الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1
-
طبيعة الفتح العربي
في طبيعة الفتح العربي؟ كما أجملته في الفصل السابق؟ ما يفسر طابع المجتمع الصقلي من نواح عدة. فهذا الفتح هو الذي أضاف إلى العناصر الصقلية القديمة عناصر جديدة تجمعها غاية عسكرية أو وحدة دينية، وتفرق بينها نزعات عنصرية. والخط البياني لسير الفتح يرسم توزيع المجتمع الجديد، ويشير إلى انحسار العناصر القديمة أو انعزالها. وعلى أساسه تعلل الفوارق التي قامت بين الجهات الشرقية وغيرها من صقلية. وبعبارة موجزة إن الفتح خط قوي عميق يكاد يفصل بين صقلية في كل ما عرفت من حضارات وبين صقلية الإسلامية، لأنه الحركة الخارجية التي استطاعت أن تغير النظم الاجتماعية وتبسط على الجزيرة قيما جديدة ودينا جديداً، نعم لم يكن الفتح خيراً كله لن صقلية شقيت به حيناً بالقتل والسبي والتخريب وحرق المزروعات وقطع الكروم، وانهزمت أمامه بعض الحريات، والمعتقدات القديمة، ولكنا حين نتحدث عن الفتح يجب أن لا ننسى أننا نستعيد صورة من صور القرون الوسطى وكل هذا لا ينفي أثره في الهيئة الاجتماعية الأصلية: في الثقافة وفي نظام الطبقات وفي الحياة العمرانية.
2
-
أهل الذمة
ويظهر أن الفاتحين جعلوا صقلية ولايات ثلاثا هي ولاية مازرونوطس ودمنش وإن يكن هذا الظن يفتقر إلى شواهد تؤيده (1) . وفي هذه الولايات عاش السكان الأصليون الذين سموا ذمييين على أربع أحوال؟ وخاصة في الفترة الأولى في العهد الأغلبي؟ فكان فيهم المستقلون الذين يصرفون شئونهم
(1) ليس في الوثائق المتخلفة من العهد النورماني الأول ذكر صريح إلا لولاية دمنش انظر Amari:S.D.M.vol. i.p.607
الداخلية حسبما يريدون، ويدبر أمورهم سلطات بلدية كما كان الحال قبل الفتح، وهم ممتنعون وراء الأسوار، خاضعون في كثير أو قليل للإمبراطور البيزنطي، ويتآمرون معه على المسلمين، وإذا رأوا المصلحة في السلام عقدوا معهم معاهدات لا تزيد فترة إحداها على عشر سنين (1) . وانتهى الاستقلال أكثرهم حين خرج إبراهيم بن الأغلب في الجهاد سنة 289 هـ وفتح طبرمين عنوة فهرب كثير من أهلها إلى البيزنطيين ووقع الباقون في السجن (2) . وتمخض جهاد إبراهيم عن نقص في الجنسين الإغريقي والإيطالي في شرق الجزيرة وأصبحت البقية الباقية منهم تحيا حياة ضنك وشدة وخطر، وتحولت المدن التي كانت مستقلة إلى مدن تدفع الجزية، وانفصمت علاقاتها الوثيقة ببيزنطية، وزادها انفصاما ذلك السلام الذي قام بين البيزنطيين والفاطميين (3) . وكان من سياسة إبراهيم في جهاده أن يرفض الجزية من المدن التي تغلب على أمرها، وأن يفرض على الذميين سياسة متشددة، ويأمرهم بالتمييز بعلامات فارقة. ولكن طبرمين عادت إلى وجودها شبه المستقل حتى فتحت عام 351هـ في أيام الكلبيين وقبل أهلها النزول على حكم العبودية حتى منحوا الأمان (4) .
وفي هذه الفترة كانت الروح الدينية في ولاية دمنش تنمى نفسها بين السكان وتوجه حياتهم الحضارية، وفي ظل تلك الروح قام القديسون يبثون في الشعب الكراهية للفاتحين ويشجعونهم على المقاومة. ولا تزال منطقة دمنش إلى اليوم إغريقية الطابع إذا قورنت بغيرها من جهات صقلية.
وفريق آخر من الذميين هم أهل الجزية ولنا أن نقدر في هؤلاء تغير الناحية النفسية من قوم يتمتعون بقسط من الحرية إلى قوم مغلوبين، وكان هؤلاء يعيشون في أمان إذا هم وفوا بما عاهدوا المسلمين عليه، ودفعوا الضرائب المطلوبة منهم، ولكنهم كانوا ينتهزون اختلاف المسلمين فيما بينهم أو يستجيبون للكره
(1) op.cit.p.613
(2)
ابن الأثير 7/ 94 والمكتبة: 241.
(3)
Amari:s.d.m.vol.2 p. 250.
(4)
ابن الأثير 8/179 في حوادث 351هـ؟.
الديني والروح القومية، فيحطمون حدود المعاهدات ويتخطون شروطها (1) وكانت مدنهم يحض بعضها بعضا على الثورة فتضطر الجيوش الإسلامية إلى إخضاعها بالقوة، وحينئذ لا تعود الجزية كافية مقنعة للمسلمين؟ ولياج وطبرمين أيام إبراهيم مثال على ذلك؟ بل يصبح أهل هذه المدن أشبه بجماعات العبيد التي لا تملك شيئاً من الحرية. وقد شاع الولاء في المنطقة الإسلامية مثل ولاية مازر. وهذا ما يجعلنا نفهم قول ابن حوقل في الصقليين " والغالب عليه الرعاع. . . وأكثرهم برقجانة وموال يدعون ولاء قوم افتتحوها وقد هلكوا "(2) .
والطبقة الرابعة من الذميين هم العبيد وقد أحدث فيهم الفتح أكبر أثر مباشر وقد رأينا العبيد وكولوني الأرض في العصر البيزنطي وعرفنا سياسة السادة نحوهم والحيف الذي صبه جرجوريو عليهم، فلما شاهد هؤلاء جيوش الفاتحين وجدوا طريقاً للخلاص من قيودهم القديمة، وأملوا أن يجدوا في أسيادهم الجدد قلوباً أرحم ومعاملة ألطف، فنبذوا دينهم القديم، وتملقوا الأسياد الجدد باعتناق دينهم الجديد، ليكلفوا لأنفسهم شيئاً من الرفق في المعاملة. وأصبح الأرستقراطية القدماء ينظرون بحيرة إلى مزارعهم وهي خالية من عبيدهم الآبقين (3) .
وأصبح العبيد في المجتمع الإسلامي طبقة كبيرة وزاد عددهم بكثرة الأسر والسبي والشراء، وهيأ لهم الفتح حرفة جديدة تدر عليهم دخلا معقولا، إذ دخلوا في صفوف الجيش، وكان الفيء لهم موردا من الرزق منظماً، إلا أن الجيش شقى بهم فيما بعد حتى أصبحوا عنصراً خطراً قابلاً للثورة، وتضخم عددهم بعد الفتوحات في قلورية، وأضاف إليهم إبراهيم بعض الذين نفاهم من أفريقية. وفي أيام جعفر بن ثقة الدولة اتحدوا مع البربر وأيدوا علياً أخا جعفر وكان من نتيجة ثورتهم هذه أن قتل العبيد عن آخرهم (4) وهو خبر لا نفهمه إ لا إن
(1) Amari: S. D. M.vol.2.p.614
(2)
ابن حوقل 1/ 124.
(3)
Amari: S. D. M. vol.i. p.627
(4)
النويري المكتبة ص 443.