الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخيرة في هذا السبيل أن اقتطع صقلية وقلورية والبريا من قبضة البابا وضمها إلى بطريركية القسطنطينية (1) .
وفي عهد خلفائه نسمع عن اضطهادات في الجزيرة وعن ضحايا كثيرين من أهل صقلية غير أن الحالة كانت هادئة في النصف الثاني من القرن الثامن لأن عدد الجيش والقلاع لم يكن يسمح بالثورة (2) .
وقد كان بعد الجزيرة يغري طامحاً بعد آخر بالاستقلال
(3)
وقامت غير محاولة من هذا القبيل كانت آخر واحدة منها سبباً في دخول المسلمين صقلية.
وجملة القول أن صقلية البيزنطية فقدت؟ كما يرى الأستاذ أماري؟ شخصيتها ومقومات الحياة العمرانية فيها، واختنق فيها كل شعور بالرفعة الإنسانية، وبلغت من الانحطاط درجة ليس ثمة ما هو أدنى منها.
3
-
الفتح الإسلامي
ولم يكن الفتح العربي نتيجة لشعور الشعب الصقلي بأن حالته سيئة وأن تغير الحاكم قد يؤدي إلى تحسن في الأحوال، ولا كان استمراراً للموجة الإسلامية في اندفاعها الاول الذي كان من نتيجة فتح العراق وسورية ومصر وشمالي أفريقية والأندلس، فليس يمثل ذلك الاندفاع في صقلية إلا بضع غزوات قام بها المسلمون، ولم تثبت لهم في الجزيرة قدماً ولم تكن تلك الغزوات من اجل الغنيمة دائماً ففي 122هـ؟ نزل حبيب بن أبي عبيدة، حفيد عقبة فاتح أفريقية، أرض صقلية ومعه ابنه عبد الرحمن، وفي نيته أن يمضي في
(1) . 77 - 78 E.J MARTIN: HIST. OF THE ICONELASTS PP
(2)
AMARI، S.D.M.VOL، I PP. 345 - 46
(3)
Bury: Hist.of the eastern roman. empire p. 295
الفتح حتى يستولي على الجزيرة كلها، غير أن قيام ميسرة السقاء بثورة في إفريقية اضطره إلى العودة وأحبط سعيه. وكانت الحوادث في إفريقية مشغلة للمسلمين، فحولت جهودهم عن صقلية. والحق أن تلك الغزوات أضافت لي خزينة الدولة شيئاً من المال ولكنها كانت إحدى العقبات في سبيل الفتح حين جاء أوانه، لأنها نهبت الروم إلى مدى الأطماع في نفوس العرب الفاتحين، وجعلتهم يتخذون من صقلية قاعدة لحماية الإمبراطورية عند حدودها الجنوبية، فعمروا فيها الحصون والمعاقل، حتى لم يتركوا جبلا إلا وبنوا عليه حصناً وصاروا يخرجون في كل عام مراكب تطوف بالجزيرة وتذب عنها، وربما صادفوا تجاراً من المسلمين فأخذهم (1) .
إنما كان الفتح نتيجة لحادث من تلك الحوادث المتكررة على مسرح السياسة بصقلية، فأن رجلا اسمه فيمي Euphemius ثار على قسطنطين بطريق صقلية، لأن البطريق أراد أن يقبض عليه ويعذبه بأمر من حكومة القسطنطينية. وسواء أكان فيمى طامعاً من أولئك الطامعين، ثار في سرقوسة وأخفق، فلجأ إلى المسلمين، أم أنه اختطف فتاة جميلة كانت قد لجأت إلى دير وشكاه أهلها إلى الإمبراطور، أم أنه أحب هومونيزه omoniza الجميلة واغتصبها منه صاحب صقلية (2) فذهب يستعين بالقيروان عليه؟ سواء كان هذا السبب أو ذاك، فالذي حدث فعلا أن فيمي لجأ إلى بني الأغلب، يطلب منهم المعونة.
