المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الحكومة الإسلامية بصقلية - العرب في صقلية

[إحسان عباس]

فهرس الكتاب

- ‌الكتاب الأول

- ‌صقلية في العصر الإسلامي

- ‌الفصل الأول

- ‌الحياة السياسية

- ‌1

- ‌ لمحة جغرافية

- ‌2

- ‌ صقلية في العهد البيزنطي

- ‌(3)

- ‌ الفتح الإسلامي

- ‌4

- ‌ الفتن الصقلية في فترة الانتقال من يد الأغالبة إلى بنيأبي الحسين

- ‌5

- ‌ صقلية تحت حكم بني أبي الحسين الكلبيين

- ‌6

- ‌ أمراء الطوائف

- ‌7

- ‌ الحكومة الإسلامية بصقلية

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحياة الاجتماعية

- ‌1

- ‌ طبيعة الفتح العربي

- ‌2

- ‌ أهل الذمة

- ‌3

- ‌ الأجناس التي دخلت صقلية

- ‌4

- ‌ الأنظمة المالية والتفاوت في الثروة

- ‌5

- ‌ النهضة الزراعية والصناعية

- ‌6

- ‌ الدين والأخلاق

- ‌الفصل الثالث

- ‌الحياة العقلية

- ‌1

- ‌ صقلية والصلات الثقافية

- ‌2

- ‌ المدارس والمعلمون

- ‌3

- ‌ هجرة الكتب إلى صقلية

- ‌ 4

- ‌ الفقه والحديث والقراءات

- ‌5

- ‌ النواحي اللغوية

- ‌6

- ‌ الزهد والتصوف

- ‌7

- ‌ علوم الأوائل

- ‌8

- ‌ نظرة إجمالية

- ‌الكتاب الثاني

- ‌صقلية الإسلامية في العصر النورماني

- ‌الفصل الأول

- ‌الفتح النورماني

- ‌الفتح النورماني

- ‌الفصل الثاني

- ‌الحياة الاجتماعية للمسلمينفي العصر الروماني

- ‌1

- ‌ العلاقات السياسية الخارجية وأثرها في مسلمي صقلية

- ‌2

- ‌ أثر الإقطاع في الجماعة الإسلامية

- ‌3

- ‌ الإدارة الإسلامية

- ‌4

- ‌ الصبغة الإسلامية في الدولة

- ‌5

- ‌ المسلمون بين التسامح والاضطهاد

- ‌الفصل الثالث

- ‌الحياة العقلية

- ‌مجالاتها الجديدة ونصيب المسلمين فيها

- ‌الحياة العقلية

- ‌مجالاتها الجديدة ونصيب المسلمين فيها

- ‌الكتاب الثالث

- ‌حياة الشعر العربيفي صقلية

- ‌الفصل الأول

- ‌المكونات الكبرى في شعر صقلية الإسلامية

- ‌المكونات الكبرى في شعر صقلية الإسلامية

- ‌الفصل الثاني

- ‌الشعر الصقلي بين القوة والضعففي العصر الإسلامي

- ‌الشعر الصقلي بين القوة والضعففي العصر الإسلامي

- ‌3

- ‌ ابن الخياط وحياة الحرب والفتن أيام الكلبيين

- ‌4

- ‌ وقفته من مشكلة الغيب والغد

- ‌5

- ‌ الطبيعة الريفية في شعره

- ‌6

- ‌ البيئة المدنية في شعره

- ‌ صنعته الشعرية

- ‌7

- ‌الفصل الرابع

- ‌هجرة الشعر من صقلية

- ‌هجرة العلم والشعر إجمالاً

- ‌الفصل الخامس

- ‌ابن حمديس أثر من آثار الفتح

- ‌1

- ‌ مجمل حياته

- ‌2

- ‌ الشعر الصقلي في ديوانه

