الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(200)
11/ 1
سؤال: عن الفَرْقِ بينَ الجِنْسِ واسْمِ الجِنْس
وبينَهما وبينَ عَلَمِ الجِنْسِ.
وبينَ اسمِ الجِنْسِ واسْمِ الجمْعِ
وبينَ اسْمِ الجمْعِ
مع الجواب للشوكاني
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 ـ عنوان الرسالة من المخطوط: (سؤال عن الفرق بين الجنس واسم الجنس وبينهما وبين علم الجنس وبين اسم الجنس. واسم الجمع وبين اسم الجمع مع الجواب للشوكاني).
2 ـ موضوع الرسالة: لغة عربية.
3 ـ آخر الرسالة: وإنَّما نبَّهنا عليه تكميلاً للفائدة، وفي هذا المقدار كفاية وإن كان المقام محتملاً للتطويل.
منقول من نسخة المؤلف حفظه الله تعالي.
5 ـ نوع الخط: خط نسخي معتاد.
6 ـ عدد الصفحات: (4) صفحات.
7 ـ عدد الأسطر في الصفحة: (27 ـ 33) سطرًا.
8 ـ عدد الكلمات في السطر: (11 ـ 13) كلمة.
9 ـ الرسالة من المجلد الأول من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا جوابُ سؤالٍ وردَ على القاضي العلَاّمة محمد بن علي الشوكاني حفظه الله في شهر ربيع سنةَ 1202 عن الفَرْق بينَ الجنسِ واسْمِ الجنسِ، وبينَهما وبينَ عَلَمِ الجنسِ، وبينَ اسمِ الجنسِ واسْم الجمْعِ، وبينَ اسْمِ الجمعِ والجمعِ.
فأجاب بما لفظهُ:
اعلم أنَّها قدِ اختلفتْ اصطلاحاتُ المحقِّقينَ في اسمِ الجنسِ والجِنْسِ، فمنهم من لا يُفرِّق بينَهما، وهو الذي يظهرْ من عباراتِ المتقدِّمينَ، ومحقِّقي المتأخرين، فإنَّهم كثيرًا من يُطْلِقونَ على الشيء الواحد كالتمرِ مثلاً اسمَ الجنس تارةً، والجنْسَ أُخرى. هذا المحقّقُ الرضيُّ (1) صرَّح في بحثِ الكلمةِ (2) أنَّ التَّمْرِ جِنْسٌ، وكذا في بحثِ التمييزِ. (3) وصرَّح في بحثِ الجمعِ أنَّه اسمُ جِنْسٍ.
وصرَّح أيضًا في بحث المنادَى (4) عندَ قولِ ابنِ الحاجبِ (5) إلَاّ مع الجِنْس أنَّ الرَّجُلَ ونحوَهُ جِنْسٌ. وهكذا غيرُه كابنِ الحاجبِ في الكافيةِ في بحي التمييز، والشافيةِ في بحث الجمعِ. وهكذا المحققُ الجاميُّ فإنَّه صرَّح في بحثِ التمييزِ بأنَّ التمرَ جِنْسٌ، وصرَّح في بحثِ الجمعِ بأنَّه اسم جنس.
وقد وقع مثلُ هذا في مؤلَّفاتِ السَّعْدِ التفتازاني، والشريفِ الجُرجَاني في مواضعَ كثيرةٍ وفرَّقٍ جماعةٌ من المتأخِّرينَ بينَهما بفروقٍ مختلطةٍ مختبطةٍ، فقالَ بعضُهم: إنَّ اسمَ الجِنْس ما يُطْلَقُ على القليلِ والكثيرِ دُفْعَةً واحدةً وإذا أُريد التنصيصُ على واحدةٍ مُيِّزَ بالتاء كَتَمْرٍ
(1) أي رضيِّ الدين محمد بن الحسن الاستراباذيِّ (ت سنة 686هـ).
(2)
في (شرح كافية ابن الحاجب)(1/ 21 ـ 23).
(3)
في (شرح كافية ابن الحاجب)(2/ 99).
(4)
في (شرح كافية ابن الحاجب)(1/ 386).
(5)
في (شرح شافية ابن الحاجب)(2/ 199 ـ 201).
