المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلام في فن المعاني والبيان(تعليق من الشوكاني على كلام صاحب الفوائد الغياثية) - الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - جـ ١٢

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌بحث في الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم

- ‌سؤال وجواب عن الصلاة المأثورة على رسول الله صلي الله عليه وسلم

- ‌طيب الكلام في تحقيق لفظ الصلاة على خير من حملته الأقدام

- ‌بحث في الأذكار الواردة في التسبيح

- ‌نزهة الأبصار في التفاضل بين الأذكار

- ‌الاجتماعُ على الذكرِ والجهرِ بهِ

- ‌سؤال وجواب عن أذكار النوم

- ‌ اللغة العربية وعلومها

- ‌جواب الشوكاني على الدماميني

- ‌سؤال: عن الفَرْقِ بينَ الجِنْسِ واسْمِ الجِنْسوبينَهما وبينَ عَلَمِ الجِنْسِ.وبينَ اسمِ الجِنْسِ واسْمِ الجمْعِوبينَ اسْمِ الجمْعِمع الجواب للشوكاني

- ‌بحث في تبادر اللفظ عند الإطلاق

- ‌نُزهةُ الأحداق في علم الاشتقاق

- ‌كلام في فن المعاني والبيان(تعليق من الشوكاني على كلام صاحب الفوائد الغياثية)

- ‌الروضُ الوسيع في الدليل المنيع على عدم انحصارِ علمِ البديع

- ‌بحث في الرد على الزمخشري في استحسان المُرِبَّةَ

- ‌فتح القدير في الفرق بين المعذرة والتعذير

- ‌الطود المنيف في ترجيح ما قاله السعدعلى ما قاله الشريف من اجتماع الاستعارةالتمثيلية والتبعية في قوله تعالى:{(أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}

- ‌جيد النقد بعبارة الكشاف والسعد

- ‌القول الصادق في ترتيب الجزاء على السابق

- ‌فائق الكسا في جواب عالم الحسا

- ‌فَتْحُ الخَلَاّقِ في جواب مسائل الشيخ العلامة عبد الرزاق الهندي

- ‌بحث فيما زاده الشوكاني من أبيات شعرية صالحة للاستشهاد بها في المحاورات وعند المخاصمات وأضافها إلى ما يصلح لهذه الأغراض في ديوان ابن سناء الملك

- ‌بحث في سيحون وجيحون وما ذكره أئمة اللغة في ذلك ويليه مناقشة لبعض أهل العلم في البحث السابق ثم جواب المناقشة السابقة

- ‌الحد التام والحد الناقص (بحث في المنطق)

الفصل: ‌كلام في فن المعاني والبيان(تعليق من الشوكاني على كلام صاحب الفوائد الغياثية)

(203)

10/ 5

‌كلام في فن المعاني والبيان

(تعليق من الشوكاني على كلام صاحب الفوائد الغياثية)

تأليف

محمد بن علي الشوكاني

حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديث

محمد صبحي بن حسن حلاق

أبو مصعب

ص: 6055

وصف المخطوط

1 ـ عنوان الرسالة من المخطوط: كلام في فن المعاني (تعليق من الشوكاني على كلام صاحب الفوائد الغياثية).

2 ـ موضوع الرسالة: لغة عربية.

3 ـ أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم عبارة صاحب الفوائد الغياثية وشارحها في المقدمة، وإنما احتاج في تطبيق الكلام على مقتضي الحال.

4 ـ آخر الرسالة: فإن في كلام العرب نظمًا ونثرًا ما مثل ذلك، ويختلف باختلاف المسميات. والله أعلم انتهى من خط محرره سلمه الله تعالي.

5 ـ نوع الخط: خط نسخي جيد.

6 ـ عدد الصفحات: 2 صفحتان.

7 ـ عدد الأسطر في الصفحة: الأولي: 19 سطرًا.

الثانية: 10 أسطر.

8 ـ عدد الكلمات في السطر: 19 ـ 20 كلمة.

9 ـ الرسالة من المجد الخامس من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.

ص: 6057

بسم الله الرحمن الرحيم

عبارةُ صاحب الفوائد الغياثيةِ (1) وشارِحها في المقدمة، وإنما احتج في تطبيق الكلام على مقتضي الحال [إلى علم الآن](2) المقامات، أعني بها الأقوالَ ليست كلُّها على نهج واحد، حتى يُستغني عن معرفة تفاصيلها، فإنَّ المقاماتِ مختلفةٌ، كالجدِّ مع الهزْلِ، والتواضعِ مع الفخْرِ، والمدح مع الذّم، والشكر مع الشكايةِ، والتهنئة مع التعزية، والترغيب مع الترهيبِ إلى غير ذلكن فيختلف ما يناسبُ كلاًّ من ذلك، وكل يستدعي تركيبًا يفيد ما يناسبه. هذا واضح لكن مقتضياتِ الأحوالِ المذكورة مما لم يضبط بعد فيما رأيناه من كتب الظنِّ، وإنما دوَّنوا الأقوالَ المقتضيةَ للحالات المخصوصة الإسنادَ والمسندَ إليه والمسندَ مثلاً، وهذا لا يغني عن ذلكَ، ولئن ساعدَ التوفيق، ووافق التقدير سأنتهض لذلك بعد الفراغ مما شرعت فيه، والله ـ سبحانه ـ ميسِّر كلَّ عسيرٍ انتهى، والمطلوب منكم تحقيقُ هذه المقاماتِ الخارجة عمَّ دُوِّن. كتب عليه مولانا شيخ الإسلام الحافظ عزُّ الأنامِ محمد بن علي الشوكاني ـ سلمه الله تعالي ـ:

اعلم أنَّ فنَّ المعاني (3) .....................................

