المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم

- ‌سؤال وجواب عن الصلاة المأثورة على رسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌طيب الكلام في تحقيق لفظ الصلاة على خير من حملته الأقدام

- ‌بحث في الأذكار الواردة في التسبيح

- ‌نزهة الأبصار في التفاضل بين الأذكار

- ‌الاجتماعُ على الذكرِ والجهرِ بهِ

- ‌سؤال وجواب عن أذكار النوم

- ‌ اللغة العربية وعلومها

- ‌جواب الشوكاني على الدماميني

- ‌سؤال: عن الفَرْقِ بينَ الجِنْسِ واسْمِ الجِنْسوبينَهما وبينَ عَلَمِ الجِنْسِ.وبينَ اسمِ الجِنْسِ واسْمِ الجمْعِوبينَ اسْمِ الجمْعِمع الجواب للشوكاني

- ‌بحث في تبادر اللفظ عند الإطلاق

- ‌نُزهةُ الأحداق في علم الاشتقاق

- ‌كلام في فن المعاني والبيان(تعليق من الشوكاني على كلام صاحب الفوائد الغياثية)

- ‌الروضُ الوسيع في الدليل المنيع على عدم انحصارِ علمِ البديع

- ‌بحث في الرد على الزمخشري في استحسان المُرِبَّةَ

- ‌فتح القدير في الفرق بين المعذرة والتعذير

- ‌الطود المنيف في ترجيح ما قاله السعدعلى ما قاله الشريف من اجتماع الاستعارةالتمثيلية والتبعية في قوله تعالى:{(أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}

- ‌جيد النقد بعبارة الكشاف والسعد

- ‌القول الصادق في ترتيب الجزاء على السابق

- ‌فائق الكسا في جواب عالم الحسا

- ‌فَتْحُ الخَلَاّقِ في جواب مسائل الشيخ العلامة عبد الرزاق الهندي

- ‌بحث فيما زاده الشوكاني من أبيات شعرية صالحة للاستشهاد بها في المحاورات وعند المخاصمات وأضافها إلى ما يصلح لهذه الأغراض في ديوان ابن سناء الملك

- ‌بحث في سيحون وجيحون وما ذكره أئمة اللغة في ذلك ويليه مناقشة لبعض أهل العلم في البحث السابق ثم جواب المناقشة السابقة

- ‌الحد التام والحد الناقص (بحث في المنطق)

الفصل: ‌بحث في الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم

(192)

23/ 5

‌بحث في الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 5830

وصف المخطوط:

1 ـ عنوان الرسالة من المخطوط: بحث في الصلاة على النبيِّ صلي الله عليه وسلم.

2 ـ موضوع الرسالة: آداب.

3 ـ أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم أدام الله إفادته إمام العلوم الحائز لمنطوقها والمفهوم.

4 ـ آخر الرسالة: وفاز بأعظم ما يطلبه طلاب الخير وفي هذا المقدار كفاية لمن له هدايةٌ وحسبنا الله ونعم الوكيل. كتبه من خط المجيب محمد بن علي الشوكاني غفر الله له.

5 ـ نوع الخط: خط نسخي مقبول.

6 ـ عدد الصفحات: 6 صفحات.

7 ـ عدد الأسطر في الصفحة: 18 سطرًا ما عدا الصفحة الأخيرة فعدد أسطرها 6 أسطر.

8 ـ عدد الكلمات في السطر: 14 ـ 18 كلمة.

9 ــ الرسالة من المجلد الخامس من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 5831

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ـ أدام الله إفادته إمام العلوم الحائز لمنطوقها والمفهوم، البدر شيخ الإسلام ـ أمتع الله بحياته، وبارك في أوقاته ـ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مما لا غِناء عن استمداد إفادتكم ما ورد في حديث كعب بن عُجْرَةَ رضي الله عنه من قول النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ في أثناء الحديث فقال:«عرض لي جبريلُ عليه السلام فقال: مَنْ ذُكرتَ عنده ولم يصلِّ عليك فَلَعَنهُ اللهُ فقلْ: آمين، فقلتُ آمين» (1) رواه الحاكم، وابن حبان وغيرهما، وغير ذلك من الأحاديث المتكاثرة في دواوين الإسلام، المشتملةِ على الدعاء على من ذكر عنده النبيُّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ ولم يصلِّ عليه بأنْ يُرْغَمَ أنفُه، وتسميتهُ بخيلاً، وكونه خِطئَ طرائق الجنة، وكونه شقي، وغير ذلك فإفادة هذه الأحاديث أنَّ ذكر عنده النبيُّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ سببٌ للصلاة عليه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ.