- ‌3

- ‌ تحليل قصيدتين صقليتين

- ‌4

- ‌ الآثار التي تركتها صقلية في نفسه وشعره

- ‌الفصل السادس

- ‌حياة الشعر في العصر النورماني

- ‌1

- ‌ شعر هذا العصر من حيث الكم والاتجاه

- ‌2

- ‌ وصف القصور والمتنزهات

- ‌3

- ‌ الشعر في البيئة الإسلامية

- ‌4

- ‌ مقارنة بين الشعر في البيئة الإسلامية والشعر في البلاط النورماني

- ‌الفصل السابع

- ‌هجرة الشعر إلى صقلية

- ‌ابن قلاقس الإسكندري

- ‌هجرة الشعر إلى صقلية - ابن قلاقس الإسكندري

- ‌خاتمة

- ‌الشخصية الصقلية والشعر

- ‌1

- ‌ الطبيعة الأرضية وأثرها في الشعر

- ‌2

- ‌ صقلية ملتقى شعوب لا وطن شعب وأثر ذلك في الشعر

- ‌3

- ‌ الموقع الجغرافي والسمات التي تركها في الشعر

- ‌4

- ‌ صقلية بين التأثر والتأثير

الفصل: ‌ الحكومة الإسلامية بصقلية

للمرأة نصيباً في الإسراع بصقلية إلى نهايتها المحتومة. فتقص علينا هذه المصادر أن ابن الثمنة تزوج من ميمونة أخت علي بن نعمة،وذات يوم سكر وتشاجرا فأمر بفصدها، ولولا ابنه للقيت حتفها، فإنه استدعى لها الأطباء فعالجوها حتى شفيت، وفي صحوة اعتذر لها من فعلته، فأظهرت قبول عذره ثم استأذنته في الذهاب إلى أخيها فأذن لها، وقصت على أخيها ما كان من زوجها فحلف أنها لا ترجع إليه، وألح زوجها يطلب رجوعها، واشتد أخوها في منعها، فقامت الحرب بين الأميرين، ولما انكسر فيها ابن الثمنة ذهب يستنجد بالنورمان سنة 444هـ؟، وبدخول النورمان ضاعت السيادة الإسلامية (1) .

وبعد أن تمت هذه الأحداث في صقلية بقليل لقيت القيروان مصيرها السيئ على يد العرب. فان المعز بن باديس الذي كان متردداً في إعلان ولائه للعباسيين حسم في المر سنة 441 فأزال اسم الخليفة العبيدي من السكة ونقش فيها (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (2)) فانتقم منه المستنصر بأن حرض العرب على الجواز إلى الغرب فتوجه منهم خلق كثير، وهاجموا القيروان وخربوها، فهاجر كثير من أهلها إلى صقلية.

‌7

-‌

‌ الحكومة الإسلامية بصقلية

افتتحت صقلية الإسلامية عهدها بأسد بن الفرات والياً وقاضياً، ولكن هذا الجمع بين الوظيفتين لم يدم طويلا، فما كاد المسلمون يحتلون بلرم ويتخذونها عاصمة لهم حتى اصبح الوالي والقاضي شخصيتين متمايزتين. ويحدثنا الرشاطى

(1) انظر ابن خلدون 4/ 210 - 211 والمكتبة: 484.

(2)

centenario 2/ 455 عن أعمال الأعلام وانظر عن فتك المعز بالشيعة في المغرب كتاب الاستبصار لمجهول كريمر ص55 ط. فينا وفي الذخيرة 4 المجلد الأول: 68 أن المعز عام ستة وأربعين صرف خطبته إلى صاحب مصر ونبذ العباسية وهو خبر مستغرب.