(1)(الفوائد الغياثية في المعاني والبيان)، للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الأيجي المتوفي سنة 756هـ لخصها من القسم الثالث من (مفتاح العلوم) ونسبها إلي غياث الدين وزير سلطان محمد خدا بنده وشرحه شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني المتوفي سنة 786هـ.

(كشف الظنون)(6/ 1299).

(2)

العبارة اعتراها تقديم وتأخير. ولعلها إلى الآن، علم].

(3)

علم المعاني: هو علمٌ يعرف به أحوال الكلام العربيّ التي تهدي العالم بها إلى اختيار ما يطابق منها مقتضي أحوال المخاطبين، رجاء أن يكون ما ينشئ من كلام أدبي بليغًا.

ويدور هذا العلم حول تحليل الجملة المقيدة إلى عناصرها، والبحث في أحوال كل عنصر منها في اللسان العربي، ومواقع ذكره وحذفه، وتقديمه وتأخيره ومواقع التعريف والتنكير، والإطلاق والتقيد، والتأكيد وعدمه، ومواقع القصر وعدمه، وحول الجمل المقيدة ببعضها، بعطف أو بغير عطف ومواقع كل منهما ومقتضياته، وحول كون الجملة مساوية في ألفاظها لمعناها أو أقلّ منه، أو زائدًا عليه، ونحو ذلك:

(معجم البلاغة العربية)(1/ 138 ـ 139) عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني.

قال الخطيب القزويني في (الإيضاح في علوم البلاغة)(ص15): علم المعاني هو ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره.

والمقصود من علم المعاني منحصر في ثمانية أبواب:

1 ـ أحوال الإسناد الخبري.

2 ـ أحوال المسند إليه.

3 ـ أحوال المسند.

4 ـ أحوال متعلقات الفعل.

5 ـ القصر.

6 ـ الإنشاء.

7 ـ الفصل والوصل.

8 ـ الإيجاز والإطناب والمساواة.

انظر (جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع)(ص3).

ص: 6061

والبيان (1) والعلم الذي به تبين دقائق العربية وأسرارُها، وقد أوعت فيه أئمتُه بحيث لم

(1) البيان: لغة الكشف والتوضيح والظهور، وهو في الاصطلاح عبارة عن المنطق الفصيح المعبر عما في الضمير.

والبيان عند البلاغيين: هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بتراكيب مختلفة في وضوح الدلالة على المعنى المراد، بأن تكون دلالة بعضها أجلى من بعض. ?

وسمّي (علم البيان) لأن له مزيد تعلُّ بالوضوح والبيان، من حيث أن علم البيان يعرف به اختلاف طرق الدلالة في الوضوح والبيان.

وكثيرٌ من البلاغيين يسمَّي علوم البلاغة الثلاثة ـ المعاني والبديع ـ علم البيان، لتعلقها جميعًا بالبيان. وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير وبعضهم يسمي (البيان والبديع) تغليبًا للبيان المتبوع على البيان التابع. وهذا يقع كثيرًا في كلام الزمخشري في (الكشاف).

والفصاحة والبلاغة والبيان، ألفاظ تشترك في كثير من المعاني، ويختص كل واحد منها بما ليس للآخر.

لكن الفصاحة: أصلها الخلوص من الشوائب، لقولهم: أفصحَ اللبنُ وفَصحُ. إذا خلص من اللباء. وذلك في الكلام لا يكاد ينفك عن أن يكون بيّنًا. فالفصاحة أعم من البيان من وجه. والبيان أعمّ من الفصاحة من وجه.

فإنَّ البيِّن قد لا يكون كلامًا، والخالص من الشوائب قد لا يكون بيِّنًا. وكذلك البلاغة مع كل من الفصاحة والبيان، ومعنى البلاغة انتهاء الشيء إلى غايته المطلوبة، وكل واحد من الألفاظ الثلاثة يستعمل في الكلام وفي غيره.

والكلام في هذه المعاني الثلاثة هو بالنسبة إلى وقوعها في الكلام لا غير.

فالفصاحة تكون بالنسبة إلى اللفظ من وجهين:

أحدهما: أن يخرج المتكلم الحروف من مخارجها، ويخلّص بعضها من بعض.

الثاني: أن يكون اللفظ مما تداوله فصحاء العرب، وكثر في كلامهم.

وتكون الفصاحة أيضًا بالنسبة إلى المعنى وهو أن يكون الكلام مخلصًا من غيره.

والبلاغة تتعلق بالمعنى فقط، وهو أن يبلغ المعنى في نفس السامع مبلغة، ومما يعين على ذلك الفصاحة في كلام العرب، لا أن الفصاحة من أجزاء البلاغة فإنَّ الأعجمي إذا كلّم الأعجمي، فبلغ المعنى غاية مبلغه كان كلامه بليغًا. ووصف بالبلاغة، وكلامه ليس من كلام العرب.

والبيان في عرف الكلام أتمّ من كل واحد من الفصاحة والبلاغة، لأن كل واحد منهما من مادته، وداخل في حقيقته ولذلك قلنا (علم البيان) وتكلمنا فيه في الفصاحة والبلاغة وغيرهما، ولم يوضع علم للفصاحة، ولا علم للبلاغة.

والبيان عند البلاغيين ـ كم تقدم ـ علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه. ?

فمثال إيراد المعنى بطرق مختلفة، في باب (الكناية) أن يقال في وصف زيد بالجود مثلاً: زيد مهزول الفصيل، وزيد جبان الكلب، وزيد كثير الرماد.