وكل منهما على انفرادها ذكرٌ، وسببٌ مستقلٌّ يستلزم المسبِّبِ عند وجود سببه، فيلزم ما أن أذاعَه رجلٌ ملازم لذكر النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ من أوَّل النهار إلى آخره. وأنت تسمع أنَّ تلازُمَ الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم ـ ضرورتُها تكرُّرُ المسبِّب عند تكرُّر سببِه، وإلَاّ استوجب التاركُ الوعيدَ الشديدَ في الانقياد والإرغام وغيرهما، وتستلزم السنةُ أن السامع للذكر يتركُ كلِّ شيء من الطاعات وغيرها بل الواجبات ويشتغلُ بالصلاة على النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ حتى يسكتَ الذاكر. وفي ذلك الاشتغال بالطاعة مشقةٌ لا تخفى، ووعيد عظيم. فهل فيه ما يصلُح أن يكون دليلاً مخلَصًا، وهو دليل يرشدُ أنه يكفي مع الذكر الكثير في الزمن الطويل الصلاة على النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ مرةً أو مرتين، أو ثلاثًا؟ فالفائدة

(1) سيأتي تخريجه في الجواب.

ص: 5835

مطلوبة، والمسألة مما عمَّتْ بها البلوى، جزاكم الله خير الآخرة والأولى.

ومما عرض فيما عساها تتعلَّق بهذا البحث فلا بد من عرضه على شريف نظرِكم، وهو أنْ يقول أنَّ الذكر الكثير في الزمن الطويل يُنَزَّل منزلةَ سبب واحد [1أ]، فيكفي الصلاةْ على النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ منها واحدة ولا تلزم التكرارَ، كما أنَّ .... (1) إذا اجتمعت نُزِّلَتْ منزلةَ سبب واحد، وصُلِّي عليها صلاة واحدة، كما وردت بذلك السُّنَّةُ مع أنَّ كل حياتها على انفرادها سببٌ مستقل للصلاة عليها، فهل يصلح أن يكون هذا مستندًا أم لا؟ فأفضلوا بالجواب الشافي الشامل بجميع أطرافِ السؤال. والسلام ختام، ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد وآله وسلم عدد ما ذكره الذاكرون وغفلَ عن ذِكْرِهِ الغافلون.

(1) هنا كلمة غير واضحة في المخطوط.

ص: 5836

جواب مولانا العلامة المحقق البدر شيخ الإسلام:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله الأفضلين، وصحبه الأكرمين، أقول مجيبًا عن هذا السؤال النفيس من الولد العلامةِ على بن أحمد الظفري (1) ـ كثر الله فوائده ـ أنَّ الدليل الدال على مطلقِ ا لوجوب من غير تفسير هو قوله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) فهذا أمرٌ قرآني واقتضى وجوبَ مطلق الصلاةِ. واختلفَ أهلُ العلم اختلافًا كثيرًا في تفسير فِعْل هذا الواجب، وهل هو متكرر أم لا؟ والحق أنَّ اللام لا تفيدُ إلَاّ مطلقَ الإيقاعِ لهذا المأمور به من غير تقييد، أهو شأنُ الأوامرِ المقتضيةِ للإيجابِ والتكرارِ في وقت [أوقات](3) تحتاج إلى دليل خارجي يدلُّ عليه، كتكرير ذلك في الصلواتِ ولا يفيد الوجوبَ ما كان تعليمًا للكيفيةِ كقول القائل له ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «قد علمنا كيفَ نسلِّم عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: قولوا اللهم

» (4) إلخ لأنَّ الأوامرَ في تعليم الكيفياتِ تابعةٌ للمكيُّف إن كان واجبًا فهي واجبةٌ،

(1) السيد علي بن أحمد الظفري الصنعاني، ولد في أول القرن الثالث عشر وأخذ بصنعاء عن عمه السيد محمد بن الحسن بن عبد الله الظفري والسيد الحسن بن يحيى الكبسي والسيد عبد الله بن محمد الأمير وأخذ عن القاضي محمد بن علي الشوكاني في ((الكشاف)) والمطول وغيرهما.

