الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
202 -
1/ 5
نُزهةُ الأحداق في علم الاشتقاق
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 ـ عنوان الرسالة من المخطوط: نزهة الأحداق في علم الاشتقاق.
2 ـ موضوع الرسالة: لغة عربية.
3 ـ أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل في لغة العرب من الأسرار واللطائف الدالة على بديع الصنع وعظيم الاقتدار
…
4 ـ آخر الرسالة: واشتمل على ما لا يوجد مجموعًا في غيره ولا يوقف عليه كاملاً في سواه والحمد لله أولاً وآخرًا. حرّره مؤلَّفه غفر الله له.
5 ـ نوع الخط: خط نسخي مقبول.
6 ـ عدد الصفحات: 11 صفحة + صفحة العنوان.
7 ـ عدد الأسطر في الصفحة: 24سطرًا.
8 ـ عدد الكلمات في السطر: 9 ـ 11 كلمة.
9 ـ الرسالة من المجلد الخامس من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في لغةِ العربِ من الأسرار واللطائفِ الدالّة على بديع الصُّنْعِ وعظيمِ الاقتدار ما ينبهِرُ له الأولياءُ الفحول وتتحيَّر عند الله من أكرم جيل وأشرقِ جَبيل، بأفصح لسان وأوضحِ بيان وعلى آله وأصحابهِ الذين هم القادةُ لأهل اللسان والسِّنان، والسادةُ للمتصرِّفين بالبناء في العِنان عند الرِّهان وبالبيان للبرهان من السنة والقرآن.
وبعدُ:
فلما كان علمُ الاشتقاقِ من أنفس العلوم المتعلقةِ بلغة العربِ وألطف المعارفِ التي من سبق إليها وتوفّر حظُّه منها الذي يملأ دلْوَ المُساجلة إلى عُقَد الكَرَب وإن كان أحضَرَ الجلدةِ في بيت العرب، وكان مما لم يُفْرِدْه أهلُ العلم بالتصنيف ولا دوَّنوه علي جهة الاستقلالِ بالتأليف بل عامةُ ما وقفْنا عليه وانتهى علمُنا إليه مباحثُ نَزْرةٌ وفصولٌ مختصَرةٌ كما سنوضح لك ذلك إن شاء الله ـ استعنْتُ بالله تعالى وأفردْتُ هذا الفنَّ الشريفَ بهذا المختصر اللطيف لِيَمشيَ على منواله الراغبون في لغة العربِ المتشوِّقون إلى الوقوف على أسرارها الشريفةِ ونُكَتِها اللطيفة، فيقتدروا بذلك علي رد بعضِها إلى بعض واستخراجِ بعضِها من بعض وسمَّيتُ هذه المختصرَ (نُزْهةَ الأحداق في علم الاشتقاق) ومن الله أستمدّ الإعانةَ وبيده الحولُ والقوة.
اعلم أرشدني الله وإياك إلى الصواب [1أ] أن الاشتقاقَ في اللغة يطلق على معانٍ.
قال في القاموس (1): والاشتقاق أخْذُ شِقِّ الشيءِ والأخذُ في الكلام وفي الخصومة يمينًا وشمالاً وأخْذُ الكلمةِ من الكلمة.
وفي الاصطلاح (2): قيل هو أن يجدَ بين معنى اللفظين تناسُبًا في المعنى والتركيبِ فيُردَّ
(1)(ص1159).
(2)
انظر (معجم البلاغة العربية)(ص314 ـ 315)، و (الكوكب المنير)(1/ 206).
أحدَهما إلى الآخر.
وقيل هو أن يأخُذَ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فيجعلَه دالاً على معنًى يناسب معناه.
وقيل الأول باعتبار العلمِ والثاني باعتبار العملِ.
وقيل ردُّ لفظٍ إلى آخَرَ بموافقته في حروفه الأصليةِ ومناسبتِه في المعنى.
وقيل ما وافق أصلاً بحروفه الأصولِ ومعناه بتغيير ما (1).
وقد نوقش كلُّ حدٍّ من هذه الحدودِ بمناقشات مدفوعةٍ بدُفوعات، وهذه الحدودُ وإن صحّ اعتبارُها في بعض أنواعِ الاشتقاقِ فإنه لا يصِحُّ في البعض الآخَرِ فالأولى أن يُرْسَمَ كلُّ واحدٍ منهما برسم يُخصُّه حتى يميِّزَ بعضَها من بعض فيذكُرَ أولاً الأقسامَ ثم يذكُرَ مفهومَ كلِّ واحدٍ منها على وجه يتبين به معناه فنقول: الاشتقاقُ ينقسم إلى ثلاثة أقسامٍ (2): أصغرَ وصغيرٍ وأكبرَ.
فالأولُ إذا توافقت الحروفُ الأصولُ كضَرَب وضارِبٍ مرتّبةً من غير اعتبارٍ ما يتصل بينها من حروف زائدةٍ.
والثاني إذا اتفقت الحروفُ الأصليةُ بدون ترتيبٍ كجَذَب وجَبَذ وحمِد ومدَح وكَنَي وناك.
والثالثُ تناسبُ بعضِ الحروفُ الأصليةِ في النوعية وبعضِها في المخرج نحوُ ثلَبَ وثَلَم. أو تناسَب بعضُها في النوعية فقط أو في المخرج فقط كما [ .... .](3) ويشترط فيه عدمُ
(1) وقال في (شرح التسهيل): الاشتقاق أخذُ صيغةٍ من أخرى مع اتفاقهما معنًى. ومادةً أصلية، وهيئة تركيب لها ليدّل بالثانية على معني الأصل بزيادة مفيدة لأجلها اختلفا حروفًا وهيئة: كضارب من ضرب، وقذِرٌ من قذِر.
(المزهر في علوم اللغة وأنواعها)(1/ 346).
(2)
انظر: (الكوكب المنير)(1/ 207 ـ 210)، (البحر المحيط)(1/ 83 ـ 85).
(3)
كلمة غير واضحة في المخطوط.
الموافقةِ في جميع الحروفِ ولو لم يُشْتَرطْ هذا الشرطُ التَبسَ بالقسم الأولِ إن توافقت الحروفُ والترتيب وبالقسم الثاني إن توافقت الحروفُ فقط.
وإذا أُطلق الاشتقاقُ تعيَّن الأصغرُ لأنه المتبادَرُ [1ب] عند أهلِ النحوِ والصَّرفِ والمعاني والبيانِ، وتعيَّن الآخرانِ عند أهلِ الاشتقاقِ لأنهما المتبادَران في اصطلاحهم.
وأما مجردُ الاتصالِ بين معنَيي اللفظين فهو كائنٌ في جميع الأقسامِ، أما القسمانِ الأولانِ فظاهرٌ، وأما القسمُ الثالثُ فإنك إذا أمعنَْ نظرَك في التراكيب اللغوية وجدْتَ بين كل كلمتين اتفَقَتا في الفاء والعين اتصالاً فإن تقارَبَ اللامان في المخرج كان التقارُبُ بين المعنيين بقدر ذلك، وإن تباعدا كان التباعُدُ بين المعنيين بقدر ذلك. وأما أصلُ الاتصال فلا بد منه، يظهر ذلك عند إمعانِ النظرِ.
وذلك الاتصالُ هو حيثيّةٌ جامعةٌ لهما وإن خفِيَتْ ولما كان هذا القِسمُ هو الذي يحتاج إلى فضْلِ فِكْرٍ وقوّةِ اطّلاعٍ. أوردنا في هذا المختصَر من الأمثلة ما يكفي طالبَ هذا العلمِ ويُطْلعه على ما اشتمل عليه من الفوائد التي هى أسرارُ العربية، وسنذكر بعد ذلك إن شاء الله فوائد تُخصُّ كلَّ قسمٍ وفوائدَ تعُمّ الأقسامَ وفوائدَ تزيد المُطَّلِعَ عليها بَصيرةً في هذا العلم. إذا عرفتَ هذا فاعلم أنّ الناظرَ في علم اللغةِ إن نظَرَ إليه لقصد الاطلاعِ علي معاني الألفاظِ الموضوعةِ المستعملةِ في لسان العربِ من غير نظرٍ إلى جهةٍ جامعة لجملة من الألفاظ فهو طالبُ الاشتقاق، والقسمانِ علم اللغةِ ولكن الأولَ تطلُبُه العامّةُ والثاني تطلُبه الخاصَّةُ وإنما كان الثاني مطلوبًا للخاصة لأنه يكون لصاحبه به مَلكَةٌ مقتدَرٌ بها علي استخراج ما لم يعرِفْه [2أ] مما قد عَرَفه والعلومُ هي الملكاتُ الموصِلةُ إلى إدراك الجُزْئياتِ لا مجردُ معرفةِ الألفاظِ ومدلولاتِها من غير ملكةٍ كما يكون بالقسم الأول.
وهذا المطلبُ المختصُّ بالخاصة يحصُل بتكرير النظرِ وتدريبٍ الفكْرِ في المواد المتّفقةِ في الفاء والعينِ وها نحن نُوردها هاهنا من ذلك ما يحصّل ذلك المطلب النفيسَ الذي هو من علم اللغةِ بمنزلة الرئيس.
[الهمزة مع الباء الموحدة](1)
فمن ذلك الهمزةُ مع الباء الموحَّدة فإن مدلولَها النُّفورُ والبُعدُ والانفصالُ بين الشَّبَه. انظر لفظَ أبّ وأبَتَ وأبدَ وأبَرَ وأبَقَ وأَبل وأبَنَ وأبه وأبى فإنك تجد في جميع هذه ذلك المدلولَ يقال أبّ للسير وأبَتَ اليومُ أي امتدَّ حرُّه فقطع الناسَ عن أعمالهم وأَبِد الوحْشُ نفَرَ وأبَر النخْلَ قطع شيئًا منه وأبَزَ الظبيُ وثب وانطلق وأَبقَ العبدُ إذا نفر عن مولاه، وأبِل أي توحش وأَبَنَ زيدٌ عَمْرًا إذا ذكره بسوء ففصله بذلك الذكرِ عن الخير والصلاح، وأَبَه عن الشيء تنزّه عنه أي بَعُدَ وأبى عن الضيم أي فرّ عنه وهكذا سائرُ تراكيبِ الهمزة مع الباء فإن تجد بكل واحدٍ منها شيئًا من ذلك إذا أمعنتَ النظر.