فهذه التراكيب تفيد وصفه بالجود على طريق الكناية، لأن هزال الفصيل إنّما يكون بإعطاء لبن أمه للأضياف. وجبن الكلب ولا يتجاسر عليه، وهو معنى جبنه، وكثرة الرماد من كثرة الإحراق للطبائخ من كثرة الأضياف. وهي مختلفة وضوحًا، وكثرة الرماد أوضحها، فيخاطب به عند المناسبة كأن يكون المخاطب لا يفهم بغير ذلك. ?

ومثال إيراده بطرق (الاستعارة) أن يقال مثلاً في وصفه بالجود: رأيت بحرًا في الدار، في الاستعارة (التحقيقية وطم زيد بالإنعام جميع الأنام، في الاستعارة بالكناية، لأن الطموم، وهو الغمر بالماء من وصف البحر، فدلَّ على أنّه أضمر تشبيهه بالبحر في النفس، وهو الاستعارة بالكناية، ولجة زيد تتلاطم أمواجها. وذلك مما يدل علي إضمار التشبيه في النفس أيضًا وأوضح هذه الطرق الأوَّل، وأخفاها الوسط. ـ

ومثال إيراده في التشبيه أن يقال: زيد كالبحر في السخاء. وزيد بحر. وأظهرها ما صرَّح فيه بالوجه، وأخفاها ـ وهو أوكدها ـ ما حذف فيه الوجه والأداة معًا. فيخاطب بكل من هذه الأوجه في هذه الأبواب بما يناسب المقام من الخفاء والوضوح. ويعرف ذلك بهذا الفن.

ومما تقدم يعلم أن (البيان) يطلق على معنيين:

1): معنى أدبي واسع يشمل الإفصاح عن كل ما يختلج في النفس من المعاني والأفكار والأحاسيس والمشاعر بأساليب لها حظها الممتاز من الدقة والإصابة والوضوح والجمال، وهو بهذا التعميم يجمع فنون البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع.

2): معنى علمي محدود وهو التعبير عن المعنى الواحد بطريق الحقيقة أو المجاز أو الكناية، كما سلف.

وقد حصر البلاغيون أصول علم البيان في أربعة أصول هي:

1 ـ أصلان ذاتيان. وهما المجاز، والكناية.

2 ـ أصل واحد وسيلة وهو التشبيه.

3 ـ أصل واحد جزء من أصل، وهو الاستعارة.

انظر: (معجم البلاغة العربية)(100/ 103)، (الإيضاح في علوم البلاغة) للخطيب القزويني (ص201 ـ 203)، (جواهر البلاغة في (المعاني والبلاغة والبديع)(ص197). ?

واعلم أنه واضع علم البيان أبو عبيدة الذي دوَّن مسائل هذا العلم في كتابه المسمَّى (مجاز القرآن) وما زال ينمو شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى الإمام: عبد القاهر، فأحكم أساسه وشيَّد بناءه، ورتَّب قواعده وتبعه الجاحظ وابن المعتز وقدامة بن جعفر، وأبو هلال العسكري.

وثمرته الوقوف على أسرار كلام العرب (منثوره ومنظومه) ومعرفة ما فيه من تفاوت في فنون الفصاحة، وتباين في درجات البلاغة التي يصل بها إلى مرتبة إعجاز القرآن الكريم الذي حار الجنُّ والإنس في محاكاته، وعجزوا عن الإتيان بمثله.

انظر: (جواهر البلاغة)(ص198).

ص: 6062

يدعو شيئًا مما يحتاج إليه، وبيان ذلك أنهم أولاً ذكروا حدَّ البلاغة والفصاحةِ، (1) وما ينافيها حتى صارتا معلومتينِ لكل فاهم. ثم بعد ذلك ذكروا حدَّ علم المعاني بحيث ينطبقُ على ما يصدُقُ عليه مفهوم هذا العلم، وأوضحوا ذلك بذكر أحوال الإسناد (2) والمسندِ (3) .......................

(1) البلاغة في المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ، أي كيفية راسخة في النفس يقدر بها صاحبها على أن يؤلف كلامًا مطابقًا لمقتضى الحال فصيحًا في أي معنى قصده، وفي أي نوع أراده، فلو لم يكن ذا ملكة يقتدر بها على ما ذكر لم يكن بليغًا على قياس ما سيأتي في الفصاحة.

ومن تأمَّل ما سبق عَلِمَ أن البلاغة أخصّ، والفصاحة أعم، وأنَّ كل ما يطلق عليه لفظ (البليغ) كلامًا كان أو متكلمًا يطلق عليه لفظ (الفصيح) يطلق عليه لفظ (البليغ) لجواز أن يكون كلام فصيح غير مطابق لمقتضى الحال، أو متكلم ذو ملكة يقتدر بها على الفصيح الغير المطابق لمقتضى الحال. وليعلم أن البلاغة يتوقف حصولها وتحققها على حصول أمرين:

1 ـ الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المقصود، إذ ربما أدّى المعنى المراد بلفظ غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغًا.

2 ـ تمييز الكلام الفصيح من غيره، إذ ربما أورد الكلام المطابق لمقتضى الحال غير فصيح، لاختلال ركن من أركان فصاحة الكلام فيه، فلا يكون بليغًا.

فمسّت الحاجة إلى علمين يحترز بهما عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، وعن التعقيد المعنوي المخلّ بفصاحة الكلام والأول منهما هو (علم المعاني) والثاني:(علم البيان) ويسمّيان بعلمي البلاغة. ولما كان (علم البديع) به تعرف وجوه تحسين الكلام جعل تابعًا لهذين العلمين، حتى تعرف طرق التحسين الذاتي بهما، والعرضيِّ به، فانحصر المقصود من علمي البلاغة وتوابعها في ثلاث فنون.

