المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سؤال وجواب عن الصلاة المأثورة على رسول الله صلي الله عليه وسلم - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم

- ‌سؤال وجواب عن الصلاة المأثورة على رسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌طيب الكلام في تحقيق لفظ الصلاة على خير من حملته الأقدام

- ‌بحث في الأذكار الواردة في التسبيح

- ‌نزهة الأبصار في التفاضل بين الأذكار

- ‌الاجتماعُ على الذكرِ والجهرِ بهِ

- ‌سؤال وجواب عن أذكار النوم

- ‌ اللغة العربية وعلومها

- ‌جواب الشوكاني على الدماميني

- ‌سؤال: عن الفَرْقِ بينَ الجِنْسِ واسْمِ الجِنْسوبينَهما وبينَ عَلَمِ الجِنْسِ.وبينَ اسمِ الجِنْسِ واسْمِ الجمْعِوبينَ اسْمِ الجمْعِمع الجواب للشوكاني

- ‌بحث في تبادر اللفظ عند الإطلاق

- ‌نُزهةُ الأحداق في علم الاشتقاق

- ‌كلام في فن المعاني والبيان(تعليق من الشوكاني على كلام صاحب الفوائد الغياثية)

- ‌الروضُ الوسيع في الدليل المنيع على عدم انحصارِ علمِ البديع

- ‌بحث في الرد على الزمخشري في استحسان المُرِبَّةَ

- ‌فتح القدير في الفرق بين المعذرة والتعذير

- ‌الطود المنيف في ترجيح ما قاله السعدعلى ما قاله الشريف من اجتماع الاستعارةالتمثيلية والتبعية في قوله تعالى:{(أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}

- ‌جيد النقد بعبارة الكشاف والسعد

- ‌القول الصادق في ترتيب الجزاء على السابق

- ‌فائق الكسا في جواب عالم الحسا

- ‌فَتْحُ الخَلَاّقِ في جواب مسائل الشيخ العلامة عبد الرزاق الهندي

- ‌بحث فيما زاده الشوكاني من أبيات شعرية صالحة للاستشهاد بها في المحاورات وعند المخاصمات وأضافها إلى ما يصلح لهذه الأغراض في ديوان ابن سناء الملك

- ‌بحث في سيحون وجيحون وما ذكره أئمة اللغة في ذلك ويليه مناقشة لبعض أهل العلم في البحث السابق ثم جواب المناقشة السابقة

- ‌الحد التام والحد الناقص (بحث في المنطق)

الفصل: ‌سؤال وجواب عن الصلاة المأثورة على رسول الله صلي الله عليه وسلم

(193)

38/ 1

‌سؤال وجواب عن الصلاة المأثورة على رسول الله صلي الله عليه وسلم

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 5845

وصف المخطوط:

1 ـ عنوان الرسالة من المخطوط: سؤال وجواب عن الصلاة المأثورة على رسول الله صلي الله عليه وسلم.

2 ـ موضوع الرسالة: آداب.

3 ـ أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وصلى الله على لا نبيَّ بعده وآله وصحبه وبعد. فإنه اشتمل السؤال الوارد منكم كثر الله فوائدكم على أربعة أطراف.

4 ـ آخر الرسالة: كمل من خطَّ المجيب حفظه الله وجعله لكل معضلة ومشكلة محلاً. بحق محمد الأمين وصحبه الأكرمين.

5 ـ نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 ـ عدد الصفحات: 10 صفحات.

7 ـ عدد الأسطر في الصفحة: 26 سطرًا.

8 ـ عدد الكلمات في السطر: 10 ـ 12 كلمة.

9 ــ الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 5847

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده وصلَّى اللهُ على من لا نبيَّ بعدَه وآله وصحبِه وبعدُ:

فإنه اشتملَ السؤالُ الواردُ منكم ـ كثَّر الله فوائدكم ـ على أربعةِ أطرافِ:

الأول: منِ اسْتُؤُجِرَ أنْ يصلي على النبيَّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ عددًا معروفًا بأجرةٍ معلومةٍ، وشرَطَ عليه أن يُصلِّي الصلاة المأثورةَ، (1) والأجيرُ لم يكن عندَهُ حقيقةُ لفظةِ الصلاةِ المأثورةِ، فكرَّر الصلاةَ القدْرَ المستأجرَ عليهِ بلفظِ: اللهمَّ صلِّ وسلِّم على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، فهل قد أجزتْ هذهِ الصلاةُ مع شرطِ أنْ تكونَ الصلاةَ المأثورةَ؟

الطرف الثاني: هل قال قائلٌ بأنها الصلاةُ المعروفةُ بالخمسِ، وهي قولُهُ: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وآل محمدٍ، كما صلِّيتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ.

اللهمَّ ترحَّمْ، اللهم تحنَّن، اللهم بارك، اللهم سلِّمْ إلى آخرها باللفظ المذكورِ أولاً، هل يكونُ صلاة واحدةً، أو خمسًا، لأنَّ التحنينَ والتبرُّكَ والتسليمَ والترحُّم لفظُها غيرُ لفظِ الصلاةِ. (2)

الطرف الرابع: ما هوَ الذي أجمعَ عليه العلماءُ أنَّه هو الصلاةُ المأثورةُ؟ انتهى.

(1) سيأتي ذكرها. وانظر الرسالة رقم (191).

(2)

قال السخاوي في (القول البديع)(ص59 ـ 60): قال النميري: وهذا الحديث لا يحفظ عن على إلَاّ من هذا الوجه، وإسناده ذاهب وعمرو راويه عن زيد متروك الحديث، قالوا: يضع على أهل البيت وحرب ويحيى مجهولان، ولم نجده من غير طريقهما عن عمرو، وكذا قال: وقد رواه أبو الربيع الكلاعي فيما أورده ابن مسْدِي من طريق محمد بن المظفر الجوزجاني عن عمرو، قال ابن مسْدِي: وهو غريب من حديث زيد عن آبائه، وهو أبو عمرو، ولا نعلمه بهذا الإسناد إلَاّ من هذا الوجه.