[الهمزة مع الزاي](2)
وانظُر الهمزةَ مع الزاي [2ب] فإن مدلولَها ألصقُ في الأمر يقال أزَرَ المجلسُ إذا ضاق عن أهله وأزِقَ العيشُ إذا ضاق صدره وأزِق ضاق، وأزَل صار في ضيق وأزَم اشتد قحطُه وضاق عيشُه وأزَي الظّلُّ قلَص وضاق.
[الهمزة مع السين](3)
وكذلك الهمزةُ مع السين المُهْملةِ فإن مدلولَها القوةُ والشدةُ يقال أسِدَ إذا قويَ غضبُه واشتد وأسَر: اشتد غضبُه وأسِف أي غضِب.
[الباء مع الحاء](4)
ومن ذلك الباءُ مع الحاء المُهملةِ فإنّ مدلولَها التفتيشُ عن الشيء يقال بحت أي أخرج
(1)(مقاييس اللغة)(1/ 6 ـ 7).
(2)
انظر: (مقاييس اللغة)(1/ 13 ـ 14).
(3)
انظر (القاموس)(ص1390).
(4)
(لسان العرب)(2/ 321 ـ 322).
الشيءَ من غيره وبحث أي فتّش عن الشيء فاستخرجه وبحَّ إذا أخرج الصوتَ خشِنًا وبَحَرَ أي شق أذُنَ الناقةِ فأخرجها عما كانت عليه وبَحَمَ الماءُ إذا خرج من منبعه بكثرة.
[الباء مع الخاء المعجمة](1)
ومن ذلك الباء مع الخاء المعْجمة فإن مدلولَها الفَقْؤْ للعين وما يشابهه يقال بخَزَ عينَه فقأَها وبخَسَ عينَه فقأَها وبخَصَ عينَه قلعها وبخَعَ الرَّكيّةَ حفَرها وبخَقَ حفَرها عينَه فقأَها.
[الباء مع الدال المهملة](2)
ومن ذلك الباء مع الدال المهملة فإنَّ مدلولَها ابتداءُ الأمرِ وظهورُه يقال بدأ الشيءَ أي ابتدأَه وبدا الشيءُ إذا ظهرَ وبدَح فلانًا بالأمر أي أظهره له من دون رويَّةٍ وبَدخَ أظهر التعظيمَ وبَدبَر إليه بكذا إذا [3أ] أظهره له وبَدَع أي ابتدى وبَدِغ بالشر أظهره وبَدَه بالأمر أي بدأ به بديهةً.
[الباء مع الذال المعجمة](3)
ومن ذلك الباءُ مع الذال المُعْجمة فإن مدلولَها إخراجُ الشيء يقال بَذَى أي تكلم بالفُحش فأخرجه من فمه وبذَخَ أعطى فأخرج ما عنده وبذخ أخرج شقشقته وبذر أخرج سره وأخرج ماله بغير تقدير، وبذل أعطي ما عنده فأخرجه وبذَنَ أقرَّ بما يُخفيه فأخرجه.
[الباء مع الراء المهملة](4)
ومن ذلك الباءُ مع الراء المهملة فإن مدلولَها الظهورُ.
(1) انظر (لسان العرب)(1/ 330).
(2)
(القاموس)(ص42)، (لسان العرب)(1/ 334).
(3)
(لسان العرب)(1/ 350).
(4)
(لسان العرب)(1/ 355).
يقال بَرَءَ الشيءَ خَلَقه فأظهره برَتَ دل على الشيء فأظهره بَرَج ظهر ومنه التبرُّج برِحَ الخفاء ظهر. بَرَخَ زاد فظهرتْ فيه الزيادة بَرَّز ظهَر. برَزَ ظهر. برَشَ ظهر بياضُه برِص مثلُه برَض الماءُ ظهر.
[الباء مع الزاي](1)
ومن ذلك الباءُ مع الزاى فإنّ مدلولَها خروجُ الشيء وظهورُه يقال بزَجَ أظهر فضائلَه وبَزَخَ الصدْرُ خرج. بزَر النباتُ خرج ِبزْرُه بَزْرُه بَزّه أظهر غلبتهُ بزُع الغلام ظهر طَرْفُه بزَغَت الشمسُ طلعتْ فظهرتْ بزقَتْ الشمسُ مثلُه بزَل نابُ البعير طلع. بزَن الحقُّ ظهر.
[الحاء المهملة مع الجيم](2)
ومن ذلك الحاءُ المهملةُ مع الجيم فإن مدلولَها المنْعُ يقال حجَب منَع وحَجَر مثلُه وحجَزَ دخل بين الشيئين مانعًا وحجَل منعَ أحدَ الرِّجْلين عن المشي.
[الحاء المهملة مع الراء](3)
ومنه الحاءُ المهملةُ مع الراء مدلولُها الشيءُ الشاقُّ: يقال: الحرُّ والحدْبُ والحرَد والحَرْقُ.
[الحاء المهملة مع الفاء](4)
ومنه الحاءُ المهملةُ مع الفاء مدلولُها الجمعُ، يقال: خَفّ، حَفِظَ، حَفَل، حفَنَ.
(1) انظر (القاموس)(ص230) و (مقاييس اللغة)(1/ 245).
(2)
(لسان العرب)(3/ 50).
(3)
(القاموس)(ص478).
(4)
(لسان العرب)(7/ 243).
[الحاء المهملة مع القاف](1)
ومنه الحاءُ المهملةُ [3ب] مع القاف مدلولُها الثبوتُ، نحو: حقِبَ، حقّ، حقَن.
[الخاء المعجمة مع الدال](2)
ومنه الخاءُ المعجمة مع الدال المهملةِ مدلولُها التأثيرُ في الشيء نحو خَدَب، خدَّ خدَشَ خدَع خدَمَ (3) وقِسْ على هذا غيرَه فإنك إِذْ اعتبرتَ معنى بُعدِ الحروف مرتبةً على هذا الترتيبِ الذي ذكرنا وجدتَها كما بيّنا ولولا أن ذلك يطول جدًّا لذكرنا جميعَ الأقسامِ ولكن ليس الشيءُ المرادُ هنا إلَاّ تدريبَ الطالبِ.
وقال ابنُ جنّي في الخصائص (4) إنَّ الاشتقاقَ على ضربين كبيرٌ وصغير فالصغيرُ أن تأخُذَ أصلاً من الأصول فيقره أو يجمَعَ بين معانيه وإن اختلفت صِيَغُه ومبانيه، وذلك كترتيب س ل م فإنك تجدُ منه السّلامةَ في تصرُّفه نحو سَلِمَ يسْلَم وسالم وسَلْمان وسَلمى والسلامة. والسليمُ اللَّديغُ أُطلق عليه تفاؤلاً بالسلامة له وعلى ذلك بقيةُ الباب إذا تأوْلْتَه، وبقيةُ الأصول غيره (5) كتركيب ض ر ب وتركيب ح ل س وتركيب بن ب ل قال فهذا هو الاشتقاق الصغير. أمّا الاشتقاقُ الكبيرُ فهو أن نأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية فتعقِدَ عليه وعلى تقاليبه الستةِ معنًي واحدًا يجمع التراكيبَ الستةَ عليه وما يتصرّف من كل واحدٍ منها.
وإن تباعد شيءٌ من ذلك رُدّ بلُطف الصنْعةِ والتأويلِ إليه كما يفعل الاشتقاقيّون ذلك في التركيب الواحد انتهى.
(1)(لسان العرب)(3/ 253).
(2)
(القاموس)(ص1420).
(3)
في المخطوط خذم والصواب ما أثبتناه من القاموس.
(4)
(2/ 132 ـ 135).
(5)
لعل الصواب: وبقية أصول غيره.
وأقول قد جعل الأقسامَ قسمين صغيرً وكبيرًا ورسَم الكبيرَ بما رسمنا به الصغير ورسم الصغيرَ بما رسمنا به الأصغَر، وأهمل القسمَ الثالثَ وهو الأكبرُ وقد أوضحناه وذكرنا من أمثلته ما يتضح به معناه [4أ] وتتبين به حقيقتُه.
ولنتكلم الآن علي الاشتقاق الصغيرِ بالاصطلاح الذي قدمناه فنقول.
[تقلبات ج ب ر](1)
مثلاً ج ب ر في جميع تراكيبه يدل علي القوة والشدة قولهم جَبَر العظمُ قوي وجَبَر الملكُ قوى ورجل مُجَرَّب إذا جَرَّبَتْه الأمورَ فاشتدت شكيمتُه ومنه الجِراب لأنه يحفَظ ما فيهِ وإذا حفِظ ما فيه قويَ واشتد وإذا أُهمِلَ وأُغفل تساقط الأبجر والبُجْرة وهو القويُّ والسرَّة، ومنه قولهم (2): أشكو عُجَري وبُجَري أي همومي وأحزاني والعُجْرةُ كل عُقدةٍ في الجسد فإذا كانت في البطن والسرّة فهي البُجْرةُ إذا غلُظت واشتدّ مسُّها وقيل: معنى عُجَري وبُجَري: ما أُبدي وأخفي من أحوالى ومن ذلك البُرْج لقوته في نفسه وقوةٍ ما يليه به علي عدوهم.