ص: 49

أن زيادة الله بن إبراهيم الذي فتحت صقلية في زمنه ولى على صقلية ابن أخيه أبا الأغلب قطعية له؟ فكانت له بجميع ما فيها؟ وركب إليها من سوسة في مراكب كثيرة ومعه خيل ورجال أتوا من نواحي أفريقية لما يعلمون من كرمه وجوده (1) . ونستطيع أن نتصور من حال زيادة الله نفسه أن نتصور من حال زيادة الله نفسه أن والي صقلية ربما قلده في اتخاذ مجلس استشاري من حوله، وهو الذي كان يسمى في القيروان " الجماعة " ولذلك نسمع في تاريخ صقلية دائماً عن شيوخ المدينة (بلرم) . ولا نظن أن هؤلاء كانوا مجرد زعماء وإنما المعتقد أنهم كانوا يزاولون بعض السلطان إلى جانب الوالي. وكان لا بد من وجود هذه الصبغة الإدارية في الجماعة لأن والي صقلية في ايام بني الأغلب لم يكن يزيد على قائد عارف بفنون القتال، مستعد للغزو والجهاد، وكثيراً ما كان الجيش ينتخب الوالي دون أن ينتظر مجيء وال جديد من أفريقية. على أنه لا بد أن نلحظ أنه ليس من الواضح لدينا إن كان الذي يولي الوالي هو الجيش أو شيوخ البلد أو الفريقان معاً، ولا نسمع عن وال في العهد الأغلبي لم يكن يخرج في الغزو إلا عن الأمير محمد ابن عبد الله بن الأغلب فانه كان مقيما ببلرم لم يخرج منها وإنما كان يخرج الجيوش والسرايا فتفتح وتغنم. وتحدثنا المصادر أن العباس بن الفضل لما وقع عليه الاختيار اخذ يبث السرايا وهو مقيم في بلرم، فلما جاءه التصديق على ولايته من أفريقية قاد الجيش بنفسه. وربما أشار هذا إلى ان قيادة الجيش كانت هي الصفة الأولى التي تفترض حكومة القيروان توفرها في الوالي. وكان اكثر الولاة في الدولة الأغلبية من أسرة بني الأغلب أو من أقربائهم. وليس بين أيدينا مادة تصور شخصيات الولاة أو تميزهم سوى كثرة الحرص على الجهاد والغزو، إلا ما كان من أمر أبي مضر زيادة الله فإنه كان في أثناء ولايته على صقلية عاكفاً على اللهو وشرب الخمر ولم يرض هذا أباه فعزله. وقد رأى الراهب ثيودوسيوس والي بلرم؟ وهو يومئذ جعفر بن محمد؟ ووصفه بأنه

(1) centenario 2/ 472.

ص: 50

متكبر متجبر، واستدل على ذلك من جلوسه وراء حجاب. ولم يكن الوالي يستند إلى حرس خاص ولذلك نسمع عن وثوب أهل صقلية به وعزله أو إخراجه من بينهم.

وكان الوالي يسكن القصر في بلرم ويودع فيه المال والسلاح والكساء (1) ومن قصره ذاك كان يشرف على النواحي المدينة وكان له أن يعين من قبله ولاة على المدن يخضعون له مباشرة.

وظل الحال كذلك في أيام الكلبيين إلا أن الاستقرار وخضوع أكثر أجزاء الجزيرة للمسلمين مكن الوالي من توسيع سلطانه الإداري والاهتمام به. ومنذ ان بنى خليل بن إسحاق الخالصة أصبحت هي مركز الوالي بدلا من القصر القديم، ومن حوله الخالصة. وأصبح كل وال بعد ابن قرهب يتمتع بحماية حرس غريب عن الجزيرة. فلم يعد في إمكان أهل صقلية أن يطردوه بسرعة، إذ صار في إمكانه أن يتحصن منهم ويقاتلهم في مدينتهم. ومحك الخبرة عنده أن يتمكن من إقرار التوازن بين العناصر فلا يتظاهر بتفضيل عنصر على آخر وأن لا يمس المسائل المالية بتغيير يضر بصالح الاهالي. إلا أن بعض الولاة كان يطلق يد أعوانه في صقلية فيستبيحون لأنفسهم الغلو في تقاضي الأموال. وارتبطت صقلية في أيام الكلبيين بالخلافة الفاطمية في افريقية وأصبح يدعى على منابرها للخليفة الفاطمي (2) وبذلك أصبح الوالي الصقلي ممثلا للخليفة ثم انتقل الفاطميون إلى مصر، ولا شك أنه كان في جيش جوهر الصقلي كثير من الصقليين، فالعناصر الصقلي في جيش العبيديين وأساطيلهم أقدم من ذلك ومنذ سنة 307 هـ نجد أسرى صقليين في مصر، وقد من عليهم حاكمها بالإطلاق بعد تغلبه على جيش أخرجه صاحب أفريقية لقتاله (3) . وبارتباط صقلية