راجع (الشفاء) للقاضي عياض (2/ 642).

ص: 5851

وأقول: أمَّا الطرفُ الأولُ فالجواب عليه أنَّ المستأجِرَ أرادَ بقولِهِ المأثورةَ نوعًا من الصلاةِ خاصًّا فلا يُجزي الأجيرَ إلَاّ فعلُه دونَ غيره، ولا يستحقُّ الأُجْرَةَ إلَاّ بهِ، ولكن فرَّطَ المستأجرُ بعدمِ البيانِ، والأجيرُ بعدمِ الاستفصالِ؛ فلا يستحقُّ الأجيرُ لما فعلَه أَجْرَهُ، فإذا وقعَ الخلافُ بينَهما بعد أن فعلَ الأجيرَ الصلاةَ التي ذكَرَها السائلُ ـ حفظه الله ـ فقال المستأجرُ: أردتُ نوعًا خاصًّا من الصلاةِِ المأثورةِ، وأنكر الأجيرُ، فإنْ نظَرْنَا إلى الأصلِ، والظاهرُ فهما يقضيانِ بأنَّ قولَ الأجيرِ، لأنَّ المستأجِرَ مدعي إرادة نوع خاصٍّ، فهو كالمعيَّنِ، ومن عيَّن بيَّنَ، ولكن لما كانت الإرادةُ مما لا يمكنُ إقامةُ البيِّنةِ عليهِ لكونِها من الأمورِ القلبيةِ، وهي لا تُعْرَفُ إلا مِنْ جِهَةِ صاحِبها كان القولُ قوله مع يمينه، (1) لا يقال مجرَّدُ تَرْكِ البيانِ من المستأجِرِ يوجِبُ عليهِ أُجْرَةَ المِثلِ، لما فعله الأجيرُ [1] من الصلاة لإيقاعِه الأجيرَ بذلكَ التَّركِ في نوعٍ من أنواعِ اللَّبسِ، وهو ينزَّلُ منزلةَ التعزير (2): لأنا نقول: الأجير جان على نفسه بترك الاستفصال؛ فلا يبقى لما فعله الغير به تأثير مع فعل نفسه فلا يستحق أجره هذا على فرض إرادة المستأجر نوعًا خاصًّا من الصلاة المأثورة وأما إذا أراد ما يصدق عليه أنه صلاة شرعًا فهذه الصلاة المذكورة في السؤال صلاة شرعية، وسلام شرعي، فيستحق الأجير جميع الأجرة المسماة لأنه قد فعل الصلاة والسلام على النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ، وذلك المفعول فرد من الأفراد التي يصدق عليه مطلق قوله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3)

(1) للحديث الذي أخرجه مسلم رقم (223/ 139)، والترمذي رقم (1340)، وأحمد (4/ 317).

من حديث وائل بن حجر: «أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم قال للكندي: «ألَك بينة؟» قال: لا. قال: «فلك يمينه» .

(2)

تقدم تعريفه.

(3)

[الأحزاب: 56].

ص: 5852

ومطلق الأحاديث الواردة بالأمر بذلك، والترغيب فيه مطلقًا ومقيدًا. (1) وقد تقرر أن المطلق يطابقه كل فرد من الأفراد التي يصدق هو عليها، وإن لم يرد مطلق ما يصدق عليه أنه مشروع، بل أراد المشروع الخاص؛ وهو ما ورد التعليم به من طريقه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ في الأحاديث الصحيحة فهذا اللفظ المذكور في السؤال لم يرد في حديث صحيح على الصفة المذكورة فيما أعلم، فلا يجزئ المستأجر، ولا يستحق به الأجرة، فيما تقدم.

وإذا وقع الاختلاف كان الحكم ما سلف، وسبب عدم الإجزاء في صور المخالفة أن النوع الذي أراده المستأجر قد حصله شرط في الإجازة. وقد تقرر في الأصول أن الشروط يؤثر عدمها في عدم المشروط فيكون المشروط إذا عدم واحد منها معدومًا حكمًا؛ فالإجارة المذكورة حينئذ معدومة لا حكم للصورة الموجودة منها.

وأما الطرفُ الثاني: فالجوابُ عليه أنَّ السائلَ ـ حفظه الله ـ إنْ أرادَ بقولِهِ: هل قال قائلٌ بأنَّها الصلاةُ المأثورةُ؟ النوعُ الخاصُّ وهو الثابتُ في أحاديثِ التعليم، (2) فقد أسلفنا أنَّها لم ترِدْ بذلك اللفظِ في حديثٍ صحيحٍ. (3). وإذا لم تردْ كذلكَ فلا قائلَ بأنَّها المأثورةُ، لأنَّ الجزمَ بهِ فرع ورودها في الأحاديث، لأنَّ قولَ القائلِ هذهِ صلاةٌ مأثورةٌ، بذلكَ الاعتبارَ في قوةِ هذهِ، صلاةٍ ثابتةٍ بطريق التعليمِ لنا منه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ، وإنْ أرادَ مطلقَ ما يصدُقُ عليه أنَّهُ صلاةٌ وسلامٌ شرعًا، فلعلَّه لا يحالفُ في ذلكَ أحدٌ من المسلمينَ لما سلفَ مِنْ أنَّ ذلكَ فردٌ من الأفرادِ التي يصدْقُ عليها المطلقُ وتُطابقُهُ.

وأما الجوابُ عن الطريق الثالثِ فنقول: ليس هذهِ صلواتٍ متعددةً، إما هذه صلاةٌ مشتملةً على أدعيةٍ للمصلَّى عليه، بدليلٍ أنه لو قال قائلٌ: اللهم تحنَّنْ على محمدٍ، وعلى

(1) تقدم تعريفهما.

(2)

تقدم ذكرها. انظر الرسالة رقم (191).

(3)

انظر: (القول البديع)(ص 57 ـ 59).

ص: 5853

آل محمدٍ، أو ترحم إلخ لم يكُنْ فاعلاً للصلاةِ لا شرعًا ولا عُرْفًا.