وكذلك البَرَجُ محركًا لنقاء بياضِ العينِ وصفاء سوادِها فهو لونٌ قوي. ومنه رَجَّبْتُ الرجلَ إذا عظمْتُه وقوّيتُ أمرَه ومنه رَجبٌ للشهر لكونهم يعظِّمونه ويقوّون أمرَه.
[تقلبات ق س و](3)
ومن ذلك تركيب ق س و، ق وس، وس ق، س وق، س ق و.
(1) انظر: (الخصائص)(2/ 135).
(2)
عزاه ابن جني في الخصائص (2/ 135) لعلي بن أبي طالب.
وكذلك ابن منظور في (اللسان)(1/ 318).
وقال ابن الأثير في (النهاية)(1/ 96 ـ 97) وأصل العجرة نفخةٌ في الظهر فإذا كانت في السُّرة فهي بُجْرة. وقيل العُجر العروق في الظهر والبجر العروق المتعقدة في البطن. ثم نُقِلا إلى الهمومِ والأحزان أراد أنّه يشكو إلى الله أموره كلها ما ظهر منها وما بطن.
(3)
انظر (الخصائص)(2/ 134).
وجميعُ ذلك معناه القوةُ والاجتماعُ ومنه القسوةُ وهي شدةُ القلبِ واجتماعُه، ومنه القوسُ لقوتها واجتماعِ طرَفيها ومنه الوَقْسُ بسكون القاف لابتداء الجري لأنه يجمع الجلد ومنه الوسْقُ لاجتماعه ومنه استوسَقَ الأمرُ أي اجتمع. والليل وما وسَقَ أي جمعَ، ومنه السَّوْقُ لأنه يُجْمع فيه المَسوقُ بعضُه إلى بعض.
[تقلبات س م ل](1)
ومن ذلك تركيب س م ل، م س ل، ل م س، ل س م، م ل س. [4ب] والمعنى الجامع لهذه التراكيب الضعف واللين فالسمل الثوب الخلق والماء القليل لأنه يضعف بقلته عن الاضطراب والسليم اللديغ لضعف قوته، والمسل والمسل والمسيل واحدًا لأن الماء يجري فيه لضعفه ولو صادف حاجزًا قويًّا لأعاقه والأملس والملساء لما فيهما من اللين واللمس لأنه إمرار اليد على الملموس بدون شدة. وأما ل س م فمهمل وقيل مستعمل ومنه لسمت (2) الريح إذا مرت مرًا ضعيفًا.
[تقلبات ق وس]
ومنه تركيب ق ول، ق ل و، ول ق، ل ق و، ل وق. فالمعنى الجامع لهذه التراكيب هو الخفوق والحركة فالقول يخف به الفم واللسان، وهو ضد السكون، والقلو بكسر القاف وسكون اللام حمار الوحش وفيه خفة وإسراع ومنه قلوت الشيء لأنه إذا قلى خف وجف والوقل محركًا الوعل لحركته وخفته.
وولق يلق إذا أسرع وقوي وقرئ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} (3) أي تسرعونه.
(1) انظر (الخصائص)(2/ 137).
(2)
قال ابن منظور في (اللسان)(12/ 275) لسم: ألسمه حجته كما يلسم ولد المنتوجة ضرعها.
وقال ابن شميل: الإلسام إلقام الفصيل الضرع أول ما يولد.
وقيل: اللسم السكون حياء لا عقلاً.
(3)
[النور: 15]، وانظر (الجامع لأحكام القرآن)(12/ 204).
واللٌّوقةُ الزُّبْدُ لخفته وإسراعِ حركتِه. واللُّقْوةُ يكسر اللام وسكون القاف من أسماء العُقاب لسرعة طيرانِه ويقال للناقة السريعةِ اللِّقاحِ لِقْوة، لأنها أسرَعتْ إلى ماء الفحلِ فقَبِلَتْه ولم تَتْبُ تُبُوَّ العاقرِ.
[تقلبات ك ل م]
ومنه تركيب ك ل م، ك م ل، ل ك م، م ك ل، م ل ك. فهذه الخمسةُ مستعملةُ وأُهمل منه ل م ك (1) المعنى الجامعُ [5أ] لهذه التراكيبِ القوةُ والشدةُ فالكَلْمُ الجرْحُ لما فيه من الشدة، والكُلَام بضم الكاف ما غلُظ من الأرض وذلك لشدته. ورجلٌ كليم أي مجروح وجريح.
وكمَل الشيءُ فهو كامل وكميل إذا تم وهو أقوى وأشدُّ من الناقص وَلَكَمَ لكمًا إذا وجَأ وضرب وفيه شدةٌ ظاهرةٌ.
ومكُلَت البئرُ بضم الكاف فهي مَكُول إذا قلَّ ماؤُها وهي إذا قلَّ مجْفُوّةُ الجانبِ وتلك شدةٌ ظاهرةٌ ومَلَكَ العجينَ إذا أنعم عجنَه فاشتد وقويَ. ومنه المُلْك لِما فيه من القوة لصاحبه والغلَبةِ وفي هذا القدر من باب الاشتقاقِ الصغيرِ بالمعنى الذي قدمناه كفايةٌ.
وأما الاشتقاقُ الأصغرُ فقد عرّفناك أن توافقَ الحروفِ الأصولِ مُرتبةً من غير اعتبار بما يفصِل منها من حروف زائدةٍ كما قدمنا في تركيب س ل م وتركيب ح ل س وتركيب ن ب ل فإنّ هذه التراكيبَ إذا استُعملت مرتبةً كانت راجعةً إلى معنى واحدٍ وإن اختلفت بالزيادة والنقصِ والحدوثِ والتجدّد وذلك كما يكون في الفعل الماضي والمستقبلِ
(1) قال صاحب (اللسان)(12/ 331): لمك: الليث: لَمَكُ أبو نوح، ولامَكُ جدُّه ويقال: نوح بن لمك، لا يستعمل إلا في النفي.
قال ابن السكيت: يقال ما لَلَحَّجَ عندنا بلحاج ولا تلمّك عندنا بلماكِ وما ذاق لماكًا ولا لماجًا.
وفي النوادر: اليَلْمَكُ: الشاب الشديد.
والمصدر واسمي الفاعلِ والمفعولِ والصفةِ المشبهة وسائر الألفاظ التي توجد فيها الحروفُ الأصولُ مرتبةً وهذا الاشتقاقُ الأصغر هو الذي يسميه أهلُ النحوِ والصرفِ والبيانِ اشتقاقًا وعليه يُحمَل ما يرِد في استعمالاتهم كقولهم: المصدرُ الأصل الذي يُشتقّ منه الفعلُ وفروعُه، بمعنى أنها موافقةٌ له في المعنى المصدريّ وهو الحدثُ وإن زادتْ معانيها عليه بالدلالة على الزمن في الأفعال وعلى الذوات في سائر المشتقات [5ب].
وأما الاشتقاقُ الصغيرُ والكبير فقد كان القدماءُ يستعينون بهما ويُخْلِدون إليهما مع إعواز الاشتقاقِ الأصغرِ لكنهم لم يسمّوها باسمٍ خاص وإنما كانوا يستَروحون إليهما عند الضرورةِ ويتعلّلون بهما، وكان أبو عليٍّ الفارسيُّ (1) أكثرهم لزومًا لهما وعمَلاً عليهما ثم بعده الشيخُ أبو الفتح ابنُ جنّي فإنه استكثر من ذلك في مؤلفاته وقسَّمَ الاشتقاق إلى قسمين كما قدمنا ثم الزمَخْشَريّ فإنه أكثرَ من استعمال ذلك في تفسيره ثم إن جماعةً من المصنفين اقتصروا على مجرد الكلامِ في تعريفهما واضطربوا في التسمية اضطرابًا كثيرًا ولم يأتوا في تلك المباحثِ بما يستفيد به المطَّلعُ عليها فائدةً يُعتَدّ بها بحيث يَقتدِر عندها على الاستعمال، ويستوضح بها ما يحتاج إلى استيضاح.
واعلم أنه قد وقع الخلافُ في الألفاظ التي يصدُق عليها أنها من الاشتقاق الصغير أو الكبير هل كلُّ واحدٍ منها أصلٌ مستقلٌّ أو بعضُها يرجع إلى بعض.
قال في الخصائص (2) متى أمكنَ أن يكون الحرفانِ جميعًا أصلينِ كلُّ واحدٍ منهما قائمٌ برأسه لم يسُغ العدولُ عن الحكم لذلك، فإن دل دالٌّ أو دعتْ ضَرورةٌ إلى القول بإبدال
(1) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل النحوي ولد بمدينة (فا) من أعمال فارس سنة 288هـ واشتغل في بغداد وأقام بحلب عند سيف الدولة وصاحب عضد الدولة بن بويه. توفي سنة 377هـ ببغداد.
من تصانيفه: (المقصود والمحدود)، (الحجة في القراءات).
انظر وفيات الأعيان) (2/ 81 ـ 82)، (شذرات الذهب)(3/ 88 ـ 89).
(2)
(2/ 82).
أحدِهما عن صاحبه عُمِل بموجب الدِّلالةِ وصِيرَ إلى مقتضي الصنعةِ. من ذلك طبَرْزَلْ وطَبَرزَنْ (1) هما متساويان في الاستعمال فلستَ بأن تجعلَ أحدَهما أصلاً لصاحبه أولي منك بحَمْله على ضده.
ومن ذلك قولُهم هتَلْتْ السماء وهتنَتْ السماءُ فإنهما أصلان ألا تراهما متساويين في التصرف يقولون: هَتَنت السماءُ تهتِن تَهتِل تَهْتَالاً وهي سحائبُ هُتَّنٌ وهُتَّلٌ.
ومن ذلك ما حكاه الأصمعي قال الأصمعي: سُكّر (طبرزد) و (طبرزل) و (طبرزن) ثلاث لغات معربات. وأصله بالفارسية (تبرزَد).
