الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5
-
النهضة الزراعية والصناعية
ومن أسباب رخص الحاجيات وكثرتها أيضاً النهضة الزراعية والأساليب الزراعية واستغلال كل ارض صالحة لأن تفلح، وتهيئة الأرض لأنواع جديدة من المزروعات. ففي أيام البيزنطيين كانت صقلية تهتم بالقمح والكرمة وتعتمد في الزيتون والزيت على شمال إفريقية، ويظهر أنها ظلت تستمدها من هناك في العصر الإسلامي أيضاً، لأن صاحب كتاب الاستبصار لا يزال يقول في زيت سفاقس " وعليه معول أهل صقلية وإيطالية وأنكبورده وقلورية "(1) وفي أخبار الفتح نسمع عن الكروم حول طبرمين وكلاما مبهماً عن الزروع.
أما المسلمون فإنهم أدخلوا إلى صقلية كثيراً من أنواع الزراعة جاءوها بالليمون والبرتقال والقصب والأرز والنخيل والقطن والبردي حتى نشأت في صقلية أساليب زراعية تلائم بيئتها وأصبحنا نسمع في كتاب الفلاحة بما يسمى طريقة صقلية في زراعة البصل مثلا (2) أو عادة أهل صقلية في زراعة القطن (3) أو طريقهم الخاصة في عمل معنب من عصير العنب الحلو (4) . وأكثر الناس من زراعة الخضروات وبعض أنواعها أدخله المسلمون إلى الجزيرة. وكانت بلرم وضواحيها عامرة بالبساتين والأجنة والطواحين على وادي عباس (5) . وكانت الأراضي السبخة القريبة منها مزروعة بالقصب الفارسي وبالمقاثي الصالحة، وكان في خلال أراضيها بقاع قد غلب عليها البربير وهو البردي المعمول
(1) الاستبصار: 7ط فينا،والمؤلف مجهول ولكنه كان يعيش في عصر أبي يوسف أمير المؤمنين.
(2)
ابن العوام، الفلاحة النبطية، المكتبة:545.
(3)
المصدر نفسه.
(4)
المصدر نفسه: 546 - 547.
(5)
ابن حوقل 1/ 123 والمكتبة:5.
منه الطوامير وأكثره يفتل حبالا للمراكب وأقله يعمل للسلطان منه طوامير لا يزيد على قدر كفايته (1) . ويذكر المقدسي كثرة الفواكه والخيرات والأعناب في بلرم وضواحيها (2) وتتردد في الشعر بساتين المعسكر ومتنزهاته وفواراتها، ولم يغير الفتح النورماني كثيراً من عمران صقلية ولذلك نستطيع أن نعتمد على ما كتبه الإدريسي لنتصور الحالة الزراعية بصقلية في العصر الإسلامي. وليس هنالك من بلد مذكور في نزهة المشتاق لا يقترن به ذكر البساتين والمنازه والمياه والمزارع الطيبة؟ كذلك كان الحال في بلرم وجفلوذ ومسينة وقطانية وقارونية ولنبياده وبثيرة وجرجنت وسائر القلاع والحصون، داخلية كانت أو ساحلية. وحول شنت ماركو خاصة كان يكثر البنفسج ذو الرائحة الفائحة العطرة (3) .
وشملت النهضة أيضاً الحياة الصناعية، وكانت هذه ذات أصول في العصر البيزنطي. وقد مر بنا أن الجلود الأرجوانية اللون والحرير اللازوردي وبعض الصوف كانت مما يحمل من صقلية إلى رافنا. ولكن الصناعة في العصر الإسلامي كثرت وتقدمت وشمل الإتقان عدة أنواع منها. واعتمدت الصناعات على الحاصلات النباتية والحيوانية والمعدنية فقامت صناعة السفن على الخشب من حول جفلوذ (4) وعلى الحديد من بلهرا (5) وكان القطن الذي يزرع حول حطين (6) يصدر بكثرة إلى البلاد أفريقية (7) ومن ميلاص يتجهز بالكتان الكثير الطيب (8) ، وكان الكتان الصقلي ذا شهرة واسعة. ويذكر ابن حوقل أن ثياب الكتان فيها لا نظير لها جودة ورخصاً، ويباع مستعملها مما يقطع قطعين من الخمسين رباعياً إلى ستين رباعياً فيزيد على ما يشتري من أمثاله
(1) المصدر نفسه 1/ 123 والمكتبة: 8 - 9.
(2)
احسن التقاسيم 231 والمكتبة الملحق الأول: 55.
(3)
نزهة المشتاق، المكتبة:32.
(4)
نزهة المشتاق، والمكتبة:111.
(5)
ابن حوقل 1/ 123 والمكتبة ص9.
(6)
المكتبة الصقلية: 110.
(7)
المصدر نفسه: 159.
(8)
نزهة المشتاق: 33.
بمصر بالخمسين والستين ديناراً كثيراً (1) . وفي خطط المقريزي أنه وجد لعبدة بنت المعز في جملة ما وجد في خزائنها ثلاثون ألف شقة صقلية (2) . وربما دلت هذه الشهرة المبكرة في الكتان على رسوخ صناعته في العصر الأغلبي إن لم يكن قبله. ويقول المقدسي: ومن صقلية تحمل الثياب المقصورة الجيدة (3) ويقول ناصر خسرو: ويجلبون منها كتاناً رقيقاً وثياباً منقوشة يساوي الثوب منها في مصر عشرة دنانير مغربية (4) .
ولا ننسى بجانب المنسوجات صناعات أخرى قائمة على المواد الحيوانية كالجلود، لشهرة صقلية بالمواشي كما في أشعار بندار. أما تلك التي يذكرها ثيوقريطش في قصائده فهي أنواع من المعزى وبعض المعزى الموجودة فيها اليوم من ذوات الأذن المتدلية مما يرجح أن العرب هم الذين جلبوها (5) وكان لخيول صقيلة في العصر البيزنطي شهرة واسعة إذ كانت تربى بكثرة في إقطاعات البابا ويستمد الباباوات خيولهم منها. ولما دخل العرب صقلية دخلتها الخيول العربية وطمست شهرة الخيول المحلية، وكذلك جاء المسلمون بالجمل إلى صقلية ولكنه انقرض منها.
وقد مر بنا أنه كانت تصنع فيها حبال والطوامير والسكر، ويذكر ابن حوقل صناعة الخمور وتحضير القند (6) . كما كانت تعتمد صادراتها على مستخرجات الثروة المعدنية كالكبريت والشب والزفت والقطران، وعلى ثروة الغابات الخاصة من جبل إتنا الذي يؤخذ منه الجوز والقسطل وخشب الأرزن (7) أضف إلى ذلك مستخرجات البحر والأنهار كسمك التن والمرجان. أما الواردات
(1) ابن حوقل 1/ 131.
(2)
الخطط 2/ 164.
(3)
احسن التقاسيم: 239 المكتبة الملحق الأول: 57.
(4)
سفر نامه ص 45.
(5)
Freman: History of sicily vol.i p.93.
(6)
أراد ابن حوقل أن يقلل من قيمة صقلية في المنتجات فقال: أنها لم تختص بوجه من فضائل البلدان غير القمح والصوف والشعير والخمر وصبابة من القند إلى شيء من ثياب الكتان 1/ 131.
(7)
المكتبة:118، 145.