الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين انحازوا إلى ولاية مازر كانوا يضمون بعض الأحرار وكثيراً من أهل الموالي والعبيد، وكان بعضهم مسيحيين وبعضهم يهودا، وكان معظمهم يعيش في المدن وأقلهم في القرى (1) .
4
-
الأنظمة المالية والتفاوت في الثروة
خضع السكان على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم لأنظمة الإسلامية في الضرائب، فوضع العشر على أراضي المسلمين، وخضعت بعض الأراضي التي يملكها غير المسلمين لخراج مؤقت، كما فرض على بعضها خراج دائم وبقيت أملاك أخرى كالحبوس والأوقاف تطبق عليها أنظمة خاصة (2) . والحقيقة أننا لا نملك وثائق عن هذه الأمور نستبين منها حال صقلية بالذات وأقصى ما يمكننا عمله أن نقيس صقلية بما كانت عليه الحال في إفريقية والأندلس ونتعرف إلى طرق الجباية وأنواع الضرائب والاقطاعات فيها ثم نحاول أن نقول إن الأمر في صقلية كان كذلك، وليس هذا مما يقدم البحث كثيراً لأن الهدف المنهجي الأول أن ندرس صقلية نفسها بكل ما تهيئه من معلومات، قلة وكثرة.
والنص القديم الوحيد الذي نملكه عن الضرائب بصقلية هو ما أورده ابن حوقل إذ يقول إن الضرائب تضم: " خمسها ومستغلاتها ومال اللطف والجوالي المرسومة على الجماجم ومال البحر والهدية الواجبة في كل سنة على أهالي قلورية وقبالة الصيود وجميع المرافق؟ (3) " ولا تزال بعض هذه الضرائب غامضة مثل المستغلات، فهل تدل على نوع محدود من الضريبة؟ ومال اللطف هل هو
(1) op. Cit.
(2)
Amari: op.cit. p 33.
(3)
ابن حوقل 1/ 130.
المال الحاصل من هدايا خاصة في مواسم معينة؟ أما الخمس فقد بينت المعاني التي يتحملها، وأما الجوالي المرسومة على الجماجم فهي مال الجزية المفروضة على غير المسلمين. والجزية في أيام المقريزي تسمى الجوالي ويقول القاضي الفاضل في متجددات سنة 587 إن الجوالي قلت جدا لكثرة إظهار النصارى للإسلام (1) وهذا يقطع بأن الجوالى هي الجزية. وأما مال البحر فهو ما يحصل على السفن الراسية في الموانئ الصقلية. والقبالة نوع ممن الضمان أي أن المصايد كانت تعرض على متقبلين بمبالغ معينة وقد يكون المتقبل هو المباشر للعمل أو ينتدب له من يريد (2) وإذا لم تكن (المرافق) كلمة عامة فهي تدل على ما يحصل من مال على المراعي والمنتجات المحلية. وكانت المرافق في مصر تشمل المال الهلالي أيام ابن المدبر ثم أسقطها أحمد بن طولون وأحياها العبيديون وأصبحت تعرف بالمكوس (3) . ولا شك أن الضريبة العشرية كانت على أراضي من اعتنق الإسلام من المسيحيين وأكثرها كان يحصل من ولاية مازر في القرن التاسع ثم من ولاية نوطس ودمنش في القرن الذي يليه (4) . وكان بعض الولاة يطلق يد العشارين فيجورون على الناس. وفي نسخة كمبردج العربية (5) أن ابن سالم أتى سنة 2435 927 م بشيخين استغرما أهل صقلية وكرر هذا العمل سنة 3440 932م ولا نستطيع أن نفهم من هذا الخبر إلا استهانة بعض الولاة بأهل البلاد مع أن التهاون في النواحي المالية كان من اكبر الأسباب الحافزة للسكان على الثورة. وفي خبر من أواخر العهد الإسلامي أن ابن الباغاني الكاتب غير الضريبة على أهل صقلية، فجعل العشار من طعامهم وثمارهم وإنما كانت العادة أن يؤخذ على الزوج البقر شيء معلوم ولو أصاب ما أصاب. والخبر يدل على الطريقة التي كانت متبعة في صقلية لعهد
(1) المقريزي، المواعظ والاعتبار 1/ 173.
(2)
المصدر السابق 1/ 131 - 132.
(3)
المصدر نفسه 1/ 167.
(4)
Amari: s.d. . m vol. 2pp.40 - 41
(5)
المكتبة الصقلية: 443.
طويل. ولما أخذ جعفر بن الأكحل بالتضريب بين العناصر الصقلية والأفريقية حمى أملاك الأفريقيين وأخذ الخراج على أملاك الصقليين فأعلنوا الثورة.