(المعرب) للجواليقي (ص276) تحقيق أحمد شاكر، (لسان العرب)(8/ 118). (2) كذا في المخطوط وصوابه ما في الخصائص [الصَّيف]. (3) كذا في المخطوط وصوابه (مبيضات) كما في الخصائص (2/ 85). (4) تقدمت ترجمته. [6أ] كان أبو بكر يشتق هذه الأسماءَ من البُخار، فالميم علي هذا بدَلٌ من الباء في بَخْر وليس ببعيد عندي أن يكون الميمُ أصلاً في هذا أيضًا وذلك لقوله تعالي:{وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} (5) ذاهبة جائية.
قال ابنُ جنّي (6) وعلى كل حال فقولُ أبي بكرٍ أظهرُ.
وأمّا قولُهم إناءٌ قَرْبانُ وكَرْبان (7): إذا دنا أن يمتلِئَ فينبغي أن يكونا أصلين لأنك تجد كلَّ واحدٍ منهما متصرِّفًا أي قارَبَ أن يمتلِئَ وكَرَب أن يمتلئ.
(1) قال الأصمعي: سُكّر (طبرزد) و (طبرزل) و (طبرزن) ثلاث لغات معربات. وأصله بالفارسية (تبرزَد).
(المعرب) للجواليقي (ص276) تحقيق أحمد شاكر، (لسان العرب)(8/ 118).
(2)
من قولهم دَهْمجَ البعيرُ يدهِمج دَهْمجَةً ودَهنَجَ يُدهْنجُ دهْنَجةً إذا قارب الخطْوَ وقال بناتُ مَخْرٍ وبنات بَخْرٍ سحائبُ بِيضٌ يأتين قُبُلَ المصيَّف
(3)
بِيضٌ منتصِباتٌ
(4)
في السماء.
قال أبو عليٍّ الفارسيُّ
(5)
[النحل: 14].
(6)
في الخصائص (2/ 85 ـ 86).
(7)
في المخطوط [ذكره بأن] وما أثبتناه من الخصائص.
وقال الأصمعيُّ (1) يقال جُعْشوشٌ بالشين المُعجمة وجُعْسوس بالسين المهملة، ويقال هم من جعاسيس الناسِ بالمهملة، ولا يقال بالشين المعجمة قال ابن جنيّ (2) فضِيقُ الشيِّن معَ سَعَة السين يُؤذِنُ بأن الشينَ بدلٌ (3) وكأنه اشتُقَّ من الجَعْس، وذلك أنه شبّه الساقطَ الهيِّن من الرجال بالخَرء لذِلّه ونَتْنِه.
ومن ذلك قولُهم فُسطاطٌ وفُستاط وفُسَّاط بضم الفاء وكسرها في الجميع فذلك ستُّ لغاتٍ، فإذا صاروا إلى الجمع قالوا فَساطيط وفَساسيط، ولم يقولوا فساتيط بالتاء فهذي بدل على أنَّ التاء بدلٌ من الطاء أو السين ونحوُ هذا كثير.
وقال ابنُ جنّي في الخصائص (4) أيضًا إن كلَّ لفظين وُجد فيهما تقديمٌ وتأخيرٌ فأمكن أن يكونا جميعًا أصلين ليس أحدُهما مقلوبًا عن صاحبه فهو القياسُ الذي لا يجوز غيرُه، وإن لم يكن ذلك حكمْتَ أن أحدَهما مقلوبٌ عن صاحبه ثم نظرتَ أيُّهما الأصلُ وأيُّهما الفرعُ فممّا هما أصلانِ لا قلبَ فيهما قولُهم جَذَب وجَبَذَ ليس أحدُهما مقلوبًا عن صاحبه وذلك أنهما جميعًا يتصرفان تصرُّفًا واحدًا يقول جَذَبَ جذْبًا فهو جاذِبٌ و [المفعول](5) مجذوبٌ وجبَذ يجبِذ جبْذًا فهو جابِذٌ و [المفعول](6) مجبوذ.
فإن جعلْتَ مع هذا أحدَهما أصلاً لصاحبه فسَدَ
…
ذلك لأنك لو فعلْتَه لم يكن أحدُهما أسعدَ بهذه الحالِ من الآخر، فإنْ قصُرَ أحدُهما عن تصرُّف صاحبِه ولم يساوِه فيه كان أوسعُهما تصرُّفًا أصلاً لصاحبه، ونحوُ هذه الألفاظِ كثيرٌ والمعيارُ أن تنظُرَ هل يجمعُهما
اشتقاقٌ من أصلٍ أمْ لا فإن جَمَعَهما كان ما فيه حروف الأصلِ أصلاً للآخر الذي فيه تبديلُ بعضِ الحروفِ بحرف آخَرَ [6ب] كما في بَخَر ومخَر من البُخار فهذه فائدةً من فوائد الاشتقاقِ. وإذا لم يكونا مشتقَّين من أصل كان الأوسعُ تصرفًا واستعمالاً منهما أصلاً للأضيق.
[تداخل الأصول الثلاثية](7) وقال في الخصائص (8): اعلم أنَّ الثلاثيَّ على ضربين أحدُهما ما يصفو ذوقُه ويسقُط عنه التشكّكُ في حروف أصلِه، كضرب وقتل وما تصرف منهما فهذا ما لا يُرتاب به في جميع تصرُّفِه نحو ضارب ويضرِب ومضروب، وقاتل وقِتال واقتتل القومُ ونحوُ ذلك فما كان هكذا مجردًا واضحَ الحالِ من الأصول فإنه يحمي نفسَه وينفي الظنَّ عنه.
والآخر أن تَجدَ الثلاثيَّ على أصلين متقاربين والمعنى واحدٌ فهاهنا يتداخلان ويُوهِم كلُّ واحدٍ منهما كثيرًا من الناس أنه مِن أصل صاحبِه وهو علي الحقيقة من أصل غيره، وذلك كقولهم رِخْوٌ ورخْوَدّ فهما كما ترى شديدَا التداخلِ لفظًا، وكذلك هما بمعنى واحد وإنما تركيبُ رِخْو وتركيبُ رِخْوَدّ من ر خ د، وواو رِخْوا زائدةٌ فالفاءُ والعينُ من رِخْو ورِخْوَدّ متفقتان لكن لاماهما مختلفان والرِّخْو الضعيف والرِّخْوَدُّ المتثنّي، والتثنّي عائدٌ إلى معنى الضعف فلما كانا كذلك أوقعا الشكَّ (9) ومن ذلك قولهم رجلٌ ضيّاطٌ وضَيْطار فقد ترى تشابُهَ الحروفِ والمعنى مع ذلك واحدٌ فهو أشدُّ لالتباسه (10).
وإنما ضيّاط من تركيب ض يَ ط وضيطار [من تركيب](11) ض ط ر.
(1) ذكره ابن جني في (الخصائص)(2/ 86).
قال في (لسان العرب)(2/ 297) الجعشوش: الطويل، وقيل: الطويل الدقيق، وقيل: الدميم القصير الذَّريُّ العميء منسوب إلي قَمْأة وحيفر وقلّة.
(2)
في (الخصائص)(2/ 86).
(3)
في (الخصائص) بدل من السين. نعم، والاشتقاق يعضد كون السين ـ غير معجمة ـ هي الأصل.
(4)
(2/ 69 ـ 70) باب في الأصلين (يتقاربان في التركيب بالتقديم والتأخير).
(5)
زيادة من (الخصائص)(2/ 70).
(6)
زيادة من (الخصائص)(2/ 70).
(7)
(2/ 44).
(8)
زيادة من الخصائص (2/ 44).
(9)
في الخصائص قوله: (لمن ضعف نظره).
(10)
في الخصائص [فهو أشد لإلباسه].
(11)
زيادة من الخصائص (2/ 45).
ومن ذلك لُوقةٌ وأَلوقةٌ (1) وصوصٌ وأَصوصٌ (2) ويَنْجوج وألنَجْوج ويَلَنْجوج (3) وضيفٌ وضيَفنٌ وسَبِطٌ وسِبَطْرٌ.
[تقارب الحروف لتقارب المعاني](4)
قال صاحب الخصائص (5) إنها تتقارَبَ الحروفُ لتقارُب المعاني. قال وهذا بابٌ واسعٌ من ذلك قولُ الله سبحانه {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83] أي تُزْعِجُهم وتُقلِقُهم فهذا في معنى تهزّهم هزًّا، والهمْزَةُ أهتُ الهاءِ فتقارَبَ اللفظانِ لتقارُب المعنيين فكأنهم خصُّوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء وهذا المعنى أعظمُ في النفوس من الهزّ، لأنك قد تُهزّ [مالا حَركَ به](6) كالجِذْع وساقِ الشجرة ونحو ذلك، فقد ترى أيضًا تصاقُبَ اللفظين لتصاقُب المعنيين. (7).
ومنه القَرْمةُ وهى [ما](8) تُحزّ من أنف البعير، وقريبٌ منه قلَّمْتُ أظفاري لأنَّ هذا
(1) قال أبو عبيد: هو مأخوذ من اللوقة، وهي الزبدة في قول الفراء والكسائي.
وقال ابن الكلبي: هو الزبد بالرطب. واللُّوقة: الرطب بالزُّبْد وقيل بالسمن.
(لسان العرب)(12/ 309).
(2)
صوص: رجل صوص: بخيل والعرب تقول: ناقةٌ أصوصٌ عليها صُوصً أي كريمة عليها بخيل.
والصُّوصُ: الرجل المنفرد بطعامه لا يؤاكل أحدًا.
(3)
اليَنْجُوج والأنجوج: العود الذي يتبحَّرُ به. قال ابن الأثير: كأنَّه يَلجُّ في تضوُّع رائحته، وهو انتشارها. (لسان العرب)(14/ 44).