وكانت بين أفريقية وصقلية هدنة لم تنقض مدتها، ولذلك جمع زيادة الله وجوه أهل القيروان وفقهاءها، وفيهم أسد بن فرات وأبو محرز القاضيان وسحنون الفقيه، واستشارهم في الأمر وجلس المجتمعون يقررون مصير صقلية، أتظل هذه الجزيرة للإمبراطور أم تكون لخليفة بغداد؟ أتبقى قطعة من القارة الأوربية أم تصبح جزءاً من أفريقية؟ وانقسم الناس فريقين: أقلية معتدلة
(1) ابن الأثير 5/89 والمكتبة الصقلية: 220.
(2)
انظر أماري S.D.M المجلد الأول: 367 - 381 عن الأسباب المقترنة بثورة فيمي.
متريثة لا ترى الغزو ولا تشير به، فيها سحنون الذي سأل المجتمعين كم بينها وبين بلاد الروم، قالوا: يروح الإنسان مرتين وثلاثة في النهار ويرجع قال: ومن ناحية إفريقية؟ قالوا يوم وليلة قال لو كنت طائراً ما طرت عليها (1) .
وفريق متطرف متمحس، ينظر أفراده إلى الأمر نظرة دينية، ويعدون القيام به جهاداً في سبيل الله، وإعزازاً لدينه، وغلب سحنون على رأيه، وبقي للأيام أن تظهر بعد نظرة، وأن صقلية في موقعها لا يمكن أن تكون جزءاً من أفريقية، وبقي للأيام أن تثبت مرارة الجهاد عند من تحمسوا له، وبقي أيضاً شيء واحد لم يكن له لولا الحماسة الدينية من حل: هو الهدنة وكيف يستبيح الفقهاء أن يفتوا زيادة الله بنقضها؟ وعرض الأمر على أسد وأبى محرز وعاد التطرف والاعتدال يقفان موقفهما من تلك المشكلة. فأما أبو محرز فآثار التريث، وأما أسد فرأى أن يسأل رسل الصقليين ليعرف هل لديهم في صقلية أسرى من المسلمين. قال أبو محرز: وكيف نقبل قول الرسل عليهم أو دفعهم عنهم؟ فقال أسد: بالرسل هادناهم وبالرسل نجعلهم ناقضين.
قال الله عز وجل: " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " فكذلك لا نتماسك به ونحن الأعلون (2) .
وحلت العقدة أو تحلل زيادة الله من الهدنة، حين أقر الرسل بوجود الأسرى من المسلمين في صقلية، وأذن بالغزو وعهد بالقيادة إلى أسد، وأقلع الأسطول من مدينة سوسه يوم السبت، النصف من شهر ربيع الأول سنة 212 في نحو مائة مركب، سوى مراكب فيمي (3) وأعاد التاريخ نفسه: هذه هي صقلية تغزي مرة ثانية من شمال أفريقية كما غزيت أول مرة على يد الفينيقيين، وهذا هو جيش أسد بن الفرات يدخل صقلية من الجهة التي دخلها منها الفينيقيون أيضاً، وها هي الجموع السامية تقاتل كما قاتلت من قبل
(1) النويزي في المكتبة: 427 - 428.
(2)
رياض النفوس في المكتبة: 182 - 183.
(3)
النويري في المكتبة: 428.
وتحمل دينا آخر تريد أن تبسطه على الجزيرة (1) . وتختلف المصادر في عدد الجيش الذي خرج مع أسد، ولكنها تتفق في أنه كان مكوناً من أشرف أفريقية من العرب والجند؟ ومعظمهم من الفرس الخراسانيين (2) ؟ وأسد واحد منهم؟ ومن البربر والأندلسيين وأهل العلم والبصائر (3) ولم يرتح أسد لاشتراك فيمى وأصحابه معه في القتال، فأمرهم أن يعتزلوا المسلمين (4) ، واستطاع؟ في وقت قصير؟ أن يستولي على عدة حصون بينها مازر، وأن يغنم غنائم كثيرة، غير أنه عاد فوقع في خطأ من جاءوا قبله، حين حاول فتح سرقوسة. حقاً إنه استطاع أن يضيق عليها ويحرق مراكبها ويقتل جماعة من أهلها، مستعينا بأمداد من أفريقية والأندلس (5) ، ولكن اسطولا من القسطنطينية وصل لنجدتها وكان الوباء قد تفشى في المسلمين وهلك من جرائه كثيرون فيهم أسد نفسه (6) . وكان أسد قد ترك في كل حصن استولى عليه حامية تضبطه فقل عدد جيشه. ولما رأى المسلمون شدة الوباء نزلوا في مراكبهم فمنعهم الروم من الخروج، وعندئذ أحرق المسلمون مراكبهم، ورحلوا إلى مدينة ميناو mineo فحصروها ثلاثة أيام وتسلموا الحصن (7) .
