الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(196)
24/ 5
نزهة الأبصار في التفاضل بين الأذكار
تأليف
محمد بن علي الشوكاني
حقَّقه وعلَّق عليه وخرَّج أحاديثه
محمد صبحي بن حسن حلاق
أبو مصعب
وصف المخطوط:
1 ـ عنوان الرسالة من المخطوط: نزهة الأبصار في التفاضل بين الأذكار.
2 ـ موضوع الرسالة: الأذكار.
3 ـ أول الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه الطاهرين، وبعد.
فإنه ما زال يتكرر السؤال عن من يسبح أو يهلل أو يكبر أو يحمد ....
4 ـ آخر الرسالة: قوله سبحانه: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} بفحوى الخطاب وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية. كتبه مؤلِّفه محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما.
5 ـ نوع الخط: خط نسخي مقبول.
6 ـ عدد الصفحات: 12 صفحة + صفحة العنوان.
7 ـ عدد الأسطر في الصفحة: 36 سطرًا.
8 ـ عدد الكلمات في السطر: 13 كلمة.
9 ــ الرسالة من المجلد الخامس من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه الطاهرين.
وبعد.
فإنه ما زال يتكرر السؤال عن من يسبح أو يهلل أو يكبر أو يحمد أو يشكر أو نحوِ ذلك من الأذكار، أو الأدعية مرَّة بعد مرة، حتى يبلغَ ذلك عددًا كثيرًا، وعن من يقول ذلك مرَّة واحدة مضيفًا له إلى عددٍ كثيرٍ، كأن يقول أحدُهما: سبحان الله مثلاً ثم يكرِّر ذلك حتى يبلغَ ألف مرَّةٍ، ويقول الآخر: سبحان الله ألفَ مرَّة، أو قال: فعدد كذا أو زِنَةَ كذا، أو ملء كذا من غير تكريرِ كما فعل الأول، فهل ثواب الأول فوقَ ثواب الآخر لما وقع منه من التكرارِ الذي فيه كثير تعبٍ، ومزيد عمل باللسان، أم هما في الثواب سواء؟
أقول الجواب فيه أبحاث أربعةٌ، وبها يتضح المراد.
البحث الأول: أنه قد ثبت عن النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أنه أحال على الأعداد ونحوِِها من العظم والكبرِ، وعلى الوزنِ ونحوِه، فمن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه، (1) وأبو داود، (2) والترمذي، (3) والنسائي (4) من حديث جويرية. وقد خرجَ من عندها ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ حين صلَّى الصبحَ، وهي تسبح، ثم رجعَ إليها وهي جالسةٌ بعد أن أضحى، فقال لها:«ما زلت على الحالِ التِي فارقتك عليها؟» قالت: نعم. قال: «لقد قلتُ بعدَك ثلاثَ مرَّات. أربع كلماتٍ لو وزِنَتْ بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهنَّ، سبحان الله وبحمدِه عددَ خلقه، ورضاءَ نفسِه، وزنةَ عرشه ومِدَادَ كلماتِه» .
وفي لفظ لمسلم (5): «سبحانه الله عدد خلقه، سبحان الله زنَة عرشه، سبحان الله مدادَ كلماتِه» . وزاد النسائي (6) في آخر الحديث: «والحمد لله» كذلك، وفي رواية له «سبحان الله وبحمدِه، ولا إله إلَاّ الله والله أكبر عددَ خلقِه، ورضاءَ نفسِه، وزنةَ عرشِه، ومداد كلماته» فهذا الحديث يدلُّ أعظمَ دلالةِ على أنَّ من أحال على عددٍ ونحوِه يكون له من الثواب بقدرِ ذلك، ولهذا قال ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لجويرية:«لقد قلتُ بعدَك ثلاثَ مرَّات أربعَ كلماتٍ لو وُزِنَتْ بما قلتِ لوزنتهنَّ» فهذا تصريحٌ منه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ بأنَّ هذه الكلماتِ التي قالها تعدلُ ما قالته جويرية من
(1) رقم (2726).
(2)
في (السنن) رقم (1503).
(3)
في (السنن) رقم (3555).
(4)
في (عمل اليوم والليلة) رقم (161) قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (3808).
(5)
في صحيحه رقم (000/ 2426).
(6)
في (عمل اليوم والليلة) رقم (162).
بعد صلاة الصبح إلى الضحى.