(4)
زيادة من الخصائص (2/ 146).
(5)
(2/ 146ـ 152).
(6)
في (الخصائص)[مالا بال له]. (2/ 146).
(7)
(2/ 146ـ 152).
(8)
في (الخصائص)(2/ 146)[وهى الفقرة].
[7أ] انتفاصُ الظُّفْرِ وتلك انتفاصُ الجلد. قالوا فالراء أختُ اللام والعَملانِ متقاربان. وعليه قالوا (فيها)(1) الجَرْفةُ وهى من ج ر ف وهى أختُ جلَفْتَ القلمَ أخذتُ جِلْفَته، وهذا من ج ل ف وقريبٌ منه الجَنَفُ، وهو الميلُ، وإذا جَلَفْتَ الشيء أو جرَفْتَه فقد أَمَلْتَه عما كان عليه وهذا من ج ن ف.
ومنه العَسَْف والآسَف وتاعينُ أختُ الهمزة كأنّ الأسَفَ يعسِف النفسَ وينال منها والهمزةُ أقوى من العين كما أنَّ أسَفَ النفسِ أغلظُ من التودُد والعسْفِ (2) فقد ترى تعاقب اللفظين.
لتعاقب المعنيين ومثله تركيب ع ل م في العلامة والعَلَم وقالوا مع ذلك بَيضةٌ عَرْماءُ وقطيعٌ أعْرمُ، إذا كان فيها سوادٌ وبياضٌ وإذا وقع ذلك بأن أحدُ اللونَيْنِ من صاحبه، فكان كلُّ واحدٍ منهما علمًا لصاحبه وهو من ع ر م.
ومن ذلك تركيبُ ح م س.
وح ب س قالوا: حبستُ الشيءَ وحَمسَ الشرٌّ أي اشتدّ. والتقاؤُهما أن الشيئين إذا حبَس أحدُهما صاحبَه تمانعا وتعارّا فكان ذلك كالشر يقع بينهما.
ومنه العَلْبُ الأثرُ والعلْمُ الشقٌّ في الشَّفة العُلْيا فهذا من ع ل ب والباءُ أختُ الميم.
ومنه تركيبُ ق ر د وتركيبُ ق ر ت قالوا: قرِدَ الشيءُ إذا تجمّع وقالوا قرَتَ الدمُ إذا جمَدَ والتاءُ أختُ الدال.
ومن ذلك العَلَزُ للخِفّة والطَّيش، والقَلَق، والعَلَصُ لوجع في الجوف يلتوي منه ويَقْلَق والزاي أختُ الصاد.
ومنه الغَرْبُ وهي الدلْوُ العظيمةُ، وذلك أنها تغرِف من الماء، والفاء أختُ الباء.
واستعملوا تركيبَ ج ب ل وتركيب ج ب ن وتركيب ج ب ر لتقاربها في موضع
(1) زيادة من الخصائص (2/ 147).
(2)
كذا في المخطوط والذي في الخصائص (التردد بالعسْف فقد ترى تعاقُب اللفظين لتعاقب المعنيين).
واحد وهو الالتئامُ والتماسكُ ومنه الجبلُ لشدّته وقوّته وجَبُن إذا استمسك وتوقّف، ومنه جَبَرْتُ العظمَ أي قوَّيْتُه.
وقد تقع المضارعَةُ في الأصل الواحدِ بالحرفين نحوُ السَّحِيل والصَّهِيْل فهذا من س ح ل وهذا من ص هـ ل والصاد أخت السين، كما أنَّ الهاء أختُ الحاء ونحوُ قولِهم سحَلَ في الصوت وزَحَر فالسين أختُ الزاي كما أنَّ اللامَ أختُ الراء. وقالوا: جَرَف وجَلَم فهذا للتقشير وهذا للقطع وهما متقارِبان معنًي ومتقاربان لفظًا، لأنَّ هذا من ج ل ف [7ب] وهذا من ج ل م نعم.
وتجاوزوا ذلك إلي أن ضارعوا بالأصول الثلاثةَ. الفاء والعينِ واللام فقالوا عصرَ الشيءَ وقالوا أزَلَهُ إذا حبَسه. والعصْرُ ضربٌ من الحبس فهذا من ع ص ر وهذا من أزَل والعينُ أختُ الهمزةِ والصاد أختُ الزاي، والراء أختُ اللام.
وقالوا الأَزْمُ المنعُ والعصْبُ الشدُّ فالمعنَيانِ متقاربان، والهمزةُ أختُ العين، والزاي أختُ الصادِ والميم أختُ الباءِ، وهذا من أزَم وهذا من عصب (1). وقالوا السلْبُ والصَّرفُ فإذا سُلِبَ الشيء فقد صُرِف (2) والسين أختُ الصاد واللام أختُ الواو والباء أختُ الفاء.
وقالوا الغَدْرُ كما قالوا الختْلُ والمعنَيان متقاربان واللفظانِ متراسلا فهذا من غ د ر وهذا من خ ت ل فالعين أختُ الخاء والدال أختُ التاء والراء أختُ اللام.
وقالوا زأَر الأسدُ كما قالوا سعَل لتقاربُ اللفظ والمعنى.
وقالوا: عَدَنَ بالمكان كما قالوا: [تأطَّر](3) أي أقام وثبت وقالوا ضرب كما قالوا جَلَفَ لأن شارب الماء مغن له كالجالف للشيء وقالوا: صَهَلَ كما قالوا: زأَر، وقالوا تجعَّد
(1) انظر (الخصائص)(2/ 149).
(2)
في (الخصائص)(2/ 149) فقد صرف عن وجهه فذاك من (س ل ب) وهذا من (ص ر ف).
(3)
في المخطوط [اطرا] والصواب ما أثبتناه من الخصائص (2/ 150).
كما قالوا تشحّط وذلك أنّ الشيءَ إذا تجعَّد وتَقَبَّض عن غيره شحَطَ وبُعَد عنه. وهذا من تركيب ج ع د وهذا من تركيب ش ح ط والجيم أختُ الشين والعين أختُ الحاء والدال أختُ الطاء.
وقالوا السيفُ والصَّوبُ، وذلك أن السيفَ يوصَفُ بأنه يَرْسُب في الضَّرِيبة لِحدّته، ولذلك قالوا سيفٌ رَسوبٌ وهذا هو معني صاب يصوب إذا انحدر، فهذا من س ي ف وهذا من ص وب والسين أختُ الصاد، والباء أختُ الواو، والفاء أختُ الباء.
وقالوا جاع يجوع وشاء يشاءُ فالجائع مريدٌ للطعام لا محالة، ولهذا يقول المدْعوُّ إلى الطعام إذا لم يُجبْ لا أُريده ولست أشتهي ونحوَ ذلكن والإرادةُ هي المشيئةُ وهذا من ج وع وهذا من ش ي أ فالجيم أختُ الشين والواو أختُ الياء والعين أختُ الهمزة.
وقالوا هو حِلْسُ بيتِه إذا لازمه.
وقالوا: أرَز الشيءُ إذا اجتمع نحوَه وتقبّض إليه ومنه: «إن الإسلامَ لَيأرِزُ إلى المدينة» (1) فهذا من ح ل س وهذا من أرَز، والحاء أختُ الهمزة [8أ] واللام أختُ الراء والسين الزاي وقالوا أَفَلَ كما قالوا غَبرَ لأن أَفَلَ غاب والغابرُ آفِل أيضًا فهذه من أ ف ل وهذا من غ ب ر فالهمزة أختُ الغين والفاء أخت الباء واللام أختُ الراء.
قال ابنُ جني (2) وهذا (3) موجود في أكثر الكلام وإنما بقيَ من يُثيره ويبحث عن مكنونه، بل من إذا أوضح (4) له وكُشِفَ عنده حقيقتُه أطاع طبعُه له فوعاه، وهيهاتَ ذلك مطلبًا، وعَزّض فيهم مذهبًا. وقد قال أبو بكر: مَن عَرَفَ ألِفَ ومن جهلِ استوحش، ونحن نُتْبع هذا الباب بابًا أغربَ منه وأدلَّ علي حكمة اللهِ سبحانه تقدستْ
(1) وهو حديث صحيح تقدم تخريجه وتمامه [إنّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في الخصائص (2/ 152).
(3)
عبارة الخصائص هكذا (وهذا النحو من الصنعة موجود).
(4)
انظر: الخصائص (2/ 152).
أسماؤُه فتأمَّلْه تحْظَ به (1).
[إمساس الألفاظ أشباه المعاني](2)
وقد نبّه عليه الخليلُ وسِيبَويهِ وتلقَتْه الجماعةُ بالقَبول والاعتراف بصِحتّه.
قال الخليلُ كأنهم توهّموا في صَوْت الجُنْدُبِ استطالةً [ومدّا](3) فقالوا: صرَّ وتوهّموا في صوت البازي تقطيعًا صَرْصَر.
وقال سيبويه (4) في المصادر التي جاءت على الفَعَلان إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو [النفزان](5) والغَلَيان والغَثيان فقابلوا بتوالي الحركاتِ في المثال تواليَ الحركَاتِ في الأفعال.
قال ابنُ جني (6) ووجدْتُ أنا من هذا الحديثِ أشياءَ كثيرةٌ على سَمْتِ ما حَدّاه وِمنهاجِ ما مثَّلاه، وذلك أنك تجد المصادرَ الرُّباعية المضعَّفة تأتي للتكرير والزعْزعةِ نحو القلْقلة والصَّلْصَلة والصَّعْصَعة والجَرْجرة والقَهْقَرة، ووجدتُ أيضًا (الفَعَلَى) من الصفات والمصادرِ إنما تأتي للسًّرعة نحوُ: البَشَكَى والجَمَزَى والوَقَلَى والحيدَى (7) فجعلوا
(1) قال ابن جني في (الخصائص)(2/ 152) اعلم أنَّ هذا موضع شريف لطيف
…
].