برع في جميع العلوم. كان سريع الفهم حسن التصوُّر جيد الذكاء. توفي سنة 1270هـ.

((نيل الوطر)) (2/ 117 رقم 322).

(2)

[الأحزاب: 56].

(3)

كذا في المخطوط ولعلها (من أوقات).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3370) وطرفاه رقم (4797، 6357) ومسلم رقم (406) من حديث كعب بن عجرة.

وأخرجه البخاري في صحيحه رقم (4798) من حديث أبي سعيد الخدري.

ص: 5837

وإن كان غير واجبٍ فهي غير واجبة. وقد قررتُ هذا في مؤلَّفاتي بما لا يحتاج فيه إلى غيره. إذا عرفت هذا فاعلم أنه قد ورد ما يدلُّ على الوجوب [1ب] عند ذكره ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ من ذلك حديث أنسٍ عند النسائي، (1) والطبراني في الأوسط (2) والكبير، (3) وابن السُّني (4) قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «من ذُكرتُ عندَه فليصلِّ عليَّ، فإنه من صلَّى عليَّ صلاة واحدةً صلى الله عليه عشرًا» قال النووي (5): إسناده جيد. وقال الهيثمي (6): رجاله ثقات، فهذا أمر مقيد بوقت الذكرِ، ويمكن أن يقال إنه أمرُ إرشاد، لأنَّه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ ذكر تعدُّدها للمصلِّي من الأجرِ، ولم يذكر أنَّ عليه إثمًا.

ومن الأدلة على الوجوب عند الذكرَ حديثُ الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما عند الترمذي، (7) وقال (8): حسن صحيحٌ، وابنُ حبان (9) وصححه:«البخيلُ من ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ» . وأخرجه من حديث أيضًا أحمد في المسند (10)

(1) في (السنن)(3/ 50)، وفي (عمل اليوم والليلة) رقم (62، 362، 363).

(2)

(3/ 153 ـ 154 رقم 2767).

(3)

قال الهيثمي في (المجمع)(10/ 163) رواه الطبراني في (الصغير)(1/ 209) و (2/ 48) وفي (الأوسط) ولم يعزه للطبراني في (الكبير).

(4)

في (عمل اليوم والليلة) رقم (382).

(5)

في (الأذكار) رقم (2/ 382).

(6)

في (مجمع الزوائد)(10/ 163). وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (901)، والحاكم (1/ 550)، والبخاري في (الأدب المفرد) رقم (643)، وأحمد (3/ 102، 261). وهو حديث صحيح.

(7)

في (السنن) رقم (3546).

(8)

في (السنن)(5/ 551) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

(9)

في صحيحه رقم (909).

(10)

(1/ 201).

ص: 5838

والنسائي (1) والحاكم في المستدرك، (2) وقال: صحيح. وأقرَّه الذهبي، وهو من رواية عبد الله بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه، عن الحسين.

وقد روي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في سنن الترمذي، (3) وقال: حديث حسن صحيح. وهذه الصيغة تقتضي الحصرَ مبالغةً كما هو شأن تعريف المسندِ فينبغي حمله على أنه الفرد الكاملُ في البخل، لأنه بخل بما لا نقصَ عليه فيه، ولا مؤنة مع توفر الأجر، وعظم الجزاء. ووجه دلالتِه على الوجوب أنَّ البُخْلَ واجب التجنُّب، فإنه أقبح الغرائز، وأشأم الطبائع. ولهذا يقول رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:«وأيُّ داء أدوى من البخل!» وهو حديث صحيح، (4) وله قصة، (5) ويمكن أن يقال فيه ما قيل في الحديث، لأنه بخل على نفسه، ويُحْرَمُ الحظَّ الجزيلَ، والأجرَ الجليلَ.