نعم يمكنُ أنْ يُقالَ: إنه فاعلٌ للصلاةِ لغةً على فَرَضِ أنها في اللغةِ مطلقُ الدعاء [2] أعمُّ من أنْ يكونَ للنَّفسِ أو للغيرِ.

وأما إذا كانتْ في اللغةِ لما هو مختصٌّ بالنَّفسِ، أو لتحريكِ الصَّلويْنِ كما صرَّحَ بهِ الزمخشريُّ في كشَّافِهِ (1) فلا، وإذا سلَّمنا صِدْقَ الصلاةِ اللغويةِ على هذهِ فذلكَ أيضًا غيرُ نافعٍ، فلا يصِحُّ الاستدلالُ بهِ على أنَّ تلكَ الألفاظَ الخمسةَ صلواتٌ خمسٌ، لأنَّا الواجبَ تقديمُ الحقيقةِ الشرعيةِ والعُرفيَّةِ على اللغويةِ، كما تقرَّرَ في الأصولِ. (2)

فإن قلتَ: إذا كان المرادُ الصلاةَ الشرعيةَ فهي عندَ أهلِ الشرعِ حقيقةٌ في ذاتِ الأركانِ، فلا يصدُقُ على الصلاةِ النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أنها هي الصلاةُ الشرعيةُ حتى يتمَّ لك أنَّ لفظَ الصلاةِ هو المرادُ من المطلقِ، ويترجَّحُ بذلكَ على إرادةِ اللُّغويةِ.

قلت: الصلاةُ في لسان أهلِ الشرعِ للمعنى المذكورِ، لكنْ بشرطِ ورودِها مطلقةً، فإنْ وردتْ مقيَّدةً بكونها على النبيِّ كما في قولهِ:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ، وكما في الأحاديثِ التي فيها الأمرُ بالصلاةِ عليه، وعلى الآلِ، فلا شكَّ ولا ريبَ أن المرادَ بها اللفظيةَ باللفظِ المخصوصِ، لما تقرَّر من أنَّ المرادَ بهِ ليسَ مجرَّدُ الدعاءِ فقط، بل مع كونٍ فيهِ شعارٌ له ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ وتعظيمٌ، ولفظُ التحنُّنِ والترحيمَ ونحوِهما ـ وإن أفادَ الدعاء ـ فليسَ فيه إفادةُ ذلكَ الشعارِ والتعظيمِ، فثبتَ بما ذكرنا أنه لا يصدُقُ على تلك الألفاظِ أنَّها خمسُ صلواتٍ، بل صلاةٌ واحدةٌ.

وقد أخرج الحديثَ المشتملَ على تلكَ الألفاظِ أبو طالبٍ في أماليهِ (3) فقال: حدثنا

(1)(2/ 92 ـ 93).

(2)

تقدم ذكره.

(3)

في (تيسير المطالب في أمالي السيد أبي طالب)(ص280 ـ 281).

انظر: (القول البديع)(ص59 ـ 60). (الشفا) للقاضي عياض (2/ 641 ـ 642).

ص: 5854

أبو عبد الله أحمدُ بنُ محمد البغداديُّ قال: أخبرنا أبو القاسمِ عبدُ الله بنُ إسحاقَ بن جعفرٍ الزيدي قال: حدثني عليُّ بن محمدٍ النُّخعي الكوفي وعدَّهُنَّ في يدي قال: حدثني إبراهيمُ المجازني جدي أبو أمي قال: عدَّهُنَّ نصرُ بنُ مُزاحِمٍ في يد إبراهيمَ بنِ الزيرِ، قال التيميُّ، قال إبراهيمُ بنُ الزبرقانِ: عدَّهُنُّ في يدي علىُّ بن الحسينِ، قالَ عدُّهُنَّ في يدي الحسينُ بنُ علي، قال: عدَّهُنَّ في يدي أمير المؤمنينَ عليٌّ عليه السلام قال: عدهنّ في يدي رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ، قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: عدَّهنَّ في يدي جبريلُ عليه السلام. قال جبريلُ: هكذا أُنْزِلْتُ بِهِنَّ من عندِ ربِّ العِزَّّةِ. اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وآل إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ، وترحم على محمد وعلى آل محمد، كما ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وتحنَّنْ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما تحنَّنتَ على إبراهيمَ وآل إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ وسلم على محمد وعلى آل محمد كما سلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

قال أبو طالب (1): عدَّهنَّ زيدُ بنُ علىٍّ بأصابعِ الكفِّ مضمونةٌ، واحدةٌ واحدةُ مع الإبهام.

[3]

. وأما الجوابُ عن السؤال الرابعِ فأقول: الذي أجمعَ عليهِ العلماءُ أنَّه هو الصلاةُ المأثورةُ هو ما ثبتَ في أحاديثِ التعليمِ مطلقًا ومقيَّدًا بالصلاة من طريق صحيحةٍ، لا مطعنَ فيها لأحدٍ من أئمةِ الحديثِ، لأنَّ أهلَ العلمِ باعتبارِ هذا الشأنِ أتباعٌ لأهلِهِ، فما اتفقوا علي تصحيحهِ وافقهم غيرُهم عليهِ من أئمةِ الأصولِ، والفقهِ، والتفسيرِ، والآلاتِ وسائر أنواعِ العلومِ.

(1) انظر: التعليقية السابقة.

ص: 5855

وقد ثبتَ من صفاتِ الصلاةِ عليهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ صفاتٌ كثيرةٌ، قال بِصحَّتِها جميعُ أهلِ الحديثِ، أو بعضُهم، وتابَعهُمُ الباقونَ. منها ما اتفق عليه أهلُ الأمَّهاتِ الستِّ كحديثِ كعبِ بنِ عُجْرَةَ (1) قال: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا، أو عرفنا كيفَ السلامُ عليكَ، فكيف الصلاةُ؟ قال: قولوا: اللَّهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمدٍ، وعلى آله محمدٍ، كما باركت على إبراهيمَ إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيمَ إنك حميد مجيدٌ. إلا أنَّ الترمذيَّ (2) قال فيه: على إبراهيمَ في الموضعينِ لم يذكر آله، وهكذا في رواية لأبي داود، (3) وفي رواية أخرى (4) له: على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ.