(معجم البلاغة العربية)(ص88).

(2)

الإسناد الخبري: هو ضمّ كلمة أو ما يجري مجراها ـ كالجملة الواقعة موقع مفرد ـ إلى أخرى على وجه يفيد أن مفهوم إحداهما ثابت لمفهوم الأخرى، أو منفي عنه.

نحو: (الحزم نافع) ونحو عليٍّ أخلاقه (حسنه) وعلي حسنته أخلاقه ونحو ما علي بخائن.

وانظر مزيد تفصيل: (جواهر البلاغة)(ص40).

(3)

المسند يكون مفردًا لا جملة، لكونه غير سببي، ولم يقصد به تقوية الحكم نحو:(عليٌّ مسافر) فأما السببي نحو: (زيد أبوه منطلق) أو (انطلق أبوه) وما شاكل ذلك من كل جملة واقعة خبرًا عن مبتدأ يربطها به عائد غير مسند إليه في تلك الجملة، فيبقي جملة لتعينها في الإخبار، وكذلك ما قصد به تقوية الحكم، فلا يعدل عنه إلى المفرد، حتى لا تزول التقوية إذا أُفرد.

ويكون المسند فعلاً تقييده على أخصر وجه مع إفادة التجدد بأحد الأزمنة الثلاثة: الماضي، وهو الزمان الذي قبل الذي أنت فيه. والمستقبل، وهو ما يترتب وجوده بعد هذا الزمان.

والحال: وهو في عرف أهل العربية أجزاء متعاقبة من أواخر الماضي، وأوائل المستقبل، قد تطول وقد تقصر، بحسب اختلاف الفعل في نحو قولنا:(زيد يصلّي، أو يحجّ) مرادًا بذلك الحصول في الحال.

ويكون اسمًا لإفادة الثبوت لأغراض تتعلق بذلك، كما في مقام المدح فقولنا:(زيد مكرم لضيفه) يدل على ثبوت أكرام الضيفان لزيد، من غير نظر إلى زمان ولا تجدد بعد عدم، ولا كذلك قولنا:(زيد أكرم أو يكرم ضيفه) فإنّه يدل علي حصول في الماضي، وثانيًا علي حصول في الحال أو في المستقبل بعد أن لم يكن.

ويكون المسند جملة للأغراض الآتية:

1) تقوية ثبوت المسند للمسند إليه، أو نفيه عنه نحو:(زيد قام) ويختص التقوي بما يكون مسندًا إلى ضمير المبتدأ المعتد به كما في المثال السابق. وسبب التقوي تكرر الإسناد.

2) كون المسند سببيًّا، نحو:(زيد أبوه قائم) و (عليّ أكرمته).

3) كون المسند إليه ضمير شأن نحو: (هو الله أحد).

4) إرادة التخصيص. نحو: أنا سعيت في حاجتك، فالتقوية وإن كانت حاصلة هنا ليست مقصودة لذاته.

وتكون جملة المسند اسمية لإفادة الثبوت، وفعلية لإفادة التجدد والحدوث في أحد الأزمنة الثلاثة على أخصر وجه، وشرطية للاعتبارات المختلفة الحاصلة من أدوات الشرط في نحو: زيد إن تلقه يكرمك) أو إذا لقيته يكرمك فقد أخبرت أولاً بالإكرام الذي يحصل على تقدير اللقاء المشكوك فيه، وثانيًا بالإكرام الحاصل على تقدير وقوع اللقاء المحقق.

ومواضع المسند ثمانية:

1 ـ خبر المبتدأ: نحو (قادر) من قوله: (الله قادر).

2 ـ اسم الفعل: نحو هيهات، وَيْ، آمين.

3 ـ الفعل التام: نحو (حضر) من قولك: حضر الأمير.

4 ـ المبتدأ الوصف المستغني عن الخبر بمرفوعه: نحو (عارف) من قولك: (أعارفٌ أخوك قدر الإنصاف؟).

5 ـ وأخبار النواسخ (كان ونظائرها) و (إنَّ ونظائرها).

6 ـ والمفعول الثاني لظنَّ وأخواتها.

7 ـ والمفعول الثالث لأرى وأخواتها.

8 ـ والمصدر النائب عن فعل الأمر.

انظر: (جواهر البلاغة)(ص41)، (معجم البلاغة العربية)(ص286).

ص: 6065

والمسندِ إليه، (1) وأحوال متعلِّقاتِ الفعلِ، والقصرَ (2)، ....................................................

(1)(1) المسند إليه: ويسمي (المحكوم عليه) أو المتحدث عنه، وله ستة مواضع:

1 ـ الفاعل للفعل التام.

2 ـ أسماء النواسخ: كان وأخواتها وإن وأخواتها.

3 ـ والمبتدأ الذي له خبر.

4 ـ والمفعول الأول لظنّ وأخواتها.

5 ـ والمفعول الثاني لأرى وأخواتها.

6 ـ ونائب الفعل.

انظر: (البلاغة العربية)(1/ 182).

(2)

القصر: لغةً الحبس: واصطلاحًا: هو تخصيصُ أمرٍ بآخر بطريق مخصوص.

أو هو إثبات الحكم لما يذكر في الكلام ونفيه مما عداه بإحدى الطرق الآتية:

1 ـ العطف بل مثل: محمدٌ شاعر لا كاتب. المقصور عليه: هو المقابل لما بعد (لا).

2 ـ العطب ببل ولكن: مثل: ما خالد شاعرًا بل محمد ما محمد كاتبًا بل شاعرًا. ما محمد مقيمًا لكن مسافرًا.

3 ـ النفي والاستثناء: مثل: ما محمد إلا شاعر. وما شاعر إلا محمد، والمقصود عليه هو ما بعد (إلا).

