَاعِ "، وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تُقْبَلُ الْمَرْأَتَانِ مَعَ الرَّجُلِ فِي الْقِصَاصِ، وَفِي الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ، حَاشَا الْحُدُودَ، وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ، وَيُقْبَلْنَ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مَعَ الرَّجُلِ، وَلَا يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ، لَا فِي الرَّضَاعِ وَلَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