وبهذه الروايةِ يُرَدُّ على ما زعمهُ بعضُ أهلِ العلم أنه لم يَثْبُتِ الجمعُ محمدٍ وآل محمدٍ، وإبراهيمَ وآل إبراهيمَ في روايةٍ واحدةً في الأمَّهاتِ، مع أنَّ الجمعَ المذكورَ ثابتٌ في صحيح البخاري (5) في الأبوابِ (6) التي عقدَها لإيرادِ الآياتِ والأحاديثِ الواردةِ في إبراهيمَ عليه السلام، ولفظُهُ (7): حدَّثنا قيسُ بنُ حفصٍ، وموسى بن إسماعيلَ، قالا: حدثنا عبدُ الواحد بنُ زياد، قال: حدَّثنا أبو فروةَ مسلمُ بنُ سالمٍ الهمدانيُّ، قال: حدثني عبد الله بن عيسى، سمعَ عبد الرحمن بنَ أبي ليلى قال: لقيني كعبُ بنُ عُجْرَةَ فقال: ألا أُهْدِي لكَ هديَّةً سمعتُها من النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ؟ فقلتُ: بلى فاهْدِها لي فقال: سأَلْنا رسولَ اللهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ فقلنا: يا رسولَ اللهِ

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (3370) وطرفاه رقم (4797، 6357)، ومسلم رقم (406) وقد تقدم.

(2)

في (السنن) رقم (463).

(3)

في (السنن) رقم (976).

(4)

أي لأبي داود رقم (978).

(5)

(6/ 407 ـ 413).

(6)

منها الباب رقم (10، 11).

(7)

الحديث رقم (3370).

ص: 5856

كيفَ الصلاةُ عليكم أهلَ البيتِ؛ فإن الله قد علَّمنا كيف نسلِّم عليكم، قال: قولوا: «اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيمَ، وعلى آل إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ» .

اللهمَّ باركْ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ. انتهى بحروفِه.

ومن الأنواع التي اتَّفق عليها أهلُ الأمَّهاتِ (1) إلا الترمذيَّ حديثُ أبي حُميدٍ الساعديِّ أنَّهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلِّي عليك؟ قال:«قولوا: اللهم صلي الله عليه وسلم على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت علي إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد»

ومن الأنواع التي لا يختلِفُ أهلُ الحديثِ في صِحَّتِها ما أخرجه أحمد، (2) ومسلمٌ، (3) والترمذي (4) وصححه، وأبو داودَ، (5) والنسائي، (6) وصحَّحه ابنُ خزيمةَ، (7) وابن حبانَ والحاكم والبيهقيُّ [4] عن أبي مسعود البدريِّ قال: أتانا رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ ونحنث في مجلسِ سعدِ بن عبادةَ، فقال له بشيرُ بن سعد: أمرَنَا الله أنْ نصلِّي عليك، فكيفَ نصلِّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ حتى تمنينا أنّه لم يسأله، ثم قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:

(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6360) ومسلم في صحيحه رقم (407) وأبو داود رقم (979) والنسائي في (السنن)(3/ 48).

(2)

في (المسند)(4/ 118).

(3)

في صحيحه رقم (65/ 405).

(4)

في (السنن) رقم (3220).

(5)

في (السنن)(980، 981).

(6)

في (السنن)(3/ 45 ـ 46 رقم 1285) وفي (عمل اليوم والليلة) رقم (48).

(7)

في صحيحه رقم (1/ 351 ـ 352).

وهو حديث صحيح وقد تقدم.

ص: 5857

«اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صلِّيتَ على آل إبراهيمَ، وباركْ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على آل إبراهيمَ في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ، والسلام كما قد علمتم» .

وزاد أبو داود (1) في رواية: «اللهم صلي على محمد النبيِّ الأميِّ، وعلى آله محمدٍ» . وفي أخرى له: «كما باركتَ على آل إبراهيمَ في العالمينَ» .

وأخرج البخاريُّ (2) عن أبي سعيد الخُدريِّ قال: قلنا يا رسول الله، هذا السلام، فكيف نصلِّى عليك؟ قال:«قولوا: اللهم صلِّ على محمدٍ عبدك ورسولِكَ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ، وباركُ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيمَ» قال أبو صالح عن الليثِ: وبارْك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركتْ على إبراهيمَ وآلَ إبراهيمَ. وأخرجَهُ أيضًا النسائيُّ، (3) وابن ماجهْ. (4) وفي الباب أحاديثُ منها ما هو صحيحٌ عند بعض أئمةِ الحديثِ دونَ بعضٍ، كحديث أبي هريرةَ عند أبي داودَ (5) عن النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال:«مَنْ سرَّهُ أنْ يكتالَ بالمكيالِ الأوْفى إذا صلَّى علينا أهلَ البيتِ فليقلْ: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ النبيِّ وأزواجهِ أمهاتِ المؤمنينَ، وذرِّيتِه، وأهلِ بيتهِ، كما صليتَ على آل إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ» ، وهذا الحديثُ سكتَ عنه أبو داودَ، وسكتَ عنه المنذريُّ في مختصرِ السُّننِ. (6)

(1) في (السنن) رقم (981).

(2)

في صحيحه رقم (4798).

(3)

في (السنن) رقم (3/ 49).

(4)

في (السنن) رقم (903).

(5)

في (السنن) رقم (982). وهو حديث ضعيف.

(6)

(1/ 456).

ص: 5858

وقدِ اختلفَ فيه على أبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليٍّ عن المجمرِ، عن أبي هريرةَ. وأخرجه النسائي في مسند (1) عليٍّ عليه السلام من طريقِ عَمْرو بن عاصمٍ، عن حِبَّانَ بنِ يسارٍ الكِلابيِّ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ طلحةِ الخُزاعيِّ، عن أبي جعفر المذكورِ، عن محمدٍ بنِ الحنفيةِ، عن أبيهِ أميرِ المؤمنينَ، عن النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ بلفظ حديثِ أبي هريرة. وقد اختُلِفَ فيه على أبي جعفرٍ أيضًا، وعلى بن حِبَّانَ بن يسارٍ.