مثلاً. والجنسُ ما يُطلق على كثيرينَ على طريقِ البدلِ، لا دُفعةً كرجلٍ مثلاً، وما ذكَرَهُ هذا القائلُ في تحقيقِ الجِنْسِ مخالفٌ لما قَالهُ المحقَّقُ الرَّضيُّ (1) فيه، فإنَّه قالَ في بحثِ الكلمةِ: إن الجنسَ يقعُ على القليلِ والكثيرِ (2) إلخ.
وقال في بحث التمييزِ (3): إنَّ الجنسَ ما يقعُ لفظُ الواحدِ المجَّردِ عن تاء الواحدةِ منه على القليل والكثير، فَتمْرٌ، وضَرْبٌ جِنْسٌ، بخلافِ رجُلٍ وفرَسٍ، ومخالِفٌ أيضًا لما ذكره المحقِّقُ الجاميُّ في تفسيرِ الجِنْسِ، فإنَّه قال: وهو ما تتشابَهُ أجزاؤه، ويقعُ مجرَّدًا عنِ التاء علي القليلِ والكثيرِ، حتى قالَ: بخلافِ نحوِ رجلٍ وفرسٍ.
وما ذكره في تفسيره اسم الجنسِ مخالفٌ لما ذكرَهُ السَّعْدُ في المطوَّلِ في بحثِ تعريف المسْنَدِ إليهِ باللامِ، فإنَّه جزَم بأنَّ اسْمَ الجِنْسِ موضوعٌ لواحدٍ من آحادِ جنسهِ، فإطلاقُهُ على الواحدِ إطلاقٌ على أصلِ وَضْعِهِ، وإطلاقُهُ على المجموعِ إطلاقٌ على غيرِ الأصْل.
وحقَّقَهُمَا بعضُهم بعكسِ ذلكَ التحقيقِ السابقِ، فقالَ: إنَّ اسْمَ الجِنسِ يُطلَقُ على كثيرينَ على طريقَ البدلِ كَرَجلٍ مثلاً، والجِنْسُ يُطْلَقُ على القليل والكثير دُفعةً واحدةً. وقد حقَّق اسمُ الجِنْسِ بهذهِ الحقيقة ابنُ الحاجبِ في بحثِ المنادي من الكافية (4) وتَبعَهُ
(1) في (شرح الكافية)(1/ 21).
(2)
ثم قال: كا (العسل) و (الماء) لكن الكلم لم يستعمل إلا علي ما فوق الاثنين. بخلاف نحو: (تمر) و (ضرب).
(3)
الرَّضي في (شرح الكافية)(2/ 99).
(4)
(1/ 386): قال ابن الحاجب (ولا يجوز حذف حرف النداء، إلا مع اسم الجنس، والإشارة، والمستغاث، والمندوب، نحو: {(يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29]، و (أيها الرجل) وشذ (أصبحْ ليلُ) و (افتدِ مخنوق)(اطرق كرا).
حيث قال الرضي في شرحه لذلك: يعني بالجنس ما كان نكرة قبل النداء، سواء تعرّف بالنداء، ولـ (رجل) أو لم يتعرف لـ (يا رجلاً)، وسواء كان مفردًا أو مضافًا أو مضارعًا له: نحو: (يا غلام فاضل)(يا حسن الوجه)(يا ضاربًا زيدًا) قصدت بهذه الثلاثة واحدًا بعينه أولاً.
المحققُ الجاميُّ. ولا ينافيه عدمُ فَرْقِهِمَا بينَ الجِنْسِ واسْمِ الجنسِ كما سبقَ، وهو لا يِتمُّ إلَاّ على مذهبِ [1] مَنْ يجعلْ اسْمَ الجِنْسِ موضوعًا للماهيَّةِ، ومع وحدةٍ لا يعيِّنها لا للماهيةِ من حيثُ هي كما حقَّقَهُ سيِّدُ المحققينَ في حاشيتهِ على المطوَّلِ، والأولُ مذهبُ ابنِ الحاجبِ، والزمخشريِّ، والسَّعْدِ، والثاني مذهبُ جماعةٍ منهم: المحققُ الشريفُ، فيكونُ إطلاقُ لفظِ الأسدِ مثلاً على كلِّ فردٍ على سبيل البدلِ حقيقةً على المذهبِ الأولِ لأنَّهُ مستعملٌ فيما وُضِعَ له مجازًا على الثاني، ويكون الموضوعُ له أيضًا على الأولِ الماهيةُ بشرطِ شيء، وعلى الثاني الماهيةُ لا بشرط شيءٍ.