غير أن أهم أثر أحدثته النظم الإسلامية في لأرض هو طرق توزيعها، فقد كان الجرح العميق الذي تشكو منه صقلية هو الإقطاعات الكبيرة، وفي فترة قصيرة قضى نظام الإرث الإسلامي على هذه الاقطاعات. وفي القرن الثاني عشر نجد في ولاية مازر أسماء عربية كثيرة تملك مساحات صغيرة من الأرض ولكن النظم الإسلامية لم تكد تنقذ صقلية من الإقطاعية الكبيرة حتى عادت هذه أليها مع الفتح النورماني (1) .
وليس معنى ذلك أن الإقطاعات الكبيرة فقدت في العهد الإسلامي بل ظل الأمراء والخاصة يحتفظون لهم بإقطاعيات واسعة واحتكارات خاصة تدر عليهم أموالا طائلة. وقدم إلى أحد العباد في القيروان كعك فرده، وقال: لست آكل سكر صقلية وعلل امتناعه عن أكله بأنه يعمل من ضياع اقتطعها السلطان (2) . وكان الحديد مستغلا لبعض بني الأغلب ثم انتقل إلى أيدي بني أبي الحسين، ومنه كانت تعمل مراكب السلطان وقرسطياته (3) وكان جزء من البردي محتكراً لعمل طوامير للسلطان خاصة.
وفي هذه البيئة قام التفاوت البين في الثروة بين الطبقات. ومع أننا نعلم مثلا أن أبا القاسم الكلبي لم يخلف دينارا ولا درهماً ولا عقاراً لأنه وقف أملاكه كلها على الفقراء وأبواب البر (4) إلا أننا نعرف كذلك أن ثقة الدولة ارتحل إلى مصر ومعه 670 ألف دينار و 13 حجرة سوى البغال وغيرها (5) - كل هذا الثراء بينما الفرد العادي من الطبقة التي عاشرها ابن حوقل لم يملك بدرة عين ولا رآها إلا عند سلطان، إن كان ممن يدخل إليه، ومحله محل من يؤذن
(1) Amari: S. D. M. vol.2، pp.40 - 41.
(2)
المكتبة الصقلية، المحلق الأول:3.
(3)
ابن حوقل 1/ 123.
(4)
ابن الأثير 9/ 5 المكتبة ص 270.
(5)
النويري المكتبة ص 444.
له عليه (1) وكان المهاجرون إلى صقلية في النصف الأول من القرن العاشر أهل حرف أو جنوداً أو لاجئين (2) . ولدينا ما يفيد أن أحد الأفريقيين ورث من أخ له مات بصقلية أربعمائة دينار أعانه عليها إبراهيم بن أحمد الأمير (3) . وتحت عنوان الفقر تستطيع أن تسلك طبقة المعلمين، ولم يكن يزيد دخل بعضهم عن عشرة دنانير في العام، ومثلهم بعض الشعراء، وتسمع عن شاعر يسمى الرزيق كان محدوداً محارفاً وقد بره مرة بعض الولاة بدنانير فلما عاد إلى بيته وجد اللص قد استصفى ما فيه (4) ، وكذلك كان كثير من العلماء فقراء.
والحقيقة التي لحظها ابن حوقل أن هناك فقراً شاملا إلا لأقلية معينة، واستتبع هذا الفقر وقلة المال في ايدي الناس رخصاً في الحاجات وقلة في النفقات. ومما زاد الرخص كثرة العرض في السلع وخاصة الزراعية منها لخصب الجزيرة وهو الموضوع الذي تقف منه المصادر العربية وقفة المعجب. ومنذ القرن التاسع نسمع الاصطخري يقول بأن في صقلية من الخصب والزرع والمواشي والرقيق ما يفضل سائر مدن الإسلام المتاخمة للبحر (5) . ولكن لابد من ان نقر بان الجدب كثيراً ما كان يعتري الجزيرة وفي سنة 3444 936م جاءت ريح عاصف قبلية حرقت الدوالي والثمار ولم يكن في تلك السنة قطاف (6) . وبعد الحروب المهلكة التي قام بها خليل انتشرت المجاعة في المدينة والبوادي " حتى أكلوا الوالدون أولادهم (7) ". واشتدت المجاعة كثيراً حتى خربت قلاع صقلية وبواديها. وكثيراً ما كانت الفتن تجعل الناس يغفلون عن العناية بمحاصيلهم فيسوء حالهم. ويحدثنا ابن حوقل أنه لما دخل صقلية كانت قد استحالت جميع أمورها من الخصب إلى الجدب (8) .
(1) ابن حوقل 1/ 130.
(2)
Amari: S. D. M. vol. 2، p. 252.
(3)
رياض النفوس في المكتبة: 190.
(4)
الخريدة 11 الورقة 44 ومجموعة الشعر رقم 43:
(5)
الاصطخري " مسالك الممالك ":70 ط. بريل 1870 والمكتبة:3.
(6)
تاريخ جزيرة صقلية، نسخة كمبردج العربية، المكتبة ص 171.
(7)
المصدر نفسه: 173.
(8)
ابن حوقل 1/ 130.