4 ـ إنما: مثل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .

5 ـ تقديم ما حقه التأخير: نحو: {(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)} .

انظر مزيد تفصيل: (جواهر البلاغة)(ص 146ـ 147) ، (معجم البلاغة العربية)(ص 544ـ 555).

ص: 6067

والإنشاء (1) والفصل (2)، ..........................................................................

(1) الإنشاء: لغة الإيجاد. واصطلاحًا ما لا يحتمل الصِّدق والكذب لذاته نحو اغفر دارهم، فلا يُنسب إلى قائله صدق أو كذب. وإن شئت فقل في تعريف الإنشاء ما لا يحصل مضمونه ولا يتحقَّق إلا إذا تلفظت به، فطلب الفعل في (أفعل) وطلب الكفِّ في (لا تفعل) وطلب المحبوب في (التمني) وطلب الفهم في الاستفهام، وطلب الإقبال في (النداء) كل ذلك ما حصل إلا بنفس الصيغ المتلفظ بها. وينقسم إلى نوعين: إنشاء طلبي، وإنشاء غير طلبي.

الإنشاء غير الطلبي: ما لا يستدعي مطلوبًا غير حاصل وقت الطلب كصيغ المدح والذم، والعقود والقسم، والتعجُّب، والرجاء، وكذا رُبّ، ولعلّ، وكم الخبرية ولا دخل لهذا القسم في علم المعاني.

الإنشاء الطلبي: وهو الذي يستدعي مطلوبًا غير حاصل في اعتقاد المتكلم وقت الطلب ويكون بخمسة أشياء: الأمر، والنهي والاستفهام، والتمني والنداء. (جواهر البلاغة)(ص161ـ 163).

(2)

العلم بمواقع الجمل، والوقوف على ما ينبغي أن يصنع فيها من العطف والاستئناف والتهدي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها، أو تركها عند عدم الحاجة إليها صعب المسلك، لا يوفَّق للصواب فيه إلَاّ من أوتي قسطًا وافرًا من البلاغة وطبع على إدراك محاسنها، ورزق حظًا من المعرفة في ذوق الكلام وذلك لغموض هذا الباب ودقة ملكه. وعظيم خطره، وكثير فائدته، يدل هذا أنهم جعلوه حدًا للبلاغة، فقد سئل عنها بعض البلغاء فقال: هى (معرفة الفصل والوصل. فالوصل عطف جملة على أخرى بالواو ونحوها، والفصل تركك هذا العطف والذي يتكلم عنه علماء المعاني هنا العطف (بالواو) وخاصة دون بقية حروف العطف، لأن الواو هى الأداة التي تخفى الحاجةُ إليها ويحتاج العطف بها إلى لطف فهم ودقّة في الإدراك

).

مواضع الفصل: من حقِّ الجمل إذا ترادفت ووقع بعضها إثر بعض أن تربط بالواو لتكون على نسق واحد، ولكن قد يعرض لها ما يوجب ترك الواو فيها ويسمى هذا فضلاً ويقع في خمسة مواضع.

1) أن يكون بين الجملتين اتحادٌ وامتزاجٌ معنوي حتى كأنهما أفرعا في قالب واحد، يسمى ذلك كمال الاتصال.

2) أن يكون بين الجملتين تباينٌ تامّ بدون إبهام خلاف المراد ويسمّى ذلك كمال الانقطاع.

3) أن يكون بين الجملة الأولى والثالثة جملة أخرى متوسطة حائلة بينهما، فلو عطفت الثالثة على (الأولى المناسبة لها) لتوهم أنها معطوفة على (المتوسطة) فيترك العطف، ويسمّى كمال الانقطاع.

4) أن يكون بين الجملتين تناسبٌ وارتباط لكن يمنع من عطفهما مانع وهو عدم قصد اشتراكهما في الحكم ويسمى (التوسط بين الكمالين).

فائدة: قيل للفارسي: ما البلاغة؟ فقال: معرفة الفصل والوصل.

وقال المأمون لبعضهم: من أبلغ الناس؟ قالوا: من قرَّب الأمر البعيد المتناول، والصَّعب الدَّرك بالألفاظ اليسيرة.

(معجم البلاغة العربية)(ص512 ـ 513)، (جواهر البلاغة)(ص162 ـ 163).

ص: 6068

والوصل (1) ..............................................

(1) انظر التعليقة السابقة.

يقع الوصل في ثلاثة مواضع:

1) إذا اتفقت الجملتان في الخبرية والإنشائية لفظًا ومعنى أو معنى فقط، ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما، وكانت بينهما مناسبةً تامة كقوله تعالي:{(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)} .

وقوله تعالى: {فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} .

وقوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} .

أي: إني أشهد الله وأشهدكم فتكون الجملة الثانية في هذه الآية إنشائية لفظًا، ولكنها خبرية في المعنى.

2) إذا اختلفت الجملتان في الخبرية والإنشائية وكان الفصل يوهم خلاف المقصود، كما تقول مجيبًا لشخص بالنفي (لا وشفاه الله).

ـ فجملة شفاه الله خبرية لفظًا إنشائية معنى العبرة بالمعنى ـ لمن يسألك هل بريء عليٌّ من المرض؟ فترك الواو يوهم السامع الدعاء عليه وهو خلاف المقصود لأن الغرض الدعاء له.

ولهذا وجب أيضًا الوصل وعطف الجملة الثانية على الأولى لدفع الإبهام، وكلٌّ من الجملتين لا محل له من الإعراب.

3) إذا كان للجملة الأولى محلٌّ من الإعراب وقصد تشريك الجملة الثانية لها في الإعراب حيث لا مانع نحو: عليٌّ يقول ويفعل.