ومن الأدلة الدالة على الوجوب عند الذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي، (6) وحسَّنه، (7) والحاكم، (8) وقال: صحيح، وابن حبان (9) قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكِرْتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ» قال ابن حجر (10): وله شواهدُ. انتهى.

(1) في (عمل اليوم والليلة) رقم (55).

(2)

(1/ 549) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح.

(3)

في (السنن) رقم (3546).

(4)

انظر: الحديث تخريجه وقصته في الرسالة (183).

(5)

انظر: الحديث تخريجه وقصته في الرسالة (183).

(6)

في (السنن) رقم (3545).

(7)

في (السنن)(5/ 551) قال: وفي الباب عن جابر وأنس وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(8)

في (المستدرك)(1/ 549).

(9)

في صحيحه رقم (908).

(10)

في (فتح الباري)(11/ 168).

ص: 5839

وقد رواه (1) في مجمع الزوائد (2) من حديث أبي مسعود، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وعبد الله بن الحارث، وأبي هريرة. ومعنى رغم أنفُه الدعاءُ عليه بالذلِّ والهوانِ إذا لم يفعل ذلك، ولا يدعى بالذل والهوان إلَاّ على من تركَ واجبًا، وفي النصِّ [2أ] ألفاظُ هذه الأحاديث التي أشرنا إليها:«بَعُد من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ» (3) إلى آخر ما في الحديث المذكور. والبعدُ ضدُّ القربِ، وطلب القرب فضيلةٌ مؤكدة إنْ لم يكن واجبًا، ويمكن أن يقال في هذا الحديث من هذه الطرقِ ما قيل في الحديثين الأولينِ، لأنه لم يضرَّ إلَاّ نفسَه بما يحرِمُها من الأجر والدعاء عليه برغامِ الأنفِ كالدعاء بمثل: تَربَتْ يمينُه أو زيادة عليه بما لا يفيدُ ما يفيد به الوجوب، من أنه يأثم على التركِ، ويُعاقَبُ عليه. واقتران ذلك بمن لم يُغفرْ له في رمضانَ، ومن لم يدخله أبواه الجنة (4) يفيد أنه أمرٌ مؤكد، ويمكن دلالةُ الاقترانِ لا تفيد الوجوبَ إلَاّ لقرينة فقد قال الله عز وجل:{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)} (5) فقرن الحضَّ على طعام المسكين وهو ليس بواجب بنفي الإيمان، وهو رأس الواجبات،

ص: 5840

وأساسُها. على أن طلب المغفرةِ بالأعمال التي يوجبها في رمضان لا يفيد عدمَ طلب المغفرة مطلقًا، فإنه يمكن أن يحصل له بالتسبُّبِ لها في غير رمضان، وكذلك أنه لم يسأل أبواه له الجنةَ في هذا الوقت لا ينافي الطاعةَ الواجبة لهما، ولا يستلزم العقوقَ المحرَّمَ، فقد يدخلانِه الجنةَ بالدخول في مراضيهما والامتثالِ لما يأمرانِه به، وينهيانه عنه في وقت آخرَ، وهكذا لفظ بَعُد فإنه يدلُّ على البعد عن الخير لا على تركهِ الخيرَ. قد يكون من التقرباتِ التي ليست بواجبةٍ، بل هو ظاهر في ذلك، لأنَّ الواجبات يأثَمُ تاركُها ويعاقَبُ عليها.