ونستطيع أن نجمل القول بأن الفتح العربي كما دون في كتاب التاريخ غير ملطف بجو اسطوري، أو مزوق بشيء من التهويل، ولكنه على واقعيته التي يتسم بها يكاد يبلغ حد المغالاة في تصوير المثابرة والنفور من الاستسلام،
(1) أول من أشار إلى الفكرة المؤرخ grote ثم اعتنقها freeman وأسهب في بيانها. انظر الفصل الأول من كتابه hist المجلد الأول.
(2)
amari، s. d. m.vol، ip394
(3)
ابن عذاري في في المكتبة: 355.
(4)
ابن الأثير 6/137 والمكتبة:222 وأمرهم أسد أن يجعلوا على رءوسهم سيما يعرفون بها ليلا (انظر المكتبة 185 عن رياض النفوس) .
(5)
ابن عذاري في المكتبة: 355.
(6)
يقول ابن خلدون إنه دفن في بلرم والنص يفيد أن بلرم كانت قد فتحت وهو نص غريب، إذ يقول بعد قليل أن بلرم فتحت بالأمان سنة 217 (انظر المكتبة: 467) .
(7)
ابن الأثير 6/138 والمكتبة: 223.
والذهاب إلى الغاية في التضحية بالنفس، وقد كانت الأوبئة والمجاعة والخسارة في الأرواح كافية لأن تخلق اليأس في نفوس الجند المحاربين، ولكن يشبه أن يكون فتح صقلية عناداً مستمداً من قوة النفسية التي خرج بها أسد فاتحاً أكثر من كونه سعياً وراء غنيمة أو كسب. وكان مما يزيد المحاربين حرجاً انشغال زيادة الله بفتنة في الداخل وغزاة من الخارج. ولما اصبح في مقدور زيادة الله أن يمدهم بالجند فتحوا بلرم سنة 216هـ؟.
وكان فتح بلرم خطوة كبيرة أدت إلى استيلاء على سائر الجزيرة، فلم يعد المسلمون في حاجة إلى الانحياز في معسكرات أو قلاع صغيرة، وكانت بلرم مدينة بحرية جيدة الميناء، واتصالها بأفريقية سهل، ولذلك أصبح في استطاعتهم أن يعتمدوا على مدد دائم من أفريقية، وأن يحصلوا على المؤن باستمرار. ثم إن المنطقة حول بلرم خصبة يمكنها أن تزود عساكرهم بمؤن كثيرة (1) . ولذلك اتخذها المسلمون قاعدة لهم كما فعل الفينيقون من قبل. وأخذوا يزحفون منها على النواحي الأخرى من صقلية فإذا قضوا مهمتهم عادوا إليها. وأخذت السرايا تخرج كل يوم فتغير في انحاء الجزيرة، وترجع محملة بالرقيق والغنائم. وكان من أثر عمليات النهب هذه أن ضعفت روح المقاومة عند كثير من المدن والقلاع، فاستأمن كثير منها إلى المسلمين (2) وبثت السرايا الرعب حيثما اتجهت.
وعلى هذه الأعمال التمهيدية اعتمد الفتح في كثير من الأحيان، وكان حرق المزروعات خطة مقصودة لتوهين الناحية الاقتصادية ومن ثم إضعاف روح المقاومة عند السكان. إذ كانت المقاومة التي يلقاها المسلمون مزدوجة، فهم يواجهون القوات المحلية التي يقودها بطريق صقلية، ويواجهون الجيوش والأساطيل التي ترسلها حكومة القسطنطينية لتدافع عن الجزيرة. وكانت أعنف مراكز المقاومة ثباتاً هي قصريانة وسرقوسة وطبرمين ومنطقة دمنش، ولذلك كانت السرايا المبثوثة تحاول في يأس أن تعمل شيئاً. واستولى المسلمون على مسينة
(1) أنظر أماري s.d.m المجلد 1 ص 26.