فجملة يقول في محل رفع خبر المبتدأ، وكذلك جملة: ويفعل معطوفة على جملة يقول وتشاركها بأنها في محل رفع خبر ثان للمبتدأ.

انظر: (معجم البلاغة العربية)(512 ـ 513)، (جواهر البلاغة)(ص159 ـ 160).

ص: 6069

والإيجاز (1) .....................................................

(1) الإيجاز: لغة: اختصار الكلام وتقليل ألفاظه مع بلاغته. يقال لغة: أوجز الكلام إذا جعله قصيرًا ينتهي من نطقه بسرعة.

ويقال: كلام وجيز، أي خفيفٌ قصير. ويقال: أوجز في صلاته إذا خفَّفها ولم يُطل فيها. الإيجاز في اصطلاح علماء البيان هو: اندراج المعاني المتكاثرة تحت اللفظ القليل. وأصدق مثال فيه قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فهاتان الكلمتان قد جمعتا معاني الرسالة كلها، واشتملت على كليات النبوة وأجزائها.

وكقوله تعالى: {(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)} فهذه الكلمات على قصرها وتقارب أطرافها قد احتوت على جميع مكارم الأخلاق، ومحامد الشيم، وشريف الخصال.

قال أصحاب الإيجاز: الإيجاز قصور البلاغة على الحقيقة، وما تجاوز مقدار الحاجة فهو فضلٌ داخل في باب الهذر والخطل، وهما من أعظم أدواء الكلام وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصناعة.

وفي تفصيل الإيجاز يقول جعفر بن يحيى لكتّابه: إذا قدرتم أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا. وقال بعضهم: الزيادة في الحد نقصان.

وقال محمد الأمين: عليكم بالإيجاز، فإن له إفهامًا وللإطالة استبهامًا.

وقال شبيب بن شبّة: القليل الكافي خير من كثير غير شافٍ.

وقيل لبعضهم: ما البلاغة؟ فقال الإيجاز؟ قيل: وما الإيجاز؟ قال حذف الفضول، وتقريب البعيد!.

والإيجاز قسمان:

1) إيجاز حذف، مثاله: قول نعيم بن أوس يخاطب امرأته:

إذا شئتِ أشرفنا جميعًا فدعا الله كل جهده فأسمعا

بالخير خيرًا وإن شرًّا فا ولا أريد الشرّ إلا أن تا

كذا رواه أبو زيد الأنصاري، وساعده من المتأخرين على بن سليمان الأخفش وقال لأن الرجز يدل عليه، إلا أن رواية النحويين:((وإن شرًّا فا)) و ((إلَاّ أن أتى)) قالوا: يريد: ((وإن شرًّ فشرّ)) و ((إلَاّ أن تشائي)) ويكون بحذف ما لا يخل بالمعنى ينقص من البلاغة.

انظر تفصيل ذلك في: (البلاغة العربية)(2/ 26 ـ 36).

(معجم البلاغة العربية)(ص 155 ـ 157). 2) إيجاز قصر:

القصر: هو تخصيص شيء بشيء بطريق من الطرق. تقدم ذكر هذه الطرق.

والإيجاز عند الرمَّاني على ضربين:

مطابق لفظه لمعناه، لا يزيد عليه ولا ينقص عنه، كقولك:(سَلْ أهل القرية) ومنه ما حذف للاستغناء عنه في ذلك الموضع، كقول الله عز وجل:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} .

وعبر عن الإيجاز بأن قال: هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف.

انظر: (معجم البلاغة العربية)(ص712 ـ 713).

ص: 6070

والإطناب (1) .............................................

(1) الإطناب: هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة جديدة من غير ترديد.

وقولهم في التعريف: ((زيادة اللفظ على المعنى)) عام في الإطناب، وفي الألفاظ المترادفة كقولنا: ليث وأسد، فإنه من زيادة اللفظ على معناه.

وقولهم لفائدة: يخرج عنه التطويل الذي هو زيادة من غير فائدة.

وقولهم: (جديدة): تخرج عنه الألفاظ المترادفة، فإنها زيادة في اللفظ على المعنى لفائدة لغوية، ولكنها ليس جديدة.

وقوله: (من غير ترديد) يتحرز به عن التواكيد اللفظية في مثل: (اضرب اضرب) فإنها زيادة اللفظ على المعنى لفائدة جديدة وهي التأكيد لكنه ترديد اللفظ وتكريره بخلاف الإطناب فإنه خارج عن التأكيد وحاصل الإطناب الاشتداد في المبالغة في المعاني أخذًا من قولهم: أطنبت الريح إذا اشتد هبوبها، وأطنب الرجل في سيره إذا اشتد فيه.

1 ـ وقد يقع الإطناب: قد يكون واقعًا في جملة واحدة:

أ ـ في الجملة الواحدة على جهة الحقيقة ومثال ذلك.

قال تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} فإن المعلوم من حال السقف أنه لا يكون إلا فوق، وإنما الغرض المبالغة في الترهيب والتخويف والإنكار والرد.

ب ـ ما يرد على جهة المجاز ـ في الجملة الواحدة ـ مثاله:

قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} فالفائدة بذكر الصدور هنا وإن كانت القلوب حاصلة في الصدور علي جهة الإطناب بذكر المجاز.

2ـ وقد يقع في الجملة المتعددة:

أ ـ ما يرد عن طريق النفي والإثبات: ومثاله:

قال تعالي: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} ثم قال سبحانه: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} فالآية الثانية كالآية الأولى إلَاّ في النَّفي والإثبات، فإن الأولى من جهة النفي والثانية من جهة الإثبات، فلا مخالفة بينهما إلَاّ فيما ذكرناه، خلا أن الثانية اختصت بمزيد فائدة وهي قوله:{وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} .