وقال الأندلسيُّ: اسمُ الجِنْسِ هو الدالُّ على حقيقةٍ موجودةٍ في أشخاصِ كثيرةٍ مختلفينَ بالشخصِ لا بالحقيقة، نحو: زيدٌ وعمروٌ، فإنَّ اختلافهما ليسَ بالحقيقةِ، بل بالأعراضِ، وهذا هو المتواطئُ عندَ المنطقينَ، وهو النكرةُ عندَ النحاةِ.
والجنسُ هو الجزء التامُّ المشْتَرَكُ المختلِفُ بالحقيقةِ، وكلامُهُ في تحقيق الجِنْسِ مبنيٌّ على اصْطلاحِ المنطقيينَ، فإنَّهم رسموه بالمقولِ على الكثرةِ المختلفةِ. الحقيقيةِ.
وأمَّا ما ذكره في اسم الجنس فليسَ موافقًا لاصطلاحاتهم، لأنَّه رسَمَهُ برسمِ النوعِ عند أهلِ المنطقِ، وهم لا يُطْلِقُونَ على النوع أنَّه اسمُ جنسٍ، ولم يَبْنِ كلامَهُ هذا على مُصْطَلحِ أهلِ الأصولِ في الجنسِ، فإنَّه يرسمونَهُ بِرَسْمِ النوعِ عند أهلِ المنطقِ، قال: العَضُد في شرحِ مختصرِه على المنتهي:
اعلمْ أن اصطلاح الأصوليينَ (1) في الجنسِ والنوعِ يخالف اصطلاحُ المنطقيينَ، فالمنْدرجُ
(1) انظر (الكوكب المنير)(1/ 147 ـ 148) حيث قال صاحبه: فعلم الجنس يساوي علم الشخص في أحكامه اللفظية من كونه لا يضاف ولا يدخل عليه حرف التعريف، ولا ينعت بنكرة ولا يقبح مجيئه مبتدأ ولا انتصاب النكرة بعده على الحال، ولا يصرف منه ما فيه سببٌ زائدٌ على العلمية.
ويفارقه من جهة المعنى لعمومه: إذ هو خاصٌّ شائع في حالةٍ واحدةٍ مخصوصة باعتبار تعيينه في الذهن وشياعه باعتبار أنَّ لكل شخص من أنواعه أشخاص نوعه قسطًا من تلك الحقيقة في الخارج. ?
وأما الفرق بين علم الجنس واسم الجنس. فقال بعضهم: إن اسم الجنس الذي هو أسدٌ، موضوع لفردٍ من أفراد النوع لا بعينه، فالتعدد فيه من أصل الوضع.
وإن علم الجنس الذي هو أسامةُ، موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن فإذا أطلقت أسدًا على واحدٍ، أطلقته على أصل وضعه، وإذا أطلقت أسامة على الواحد، فإنما أردت الحقيقة، ويلزم من ذلك التعدد في الخارج، فالتعدد فيه ضمنًا لا قصدًا بالوضع. ويتساويا في صدقهما على صورة الأسد. إلا أنَّ علم الجنس وضع لها من حيث خصوصها باستحضارها في الذهن، واسم الجنس وضع لها من حيث عمومها.
انظر: (تسهيل الفوائد)(ص30).
جنسٌ، والآخر نوعٌ، وعند المنطقيِّ بالعكس انتهى. وقد تبيَّنَ بما سلفَ الترادفُ باعتبارِ اصطلاحِ بعضٍ، والتفارقُ باعتبارِ اصطلاحاتِ آخرين. ولا حرج في تفاوُتِ الاصطلاحاتِ لما تقرَّر من أنَّه لا مُُشاحَّةَ فيها. ومن جرَّد النظرَ إلى معناهما اللغويِّ وجدَ الفرقَ بينَهما أوضح من أن يخفى، إذ لا يشكُّ مَنْ له أدنى مَشَكَّةٍ أنَّ المرادَ بالجنسِ المدلولُ وباسمهِ الدالُّ كزيدٍ واسمِ زيدٍ، إلا أنَّ أهلَ الاصطلاحِ لم يلتفتُوا إلى هذا.