(2)
ابن الأثير 6/ 202 والمكتبة: 228.
فانفتحت أمامهم الطريق إلى جنوبي إيطاليا. والظاهر أن جهودهم هذه حولت انتباههم عن بقية صقلية، وأتاحت للمدن فرصة تتقوى فيها. لكن أعمال السرايا القائمة على تخريب لم تنقطع فكانت تخرج في الصيف والشتاء.
وانضم إلى هذه الأعمال الابتدائية عامل ساعد على الفتح، وبه انهار الركن الثاني من المقاومة؟ ذلك هو الخيانة المحلية فبمساعدتها تم الاستيلاء على قصريانة في ولاية العباس بن الفضل. ففي سنة 241 أقام العباس ثلاثة أشهر حول قصريانة، يقتل ويصيب ويغنم، وكان ممن أسره المسلمون رجل كان له عند الروم قدر ومنزلة (1) فلما راى هذا الرجل أنه مقتول، طلب إلى العباس أن يستبقيه ووعده بأن يسهل للمسلمين فتح قصريانة؟ كان الوقت شتاء والثلج قد غطى البقاع، وأهل قصريانة آمنون من قصد المسلمين وغير مستعدين للقاء، فأرسل العباس مع الرومي نحو ألفي فارس من عسكره، فدلهم على المدخل إلى المدينة، فدخلوا ووضعوا السيف في الروم وفتحوا الأبواب، ولما دخلها العباس بني فيها في الحال مسجداً ونصب فيه منبراً وخطب فيه الجمعة، وقتل من فيها من المقاتلة وأسر من فيها من بنات البطارقة بحليهن، وأصابوا فيها ما يعجز الوصف عنه، وأهدى من سبيها للمتوكل وبسقوطها ذل الشر يومئذ بصقلية ذلا عظيما (2) . وارتجت المعنويات واهتزت لسقوطها القسطنطينية، وأرسلت أسطولاً ليثأر لها ففجأه المسلمون وقضوا عليه.
ولم تعترف صقلية بالهزيمة لأن قسمها الشرقي وهو أقربها إلى القسطنطينية كان لا يزال ممعناً في المقاومة بتحريض من الإمبراطور، بل إن كثيراً من القلاع التي استسلمت للمسلمين انتقضت عليهم سنة 246 ولم يجد الوالي المسلم بدا من تحصين قصريانة، لتكون ملجأ يلوذ به المسلمون كما يلوذ الروم بسرقوسة. بل إن العباس حاول التحرش بسرقوسة نفسها ولكن منيته أدركته عند غيران قرقنة، وطويت بموته صفحة من البطولة والشجاعة والجهاد
(1) ابن الأثير 7/20 والمكتبة 232.
(2)
ابن الأثير 7/20 والمكتبة: 232 - 233.
الدائب، فدفنه المسلمون هناك وجاء الروم فنبشوا القبر وأحرقوا جثته (1) . وسار خلفاؤه على سنته في بث السرايا وتخريب المزارع، والاستفادة من الخيانة المحلية، وبواسطتها سلمت نوطس، واستأمنت رغوس، وظلت سرقوسة ممتنعة وقصاري كل وال أن يبث في أرضها السرايا فيغنم ويحرق. وكاد المسلمون يستولون على طبرمين بعون من الخيانة سنة 255 ولكن البطء في تنفيذ الخطة عاقهم عن ذلك (2) .