(2)
من الخصائص (2/ 152).
(3)
زيادة من الخصائص (2/ 152).
(4)
في الكتاب (4/ 14 ـ 17) تحقيق عبد السلام هارون.
قال سيبويه: (ومن المصادر التي جاءت علي مثال واحد حين تقارب المعاني قولك: النَّزوان والنَّفزان والقفزان. وإنّما هذه الأشياء في زعزعة وتحرك. ومثله الغثيان لأنّه تجيْش نفسه وتثور، ومثله الخطران واللّمعان لأن هذا اضطراب وتحرّك، ومثل ذلك اللهبان والوهجان لأنّه تحرّك الحرّ وتثوره فإنما هو بمنزلة الغليان).
(5)
في المخطوط [النَفران] وما أثبتناه من الخصائص.
(6)
في (الخصائص)(2/ 152).
(7)
وردت في قول الشاعر: أمية بن أبي عائذ الهذلي:
كأني وَرْحلي إذا هجَّرت
…
على جَمَزَى جازيء بالرمال
أو أصحم حامٍ جرامِيزه
…
حزابية حَيَدَى بالدِّحالِ
انظر: (اللسان)(2/ 352)، (الخصائص)(2/ 153).
قال ابن منظور: شبه ناقته بحمار وحشي ووصفه وحشي، وهو السريع وتقديره على حمار حَمزَى.
المثالَ المكرّر أعنى بابَ القلقلة، والمثالَ الذي توالت حركاتُه للأفعال التي توالت الحركاتُ فيها.
ومن ذلك ـ وهو أصنَعُ منه ـ أنهم جعلوا (استفعل) في أكثر الأمرِ للطلب، نحو استسْقَي واستطعَمَ واستوهَب واستمنَحَ [واستودَعَ عَمْرًا](1) واستصرخ جعفرًا. فرُتّبتْ في هذا البابِ الحروفُ على ترتيب الأفعالِ، وتفسيرُ ذلك أن الأفعالَ المُحَدَّثَ عنها أنها وقعتْ عن غير طلبٍ إنما تَفجَأُ حروفُها الأصولَ أو ضارَعَ بالصنعةَ الأصولَ.
فالأصولُ نحوُ قولِهم طَعِم ووهَب [8ب] ودخل وخرج وصعد ونزل، فهذا إخبارٌ بأصول فاجَأتْ عن أفعالٍ وقعتْ، ولم يكن معها دِلالة تدل على طلب لها ولا إعمالَ فيها، وكذلك ما تقدمت الزيادةُ فيه على سَمْت الأصلِ نحوُ أحسَنَ وأكرم وأعطى وأوْلى، فهذا من طريق الصنعةِ بوزن الأصل نحو دحْرجَ وسرْهَفَ وقَوْفَى وزَوْزَي وذلك أنهم جعلوا هذا الكلامَ عباراتٍ عن المعاني وكلما ازدادتْ العبارةُ شبَهًا بالمعني كانت أدلَّ عليه وأشهَرَ بالعَرَض فيه، فلما كانت إذا فاجَأت الأفعالَ فاجَأتْ أصول المثلِ الدّالةِ عليها أو ما جرَى مَجْرى أصولِها نحوُ وهَب ومنَح وأكرَم وأحسَنَ كذلك إذا أخبْرتَ أنك سعَيتَ فيها وتسبَّبتَ لها وجب أن تَقدِّمَ أمامَ حروفِها في مُثُلها الدالةِ عليها أحرُفًا زائدةً على تلك الأصولِ تكونُ كالمقدِّمة لها والمؤدّيةِ إليها.
وذلك نحو استفعل فجاءتِ الهمزةُ والسين والتاء زوائد، ثم وردَتْ بعدَها الأصولُ: الفاءُ والعينُ واللامُ، فهذا من اللفظ وفْقَ المعنى الموجودِ هنالك، وذلك أن الطلبَ للفعل والتماسَه والسعْيَ في والتأتِّيَ لوقوعه تقدَّمه ثم وقعت الإجابةُ إليه فتبع الفعلُ السؤالَ فيه
(1) كذا في المخطوط وفي (الخصائص)(2/ 153) استقدم عمرًا.
والتسبيبَ لوقوعه. فكما تبِعَتْ أفعالُ الإجابةِ الطلبَ كذلك تبِعَتْ حروفُ الأصلِ الحروفَ الزائدةَ التي وُضعت للالتماس والمسألة.
وذلك نحوُ استخراج واستقدم واستوهب واستمنَحَ واستعطى واستَدْني فهذا على سَمْت الصنْعةِ التي تقدّمت في رأي الخليل وسيبَويه إلَاّ أنّ هذه أغمضُ من تلك غيرَ أنها وإن كانت كذلك فإنها منْقولةٌ عنها ومعقودةٌ عليها ومَنْ وجَد مقالاً قال به وإن لم يَسبِقْ إليه غيرُه. فكيف به إذا تبِعَ العلماءَ فيه وتلاهم على [تمثيل](1) معانيه.
ومن ذلك جعلوا تكريرَ العينِ في المثال دليلاً على تكرير الفعل فقالوا: كَسَّرَ وقطَّع وفتَّح وغلَّق وذلك أنهم إذا جعلوا الألفاظَ دليلةَ المعاني [فأقوى](2) اللفظِ ينبغي أن تقابَلَ به قوةُ الفعلِ والعينُ أقوى من الفاء واللام، وذلك أنها واسطةٌ لهما ومكنوفَةٌ لهما فصارا كأنهما سياجٌ لها ومبذولان للعوارض دونها. (3)
فأما حذفُ الفاءِ ففي المصادر من باب وعد نحو العِدَة والزِّنة والهِبَه. وأما اللام فنحو اليد والدم والفم والأب والأخ والسَّنَة، وقَلّما تجد الحذفَ في العين.
فلَّما كانت الأفعالُ دليلةَ المعاني كرّروا أقواها وجعلوه دليلاً على قوة المعنى المحدَّثِ به وهو تكريرُ الفعل، كما جعلوا تقطيعَه نحو صَرْصَرَ دليلاً على تقطيعه ولم يكونوا ليضعّفوا الفاءَ ولا اللامَ لكراهية [المضعَّفِ أن يجيءَ في آخرها](4) وهو مكانُ الحذفِ وموضعُ الإعلال، وهم قد أرادوا تحصينَ الحرفِ [9أ] الدالِّ على قوة الفعلِِ، فهذا أيضًا من مساوقة الصنْعةِ للمعاني.
وقد أتبعوا اللامَ في باب المبالغة العينَ وذلك إذا كُرّرت العين معها في نحو دَمَكْمَك
(1) في المخطوط [مثيل] وما أثبتناه من الخصائص (2/ 155).
(2)
في المخطوط فقوّاه وما أثبتناه من الخصائص (2/ 155).
(3)
قال ابن جني في الخصائص (2/ 155): ولذلك تجد الإعلال بالحذف فيها دونها.
(4)
العبارة اعتراها سقط: وهي في (الخصائص)(2/ 155) كما يلي: التضعيف في أول الكلمة.
والإشفاق على الحرف المضعّف أن يجيء في آخرها.
وصَمَحْمَح وعَرَكْرَك وعصَبْصَب وغَشَمْشَم، والموضعُ في ذلك للعين، وإنما ضامَّتْها اللامُ هنا تبعًا لها ولاحقةً بها، ألا ترى إلى ما جاء عنهم للمبالغة من نحو اخلَوْلق واعشَوْشب واغدَوْدَنَ واحْمَوْمي واذْلَولي وكذلك في الاسم نحوُ عَثَوثل وغدَوْدَن وعَقَنْقَلٍ وهَجَنْجَل، وكلُّ واحدٍ من هذه المُثُل قد فُصِل بين عينيه بالزائد (1)، فعلمتَ أن تكريرَ العينِ في باب صَمَحْمَح إنما هو للعين وإن كانت اللامُ فيه أقوى من الزائد في باب افعَوعَل وفَعَوعَل وفَعَيعَل وفَعَنْعل لأنّ العينَ باللام أشبهُ من الزائد بها، ولهذا ضاعفوها أيضًا كما ضاعفوا العينَ للمبالغة نحو عُتُلٍّ وصُمُلٍّ وحُزُقٍّ ألَاّ ترى أنَّ العينَ [أقعدُ](2) في ذلك من اللام، فإنّ الفعلَ الذي هو موضوعٌ للمعاني لا يُضعَّف ولا يؤكد تكرير إلَاّ بالعين. هذا هو الباب. فأما اقعنسَسَ واسْحَنكَكَ فليس الغرضُ فيه [التوكيد و](3) التكريرَ لأنّ ذا إنما ضُعِّف للإلحاق، فهذا طريقٌ صناعيةٌ وبابُ تكريرِ العينِ هو طريقٌ معنْويّةٌ، ألا ترى أنهم لمّا اعتزموا إفادةَ المعنى توفّروا عليه وتحامَوا [طريق](4) زيادة من الخصائص (2/ 156). الصَّنعةَ والإلحاقَ فيه، فقالوا قطّع وكسّرَ تقطيعًا وتكسيرًا ولم يجيئوا بمصدره على مثال الفَعْلَلَة فيقولون قطعة ولا كَسَّرةً كما قالوا في الملحق: يبطَرَ بيْطرةً وحَوْقَل حَوْقلةً وجَهْوَرَ جَهْورةً.