وأما الفرقَ بينَهما وبينَ علم الجنسِ، وبينَ الثلاثةِ واسْمِ الجمعِ، وبينَه وبينَ الجمعِ فنقول: إذا قد عرفت مما سلفَ التَّرادُفَ بينَ الجنسِ عند المحققينَ، وأنَّه يُطلقُ كلٌ واحدٍ منهما على ما يُطلقٌ عليه الآخر فالفرقُ بينهما وبين علم الجنس قد وقع فيه اختلاف بين المحققين فقال العلامة السَّعْدُ في المطوَّلِ بما مَحصِّلُةُ أنَّ اسمَ الجنسِ موضوعٌ لواحدٍ من آحاد جنْسهِ، فإطلاقُهُ على الواحدِ إطلاقٌ على أصلِ وَضْعِهِ، وعََلَمُ الجنسِ موضوعٌ للحقيقةِ المتحدةِ في الذهن ، (1) فإذا أطلقتَه على الواحدِ فإنَّما أردتَ الحقيقةَ، ولَزِمَ من إطلاقِهِ على الحقيقةِ باعتبارِ الوجودِ التعدُد ضمنًا [2]. وقال سيِّد المحققينَ في حاشيتهِ على المطوَّلِ: الفرقُ بينَ اسم الجنسِ وعلَمِ الجِنسِ على ما ذكرَهُ يعني السعَّدَ منقولٌ من كلامِ الشيخِ ابن الحاجبِ في شرح المفصَّلِ، وإنما يستقيم على قولِ مَنْ يجعلُ اسْمُ الجِنْسِ موضوعًا للماهيَّةِ مع وَحْدَةٍ لا بعَيْنِها، ويُسمَّى فردًا منتشرًا.
(1) انظر التعليقة السابقة.
وأمَّا من يجعلُهُ موضوعًا للماهيَّة من حيث هي فعنده كلٌّ من اسم الجنس وعَلَمِهِ موضوعًا للحقيقةِ المتحدةِ في الذهنِ، وإنما افْتَرَقا من حيثُ إنَّ عَلَم الجِنْسِ يدلُّ بجوهرِهِ على كونِ تلكَ الحقيقةِ معلومةً للمخاطَبِ، معهودةً عندَه، كما أنَّ الأعلامَ الشخصيةَ تدلُّ بجواهرِها على كونِ الأشخاصِ معهودةً له. وأما اسمُ الجِنْسِ فلا يدلُّ علي ذلكَ بجوهِرِه، بل بالأدلةِ إن كانتْ.
وقيلَ: إنَّ اسمَ الجنسِ وُضِعَ لمعني مشتركٍ بينَ أفرادِ الطبيعةِ باعتبارِ اشْتراكِها، وعَلَمُ الجِنْسِ وُضِعَ لِنَفسِ الطبيعةِ باعتبارِ تميُّزِها عن الغيْر، فالوضعُ على الطبيعةِ باعتبار كُلَّيَّتِها اسمُ الجنسِ، وباعتبارِ جُزئيَّتِها عَلَمُ الجنسِ.
وقد أوردَ المحققُ الرضيُّ في الفرقِ بينَهما مادةً نفيسةً في بحثِ الأعلامِ فرَاجعْهُ. وذهب ابنُ مالكٍ في شرح التسهيل إلى أنَّه لا فرقَ بينهما إلَاّ من حيثُ اللفظُ، لا من جهة المعني ومرادُهُ بقولِهِ: من حيثُ اللفظُ أنَّ عَلَمَ الجِنْسِ يمتنعُ من الصرفِ مع عِلَّةٍ أُخرى، ويقعُ مبتدأ بلا مسوِّغٍ، ويجيءُ منْهُ الحالُ بلا مسوِّغٍ أيضًا. ويمتنعُ تعريفه باللامِ خلافَ اسْمِ الجنسِ، والجِنْسُ في ذلكَ كلِّه. وإلى مثلِ هذا ذهبَ أبو حيانَ، وذهبَ جمعٌ من المحققينَ النحويينَ والأصوليينَ كالتَّقي السُّبُكيِّ، والبرماويِّ، وابنِ الحاجبِ في المفصَّلِ، والجلالِ السيوطيِّ في هُمْعِ الهوامعِ، والشيخِ زكريا، والفاكهيِّ، وهو الذي أشار إليه سيبويه في كتابِه، وهو الذي عليهِ جمهورُ المتأخرينَ إلى أنَّ بينَهما فرقًا معنويًّا. وذكر فُرُوقًا متقاربةً أحسنُها ما قدِّمنا ذِكْرَهُ. قالوا: وهو أيْ عَلَمُ الجِنْسِ باعتبارِ مُسمَّياتِهِ ثلاثةُ أنواعِ (1): ما وُضِعَ لأعيانٍ لا تُوْلَفُ كأسامةُ للأسدِ وما وُضِعَ لأعيانٍ تَوْلَفُ كأبي الحجَّاجِ للفيلِ، وأبي صفوانَ للجملِ، وما وُضِعَ لأمورِ معنوية كيَسَارِ للميسرةِ، وفَجَارِ
(1) انظره في (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك)(1/ 122)، (شرح شذور الذهب)(ص179ـ 180).
