الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما القاعدة العامة عنده في معاملة الناس فهي الصبر حتى ينبض الماء من الحجر والرفق في القول والعمل. وما قلل النقد في شعره للحياة الاجتماعية إيمانه بقلة الاكتراث وعدم الاهتمام بالأمور التي لا تعنيه مباشرة، وعدم التعمق والتحقيق مع الناس والرضى منهم بالمجاز. وصفات الرفق واللطف والرقة تجلى في واقعه العملي أكثر من
صنعته الشعرية
.
وإذا استنجز عدة تأخرت رايته يترفق في التذكير بها واجتلاب الانتباه إليها، كقوله سيستنجز الدولة حاجة وعده بها:
وقائل قال لي أبشرْ بمنجحة
…
إن الأمير كريمٌ قال فانتصرا
ما حاجة هي أولى أن تفوز بها
…
من حاجة منحتها عينهُ نظرا
إذا ابن مستخلص الإسلام قام بها
…
فاقعد فإنك قد وليتها الظفرا
ألقيتها منه في سرّ يجولُ به
…
إذا تناسيتها مستبطناً ذكرا وقد جعلته صلته بالملوك جباناً يفرق من نقد الحياة السياسية والاجتماعية، ومن حكمه في هذا الشأن قوله:
إن سبّ الملوك من شع المو
…
ت فإياك أن تسب الملوكا
إن عفوا عنك بالذنوب أهانو
…
ك وإن عاقبوا بها قتلوكا
7
- صنعته الشعرية
أما في صنعته الشعرية فإنه لا يحفل كثيراً باللطف والرقة، وهو أقدر على تصوير المناظر العنيفة منه على تصوير المناظر الهادئة.
ومع ذلك فهو شغوف بوصف الحديث وسحره وجماله، أي هو شغوف بالرقة التي تنساب في الكلام، وأوصافه للحديث ليست بشيء لأنها تقليد الشعراء
معروفين كبشار وابن الرومي ولا يزيد عن وصف الحديث بأنه رطب يانع أو خمر معتقة أو فاكهة رطبه.
فهل يكون شغوفاً بالرقة في الحديث لأنه يستطيع أن يسيطر على الموسيقى في الفاظه؟ استمع إليه يقول:
والحديث الذي يهزل منه
…
في الهوى أريحيةٌ النشوان أو يقول:
ما ضرّ من قتهُ حديثك أنْ
…
يحرم قوتاً بقية العمر
اللحظُ راحٌ واللفظُ فاكهةٌ
…
والخد رامشنةٌ من الزهر فهل هذه العبارات التي تجيء فيها " يهزل "" وقته "" ورامشنة " وهل تكرير عبد السوء في قصيدة سابقة مما يدل على كلف باللفظ الجميل؟ ومع ذلك فليست كل أشعاره تسودهها هذه الظاهرة من الإهمال في الموسيقى اللفظية ولا نستطيع أن نقول إن الخشونة هي الطابع العام في شعره.
وهو في صناعته قادر على أن يخلق جواً عاماً كما رأيت في صورة السنابل وهناك قصيدة يمكن أن تتخذها مفتاحاً يقودنا إلى طريقته في تأليف الشعر وتلك القصيدة هي:
ليس إلا تنفسٌ الصعداء
…
وبكائي، وما غناءُ بكائي
منْ رسولي إلى السماء يؤدي
…
لي كتاباً إلى هلال السماء
كيف يرقي إلى السماء كثيفٌ
…
يسلك الجسم في ريقي الهواء
عجز الإنس أن ترقى إليها
…
فعسى الجن أنْ تكون شفائي
أم ترى الجن تتقى شهب الرج
…
م فدعني كذا أموت بدائي ليس في هذه القطعة حلاوة موسيقية، وإنما فيها وحدة وتسلسل، فالشاعر يعلن العجز ويتنفس الصعداء لعل أنفاسه تكشف عن حاله لهلال سماوي فتن به
ولكن أنفاسه لن تبلغ إلى هنالك لأنها أعجز من أن تقطع هذه المسافة الطويلة فأين الرسول الذي يقطعها؟ ولكن الرسول الإنسى كثيف، وكيف يمكن للكثيف أن يرقى في الهواء الرقيق - لا شك أنها محاولة مخفقة، فليلجأ الشاعر إلى الجن، إلى مادة نارية رقيقة غير كثيفة، ولكن أليس الجن قد حرمت عليهم معارج الرقى إلى السماء وشهب الرجم تتلقاهم بالموت، إذن فماذا بقي؟ لا الإنس يستطيعون ذلك ولا الجن يقدرون عليه فليبق الشاعر حيث هو يتنفس الصعداء ويرسل الدموع الحارة فذلك هو كل نصيبه في الحياة.
وتسأل لم اختار الشاعر بناء هذه الصورة بهذا التدرج الذي لا تجد فيه ثغرة؟ لأن أمامه فكرة معينة لا يريد أن يتخلى عنها وهي أن حبيبه هو " هلال السماء ".
وأحياناً تتميز قصيدته بالاندفاع الذي يسوق في طريقه انسجاماً عاماً في التعابير، وتفارق الشاعر خشونته إلا قليلاً، كما في هذه المقدمة الغزلية بقصيدة هنأ بها أبن ثقة الدولة بالسلامة من الجدري وفيها يقول (1) :
لا يطمعنك في السلو تكهلي
…
أنا من علمت على الغرام الأول
إن كان غرّك ذا الوقار فإنه
…
كالطيب يعبق في القميص وقد بلى
نسك نصب به حباله مطعم
…
متعود قنص الغزال الأكحل
ولرب مأربة لبست لها الدجى
…
وقضت بها زطراً لطافة مدخلي
أسرى كما تسرى النجوم لحاجتي
…
والناس بين مدثر ومزمل
(1) عنوان الأريب 1: 133.
فراغ