ب ـ أن يصدر الكلام بذكر المعنى الواحد على الكمال والتمام، ثم يردف بذكر التشبيه على جهة الإيضاح والبيان ومثاله قول البحتري:

ذاتُ حسن لو استزادت من الحسـ

ـن إليه لما أصابت مزيدًا

فهي كالشمس بهجة والقضيب واللَّدْ

ن قَدًّا والرئم طرفًا وجيدًا

فالبيت الأول كان كافيًا في إفادة المدح وبالغًا غاية الحسن، لأنه لما قال:((لو استزادت لما أصابت مزيدًا)) دخل تحته كل الأشياء الحسنة، فلا أن للتشبيه مزية أخري تفيد السامع تصويرًا وتخييلاً لا يحصل من المدح المطلق، وهذا الضرب له موقع بديع في الإطناب. جـ ـ أن يذكر الموصوف فيؤتي في ذلك جمعان متداخلة خلا أن كل واحد من تلك المعاني مختصٌّ بخصِّيصةٍ لا تكون للآخر ومثاله قوله أبي تمام يصف رجلاً أنعم عليه:

مِنْ منَّةٍ مشهورة وصنيعةً

بِكْرٍ وإحسان أغرَّ مُحَجّلِ

فقوله: منَّة مشهورة، وصنيعة بكر، وإحسان أغر محجّل، معانٍ متداخلة لأن المنّة والإحسان والصنيعة كلها أمور متقاربة في بعضها من بعض. وليس ذلك من قبيل التكرار. لأنها إنما تكون تكريرًا لو اقتصر على ذكرها مطلقة من غير صفة كأن يقول مِنَّة وصنيعة وإحسان. ولكنه وصف كل واحدة منها بصفة تخالف الأخرى. فقال: مِنَّة مشهورة لكونها عظيمة الظهور لا يمكن كتمانها، وقوله:((صنيعة بكر)) وصفها بالبكارة أي أن أحدًا من الخلق لا يأتي بمثلها، وقوله:((وإحسان أغرَّ محجل)) فوصفه بالغُرَّة ليدل على تعداد محاسنه وكثرة فوائده: فلما وصف هذه المعاني المتداخلة الدالة على شيء واحد بأوصاف متباينة صار ذلك إطنابًا. د ـ ومن الإطناب أن المتكلم، إذا أراد الإطناب فإنه يستوفي معاني الغرض المقصود من الرسالة أو الخطبة أو تأليف كتاب أو قصيدة أو غير ذلك من فنون الكلام، وهذا من أصعب هذه الضروب الأربعة وأدقها مسلكًا، وبه تتفاضل المراتب، ويتفاوت الأدباء في أساليب النظم والنثر.

ويكون الإطناب بأمور كثيرة منها:

1) الإيضاح بعد الإبهام. نحو قوله تعالي: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .

2) عطف الخاص على العام. ويكون للتنبيه على فضل الخاص حتى كأنه من جنس العام. لما امتاز به عن سائر أفراده من الأوصاف، تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات. نحو:

قوله تعالي: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} فقد خصَّ الله سبحانه وتعالي الروح وهو (جبريل) بالذكر مع أنه داخل في عموم الملائكة تكريمًا له وتعظيمًا لشأنه، كأنه من جنس آخر.

3) عطف العام على الخاص ويكون لإفادة العموم والشمول نحو:

قوله تعالي: {وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ} وذلك لإفادة الشمول من العناية بالخاص لذكره مرتين: مرة وحده، ومرة مندرجًا تحت العام.

4) التكرير والتكرير البليغ ما كان لنكتة بلاغية. كتأكيد الإنذار في نحو قوله تعالي: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وفي ثم دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول تنزيلاً لبعد المرتبة لبعد الزمان واستعمالاً للفظ (ثم) في التدرج في الارتقاء.

5) الإيغال: قال بعضهم الإيغال: هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها وعلى هذا فإنه يختص بالشعر.

وقيل: لا يختص بالشعر. ومثلوا له بقوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْم اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} فقول: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} مما يتم المعنى بدونه لأن الرسول مهتدٍ لا محالة، إلا أن فيه زيادة حث على الاتباع وترغيب في الرسل.

6) التذييل هو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها بعد إتمام الكلام لإفادة التوكيد، وتقريرًا لحقيقة الكلام.

نحو قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} .

7) التكميل ويسمى الاحتراس وهو أن يأتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه، وذلك الدافع قد يكون في وسط الكلام كقول الشاعر:

فسقى ديارك غير مفسدها

صوب الربيع وديمةٌ تهمي

فلما كان المطر قد يؤول إلى خراب الديار وفسادها أتى بقوله: (غير مفسدها) دفعًا لذلك.

وقد يأتي في آخر الكلام كما في قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} .

8) التتميم: وهو أن يذكر الشاعر المعنى، فلا يدع من الأحوال التي تتم بها صحته، وتكمل معها جودته شيئًا إلا آتى به مثل قول نافع بن خليفة الغنوي:

رجالٌ إذا لم يقبل الحقٌ منهم ويعطوه عاذوا بالسيوف القواطع

وإنما تمت جودة المعنى بقوله: (ويعطوه) وإلا كان المعنى منقوص الصحة.

وفي قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} فقوله: {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} تم المعنى.

9) الاعتراض: هو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لنكتة سوى دفع الإيهام كالتنزيه في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} فقوله: {سُبْحَانَهُ} جملة لأنه مصدر بتقدير الفعل وقعت أثناء الكلام.

(معجم البلاغة العربية)(388، 414) ، (البلاغة العربية)(2/ 60ـ 69، 76، 80).