(1) انظر centenario 2/ 476.

(2)

هذا هو الشيء الطبيعي والنص صريح في مسالك الأبصار ج3 المجلد الأول الورقة 128 بأنه خطب لهم بجزيرة صقلية.

(3)

الكندي: الولاة والقضاة: 276 نشر جست.

ص: 51

بمصر أصبحت تتأثرها في أساليب الحياة ويهاجر إليها طلاب العلم وتقوم فيها الأنظمة الحكومية على غرار ما هي في مصر.

وكان الوالي في صقلية يدين بنوع من التبعية للقاهرة، ويستمد منها القوة الإدارية والحربية، ولا بد أن يكون في يده سجل بولايته من الخليفة، وأن تصله منه الخلع والألقاب والتشريفات. وأصبحنا نسمع في صقلية ألقاباً مثل ثقة الدولة وتاج الدولة وتأييد الدولة وصمصام الدولة ولعل هذه الألقاب استحدثت منذ أيام الخليفة الحاكم أو قبله بقليل (1) ولم تنفك مصر عن هذه المراسيم بتقليد الولاية حتى كانت آخر خلع وصلت من مصر للصمصام (2) .

ولم يكن الخليفة يكتفي بهذا النوع من التدخل، أو يقنع بهذا القدر من العلاقة بينه وبين الوالي في صقلية، بل كثيراً ما كان يتدخل في الشؤون الداخلية معتبراً صقلية جزءاً من مملكته، له حق التصرف فيه، فكان يعقد الصلح مع الروم على شروط نافذة في صقلية، دون أن يأخذ رأى واليها ولم يكن للوالي إلا أن ينفذ ما يراه سيده مناسباً وإن كره ذلك وكرهه الناس. عقد المعز صلحاً مع الروم سنة 358هـ؟ على أن يخلى المسلمون رمطة وطبرمين وأرسل إلى الأمير أحمد في صقلية بتنفيذ ذلك فصدع بالأمر على غير رغبة من المسلمين (3) . وقد يقال ان هذا كان يحدث قبل الأذن للوالي بالاستقلال وأن استقلال والى صقلية لم يتم إلا بعد هذه السنة في عهد الأمير أبي القاسم، ولكن حتى بعد إحراز هذا السلطان لم يكن الحاكم يسلم من تدخل الخليفة تدخلا قد يفقده أجزاء من ولايته، ففي ولاية جعفر بن محمد الكلبي (373؟ 375) كتب إليه العزيز أن يدفع إلى الراهب أخي جاريته السيدة العزيزة قلاعاً من بلاد صقلية فيها بنقش (؟) وطبرمين وومطة وأن يدفع إليه كل سبى عنده قديم وحادث (4) ، ولولا مماطلة جعفر وتلويحه لسيده بالعصيان لاقتطعت

(1) أول من تقرن المصادر اسمه باللقب هو الأمير يوسف الملقب بثقة الدولة (379 - 388) .

(2)

انظر أنباه الرواة، 1/582 وقد وصلت الصمصام ألقاب كثيرة.

(3)

النويري، المكتبة ص 441.

(4)

centenario 2/ 479.

ص: 52

هذه الأجزاء من ولايته وأصبح لصقلية واليان.