وبعد عشرين سنة من سقوط قصريانة جاء دور الركن الثالث من أركان المقاومة وأمير صقلية يومئذ جعفر بن محمد. وظلت سرقوسة التي ظن أسد ابن الفرات أنه يستطيع فتحها تقاوم مدة تزيد على خمسين سنة، ولم تهن عزيمتها إلا حين استطاع جعفر أن يملك بعض أرباضها، ووصلت إليها مراكب الروم فأصابها المسلمون، وتمكنوا من حصر المدينة واستمر الحصار تسعة اشهر عانى فيها السكان شدة وضيقا، ويحدثنا ثيودوسيوس في رسالة كتبها يصف فيها حصار المسلمين لبلده وكيف قاومت وكيف سقطت Epistolae De Expugnation Siracusarum، يحدثنا أن المسلمين أعدوا الحصار سرقوسة كل ما قدروا عليه من آلات الحصار (3) . ثم نفدت المؤن من المدينة وانتشرت المجاعة بين الناس، ويقول ثيودوسيوس الراهب الغرماطيقي في لهجة حزينة: لقد أتينا على كل الدواجن واضطررنا أن نأكل ما كانت تحصله أيدينا، دون ان نراعي فروض الصوم، لأن الحبوب والأعشاب والزيت كانت كلها قد نفدت، وأما صيد السمك فوقف منذ أن قبض العدو على زمام الميناء. وكان المقدار الضئيل من القمح؟ إذا تيسر؟ يسوي مائة وخمسين بيزانته ذهبية (الواحدة؟ 10 شلنات) ومن الطحين مائتين، وأوقينا الخبز ببيزانتة واحدة، ورأس حصان أو حمار يباع بخمس عشرة أو عشرين، أما الفرس فلا يتيسر شراؤها بأقل
(1) عن ابن الأثير 7 /21 والمكتبة: 234.
(2)
عن ابن الأثير 7 /34 والمكتبة: 236.
(3)
انظر اماري S.D.M. المجلد الأول:537.
من ثلاثمائه
…
(1) وكان لا بد لجيش اختلطت فيه ألوان كثيرة من الجنود أن لا يكون مثاليا في تصرفاته حين يستولي على إحدى المدن ولكن ثيودوسيوس لا ينكر حدوث ما يدل على المعاملة الحسنة والنظام بين الجنود والطاعة لأوامر قائدهم الاعلى. وفي نهاية جعلت سرقوسة تيهاً من الخرائب، ولم تبق فيها نسمة حياة، ولم يكن هنالك ثيوقريطس أو ابن حمديس ليبكي مصرع وطنه (2) . وأخلى المسلمون المدينة ونقلوا الأسرى والغنائم إلى بلرم (3) وكان على هؤلاء الأسرى أن يستطعموا مرارة أخرى سوى مرارة الأسر، تلك هي رؤيتهم مدينة بلرم التي كانوا يرون من الحطة أن يقيموا لها وزنا؟ رؤيتهم بلرم تحنيهم تحت نيرها. وثارت في نفوس أولئك الأسرى تلك المنافسة البلدية ولم يستطيعوا أن يفرقوا بين بلرم التي كانت عاصمة لولاية بيزنطية وبين بلرم عاصمة الحكومة الإسلامية (4) . ويحدثنا ثيودوسيوس بأنه نقل مع الأساقفة ورئيسهم صوفرونيوس بعد خمسة أيام إلى الأمير الأعلى، ويعني به والى صقلية، فوجدوه " جالساً في رواق وقد احتجب عن الأعين خيلاء وجبروتا " وتحدث الأمير إلى رئيس الأساقفة والمترجم بوجه الحديث بينهما في جدل ديني قصير، ثم أذن لهم فانصرفوا (5) .
كان سقوط سرقوسة نهاية محاولات طال مدها، ولكن لم ينته به كل عناء. فقد بقي أكثر القسم الشرقي غير خاضع للمسلمين، وظل الروم يجددون محاولاتهم لاسترداد ما فقدوه، وظلت قطانية وطبرمين وغيرها من المدن الشرقية شوكة في جنب المسلمين، وكانت الروح الدينية في هذه المنطقة ذات أثر في إذكاء نار المقاومة. وظل والى بلرم يخرج بجيشه أو يبث سراياه ويفسد الزروع والثمار ويحرق الكروم. ولما قرر إبراهيم بن الأغلب الخروج في
(1) المصدر نفسه: 539 - 540.
(2)
Amari، S. D. M. vol I pp. 547 - 48.
(3)
op.cit p. 548.
(4)
op. cit. p. 549.
(5)
Amari: S. D. M. vol،I، p 549.