وأخرج أحمدُ (2) عن بريدةَ مرفوعًا بلفظِ: «اللهمَّ اجعلْ صلواتِكَ، ورحمتَك، وبركاتِكَ على محمدٍ، وآل محمدٍ، كما جعلتَها على إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ» . في إسنادِهِ أبو داود الأعمى، واسمُه نُفيعٌ وهو ضعيفٌ جدًّا، ومُتَّهَمٌ بالوضع. (3) وأخرج أحمدُ نُفيع بن الحارث، أبو داود النخعي الكوفي القاضي الهمداني الأعمى. قال البخاري يتكلمون فيه، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. قال النسائي: متروك. (ميزان الاعتدال)(4/ 272 رقم 9115). (4) في (المسند)(1/ 199). عن زيد بن خارجةَ مرفوعًا بلفظِ: «قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آله محمدٍ» .

وفي الباب أيضًا عن رُوَيْفِعِ بن ثابت، وجابرٍ، وابنِ عباسٍ أخرَجَهَا المستغفريُّ في الدَّعواتِ.

وفي الباب غيرُ ذلكَ، ولكنَّ المقصودَ من السؤالِ هو بيانُ الصلاةِ التي أجمعَ العلماءُ على أنَّها مأثورةٌ. وقد قرَّرْنا أنما أجمعَ أئمةُ الحديثِ على صحته فهو مجمعٌ عليه عند غيرِهم من العلماء [5] لما سلفَ.

ومن جملةِ ما وقعَ الإجماعُ على صِحَّتِهِ ما في الصحيحينِ من الأحاديثِ المسْنَدَةِ: قال:

(1) لم أجده.

(2)

في (المسند)(5/ 353) بإسناد ضعيف جدًّا.

(3)

نُفيع بن الحارث، أبو داود النخعي الكوفي القاضي الهمداني الأعمى.

قال البخاري يتكلمون فيه، وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. قال النسائي متروك.

(ميزان الاعتدال)(4/ 272 رقم 9115).

(4)

والنسائي

ص: 5859

ابنُ الصلاح (1): إنَّ العلمَ اليقينيَّ النظريَّ واقعٌ بهِ، خلافًا لقول من نفَى ذلكَ، يعين: حصولَ اليقينِ، مُحْتَجًّا بأنَّه لا يفيدُ في أصلِهِ إلا الظنَّ، وإنما تلقَّتْهُ الأمُّةُ بالقَبولِ. قال ابن الصلاحِ (2): وكنت أميلُ إلى هذا أو أحْسَبُهُ قويًّا، ثم بانَ لي أنَّ المذهبَ الذي اخْترناهُ أوَّلاً هو الصحيحُ، لأنَّ ظنَّ مَنْ هو معصومٌ من الخطأ لا يخطئ .. إلى آخر كلامه.

وقد سبقه إلى ذلكَ محمدُ بنُ طاهرٍ المقدسيُّ، وأبو نصرٍ عبدُ الرحيم بنُ عبدِ الخالقِ بن يوسفَ. واختارَهُ ابنُ كثيرٍ (3) وحكَى في علوم الحديثِ لهُ أنَّ ابنَ تيميةَ (4) حكَى ذلكَ عن أهلِ الحديثِ، وعن السلفِ، وعن جماعاتٍ كثيرةٍ من الشافعيةِ، والحنابلةِ، والأشاعرةِ، والحنفيةِ، وغيرِهم.

قال النوويُّ (5): وخالفَ ابنَ الصلاحِ المحققونَ والأكثرونَ فقالوا: يفيدُ الظنَّ ما لم يتواتر، ونحوَ ذلك.

حكَى زينُ الدينِ (6) عن المحققينَ واختاره، والمقصودُ من نقلِ هذا الكلامِ أنَّ العلماء متفقونَ على صحَّةِ ما في الصحيحينِ، وإنما اختلفوا هلْ هو يفيدُ العلمَ اليقينيَّ أو لا يفيدُ إلَاّ الظنَّ في غيرِ ما لم يتواتَرْ. وقد حكى الاتفاقَ على تلقي الأمَّةِ لما في الصحيحينِ بالقَبولِ السيدِ العلامةُ محمدُ بنُ إبراهيمَ الوزيرُ في تنقيحِ الأنظارِ، (7) وقال: هو الظاهرُ.

وحكى عن جماعةٍ من أئمةِ أهلِ البيتِ ما يوافقُ ذلكَ، ثم قال بعد ذلكَ: وقد استمرَّ ذلكَ يعني: الاحتجاجَ بأحاديثِ الصحيحينِ، وشاعَ وذاعَ، ولم يُنْقَلْ عن أحدٍ فيهِ نكيرٌ.

(1) في (علوم الحديث)(ص200 ـ 201).

(2)

في (علوم الحديث)(ص200 ـ 201).

(3)

في (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث)(ص127 ـ 128).

(4)

انظر (مجموع الفتاوى)(18/ 22، 23، 41، 48، 49).

(5)

في (التقريب)(ص1/ 70).

(6)

في (ألفية الحديث)(ص24 ـ 25)، (فتح المغيث)(ص25).

(7)

(ص50 ـ 51) بتحقيقنا.

ص: 5860

وهذه طريقٌ من طُرُقِ الإجماعِ المحْتَجِّ بهِ بين لعلماء. وهذه في ديارِ الزيديةِ، فأما بلادُ الشافعيةِ وغيرِهم من الفقهاء، فلا شكَّ في ذلكَ

انتهى. ومعَ اتِّفاقِهم على الصِّحَّةِ يلزمُ الاتفاقُ على كل صفةٍ من صفات الصلاةِ على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ المذكورةِ فيهما، وكذلكَ يلزمُ الاتفاقُ على سائر الصِّفاتِ التي يصدُقُ عليها اسمُ الصحيحِ، وإن لم تكنْ مذكورةً فيهما؛ فإنَّ الصحيحَ عندَ المحدِّثينَ مراتبُ.

أولها: ما اتفقَ على إخراجهِ البخاريُّ ومسلمٌ.