ص: 6071

والمساواة، (1) ثم استدلوا على انحصار علم المعاني في هذه الأبواب بما لا يبقى بعده شك ولا ريب لكل عارف، ثم ذكروا حدَّ علم البيان (2) على وجه يشملُ كل ماله دخْلٌ في هذا العلم، وذكروا الدلالةَ الوضعيةَ والعقليةَ وأقسامَهُما ولوازمَهُما على أتمِّ إيضاح،

(1) المساواة: أن تكون المعاني بقدر الألفاظ، والألفاظ بقدر المعاني، لا يزيد بعضها عن بعض.

والمساواة هى المذهب المتوسط بين (الإيجاز والإطناب ومما في القرآن من المساواة قوله الله تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} أي محبوسات على أزواجهن.

وقوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} .

(معجم البلاغة العربية)(ص 290).

(2)

تقدم توضيحه.

ص: 6074

وأبلغ بيان.

ومعلوم انحصارُ الدلالات في الدلالتين، فلا يبقى شيء من الدلالات إلَاّ وهو مندرج تحت ذلك مبيَّنٌ أكملَ بيانٍ، فبرهن عليه بأوفى برهان، بحيث لا يخرج عنه شيء، ولا يشذُّ فيه شاذٌّ.

فقول صاحب الفوائد الغياثية أن مقتضياتِ الأحوال مما لم يضبطْ فيما رآه من كتب الفنِّ إن أراد لم يضبطْ بأمر كل ما يندرج تحته جميعُ الأفراد فباطلٌ، فقد ضبطت بالقوانين الكلية المنطبقة على جميع الأفراد كما شأن كل فنٍّ من فنون العلم، وإن أراد تعدادَ الأمثلة، وتكرارَ إيراد الصور لمجرَّد الإيضاحِ فمثلُ هذا قد أغنى عنه القانون الكلِّيُّ المنطبقُ على أفراده، والاعتراضُ بمثله غفلةٌ شديدة [1أ]، وذهول عن قواعد الفنونِ العلميةِ بأسْرها، فإنَّ أهل النحو أو الصرف مثلاً لو أرادوا استيعابَ كلِّ الأمثلةِ، وجميعَ الصور لم يتمكَّنوا من ذلك قطٌُ، بل ضبطوا علم الصرف بضابط كليٍّ اندرج تحته جميع الأفراد، وكذلك علماءُ النحو صنعوا كذلك، وكذلك علماء المنطق، وعلماء الأصول، بل العلوم كلُّها هكذا، ومن زعم ما يخالفُ هذا فهو لا يعرف هذه العلومَ لا جملةً ولا تفصيلاً نعم علم اللغة من حيثُ لفظُها هو الذي يحتاج إلى استيعاب ما ورد عن العرب لأنه لم يكن هناك ضابطٌ كليٌّ، بل المتعةُ ذِكْرُ كلِّ لفظٍ للاطلاعِ على هذه اللغةِ العربية.

إذا عرفت هذا فاعلم أنَّ الفن الثالثَ من فنون هذا العلم هو علم البديع (1) الذي يعرف به وجوهُ تحسين الكلام، كائنًا ما كان. ولا وجه لاقتصار المصنِّفين في البديع على أنواعٍ مخصوصة، ولا لاقتصار أهل البديعياتِ على تلك الأنواعِ التي أوردوها في نظمِهم،

(1) علم البديع: علم تعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية مطابقته لمقتضى الحال.

ووجوه تحسين الكلام التي يبحث فيها (علم البديع) قسمان: قسم يرجع إلي المعنى وقسم يرجع إلى اللفظ، فهو علم المحسنات اللفظية، والمحسنات المعنوية.

(معجم البلاغة)(ص69).

ص: 6075

بل ما كان له مدخل في التحسين كان من علم البديع، ويسميه مستخرجُه بأي اسم كان مما فيه مناسبة لذلك النوع. وقد جمعتُ كراسةً ذكرتُ فيها أنوعًا غيرَ داخلةٍ في الأنواع التي ذكرها علماء الفن، وشعراءُ البديعياتِ (1) وأخبرنا بعضُ علماء الديار القاصية أنها قد انتهت عندهم إلي سبعِ مائة نوعٍ، (2) وذلك غير غريب، فإنَّ في كلام العرب نظمًا ونثرًا ما يحملُ مثل ذلك، ويختلف باختلاف المسمَّيات. والله أعلم انتهى من خط محرره ـ سلمه الله تعالى ـ.

(1) قالوا إنَّ أوَّل من دوَّن في هذا الفن (عبد اله بن المعتز العباسي) المتوفي سنة 274هـ إذ جمع ما اكتشفه في الشعر من المحسنات وكتب فيه كتابًا جعل عنوانه عبارة (البديع) ذكر في كتابه هذا سبعة عشر نوعًا وقال: ما جمع قبلي فنون البديع أحد، ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف، ومن رأي إضافة شيء من المحاسن إليه فله اختياره.

وجاء من بعده من أضاف أنواعًا أخر، منهم:

جعفر بن قدامة (ت سنة 319هـ ألف كتابًا سماه (نقد قدامة) ذكر فيه ثلاثة عشر نوعًا من أنواع البديع إضافة إلى ما سبق أن اكتشفه عبد الله بن المعتز العباسي).

(2)

أوصل الأنواع إلى مئة وأربعين نوعًا (صفي الدين بن عبد العزيز بن سرايا السَّبنسي الطائي الحلي)(677 ـ 750هـ).

(البلاغة العربية)(2/ 369 ـ 370).

انظر (الرسالة) رقم (204) من (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني) الآتية.

ص: 6076