ويدلُّك على أن افعَوعَلَ لما ضُعّفت عينه للمعني انصرف به عن طريق الإلحاق تغليبًا للمعنى على اللفظ وإعلامًا أنَّ قدْرَ المعنى عندهم أعلى وأشرفُ من قدْر اللفظِ أنهم قالوا في افعوعَل من رَدَدْتُ: ارْدَوَدَّ، ولم يقولوا اردَوْدَدَ فيظهَرَ التضعيفُ للإلحاق كما أظهروه في نحو اسحَنْكَكَ لما كان للإلحاق باحْرَنجمَ واخرنطم ولا تجد في بُنات الأربعةِ نحو احْرَوْجَمَ حتى يقال إن افعوعل من رَدْدتَ فيقال اردَوْدَدَ لأنه لا مثالَ له رباعيًا فيُلْحقَ هذا به، فهذا طريقُ المُثُل واحتياطاتُهم فيها بالصنعة ودَلالاتُهم منها على الإرادة والبُغْية.
(1) قال في (الخصائص)(2/ 156): لا باللام.
(2)
في المخطوط (أبعد) وما أثبتناه من الخصائص (2/ 156).
(3)
زيادة من الخصائص (2/ 156).
(4)
زيادة من الخصائص (2/ 156).
وهذا مما يوضح لك سِرَّ ما أسلفنا في الاشتقاق، وتبيّن لك أن العربَ لا يجعلون فعلاً من الأفعال أو اسمًا من الأسماء موافقًا لفعل أو اسم آخرَ على الصفة التى قدمنا [9ب] إلَاّ وقد راعَوا معنًي يجمعُهما قريبًا أو بعيدًا فإنهم قد راعَوا ذلك في الألفاظ التي ليس بينها من الاتصال والعلاقةِ ما بين ما يصدُق عليه مسمَّى الاشتقاقِ من الألفاظ كما قدمنا الإشارةَ إليه بل لقد وقعت المُراعاةُ منهم لما هو دون ما ذكرنا فإنهم قد قابلوا الألفاظَ بما يشاكل أصواتَها من الأحداث [فيجعلون كثيرًا](1) أصواتَ الحروفِ على سمْت الأحداثِ المعبَّرِ بها [عنها فيجد قوّتَها بها](2) كقولهم خَضم وقَضِم فالخضْمُ لأكل الشيء الصُّلْب اليابسِ نحوُ قضِمَت الدابّةُ شعيرَها، ومنه قولُهم (قد يُدْرك الخَضْمُ بالقضْم) أي قد يُدرك الرخاءُ بالشدة واللينُ بالشظف، ومنه قول أبي الدرداء يخْضِمون ونقْضَم، والموعِدُ الله (3) فاختاروا الخاءَ لرَخاوتها للرَّطْب والقافَ لصلابتها لليابس فحَذَوا بمسموع الأصواتِ على خَذْو محْسوسِ الأحداث.
ومن ذلك قولُهم النضْحُ بالمهملة للماء الخفيف لدقّةِ الحاء المُهْمَلة وجَعلوا النضْخَ بالخاء المُعجمة لما هو أقوى منه لِغِلَظ الخاء المُعْجمة.
(1) ولعلها: (وذلك أنهم كثيرًا ما يجعلون) كما في الخصائص (2/ 157).
(2)
والعبارة كما في (الخصائص)(2/ 157): فيعدّلونها بها، ويختذونها عليها. وذلك أكثر مما تقدره وأضعاف ما نستشعره.
(3)
قال ابن الأثير في (النهاية)(2/ 44)(خضم) في حديث علي رضي الله عنه: فقام إليه بنو أميّة يخضمون مال الله خضم الإبل نبته الرَّبيع).
الخضم: الأكل بأقصى الأضراس، والقضم بأدناها: خضم يخضم خضمًا.
ومنه حديث أبي ذر: «تأكلون خضمًا ونأكل قضمًا» .
وفي حديث أبي هريرة: «أنّه مرَّ بمروان وهو يبني بنيانًا له، فقال: ابنوا شديدًا وأمّلوا بعيدًا، واخضموا فستقضموا» .
ومن ذلك قولُهم القَدُّ طُولاً والقَطّ عَرْضًا وذلك لأنّ الطاء أخصَرُ للصوت وأسرعُ قطْعًا له من الدال فجعلوا الطاءَ المتأخِّرة لقطع العَرْض لقُربه وسُرعتِه والدالَ لِما طَالَ من الأثَر وهو قطْعُه طولاً.
ومنه قولُهم قَرَتَ الدمُ وقَرِدَ الشيءُ وتقرَّد، وقرَط يقرُط فالتاء أخفّ الثلاثةِ فاستعملوها في الدم إذا جفّ لأنه قَصْدٌ ومستخَفٌّ في الحِس (1) وقرِد من القَردَ لما يُخفى صوتَه، ويقال من القرْد وذلك لأنه موصوفٌ بالقِلّة والذِّلة. قال الله سبحانه:{فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (2)[وجعلوا الطاءَ وهي أعلى الثلاثةِ صَوْتًا للقَرْط الذي يُسمع]. (3)
ومن ذلك قولُهم الوسيلةُ والوَصيلة، فالصاد أقوى من السين لِما فيها من الاستعلاء فكانت الوصيلةُ أقوى من الوسيلة وذلك أن التوسّلَ ليست له عِصْمة الوصْلِ والصِّلة، لأن الصِّلةَ أصلها من اتصال الشيء بالشيء ومُماسّتِه له وكونِه في أكثرِ الأحوال بعضًا له، كاتصال الأعضاءِ بالإنسان، وهي أبعاضُه، ونحوُ ذلكِ، والتوسُّلُ معنًى يضعُفُ ويصْغُر أن يكونَ المُتوسَّل إليه، وهذا واضح، فجعلوا الصادَ لقوتها للمعنى الأقوى والسينَ لضَعْفها عنها للمعنى الأضعفِ.
ومن ذلك قولهم خذا يخْذو بالواو لاسترخاء الأُذُن وخذأَ يخْذَأ بالهمزة للذل، والواو أضعفُ من الهمزة، واسترخاءُ الأُذنِ دون الذلِّ لأنّ الاسترخاء ليس من العيوب التي يُسَبُّ بها بخلان الذل (4).
(1) قال في (الخصائص)(2/ 158): عن القرْدد الذي هو النباك في الأرض ونحوها. وجعلوا الطاء وهي أعلى الثلاثة صوتًا ـ للقرط الذي يسمع.
(2)
[البقرة: 65].
(3)
موضعها بيناه آنفًا.
(4)
والعبارة في الخصائص (2/ 160). ومن قولهم: (الخذا) في الأذن، و (الخذأ: الاستخذاء) فجعلوا الواو في خذواء ـ لأنها دون الهمزة صوتًا ـ للمعنى الأضعف. وذلك أن استرخاء الأُذن ليس من العيوب التي يُسبُّ بها ولا يتناهى في استقباحها. وأما الذل فهو من أقبح العيوب، وأذهبها في المزراة والسبّ فعبروا عنه بالهمزة لقوتها، وعن عيب الأذن المحتمل بالواو لضعفها، فجعلوا أقوى الحرفين لأقوى العيبين، وأضعفهما لأضعفهما.
ومن ذلك جفأ الوادي يجفُو بالواو وجفَأ [10أ] بالهمزة فإنّ فيهما معنى الجفا لارتفاعهما، يقال جفا الشيءُ يجفو وجفأ الوادي يجفأ ولكنهم استعملوا الهمزة في الوادي لقوة دفْعِه.
ومن ذلك سِعِدَ وصَعِدَ فالصاد لما كانت أقوى لِما سلف من كونها من حروف الاستعلاء جعلوها لِما فيه أثَرٌ مشاهَدٌ يُرى وهو الصعود في الجبل والحائط ونحوِ ذلك وجعلوا السين لما فيها من الضَّعف لما لا يظهر ولا يشاهد حِسًّا إلَاّ أنه مع ذلك فيه صُعودُ الجَدِّ لا صعودُ الجسْمِ، ألَاّ تراهم يقولون هو سعيدٌ وهو عالي الجَدِّ، وقد ارتفع أمرُه وعلا قدره. (1)
ومن ذلك قولهم سَدَّ وصَدَّ فالسدّ دون الصّدِّ، لأنّ السدِّ للباب والمنْظَرَة والصَّدَّ جانبُ الجبَل والوادي والشِّعب، وهذا أقوى من السدّ الذي يكون لثُقْب الكُوَّة ورأسِ القارورة.
ونحو ذلك.
ومن ذلك القَسْمُ والقَصْمُ فالقصْمُ أقوى فعلاً من القسم، لأنّ القصْمَ يكون معه الدقُّ، وقد يُقسم بين الشيئين فلا يُنكأ أحدُهما فلذلك خُصَّت بالأقوى الصاد، وبالأضعف السين.
ومن ذلك تركيبُ ق ط ر وتركيبُ ق د ر وتركيب ق ت ر فالتاءُ خافيةٌ مستقلة والطاء ساميةٌ متَصَعَّدةٌ فاستُعمِلَتا لعاديهما في الطرفين كقولهم: قَطْر الشيءِ وقَتْرهُ،
(1) قال ابن جني في (الخصائص)(2/ 161): (فجعلوا الصاد لقوتها، مع ما يشاهد من الأفعال المعالجة المتجشمة، وجعلوا السين لضعفها، فيما تعرفه النفس، وإن لم تره العين والدلالة اللفظية أقوى من الدلالة المعنوية.
والدال بينهما ليس لها صعودُ الطاءِ، ولا نُزول التاءِ فلذلك كانت واسطةً بينهما فَعُبّر بها عن معظم الأمرِ ومُقابلتِه فقيل قدرُ الشيء لجُماعه.
وينبغي أن يكون قولُهم قطرَ الإناءُ الماءَ إنما هو فَعَلٌ من لفظ القُطْر ومعناه ذلك لأنه [إنما ينقط](1) الماء من صفحته الخارجةِ وهو قُطْرُه، فاعرِف ذلك فهذا ونحوُه إذا أنت أَتيتَه من بابه وأصلحْتَ فكرَك لتناوُله وتأمُّله أعطاك مَقادَه وأركبك ذُروتَه، وجلّي عليك [بهجاتُه](2) ومحاسنة وإنْ أنت تناكَرْتَه، وقلت هذا أمرٌ منتشرٌ ومذهبٌ صَعْبٌ مُوعرٌ حرمْتَ نفسَك لذَّته وسددْت عليها باب الحُظْوَةَ به.