وظلت صقلية إلى عهد متأخر ملكاً لسلطان مصر، على حد تعبير ناصر خسرو (1) ونكاد نجزم بأنها كانت تدفع مبلغاً معيناً من المال سنوياً للدولة الفاطمية، وهذا واضح من قول ناصر خسرو:" وتغادرها كل سنة سفينة تحمل المال إلى مصر (2) " وفي مرآة الزمان (3) أن السبب في استقدام النورمان إلى صقلية عجز وال يسمى ابن البعباع عن دفع المبلغ المطلوب لصاحب مصر مما أدى بالوالي إلى أن يستنجد بالفرنج. وهذا الخبر المتأخر نسبياً ليس له في المصادر الأخرى وجود، وربما لم يكن فيه من الصحة إلا دلالته على وجود علاقة بين صقلية ومصر تفرض على الجزيرة أداء مبلغ من المال كل سنة.

وكان القاضي أكبر شخصية في الجزيرة بعد الوالي وانفصل القضاء عن الإمارة منذ أول الأمر. ولقضاة صقلية في العهد الأول صورة واضحة قائمة على المثالية والصدوف عن متاع الدنيا فالقاضي رجل زاهد، أو أن شئت فقل إنه يختار عمداً من بين الزاهدين الذين صدقت ظواهرهم وبواطنهم أو من الفقهاء الصالحين كابن أبي محرز وميمون بن عمرو وسليمان بن سالم الكندي. وكثيراً ما كان القاضي يجمع بين القضاء والتدريس، وكان بعض المتعففين لا يتقاضى راتباً فقد خرج أبو عمرو وميمون بن عمرو المعلوم (4) من سوسة للقضاء بصقلية فلم يخرج معه إلا كساء وفروة وخرج فيه كتبه وجارية سوداء تخدمه ومعها جبة وكساء وكانت السوداء تغزل وتبيع غزلها وتنفق عليه من فضل ذلك. ولما مرض ودخل عليه الناس يعودونه وجدوا كل ما لديه من أثاث وسادتين محشوتين تبنا وحصيرة من البردي. وعاد إلى سوسة بما خرج به منها ولم يزد

(1) ناصر خسرو، سفر نامه ترجمة الدكتور الخشاب ص 45 ط. لجنة التأليف 1945.

(2)

سفر نامة، ص45.

(3)

سبط ابن الجوزي، المكتبة:336.

(4)

في الأصل الملعون والتصحيح عن تعليقات الأستاذ نللينو على تاريخ أماري ج2/7 من التعليقات.

ص: 53

عليه شيئاً (1) . ومن أمثلة هؤلاء القضاة المتقشفين سليمان بن سالم الكندي وكان يقضي ويدرس، ونقرأ أنه لما مات لم يوجد له مال (2) وهذه إشارة قد يفهم منها أنه كان يتقاضى راتباً.

وقد لحظنا من قبل أن القاضي كان يجيء صقلية من الخارج وظل ذلك كذلك مدة طويلة في أيام الدولة الفاطمية. وفي أيام الخليفة الحاكم أضيف إلى قاضي القضاة بمصر أحكام صقلية مع بلدان غيرها (3) . ولا نسمع عن قاض من صقلية نفسها إلا في أيام ابن حوقل. ونحن مدينون له بمعرفة قاض ورع من صف القضاة الأولين ليس له في المصادر الأخرى ذكر وذلك هو عثمان بن الخزاز. وقد أراد ابن حوقل؟ كما هي طريقته في الذم؟ أن ينفذ إلى الحط من الجماعة الصقلية في حديثة عن القضاء فيها، فصور لنا القضاء في حال انحطاط حين انحدر إلى أيد صقلية، فالقاضي ممن له سابقة في قبض الرشا، والشهود الصقليون يستسهلون شهادة الزور حتى إن ابن الخزاز لم يكن يقبل شهاداتهم " وصارت أكثر أحكامه جارية على الصلح وشك فيهم فلم تثنه إليهم رغبة ولا رهبة، إلى أن هلك بينهم وحضرته المنيه، فقال ليس بجميع البلد من يوصي إليه، ودفع ديوانه إلى رجل كان بها من الغرباء يعرف بالغضائري من أهل القيروان وكان يزكيه "(4) أما ابن الماجلي القاضي الصقلي الأصل فهو في نظره معلم برقجاني لم يكن ممن يستحق تولي القضاء وله فصول فيه مضحكة، وكثيراً ما كان يمد يده إلى الحصوم بالضرب (5) . وربما استنتجنا من هذا أن صقلية كانت قد سئمت استقدام القضاة من الخارج وأخذت تشعر أنها مسلوبة السلطان فنزعت إلى أن تعهد بالقضاء لأناس منها كما أنفت مصر ذات يوم أن يكون قاضيها غريباً عنها (6) .حين شاءت الدولة

