الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهو يعبر عن التصوف كما يفهمه الصقلي العادي في ايامه، فهماً لا يبعد كثيراً عن مذهب ابي القاسم الصوفي، واكبر من أخرجته صقلية من المتصوفة.
7
-
علوم الأوائل
لم تحرمنا المصادر من إشارات بسيطة نقف عندها حين نريد أن نتصور؟؟؟؟؟؟؟ شيئاً من الثقافة الفلسفية التي أخذت تنتشر في المغرب وصقلية، فقد حدثتنا مثلا أن سعيد بن فرحون بن مكرم التجيبي القرطبي المعروف بالحمار السرقسطي دخل صقلية بعد محنة أصابته في أيام المنصور بن أبي عامر، وبقي فيها إلى أن توفي، وكان يجمع إلى معارفه في اللغة والنحو والموسيقى معرفة فلسفية منطقية، فهو صاحب رسالة حسنة في المدخل إلى علوم الفلسفة سماها " شجرة الحكمة " ورسالة في تعديل العلوم وكيف درجت إلى الوجود من انقسام الجوهر والعرض (1) ونقف عند هذا الحد من معرفتنا للرجل فلا نعرف ما الذي جر عليه تلك المحنة مع انه يقال أنها مشهورة السبب، كما أننا نجهل كل تأثير له في صقلية في النواحي الفلسفية.
ولدينا شواهد نستطيع أن نحكم منها بأن المغاربة عامة والصقليين خاصة عرفوا في وقت متأخر كتب أبي حيان التوحيدي في التصوف والفلسفة، سواء كان ذلك بالهجرة إلى الشرق أو بارتحال تلك الكتب إلى الغرب، فقد كتب أحد أهل صقلية على ظهر كتاب الإمتاع " ابتدأ أبو حيان كتابه صوفيا وتوسطه محدثاً وختمه سائلا ملحفاً (2) " والمازرى يتهم الغزالي في كتابه المسمى الكشف والإنباء عن المترجم بالأحياء بأنه أخذ التصوف عن ابي حيان التوحيدي (3)
(1) طبقات الأمم لصاعد: 68 - 69ط. بيروت.
(2)
القفطى: أخبار الحكماء: 186 ترجمة أبي سليمان المنطقي.
(3)
السبكي: 4/ 123.
ويقول العلامة أبو الحسن علي بن الحسن الحضري القيرواني " علم أبي حيان التوحيدي أوفى من كلامه وإشاراته وتصانيفه تدل على علم كثير (1) ".
وليس من الضروري ان ننبه هنا إلى تلك الهجنة التي كانت تصيب من يدرس الفلسفة وربما كان هذا شببا في ندرة المقبلين عليها اولا، وفي ندرة الأخبار التي نسمع بها عمن كانوا يزاولونها. ويرى المازرى - ورأيه هنا يمثل رأى المتدينين حينئذ - إن الطعن في كل إمام اطلاعه على كتب الفلاسفة، لأنها تكسبه جرأة على المعاني، وتسهيلا للهجوم على الحقائق، اذ الفلاسفة في رأيه تمر مع خواطرها، وليس لها حكم شرعي ترعاه ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها (2) . وفي عهد المازرى نسمع عن كتب ابن سينا والغزالي وعن رسائل إخوان الصفا ولكن المازرى يمثل ثقافة المغرب في العصر النورماني. وتعرف المغاربة على الكتب الفلسفية في عصر متأخر حقيقة هامة في دراسة الأدب عامة والشعر خاصة.