وبالجملة فهذه الصلاةُ في هذا الموطن إن لم تكن واجبةً فهي فضيلةٌ فاضلة، وسنة مؤكَّدةٌ، وعبادةٌ مقرَّبة لا يشك في ذلك شاكٌّ، ولا يتمارى فيها متمارٍ، وناهيك أن هذا المصلِّي يصلِّي عليه بالصلاة الواجبةِ ربُّ العزةِ وخالقُه خالقُ السماواتِ والأرض عَشْرَ مرَّاتِ كما ثبت في الأحاديث الصحيحةِ التي بعضها في صحيح مسلم. (1) بل أخرج أحمد في المسند (2) من حديث عبد الله بن عمرو عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:«من صلَّى عليَّ واحدةً صلّي الله عليه بها وملائكته عليه سبعين صلاة» وحسَّنه المنذري (3) والهيثمي. (4) هذا في مطلق الصلاة، فكيف بالصلاة عليه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ في مواطنِ الذكر الذي خصَّ بهذه الأحاديث [2ب] الصحيحة التي رتب عليها البخلَ، ورغمَ الأنف! ومن فضائل الصلاة عليه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ حديث أبيِّ بن كعب عند الترمذيِّ (5) ...................................................

(1) في صحيحه رقم (408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

(2/ 187).

وأورده الهيثمي في (المجمع)(10/ 160) وقال: رواه أحمد وإسناده حسن.

(3)

في (الترغيب والترهيب) رقم (2470).

(4)

في (المجمع)(10/ 160).

(5)

في (السنن) رقم (2457).

ص: 5841

وقال (1): حسن صحيح والحاكم (2) وقال صحيح، أنه قال:«كان رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ إذا ذهب ربعُ الليل قام فقال: أيُّها الناسُ اذكروا اذكروا، جاءت الراجفةُ تتبعها الرادفةُ، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه فقال: أبيّ بن كعب يا رسول الله، كم أجعلُ لك من صلاتي قال: «ما شئت» . قلت: الربعُ قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير لك» قلت: النصفُ. قال: «ما شئتُ وإن زدتَ فهو خير لك» . قلت: أجعل لك صلاتي كلَّها؟ قال: «إذن تكفى همَّكَ، ويُغْفَرُ ذنبُك» وفي لفظ: «ما أهمَّك من أمر دنياك وآخرتك» (3) والمراد بالصلاة هنا الدعاءُ الذي من جملته الصلاةُ على رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ، وليس المراد الصلاةَ ذاتَ الأذكار والأركان كما أوضحنا ذلك في غير هذا الموضعِ. (4)

نعم لو صح حديث جابر بلفظ: «من ذكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ فقد شقى» أخرجه ابن السّني في عمل اليوم والليلة، (5) وحديث:«من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ فقد شقى» (6) والحديث الذي رواه ابن ماجه (7) من حديث ابن عباس قال: قال رسول

(1) في (السنن)(4/ 637).

(2)

(2/ 121، 513). وهو حديث حسن.

(3)

أخرجه الطبراني في (الكبير)(4/ 35 ـ 36 رقم 3574) بإسناد حسن.

وأورده الهيثمي في (المجمع)(10/ 160) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن.

(4)

تقدم توضيحه.

(5)

رقم (381) بإسناد ضعيف.

(6)

مكرر في المخطوط.

(7)

في (السنن)(908) قال البوصيري في (مصباح الزجاجة)(1/ 313 رقم 331): هذا إسناد ضعيف جبارة بن المغلس، ورواه الطبراني من طريق جبارة به، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه البيهقي في سننه.

وقال الألباني في صحيح ابن ماجه رقم (749) إسناده حسن.

وانظر: (الصحيحة) رقم (2337).

ص: 5842

الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «من نسي الصلاةَ عليَّ خطِئَ طريقَ الجنةِ» كانت هذه الأحاديثُ من أقوى أدلة الوجوب ذلك الأوّّل إسنادها ضعيف منها. والباقي في إسناده بشر بن محمد الكندي ضعَّفه ابن المبارك، وابن معين، والدارقطني وغيرهم.