(1) رياض النفوس، المكتبة: 191 - 192.

(2)

عن المعالم 2/ 136 - 137.

(3)

الكندي، الولاة والقضاة:611.

(4)

ابن حوقل 1/ 125.

(5)

المصدر نفسه.

(6)

الكندي: 369.

ص: 54

العباسية أن تعاملها بقريب من معاملة الفاطميين لصقلية.

وكان للقضاء كتبة ودار خاصة في بلرم منذ عهد مبكر. ونسمع أن ميمون بن عمرو لما وصل المدينة قيل له هذه دار القضاء تنزل فيها فقال " هذه دار عظماء ايش أعمل فيها " فنزل في دويرة لطيفة (1) .

أما الوظائف الحكومية الأخرى فكان ينهض بها أصحاب الدواوين والموظفون فيها وقد عدت المصادر من الدواوين:

1 -

ديوان الخمس.

2 -

ديوان الصناعة.

3 -

ديوان الخاصة.

4 -

ديوان الإنشاء.

أما ديوان الخمس فأن متوليه كان يسمى " صاحب الخمس " وشخصيته ذات شأن في تاريخ صقلية وأدبها، فهو يتولى أمر البلد حين لا يكون لها وال، وهو بحكم مركزه مقصد الأدباء والشعراء. وقد ذكرت المصادر أسماء بعض ممن تولوا هذا الديوان منهم عمران الذي قتل في بلرم سنة 6421 913 (2) وخليل الذي ضبط المدينة حين خلت من واليها سنة 398 (3) . ومنهم ابن

(1) رياض النفوس، المكتبة ص 191، 192، وقد جمعت أسماء أربعة عشر من قضاة صقلية هم أسد بن فرات (213) ابن أبي محرز (221) هـ؟) ، سليمان بن سالم (289) انظر طبقات علماء أفريقية ص148، محمد بن محمد خالد القيسي الطراطري (آخر دولة بني الأغلب) أبو القاسم الطرزي كان موجوداً في أول ظهور المهدي وقد أهانه بالضرب (انظر المعالم 3/8) والطرزي بقي قاضياً في صقلية مدة عشر سنين، أسحق بن المنهال (المصدر نفسه) أول قاض أرسله المهدي لصقلية، ابن الخامي قاضي ابن قرهب، ابو عمرو ميمون بن عمرو (316) محمد بن أبي صبيح (334) وقد حمل معه الملح إليها تورعاً عثمان بن الخزاز (قبل لبن حوقل) ، إسحاق الماجلي (كان في القضاء سنة 362) ،أبو إسحاق إبراهيم بن مالك المعافري (كان في القضاء سنة 375) ، أبو الفضل الحسن بن إبراهيم الشامي الكناني (في القرن الخامس) ، محمد بن قاسم بن زيد اللخمي الكاتب القاضي في أيام أمراء الطوائف، عاصر ابن الحواس ومدحه وليس هناك ما يؤيد انه زاول القضاء وربما كانت لفظة القاضي لقباً.