إذا كنا لا نطمع في أن تحدثنا المصادر كثيرا عن الفلسفة في صقلية أو عن الثقافة الفلسفية فيها نحن ندهش حين نجدها تصمت صمتا غير محمود فلا تحدثنا عن الطب والفلك والتنجيم هنالك فلم تترجم الكتب المعينة بطبقات الأطباء إلا لعالم صقلي واحد من علماء العصر النورماني (3) وقد عنيت مصادر أخرى بنسبة الطب إلى أبي عبد الله ابن الطوبي ووصف أحياناً بأنه أربى في الطب على ماسويه (4) وذكره العماد فقال انه كان طبيباً مترسلاً شاعراً (5) ومدحه ابن القطاع وأشار إلى مهارته الطبية بقوله (6) :
أيها الأستاذ في الط
…
ب وإعراب الكلام
(1) السلفي: ورقة 207.
(2)
السبكى: 4/ 123.
(3)
القفطى: أخبار العلماء: 189.
(4)
القفطى: انباه الرواه: 2/ 76.
(5)
الحريدة: 11 الورقة 22.
(6)
إنباه الرواة 2/ 76.
لك في النحو قياس
…
لا يساميه مسام
ثم في الطب علاج
…
دافع الداء العقام ولكن لا يذكر له في الطب مؤلف معين ولا تحدد له فيه جهود:
وأحياناً عن طبيب صقلي هاجر من بلده مثل أبي عبد الله الصقلي الذي عاش في قرطبة أيام عبد الرحمن الناصر، وكان يحسن اليونانية، وربما رجع هذا انه نشأ في صقلية، وكان يعرف أشخاص العقاقير والأدوية واشتغل مع جماعة آخرين من أطباء قرطبة في البحث عن التصحيح أسماء العقاقير التي وردت في كتاب ديسقوريدس (1) .
وتقول المصادر إن ابن الثمنة فصد امرأته في حالة سكر بعد خصام نشأ بينهما وتركها تموت، فغضب ابنه من هذا العمل الوحشي وأسرع فاحضر لها الأطباء فعالجوها (2) ونقف من هذا الخبر عند ذكر الأطباء بصيغة الجمع. ونجد ابن مكي كذلك يحدثنا عن أخطاء الأطباء، ومن هذا الذي يسوقه نعرف أنه كان هنالك أطباء يستعملون عقاقير منها الجوارشن والشب والحلتيت والصبر الخ، ويتحدثون عن بعض الحالات فيقولون القوة الماسكة وضعفت المواسك (بدلا من القوة الممسكة وضعفت الممسكات) ويتحدثون عن المريض فيقولون أكربه الدواء بدلا من كربه، وإذا أرادوا تعظيم عالم بالطب قالوا فلان المتطبب يتوهمون أنه أسمي من طبيب وليس كذلك، لأن المتفعل هو الذي يدخل نفسه في الشيء ليضاف إليه (3) .
ومهما تكن هذه الأخبار يسيرة فإنها تستطيع ان تشير إلى ان الطب في صقلية شاع في أيام الكلبيين وأواخر العصر الإسلامي حتى أمكن الحديث في هذا العصر عن وجود (أطباء) . وربما كانت صقلية في أيام الأغالبة فقيرة في الأطباء لأن القيروان هي العاصمة الأم كانت تستدعي أطباءها من
(1) المكتبة الصقلية: 622 عن ابن أبي اصيبعة.
(2)
النويري في المكتبة الصقلية: 446.
(3)
تثقيف اللسان - الباب: 39.
الخارج. ويحدثنا ابن أبي اصيبعة أن الطب بالمغرب ظهر عند ما قدم إليه إسحاق بن عمران أيام زيادة الله (1) ولعل زيادة الله المذكور هو الثاني (249 - 250 هـ؟) لأنا نعرف أن إسحاق عاش إلى عهد إبراهيم بن الأغلب إذ يذكر ابن أبي اصيبعة أيضاً ان إسحاق هذا ألف للعباس وكيل إبراهيم رسالة في علل القولنج وأنواعه وشرح أدويته (2) . وربما كان هذا الوكيل المشار إليه هو العباس؟ وليس العباس؟ والى صقلية في أيام إبراهيم أو لعله العباس صاحب صقلية أيام محمد بن الأغلب قبل إبراهيم مباشرة.