للمفْجَرةِ.
إذا تقرَّر لكَ هذا فاعلم أنَّ النسبةَ بينَ اسمِ الجنسِ وعلَمِ باعتبارِ ما هُوَ الأَوْلَي من وجوه الفرقِ بينَهما هي أنَّ اسْمَ الجنس أعمُّ مطلقًا مِنْ عَلَمِ الجنسِ، لأنه موضوعٌ للماهيَّةِ مطلقًا، أعمُّ من أنْ يكونَ موجودُهُ ذِهْنًا فقط، أو ذهنًا وخارِجًا، لكنَّه إنِ اعْتُبِرَ دلالتُهُ عليها لا معَ قيدِ فهوَ المطلقُ، وعمومُهُ شموليٌّ كعمومِ كلِّ، وإنْ اعتُبِرَا مع قيدِ الوحدةِ فهو النكرةُ، وعمومُهُ بدليٌّ كعمومِ رجلٍ.
وأمَّا عَلَمُ الجنسِ فهو أخصُّ مُطْلَقًا، لأنَّهُ موضوعٌ للماهيَّةِ الذهنيةِ فقط، التي لا تُعْقَلُ في الخارجِ بحالٍ، وأمَّا عَلَمْ الشخصِ فهوَ ما وُضِعَ لفردٍ معيَّنٍ من أفرادِ الماهيَّةِ بحيثُ لا يتناولُ غيرَهُ، فهوَ أخصُّ مطلقًا من اسم الجنسِ وعلَمِهِ.
وأمَّا باعتبارِ اللغةِ فالفرقُ ظاهرٌ لا يخفى، لأنَّ علَمَ الجِنْسِ ما وُضِعَ للدلالة علي الجِنْسِ بعينِهِ دونَ غيرهِ، واسمُ [3] الجِنْسِ ما وُضِعَ للدلالةِ على الجنسِ مطلقًا. وأما الفرقُ بينَ اسمِ الجنسِ واسْمِ الجمع ِ فقد قال المحقِّقُ الرَّضِيُّ في بابِ الجمعِ: والفرقُ بينَ اسمِ لجنسِ واسمِ الجمعِ مع اشتراكِهما في أنَّهما ليسَا على أوزانِ جموعِ التكسير (1) لا الخاصَّةِ بالجمعِ كأفْعِلَةٍ وأفْعالٍ، ولا المشهورةِ فيهِ كفعلهَ نحوه (نسوة) أنَّ اسْمِ الجمعِ لا يقعُ على الواحدِ والاثنينِ، بخلافِ اسْمِ الجنسِ، وأن الفرْقَ بينَ واحدِ اسْمِ الجنسِ وبينَه فيما له واحدٌ أنَّه يُميَّزُ إمَّا بالتاء أو بالياء، بخلافِ اسْمِ الجمعِ انتهي.
ويُشْكِلُ على هذا الفرقِ الكَلِمُ، فإنَّه مما يُميَّزُ واحدُه بالتاء، ولا يقعُ في الاستعمال إلَاّ على ما فوقَ الاثنينِ، كما صرَّحَ بهِ الرَّضيُّ نفسُهُ في أوَّلِ شرْحِهِ للكافيةِ، فملاحظةُ عدمِ صحةِ إطلاقِهِ إلَاّ على ما فوقَ الاثنينِ يُلْحِقُهُ باسْمِ الجمعِ، وملاحظةُ تبيُّنِ واحدِهِ بالتاء يُلْحِقُهُ باسمِ الجنسِ، اللَّهمَّ إلَاّ أنْ يُجْعَلُ الكلِمُ واسطةً بينَهما كما قال ابن هشامٍ في أوضح المسالك (2) أنَّه اسْمُ جِنْسٍ جَمْعيٍّ، ومعنى كونِه اسْمِ جِنْسٍ أنه يدلُّ علي جماعةٍ
(1) انظر (شرح شافية ابن الحاجب)(2/ 192 ـ 196).