الثانية: ما انفردَ به البخاريُّ.

الثالثة: ما انفردَ بهِ مسلمٌ.

الرابعة: ما كان على شرْطِهما، ولم يخرجاهُ في كتابيهِمَا.

الخامسةُ: ما كان على شرطِ البخاريِّ.

السادسة: ما كان على شرطِ مسلمٍ.

السابعة: ما كان صحيحًا عندَ غيرِهِما من الأئمة المعتمدينَ، وليس على شرطٍ واحدٍ منْهما. هكذا حكَى هذهِ المراتبَ عن أئمةِ الحديثِ جماعةٌ من المصنِّفينَ من متأخرِّيهم: السيدُ العلامةُ محمدُ بنُ إبراهيمَ الوزير ـ (1) رحمه الله؛ فإذا وجدنا صفةً من صفاتِ الصلاةِ الثابتةِ عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ وهي من أحدِ هذهِ الطُّرُقِ السَّبْعِ، ولم ينازِعْ في صِحَّتِها منازعٌ من الأئمةِ المعتبرينَ فهيَ صفةٌ متفقٌ عليها لما سلفَ [6]؛ فإنْ قلتَ: هل يمكنُ جمعُ ألفاظِ الصلاةِ الواردةِ في الأحاديثِ الصحيحةِ، حتَّى يكونَ المصلِّي بها مصلِّيًا بجميعِ المأثورة؟

قلت: نعمْ، قد تصدَّى لجمعِ ذلكَ النوويُّ في شرحِ المهذَّبِ (2) فقال: ينبغي أنْ يجْمَعَ ما في الأحاديثِ الصحيحةِ فيقولُ: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ النبيِّ الأميِّ، وعلى آل

(1) في (تنقيح الأنظار)(ص44 ـ 45).

(2)

(3/ 445).

ص: 5861

محمدٍ، وأزواجِهِ، وذريَّتِهِ، كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ، وباركْ على محمدٍ، وأزواجِهِ، وذريَّتِهِ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ في العالمينَ إنك حميدٌ مجيدٌ.

قال العراقيُّ: بقيَ عليه مما في الأحاديثِ الصحيحةِ ألفاظٌ أُخَرُ، وهي خمسةٌ بجمع الجميعِ.

قولك: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، عبدِكَ ورسولِكَ، النبيِّ الأميِّ، وعلى آلِ محمدٍ وأزواجِه أمَّهاتِ المؤمنينَ، وذريَّتِهِ وأهل بيتهِ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ، وعلى آل إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ. اللهم باركْ على محمدٍ النبيِّ الأميِّ، وعلى آلِ محمدٍ وأزواجِه وذريته، كما باركتَ على إبراهيمَ في العالمينَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ انتهى.

فهذا جملةُ ما اشتملتْ عليهِ الأحاديثُ الصحيحةُ من الألفاظِ، فينبغي للمصلِّى إذا أرادَ أن يَجْمَعَ بين جميعَ ألفاظِ الصلاةِ المأثورةِ أنْ يصلي هذه الصلاةَ، فإنِ اقتصرَ على نوعٍ من الأنواعِ الثابتةِ من طريقٍ صحيحةٍ كما أسلفنا من تلكَ الصفاتِ، فلا شكَّ أنَّه قد صلَّى على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ صلاةً مُتَّفَقًا على أنَّها مأثورةٌ لما تقدّمَ، ولكنَّ الأكَمََلَ الجَمْعُ ليكونَ متمثِّلاً لجميع ما أرشدَ إليه الشارعُ.

وفي هذا المقدارِ كفايةٌ. انتهى من تحرير المجيبِ عزِّ الدينِ محمد بن على الشوكانيِّ حفظه الله تعالى، ومتَّع بحياته. كان تاريخ الجوابِ عَشْرَ شهرِ الحجةِ الحرامِ سنة 1208 ثمانٍ ومائتينِ وألفٍ.

ص: 5862

ثم عاود المجيبُ ـ حفظه الله ـ السائل عافاه الله ـ بسؤال لفظُهُ: حَرَسِكُمُ الله تعالى وتولَاّكُم. قد أفدتُم في الجواب بما يُثْلِجُ الصَّدرَ، وينشرحُ بهِ الخاطرُ أدام الله إفادتَكُم، وكافاكم بالحُسنى، وجزاكم اللهُ خيرَ الجزاء. وبقيَ طرفانِ سهَى السائلُ عن إيرادهِهما، وهو أنَّ مَنْ صلَّى على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ تلكَ الصلاةَ التي لفظها: اللهم صلِّ وسلِّم على محمدٍ، حيثُ لم يَرِدْ بها حديثٌ صحيحٌ، هل يشمَلُهُ قولُهُ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:«من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا» أم لا يشتملُ إلا مَنْ صلَّى الصلاةَ التي أرشدنا إليها المصطفى ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ؟.

الطرف الثاني: أنَّ العلماء قد قالوا: إنَّ الصلاةَ من الله الرحمةُ ومن الملائكةِ الاستغفارُ ومن العبدِ الدعاءُ، ما تلكَ الصلاةُ العشْرُ الذي جازى الله بها العبدَ على صلاته، على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ، هل هي رحمانةُ عشرٍ يرحمُ اللهُ بها العبدَ، وإن زاد الفرعُ على الأصلِ [7] فهوَ فضلٌ من اللهِ، وهل هي الرحمةُ تعمُّ النبيَّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ والعبدَ، أو تختلفُ الرحمةُ باختلافِ النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ والعبدِ؟ فأفضلوا بإيضاحِ الفائدةِ. جزيتم الجنةَ ونعيمَها، فارقموا الجوابَ في قفا هذه الورقةِ وسأنقله في تلك النسخةِ، وأنقله لنفسي، وأرسل ذلك إليكم ـ تولى الله إعانتكم، وكتب ثوابَكُم، بحقِّ محمد (1) وآله، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.

(1) تقدم التعليق على هذا اللفظ.

ص: 5863

ثم ذكر المجيبُ ـ حفظه الله، ومتع بحياته ـ.