ووراءَ هذا ما اللُّطفُ فيه أظهرُ والحكمةُ أعلى وأصنَعُ. وذلك أنهم قد يُضيفون إلى اختيار الحروفِ وتشبيهَ أصواتِها بالأحداث المعبَّرِ عنها (3) وتقديمَ ما يُضاهي أوّلَ الحدثِ وتأخيرَ ما يُضاهي آخرَه (4) سَوقًا للحروف على سمْت المعنى المقصودِ والغرضِ المطلوب.
ومن ذلك قولُهم شدَّ الحبْلَ فالشينُ لِما فيها من التفشّي تَشبَّهُ بالصوت أولَ انجذابِ الحبلِ قبل استحكام العَقْد، ثم يليها إحكامُ الشدِّ والجذْبِ فَيُعبّر [عنه](5) بالدال [10ب] التي هي أقوى من الشين لا سيما وهي مُدْغَمةٌ فهي أقوى لصنعتها وأدَلَُ على المعنى الذي أُريد بها. فأما الشِّدةُ في الأمر فإنها مستعارةٌ من شدّ الحبل.
ومن ذلك قولُهم جرَّ الشيءَ يجُرُّه، قدموا الجيمَ لأنها حرفٌ شديدٌ وأولُ الجرِّ المشقّةُ على الجارّ والمجرورِ جميعًا، ثم عقّبوا ذلك بالراء وهي حرف مكرَّرٌ، وكرَّروها مع ذلك في نفسها، وذلك لأن الشيءَ إذا جُرَّ على الأرض في غالب الأمرِ اضطربَ صاعدًا عنها ونازلاً، وتكرّر ذلك منه على ما فيه من التعْتعَة والقَلَق فكانت الراءُ لِما فيها من
(1) في المخطوط [يسقط]. وما أثبتناه من الخصائص (2/ 162).
(2)
زيادة من الخصائص (1/ 162).
(3)
قال في الخصائص (2/ 162): (بها ترتيبها).
(4)
قال في الخصائص (2/ 162): وتوسيط ما يضاهي أوسطه.
(5)
زيادة من الخصائص (2/ 162).
التكرير، ولأنها أيضًا قد كُرِّرتْ في نفسها أوفقَ لهذا المعنى من جميع الحروفِ.
فإنْ رأيتَ شيئًا من هذا لا ينقاد لك فيما رسْمناه ولا يتابِعُك على ما أردناه فذلك لأحد أمرين إما أن يكونَ لم تُنْعِم النظرَ فيه فيتَعَدَّ بك فكرُك عنه، أو لأن لهذه اللغةِ أصولاً وأوائلَ قد تخفى عنا وتقصُرُ أسبابُها دوننا.
قال ابنُ جني في الخصائص (1): فإن قلتَ فهلا أجَزْتَ أن يكون ما أوردتَه في هذا الموضعِ يعني ما قدّمنا ذكرَه شيئًا اتّفق وأمرًا وقع في صورة المقصودِ من غير أن يُعتَقَدَ قلت: في هذا حُكمٌ بإبطال ما دلتْ الدِّلالةُ عليه من حكمة العربِ التي تشهد بها العقولُ.
ثم قال ولو لم يُنبَّه على ذلك إلَاّ بما جاء عنهم من تشبيههم الأشياء بأصواتها كالخاقْ باق لصوت الفرجِ عند الجِماع، وغاق لصوت الغُراب وفي قوله: تداعَيْنَ باسم الشِّيب
…
لصوت مَشافرِها.
ومنه قولُهم حاحَيْتَ وعافَيْتَ وهاهَيْتَ إذا قلتَ حاءِ وعاءِ وهاءِ، وقولُهم بسْمَلْت وهَيْلَلْت وحَوْقَلْت كلُّ ذلك بأشباهه إنما يرجِعُ في اشتقاقه إلى الأصوات.
قال (2): ومن ظريف ما مرَّ بي في هذه اللغةِ التي لا يُكادُ يُعلم بُعدُها ولا يُحاط بقاصيها ازدحامُ الدال والتاء والطاء والراء واللام إذا ما زَجَتْهن الفاءُ على التقديم والتأخير، فأكثرُ أحوالِها ومجموعِ معانيها أنها للوهْن والضَّعْف ومن ذلك الدالِفُ للشيخ الضعيفِ والشيء التالفِ والطَّليف (3). والدَّنِفُ المريضُ.
ومنه التَّنوفَةُ وذلك لان الفلاةَ إلى الهلاك، ألا تراهم يقولون لها مَهْلكة، وكذلك قالوا بيداء فهى فعْلاء من بادَ يبيد.
(1)(2/ 164).
(2)
ابن جني في (الخصائص)(2/ 166).
(3)
قال في (الخصائص)(2/ 166) والظليف: المجّان وليست له عصمة الثمين.
ومنه التُّرْفَهُ لأنها إلى اللّين والضَّعْف، وعليه قالوا الطَّرَف لأن طَرفَ الشيءِ أضعفُ مِن قلبه وأوسطِه.
ومنه الفردُ لأن [المفْرَدَ](1) إلى الضَّعف والهلاكِ ما هو.
ومنه الفتورُ للضَّعف. والرَّفْتُ للكَسْر. والرَّديفُ لأنه ليس له تمكُّن الأوْل.
ومن ذلك الطِّفْلُ: للصبيُّ لضَعفه. والطَّفْلُ للرّخصْ وهو ضدُّ الشَّثْنِ، والتَّفَلُ: للريحُ المكروهةُ فهي منبوذةٌ مطروحةٌ وينبغي أن تكون الدِّفْليَ من ذلك لضعفه عن صلابة النَّبْعِ.
ومنه الفَلْتة لضعف الرأي وفَتْلُ المِغْزل لأنه تَثنٍّ واستدارةٌ، وذاك إلى وهْنٍ وضَعْف. والفَطْرُ الشَّقُّ وهو إلى الوهن.
هذا حاصلُ كلامِه (2) مع اختصار، وفيه ما يَزيدُك بَصيرةً بما ذكرناه سابقًا وجَمَعْنا هذا المختصر له مِنْ أن التوافُقَ في بعض [11أ] الحروف بين الكلمتين لا يكون إلَاّ لمعنى يجمَعُهما قريبًا أو بعيدًا بحسَب تقاربُ الحروفِ بل مجرّدِ تقارُبِ مخارجِ الحروفِ، ويكون بينها اتصالٌ من وجْهٍ لا يكون إلاّ لجهة جامعةٍ بينهما باعتبار المعاني كما قدَّمنا في تركيب ع ص ر وتركيب أزل وهكذا في تركيب أزم وتركيب ع ص ب وهكذا تركيبُ غ د ر وتركيبُ خ ت ل وسائرُ ما ورد هذا المورِدَ، وقد قدّمنا إيضاحَه، وإذا عرفْتَ ما أوردناه في هذا المختصر حقَّ معرِفَته وتدَبَّرْتَه حقَّ تدبُّرِه اطَّلعْتَ على ما في هذه اللغةِ الشريفةِ من الأسرار السَّرِيّة والنُّكات الفائقةِ، واللطائفِ الرائقةِ، والإحكام البديع، والإتقان البالِغ، وسلامةَ أفهامِهم وأنهم أشرفُ طوائفِ هذا النوع الإنسانيِّ وأكرمُ بني آدمُ وأفضلَ البشرِ عُقولاً وقلوبًا وأفعالاً وأقوالاً وإصْدارًا وإيرادًا هذا على ما هو المذهبُ الحقُّ من أنهم الواضعون له لهذه اللغةِ الفائقةِ البالغةِ في الإتقان إلى حد تتقاصر عنده عقولُ المُرْتاضين بالعلوم
(1) الذي في الخصائص [المنفرد].
(2)
أي ابن جنِّي في الخصائص.
على اختلاف أنواعِها وتتصاغر لديه إدراكاتُ المشتغلين بالدقائق على تبايُن مراتِبها، وإن علمًا يُوقِف [11 ب] صاحبَه على هذه الأسرارِ لَعظيمُ الخَطَر، نبيلُ القَدْر، وإنّ فنًّا يُتوصّل به إلى هذا اللطائفِ لَكبيرُ الشأنِ جليلُ المكان، ومع هذا فما أقبحَ بالعالم المستكثِرِ من الفنون المتعلّقةِ بلغة العربِ أن يجهَلَ علمًا معْدودًا من علومها غيرَ مُندرجٍ تحت فنٍّ من فنونها فإن جماعةً من محقّقي العلماءِ جعلوا العلومَ المتعلِّقةَ بلغة العَرَب ستةً: النحوُ والصَّرْفُ والاشتقاقُ والمعاني والبيانُ والبديعُ وجماعةٌ منهم حصَروا فنونَ الأدب في علومٍ منها الاشتقاقُ حتى قال قائلُهم في حصر العلومِ الأدبية أبياتًا منها قولُه:
لغةً وصَرْفٌ واشتقاقٌ نحوُها
…
علمُ المعاني والبيان بديعُ
وبالجملة فحقٌّ لفن مستقلٍّ وعِلْمٍ منفردٍ أن تعظمَ العِنايةُ به وتتوفَّرَ الرَّغْبةُ إليه وإن هذا المختصَرَ قد تكفّل ببيانه واشتمل على ما لا يوجد مجموعًا في غيره ولا يُوقَف عليه كاملاً في سواه. والحمدُ لله أولاً وآخِرًا. حرّره مؤلِّفُه غفر الله له.