(2)
(1/ 113).
سواء أزيْدُ على لفظه تاءُ التأنيثُ نقصَ معناه، وصارَ دالاً على الوحْدةِ، ونظيرُهُ لَبِنٌ ولبنةٌ ونَبِقٌ ونَبِقَةٌ.
وأما الفرقُ بينَ عَلَمِ الجِنْسِ واسْمِ الجمعِ فواضحٌ، لأنَّ عَلَمَ الجِنْسِ موضوعٌ للحقيقة المتَّحدِة في الذهنِ كما سبقَ، سواءٌ مُشْخَصَاتُها قليلةٌ أو كثيرةٌ، لأنَّ القِلَّةَ والكَثْرَةَ غيرُ داخليْنِ في نظرِ الواضِعِ، بخلافِ اسْمِ الجمعِ، فإنه لفظٌ مفردٌ موضوعٌ لمعنى الجمعِ فقط.
وأما الفرقُ بينَ الجمعِ واسْمِ الجمعِ فقد صرَّحَ بهِ الرَّضيُّ وغيرُهُ من شُرَّاحِ الكافيةِ (1) في شرحِ قولِ ابنِ الحاجِبِ: المجموعُ ما دلَّ على آحادِ مقصودِهِ بحروفٍ مُفْرَدَةٍ لأنَّ اسْمَ الجمعِ لم يدلَّ على الآحادِ بحروفٍ مفردةٍ، وهو ظاهرٌ.
وذكر الرضيُّ أيضًا أنَّه لا فرقَ بينَ الجمعِ واسْمِ الجمعِ إلَاّ من حيث اللفظُ، وذلك لأنَّ لفظَ اسْمِ الجمعِ مفردٌ بخلافِ الجمعِ لا في المعنى، فإنَّ دلالَتَهُما على ما تحتَهما من الأفراد واحدةٌ، وهذا باعتبارِ الاصطلاحِ لا باعتبار المعنَى اللغويِّ، فإنَّ الجمعَ هو المدلولُ واسْمُ الجمعِ هو الدالُّ، وكذلكَ اسْمُ الجنسِ مغايرٌ لاسْمِ الجمع لغةً، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما اسمُ المسمَّي مغايرٌ للمسمَّى، الآخَرُ. ولكنَّ المدلولَ اللغويَّ في جميعِ هذهِ الأطرافِ غيرُ مُرادٍ، وإنَّما نبَّهْنَا عليهِ تكميلاً للفائدةِ. وفي هذا المقدار كفايةٌ، إن كان المقامُ محتَمِلاً للتطويلِ. منقولةٌ من نُسخةِ المؤلِّفِ ـ حفظه الله تعالى ـ. [4]
(1)(3/ 434) حيث قال الرضي قوله: (ما دل على آحاد) يشمل المجموع وغيره، من اسم الجنس كـ (تمرة) و (نخل) واسم الجمع: ـ (رهط) و (نفر) والعدد، لـ (ثلاثة) و (عشرة) ومعني قوله (مقصوده بحروف مفردة بتغيير ما) أي: تُقصد تلك الآحاد، ويدل عليها بأن يؤتي بحروف مفرد ذلك الدال عليها، مع تغيير ما في تلك الحروف إمّا تغيير ظاهر أو مقدر، فالظاهر إمَّا بالحرف كـ (مسلمون) أو بالحركة كـ (أُسْد في أسَد) أو بهما لـ (رجال) و (غُرَف) والتغيير المقدَّر كـ (هِجان) و (فُلْك).
وخرج بقول: (مقصودة بحروف مفردة بتغيير ما) اسم الجمع نحو (إبل) و (غنم) لأنها وإن دلت على آحاد، لكن لم يقصد إلى تلك الآحاد بأن أخذت حروف مفردها وغيَّرت بتغيير ما، بل آحادها ألفاظ من غير لفظها لـ (بعير) و (شاة).