ولفظه: حفظكم الله، وتولَاّكم، وشريفُ السلام عليكم، ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، ولا زالتْ فوائِدُكُم وافدةً. قد عرفتم مما سلفَ أنَّ أقوالَ القائلِ: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ صلاةٌ يصْدُقُ عليها مُطْلَقِ القرآن (1) ومطلقُ الأحاديثِ (2) الصحيحةِ، فيستحقُّ فاعلُها ما وردَ من الإثابةِ على مُطلَقِ الصلاةِ، وليس من شرطِ ذلكَ أنْ تكونَ الصلاةُ التي يفعلها العبدُ على صفةٍ ثبتتْ عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ بلِ المعتبرُ صدقُ اسمِ الصلاةِ المأمورِ بها عليها، وإن كانتِ الصلاةُ التي وردَ بها التعليمُ أتمَّ وأكملَ وأفضلَ، ولكنَّ ذلك لا يستلزمُ أنْ تكونَ غيرُها من الصَّلواتِ غيرَ داخلةٍ تحتَ ما رسمَهُ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ من الأجورِ للمصلِّي، ورغَّبَ فيه.

والحاصلُ أن الترغيباتِ المطلقةِ صادقةٌ على صفاتِ الصلواتِ المطلقةِ، والصلاةُ المسئولُ عنها فردٌ من الأفرادِ، وصفةٌ من الصفاتِ، ولا مانعَ من أنْ يكْتُبَ اللهُ للعبدِ المصلِّي بإحدى تلكَ الصلواتِ الثابتةِ عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ بطريقِ التعليمِ زيادة على ما يكتبه لمن صلَّى بغيرِها، ولكنَّ تلك الزيادةَ غيرُ مانعةٍ من استحقاقٍ لأصلِ المزيدِ عليهِ، بمجرَّدِ فِعْلِ ما يصدُقُ عليه أنَّه صلاةٌ، كالصورةِ المسئولِ عنها مثلاً، وردَ في حديثِ أنسٍ عندَ النَّسائي (3) قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليهِ بها عَشْرَ صلواتٍ، وحُطَّتْ عنهُ عَشْرُ

(1) قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

(2)

انظر الرسالة رقم (191).

(3)

في (عمل اليوم والليلة) رقم (62، 63)، وفي (السنن)(3/ 50).

قلت: وأخرجه أحمد 03/ 102، 261)، والحاكم (1/ 550)، والبخاري في (الأدب المفرد) رقم (643)، وابن حبان في صحيحه رقم (904). وهو حديث صحيح.

ص: 5864

خطيَّاتٍ، ورُفِعَتْ له عشْرُ درجاتٍ». وللنسائيِّ (1) أيضًا في طريقٍ أخرى عن أبي طلحةَ أنَّه جاءَ النبيَّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ ذاتَ يومٍ، والبِشْرُ في وجههِ، فقلنا: إنَّا نرى البِشْرَ في وجِهِكَ، فقالَ:«إنه أتاني مَلَكٌ فقال: يا محمدُ، إنَّ ربَّكَ يقولُ: أما يُرْضيكَ أنْ لا يصلِّيَ عليكَ أحدٌ إلا صلَّيتُ عليهِ عشرًا، ولا يسلِّمُ عليكَ أحدق إلا سلَّمتُ عليهِ عشْرَا» ، وأخرج الترمذيُّ (2) عن ابن مسعود قالك قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:«أولى الناس بي يوم القيامةِ اكثرُهُم عليَّ صلاةً» .

ولا شكَّ أن فاعل الصلاةِ المسئول عنها يصدُقُ عليهِ أنَّه مُصَلٍّ [8]؛ فيستحقُّ ما ذكرَهُ من صلاةِ اللهِ عليه، ومن حطِّ الخطيَّاتِ، ورفعِ الدرجاتِ، ومن أولويَّتِه بالنبيَّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ يومَ القيامةِ، لأنَّ النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أخبرنا بأنَّه يستحقُّ ذلكَ فاعلُ مطلق الصلاةِ، ولم يقيَّد ذلكَ الاستحقاقَ بكونِ الصلاةِ المفعولةِ هي الصلاةُ التي علَّمنا، وليسَ معنى مطلقِ الصلاةِ المذكورة في الآيةِ والأحاديثِ مجملاً حتى يتوقَّفَ على البيانِ، ولا أولويةُ فِعْلِ الصلاةِ المأثورةِِ يستلزمُ نُقْصاَ مُطْلَقِ الصلاةِ عن استحقاقِ ذلكَ المقدارِ، بل غايتُهُ أن يكونَ فاعِلُها مستحقًا لأجْرٍ زائدٍ على الأجر المذكورِ لمزيَّةِ التأسِّى، وخِصَّيْصةِ التبرُّكِ باللفظ المصْطَفَويَّ.

(1) في (عمل اليوم والليلة) رقم (60)، وفي (السنن)(3/ 50).

قلت: وأخرجه أحمد (4/ 29، 30)، وابن حبان رقم (915)، والحاكم (2/ 420)، وصححه ووافقه الذهبي، والدارمي في (سننه)(2/ 317). وهو حديث حسن.

(2)

في (السنن) رقم (484)، وقال: هذا حديث حسن غريب.

قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (911) بإسناد ضعيف.

ص: 5865

وأما سؤالكم عن ماهيَّةِ الصلواتِ الواقعةِ منه ـ جلَّ وعلا ـ في قولِهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا» .

فأقول: قد تقرَّر لكم أنَّ الصلاةَ هي منه تعالى الرحمةُ، كما حقَّقها بتلكَ الحقيقةِ علماءُ الشريعةِ، فيكون المرادُ أنَّ الله تعالى يرحَمُهُ عشرَ رحَمَاتٍ، وليس في تعدُّدِ الرحمةِ أمرٌ مُسْتَبْعدٌ، فإنَّه قد ثبتَ تعدُّدُها في الأحاديثِ الصحيحةِ. فأخرج الشيخانِ، (1) والترمذي (2) عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال:«جعل الرحمةَ مائة جزء، فأمسكَ عندَه تسعةً وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فَمِنْ ذلكَ الجزء يتزاحَمُ الخلائقُ، حتى ترفَعَ الدابةُ حافِرَها عن ولدِهَا خشية أن تصيبه» .

