الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1
-
شعر هذا العصر من حيث الكم والاتجاه
كل ما تبقى من شعر هذا العصر هو ما اقتبسه العماد عن ابن بشرون المهدوي الصقلي، وهو عثمان بن عبد الرحيم بن عبد الرزاق جعفر بن بشرون بن شبيب من قبيلة الأزد. وهو صاحب كتاب " المختار من النظم والنثر لفاضل أهل العصر ".
وهذا القدر الذي بقي يشمل أثنى عشر شاعراً (1) ، عاشوا في الفترة الأولى من العصر المشار إليه أي أنهم في الغالب عاصروا رجار الثاني، وليس هناك ما يدل على أن بعضهم عاش في زمن ابنه غليالم الأول. وكل ما نملكه من الشعر الصقلي في عهده نقش في قصره المسمى بالعزيزة (2) . وهناك نقش آخر في مدح غليالم الثاني وذكر لفقيه صقلي اسمه الشيخ أبو الحسن علي بن أبي الفتح بن خلف الأموي الصقلي (3) في زمنه أيضاً كان له بابن قلاقس علاقة. وإلى عهد غليالم الثاني يضاف ما قاله ابن قلاقس في مدح أبي القاسم بن حمود وغيره من رجالات صقلية. أما الشعر المهاجر في هذا العصر إلى الجزيرة فلدينا منه شعر الإدريسي الجغرافي (4) وذكر ليحيى الشاعر القفصي التيفاشي (5) الذي كان في صقلية أيام غليالم الأول، وقتل في الثورة التي ذبح فيها المسلمون سنة 550هـ وقصيدة لشاعر آخر من بني رواحة في مدح صاحب صقلية حين انكسرت به سفينة
(1) انظر التراجم 3 - 13 والترجمة رقم 61 من مجموعة الشعر الصقلي.
(2)
Amari؛ Le epigrafi Arabiche di Sicilia، P. 31.
(3)
الخريدة - قطعة من أول القسم الخاص بشعراء مصر وفلسطين بمعهد المخطوطات بالجامعة العربية مصورة من مكتبة نور عثمانية رقم 3774.
(4)
الترجمة رقم 63 من مجموعة الشعر.
(5)
الخريدة ج 11 الورقة 53.
وأسر (1) ، وقصيدة للشيخ أبي الحسين بن الصبان المهدوي (2) تدل على أنه كان في صقلية.
في هذا العصر انفصلت صقلية بتاريخها عن ممالك الإسلام وأصبحت أحداثها الداخلية التي لا تهم العالم الإسلامي غامضة، وأصبح الشعراء في بيئتهم منعزلين لا تربطهم روابط بالمسلمين توضح حالهم، ولولا أن ابن بشرون عاش في الجزيرة مدة وخصص من كتابه فصلا لشعرائها، ولولا أن العماد اطلع على هذا الكتاب لجهلنا ما نعرفه الآن عن حياة الشعر في صقلية النورمانية، فليس من الغريب أن لا نسمع من شعراء مسلمين في بلد غليالم الثاني أو فردريك الثاني وابنه منفريد فيما بعد، لأنه إن كان هناك شعراء حقاً فإنه لم يسعفهم الحظ بابن بشرون آخر يدون آثارهم فتخترق حدود الجزيرة إلى غيرها. وحتى القدر الذي أورده العماد عن ابن بشرون ليس كاملا في أجزائه لأن الأصبهاني حذف أكثر الشعر الذي وجده في مديح الكفار، وصرح بذلك في قوله " واقتصرت من القصيدتين على ما أوردته، لأنهما في مدح الكفار فما أثبته "(3) ولدينا شاعر هو عبد الرحمن بن رمضان المالطي ويصفه ابن بشرون بأنه كان غزير الشعر، وأنه استنزف جهده في مدح رجار، ومع ذلك فليس هنالك في شعره الموجود شيء من مدائحه.
وهؤلاء الاثنا عشر شاعراً فيهم نحوى وفقيهان وأربعة غلب عليهم الشعر وخمسة كانوا كتاباً. ولا بد من الإشارة إلى غلبة النثر على المشهورين في هذا العصر والذي سبقه، وهذه حقيقة هامة لا تسعفنا المصادر كثيراً في تصور مظاهرها ونتائجها وعلاقتها بالشعر، ولا تمكننا من القول بأن صقلية في العصرين أنتجت نثراً خصباً يوازي نشاطها في الشعر، أما أولا فلأننا لا نعرف لها نثراً كثيراً
(1) المكتبة: 153 من المسالك.
(2)
الخريدة: 11 الورقة 58.
(3)
انظر الترجمة رقم 7 ورقة 12.
وأما ثانياً فلأنها في الواقع اتجهت إلى الشعر اتجاهاً جعلنا نحكم لها بكثرته. ولقلة هذا الموجود من النثر لا نستطيع أن نحكم له بالتفوق على الشعر، إلا أن في رسائل ابن الصباغ في العصر السابق والنثر الذي أورده ابن بشرون كمية - على قلتها - تعطينا فكرة طيبة عن النثر في صقلية، فهو نثر عامر بالحياة فيه صنعة ولكنه ذو موضوع حي.
ومهما يكن من أسباب فإن الذين أخلصوا للشعر وحده أبين شخصية ممن غلبت عليهم نواح أخرى من النشاط، فلابن الخياط وابن حمديس وأبي العرب الصقلي مشخصات بينه على قلة ما نملك من شعر الأول والثالث، أما شعراء العصر النورماني فليس فيهم شاعر يهيء لنا شعره رسم صورة عامة لشخصيته.
ولابد من أن نقرر منذ البدء أن الشعر في العصر النورماني عاش في بيئتين في كل منهما خصائص اجتماعية ونفسية مختلفة، ولذلك نستطيع أن ندرس هذا الشعر على أنه قسمان:
(أ) شعر يتصل بالملك النورماني وبلاطه وفيه المدح ووصف المباني والمتنزهات الملكية وفيه الرثاء لأقرباء الملك أو أبنائه فالشاعر عبد الرحمن المالطي أكثر شعره في مدح رجار " يسأله العودة إلى مالطة، ولا يحصل منه إلا على المغالطة " وعمر بن حسن النحوي الصقلي وقع أسيراً في يد النورمان فهو يمدح رجار لعله يطلقه: وعبد الرحمن البثيري وابن بشرون وعبد الرحمن الاطرابنشي من الوصافين لقصور رجار ومتنزهاته، وأبو الضوء سراج الكاتب يرثى رجار الابن البكر لرجار الثاني.
(ب) شعر يصور حياة المسلمين وعلاقاتهم فيما بينهم وفيه العتاب والمدح والرثاء وشعر الرسائل، أو يصور أموراً ذاتية كالغزل بالمؤنث والمذكر وشعر المجون.