ولا شك في أن الفاطميين، حين اتخذوا القاهرة عاصمة لهم، اجتذبوا إليها الأطباء، وحرموا صقلية وأفريقية جهود المشهورين منهم، وكان بلاط صاحب القاهرة يغري العلماء الصقليين أنفسهم بالهجرة من وطنهم. وهجرة المهندسين والفلكيين الصقليين إلى مصر شاهد على ذلك فقد كان المهندس الصقلي أبو محمد عبد الكريم يعمل في زمن الحاكم في رصد القاهرة ويحضر مع زملائه كل يوم في خدمته إلى أن أمر الحاكم بكسر الرصد وتفرق من حوله أهل الحساب والهندسة والتنجيم (3) وفي وقت متأخر نجد ابن المعلم الصقلي الطبيب في مصر كما نجد صقلياً آخر بين من يتفحصون هذا الرصد وهو الفلكي الصقلي احمد بن مفرج الملقب بتلميذ ابن سابق وكان متصرفاً أيضاً في التنجيم (4) .
أما في الجزيرة نفسها فالمصادر تخبرنا أن الكاتب أبا الفضل احمد بن دابق كان عالماً بالهندسة (5) وأن أبا عبد الله محمد بن الحسن العوفي كان منجماً حاسباً (6) وان أخاه عمر كان كاتبا منجماً مهندساً (7) ويوصف
(1) ابن أبي اصبيعة 2/ 35.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
المقريزي: الخطط في المكتبة الصقلية: 669.
(4)
ابن ميسر 2/ 64 - 65.
(5)
مجموعة الشعر الصقلي رقم 74،115.
(6)
الخريدة: 11 الورقة 41 ومجموعة الشعر رقم 32.
(7)
الخريدة: 11 الورقة 44 ومجموعة الشعر 41.
عبد العزيز بن الحاكم المعافري بالتنزه في رياض الرياضيات والتنبه في سحريات السحريات (1) . هذه هي الأخبار التي نملكها وهي لا تمدنا بشىْ مما قاله المؤرخ سكوت في وصفة الحياة العلمية لصقلية إذ يقول: " من مآذن المساجد ببلرم كان الفلكي العربي يرقب حركات الأجرام ويعين مواقيت الخسوف والكسوف ومواقع النجوم، مستعيناً على ذلك بالات اخترعت في حوض الوادي الكبير وعند نهر دجلة وبزيجات كتبت في سهول بابل قبل المسيح بقرون (2) " ويقول أيضاً: " فكانت مدن الجزيرة حافلة بمن يقرأون الطالع ويعبرون الرؤى ويتنبأون بالغيب كما كانت دار عالم الصنعة مزارا يؤمه الناس على اختلاف طبقاتهم، وكان احب به بلاط بلرم المنجم ذو الزي الخاص واللحية المسبلة والعصا الطويلة التي رصع مقبضها بعلامات طلسمية "(3) .وليس في هذا الكلام إغراق أو مجانية للمعقول، ولكنا لا نملك النصوص الصريحة لتأييده. وقد كان تعبير الرؤى - الذي أشار إليه سكوت؟ موجوداً بصقلية وشاهدنا عليه بعض من هاجر من الصقليين في سن كبيرة إلى الخارج عند الفتح النورماني ممن كانوا يزاولون تعبير المنامات ومنهم ابن المعلم الصقلي، وعلى ابن عمر بن حسنون الكناني الصقلي أحد تلامذة السمنطاري وقد وصفه السلفي بأنه كان شيخاً صالحاً يعبر المنامات (4) .
(1) الخريدة: 11 الورقة 34 ومجموعة الشعر رقم 17.
(2)
scott: Hist. Of the Moorish Empire vol.2.p.68
(3)
op. cit. p. 69
(4)
السلفي الورقة 298.