وأخرجَ مسلمٌ (3) عن سلمانَ الفارسيِّ قالَ: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «إنَّ لله تعالى مائةَ رحمةٍ، فمنها رحمةٌ يتراحمُ بها الخلقُ، ومنها تسعٌ وتسعون ليوم القيامةِ» . وفي أُخرى له (4): «أنَّ الله تعالى خلقَ يومَ السماوات والأرضَ مائةَ رحمةٍ، كلُّ رحمةٍ طِباقُ ما بين السماء والأرضِ، فجعلَ منها في الأرضِ رحمةً، فبها تعطفُ الوالدةُ على ولدِها، والوحشُ والطيرُ بعضُها على بعضٍ، فإذا كان يوم القيامةِ أكملَها الله تعالى لهذهِ الرحمةِ» .

(1) أخرجه البخاري رقم (6000)، ومسلم رقم (2752).

(2)

في (السنن)(3541).

(3)

في صحيحه رقم (20/ 2753).

(4)

أي لمسلم في صحيحه رقم (21/ 2753).

قال الحافظ في (الفتح)(11/ 433): قال الكرماني: الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخبر، والقدرة في نفسها غير متناهية، والتعلق غير متناه. لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل وتسهيلاً للفهم وتقليلاً لما عند الخلق وتكثيرًا لما عند الله سبحانه وتعالى، وأما مناسبة هذا العدد الخاص فحكى القرطبي ـ في (المفهم)(7/ 83) ـ عن بعض الشراح أن هذا العدد الخاص أطلق لإرادة التكثير والمبالغة فيه، وتعقبه ـ القرطبي ـ بأنه لم تجر عادة العرب بذلك في المائة وإنما جرى في السبعين.

ص: 5866

وأما سؤالكم ـ حفظكم الله ـ عن كون هذهِ الرحمةِ تعمُّ النبيَّ وسائرَ العبادِ، أو تختلفُ باختلافِ النبيِّ والعبدِ.

فأقول: لم يفرِّقِ الجماهيرُ من أهل العلمِ في ذلكَ، بل جعلوا الصلاةَ من الله هي الرحمةَ، سواءٌ كانتْ صلاةً منه تعالى على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أو على غيرِه من العبادِ، وهكذا.

قال أهل اللغةِ (1) وقال القشيريُّ: هي مِنَ اللهِ لنبيِّهِ تشريفٌ وزيادةُ تكرِمَةٍ، ولسائرِ عبادِهِ رحمةٌ. قال في شرح المنهاجِ (2): إن معنى قولِنا اللَّهمَّ صلِّ على محمدٍ عظمةٌ في الدنيا بإعلاء ذكُرِهِ، وإظهارِ دعوتِهِ، وإبقاء شرعيَّتِهِ، وفي الآخرةِ تشفيعُهُ في أمَّتِهِ، وتضعيفُ أَجْرِهِ ومثوبتِهِ. انتهى.

وهذا المعنى للصلاةِ عليه ـ صلي الله عليه وآله وسلم [9]ـ هوَ الظاهرُ، ولأنَّ جَعْلَهَا للرحمةِ في حقِّهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ مع عِلْمِنا بأنَّ الله تعالى قد غفرَ له من ذنبِهِ ما تقدَّمَ وما تأخَّرِ، وأتمَّ نعمتَهُ عليهِ، وألحقَه بالصالحينَ من إخوانهِ من الأنبياء، بل رفعَ درجتَه عليهم، وَجَعْلَهُ سيِّدَهُم يكونُ قليلَ الجدْوَى، لأنَّ الرحمةَ في الأصلِ الرأفةُ والمغفرةُ كما في القاموس (3) وغيره (4) من كتب اللغةِ، فالصلاةُ على النبيِّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ إذا كانت لمجرَّدِ الرحمةِ التي هي المغفرةُ كانتْ تحصيلاً للحاصلِ، وهو ما قد علمناه بنصِّ القرآنِ قبل موتِهِ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ وما كانَ بهذهِ المثابَةِ لا ينْدُبُ اللهُ تعالى العبادَ إليهِ، ولا يرغِّبُهُم فيه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ ويبالغ في الترغيبِ، حتى يُرشدَهم إلى فعلِهِ في كل صلاةٍ، ويذمُّ تارِكَهُ عندَ ذكرِهِ، كما أخرجه الترمذيُّ من حديثِ أمير المؤمنين قال: قال رسولُ الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «البخيل من

(1) انظر (لسان العرب)(7/ 398).

(2)

للشربيني الخطيب (1/ 528 ـ 529).

(3)

(ص1681).

(4)

انظر: (النهاية)(3/ 50)، (لسان العرب)(7/ 398).

ص: 5867

ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ» (1) وكما في حديثِ: «رَغِمَ أنفُ من ذُكِرْتُ عندَه فلم يصلِّ عليَّ» . (2)

إذا تقرَّر هذا فلا بُدَّ أنْ يُجْعَلَ معنى الصلاةِ عليهِ لمعنَى يليقُ بهِ كالتعظيمِ، وإظهارِ الدعوةِ، وإبقاء الشريعةِ، والتشفيعِ، وتضعيفِ الأجرِ، والتشريفِ وإلَاّ لزم تحصيلُ الحاصلِ، واللازمُ باطلٌ فالملزومُ مثلُه.

وفي هذا المقدارِ كفايةٌ. والله المسْتَعَانُ، وهو حسبي ونِعْمَ الوكيلُ، وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ، وآلهِ، ورضيَ اللهُ عن صَحْبِهِ الراشدينَ.

آمينَ آمينَ أمينَ. كمل من خطَّ المجيب حفظه الله وجعله لكل معضلة ومشكلة محلاً. بحق محمد الأمين وصحبه الأكرمين.

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه. انظر الرسالة رقم (91).

وانظر: (فتح الباري)(11/ 155 ـ 156).

ص: 5868