(2)

نسخة كمبردج العربية، المكتبة:168.

(3)

النويري المكتبة: 435.

ص: 55

الرقباني (1) وابن الشامي صاحب الخمس أيام صمصام الدولة. أما الخمس نفسه فهو ضريبة معينة عدها ابن حوقل من جملة ما تحصله خزينة الدولة بصقلية ولكنه لم يوضحها. ويظهر أنه من الصعب تعيينها بدقة لأنها تضمنت غير دلالة واحدة. ويرى الأستاذ أماري أنها خمس الغنيمة والأرض التي أخذت عنوة (2) . ويقول دوزي: صاحب الخمس هو متولى الأرض التي أصبحت ملكاً للدولة في مدن افتتحت عنوة (3) ويعرف المقريزي (4) الخمس بأنه الضرائب المختصة بالثغور أي هو ما يؤدي في مصر مثلا من تجار الروم الواردين في البحر عما معهم من البضائع، بمقتضى ما صولحوا عليه، وربما بلغ ما يستخرج منهم ما قيمته مائة دينار ومائتان وخمسة وثلاثون ديناراً وربما انحط عن عشرين ديناراً، ويسمى ذلك خمساً ومثل هذا المعنى الأخير محتمل وجوده في صقلية لموقعها البحري لولا أن ابن حوقل يميز بين ثلاثة أنواع من الضرائب هي الخمس ومال البحر وقبالة الصيود.

وأما ديوان الصناعة فليس هناك شيء واضح عنه وكل ما نعرفه هو ما ذكره ابن سعيد في ترجمة أبي الحسن علي بن المعلم إذ قال إنه صاحب الديوان الصناعة (5) . وأما ديوان الخاصة فيذكره المقريزي والقلقشندي باسم ديوان الخاص. وفي مختصر الدرة أن ميمون بن أبي بكر الوراق الشاعر مدح على ابن القطاع المتقلد ديوان الخاصة (6) . وربما كان هذا الديوان خاصاً بالإشراف على إقطاعات الوالي وشئون قصره، وفي أيام المقريزي كان يشمل دار الضرب (7) .

(1) مختصر الدرة الورقة 102 وقد وصفه بأنه كان ملجأ للقصاد والرواد أما ابن الشامي فسيتردد ذكره عند الحديث عن الشعر في صقلية.

(2)

Amari: S.D.M.vol، 2، p. 169.

(3)

dozy: supplement aux dictionnaires arabes وهامش أماري 2/ 169 من إضافات الأستاذ نللينو، رقم 3.

(4)

المواعظ والاعتبار 1/ 176.

(5)

انظر الترجمة رقم (120) في مجموعة الشعر الصقلي.

(6)

مختصر الدرة الورقة 101.

(7)

المواعظ والاعتبار 1/ 178.

ص: 56

وأحفل هذه الدواوين بالصبغة الأدبية ديوان الإنشاء إذ لم يكن يتولاه إلا أجل الكتاب بلاغة، وعلاقته بالوالي متينة، وليس يحجب عنه أبدا، ومن أصحابه في صقلية ابن الطوبي وابن الودانى وغيرهما من مشاهير كتابها. ونجد في العهد النورماني ديوانين آخرين هما ديوان الطراز وديوان التحقيق. والأرجح أن هذين كانا موجودين في العصر العربي وربما كان ديوان الطراز هو ديوان الصناعة نفسه إلا إن فرضنا أن هناك خطأ نسخياً وأن ديوان الصناعة هو في حقيقة الأمر دار الصناعة، وكان عمل ديوان التحقيق المقابلة على الدواوين جميعاً (1) ، وله في مصر الفاطمية وجود، ومن ثم لا يستبعد وجوده في صقلية الإسلامية.

(1) المواعظ والاعتبار 2/ 242، والقلقشندي 3/ 493.

ص: 57

فراغ

ص: 58