والثالث في إسناده جبارةُ بن المغلس، وهو ضعيف. (1) فإنْ قلت بمجموع ما ذكرته من جملة الأحاديث المتقدمة، وهذا الوجوب مستفادٌ منها استفادة ظاهرة واضحة فشهادة بعض معانيها لبعض. قلت: إذا سلمنا ذلك فليس على من حضر مثلاً سماعَ الحديث الذي تكرَّر فيه الصلاةُ عليه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أن يكرِّرها عند كل لفظ يذكر فيه المملي لفظَ الصلاةِ، فإنَّ ذلك قد يشتغِلُ عن تدبُّر معاني الحديث وفهمِها كما ينبغي. وقد صلَّى هذا السامعُ في هذا المجلس عند الذكرِ، وإن استكثر من ذلك فقد استكثرَ من الخيرِ وليس بواجب عليه. وهكذا إذا كان المجلس يُصلَّي فيه على النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ[3أ]ـ فإنه يصلَّى معهم، أو يجتنب مجلِسَهم.

وبالجملة فلا يترك تكرار الصلاة عند ذكره ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ إلَاّ من كان مسئولاً يفهم كلامُهُ أو يفهم تفسير كلامِه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أو كان في صلاة فلا يتابَعُ الذاكرُ، فكفى بالصلاة شغلاً كما ثبت في الحديث. (2) وهكذا سامع خطبةِ الجمعةِ، فإنه لا يتابع الخطيب إذا صلَّى على رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لحديث:«من قال لصاحبه أنصتْ والإمامُ يخطبُ فقد لغى، ومن لغى فلا جمعة له» (3) والأمر بالإنصات هو طاعةٌ فبيَّن الشارع أن من فعلَ ذلك فلا جمعة له، وكان لغوًا من هذه الحيثية غيرَ جائز، فإنْ كان تكرار الصلاة لا يشغلُه عن ذكر ما

(1) انظر: (الميزان)(1/ 387 رقم 2433) قال الذهبي من مناكيره: حدثنا حمَّاد بن زيد عن ابن عباس وأبي جعفر جميعًا قالا ـ وذكر الحديث ـ ثم قال: وهذا بهذا الإسناد باطل.

(2)

تقدم تخريجه. انظر الرسالة رقم (87، 88).

(3)

تقدم تخريجه. انظر الرسالة رقم (81، 88).

ص: 5843

ذكرناها فتجتهد في متابعة القارئ، (1) فإنه قد جمع له بين أفضل الأذكار، فطلب العلم وفهمُه يأخذ بطرفيّ الكمالِ، وفاز بأعظم ما يطلبه طلاب الخير. (2)

وفي هذا المقدار كفاية لمن له هدايةٌ وحسبنا الله ونعم الوكيل.

كتبه من خط المجيب محمد بن علي الشوكاني ـ غفر الله له [3ب]ـ.

(1) انظر: (فتح الباري)(11/ 168).

(2)

قال الحافظ في (الفتح)(11/ 168) قال ابن العربي: فائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه لدلالة ذلك على نصوع العقيدة وخلوص النية وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام للواسطة الكريمة صلي الله عليه وسلم: وقد تمسَّك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكر. لأن الدعاء بالرغم والإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد والوعد على الترك من علامات الوجوب. ومن حيث المعنى أن فائدة الأمر بالصلاة عليه مكافأته على إحسانه، وإحسانه مستمر، فيتأكد إذا ذكر وتمسكوا أيضًا بقوله:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} فلو كان إذا ذكر لا يصلي عليه لكان كأحد الناس. ويتأكد ذلك إذا كان المعنى بقوله: {دُعَاءَ الرَّسُولِ} الدعاء المتعلق بالرسول، وأجاب من لو يوجب ذلك بأجوبة:(منها) أنّه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين فهو قول مخترع، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن وكذا سامعه ولزم القارئ إذا مر ذكره في القرآن وللزم الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه، ولكان الثناء على الله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به.

وقد أطلق القدوري وغيره من الحنفية أن القول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله، لأنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة أنّه خاطب النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلي الله عليك، ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى. وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه وفي حق من اعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا.

قال الحافظ في (الفتح)(11/ 169) وفي الجملة لا دلالة على وجوب تكرر ذكر بتكرر ذكره صلي الله عليه وسلم في المجلس الواحد.

وما نرجحه قول الشوكاني رحمه الله.

ص: 5844