وأخرج أبو داود، (1) والترمذي، (2) وحسَّنه، (3) والحاكم، (4) وابن حبان (5) وصحَّحاه من حديث سعد بن أبي وقاص أنَّه دخل فتكلَّم على امرأة وبينَ يديها نوى أو حصًى تسبِّحُ به فقال:«ألا أخبرك بأيسرَ عليك من هذا، أو أفضل؟ فقال: سبحان الله عددَ ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بينَ ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالقٌ، والله أكبر مثلُ ذلك، والحمد لله مثلُ ذلك، ولا إله إلا الله [1أ] مثلُ ذلك، ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله مثلُ ذلك» فهذا فيه أنَّ هذا الذي قاله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ يعدلُ عدد ما جعلتْه تلك المرأةُ بيد يديها من النوى أو الحصَى، مع كونه أيسرَ عليها، وأفضل مما قالتْه لاشتمالِه على عدد المخلوقاتِ في السماء، وعددِ المخلوقاتِ في الأرضِ التي تلكَ النوى أو الحصى من جملة ما خلقَه سبحانَه في الأرض، وعدد ما سيخلقه الله إليه من بعد ذلك الوقت فلولا أنَّه حصل للذاكر بهذه الأعدادِ جميعُ ما تضمَّنته لما صحَّ الخبر من الصادق المصدوق الذي لا يقول إلَاّ الحقَّ ولا يخبر إلَاّ بالصدق.
وأخرج الترمذي، (6) والحاكم في ..................................
(1) في (السنن) رقم (1500).
(2)
في (السنن) رقم (3568) وقال: هذا حديث حسن.
(3)
في (السنن)(5/ 562 ـ 563).
(4)
في (المستدرك)(1/ 548). وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. فأخطأ، لأن خزيمة هذا مجهول. قال الذهبي نفسه في (الميزان) (1/ 653) خزيمة: لا يُعرف، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال. وانظر الضعيفة (1/ 188 ـ 189).
(5)
في صحيحه رقم (637) وهو حديث ضعيف.
(6)
في (السنن) رقم (3554). وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
المستدرك، (1) وابن حبان (2) وصحَّحاه عن صفيةَ أمِّ المؤمنين أنَّ النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ دخل عليها وبين يديها أربعةُ آلاف نواةٍ تسبِّح بهنَّ فقال:«يا بنتَ حُييِّ ما هذا؟» قالت: أسبِّح بهنَّ. قال: «قد سبحت منذ قمت على رأسكِ أكثر من هذا» قالت: علِّمني يا رسول الله، قال:«قولي: سبحان الله عددَ ما خلقَ من شيء» ففيه أنَّ هذه الكلمةَ منه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ عدلتْ أكثر من تلك النوى بل عددَ المخلوقاتِ التي تلك النوى من جملتها.
وأخرج البزار، والطبراني من حديث أبي الدرداء (3) أنَّه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ قال له:«ألا أعلِّمكَ شيئًا هو أفضلُ من ذكركَ لله الليلَ مع النهارِ؟ سبحان الله عدد ما خلقَ الله، وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد كلِّ شيء، وسبحان الله ملءَ كل شيء، وسبحان الله عددَ ما أحصى كتابُه، وسبحان الله ملءَ ما أحصى كتابه، والحمد لله ملءَ ما خلق، والحمد لله عدد كلِّ شيء والحمد لله ملء كل شيء، والحمد لله عدد ما أحصى كتابُه، والحمد لله ملءَ ما أحصى كتابُه» .
قال في مجمع الزوائد (4): وفيه ليثُ بن أبي سليم وهو ثقةٌ، وأبو إسرائيل الملائي حسنُ الحديث، وبقية رجالهما رجالُ الصحيح.
(1) في (المستدرك)(1/ 547).
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي
قلت: فيه هاشم بن سعيد ضعيف.
انظر: (الميزان)(4/ 289).
(2)
لم أجده.
وهو حديث ضعيف.
انظر: (الضعيفة)(1/ 189 ـ 190).
(3)
تقدم تخريجه. انظر الرسالة رقم (195).
(4)
(10/ 88).
فدلَّ هذا على وقوع جميع ما اشتمل عليه الحديث من الأعدادِ وغيرِها. ولهذا جعلَه أفضلَ من ذكر أبي الدرداء لله ـ سبحانه ـ الليلَ مع النهار. وظاهره تفضيلُ ذلك على ذكر أبي الدرداء في ليله ونهار مدَّة عمرِه إلى هذا الوقتِ الذي علَّمه رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ أن يقول هكذا.
ومعلوم ذلك، لأنَّ أبا الدرداء وأفعاله من جملةِ ما خلق الله فضلاً عن سائر ما اشتملَ عليه الحديثُ. والظاهر أنَّ المراد بالكتاب هنا اللوحُ المحفوظ الذي يقولُ فيه عز وجل {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (1)
وأخرج النسائي، (2) وابن حبان، (3) والطبراني (4) من حديث أبي أمامةَ أنَّه قال له النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:«ألا أخبرك بأكثر أو أفضل من ذكرك الليل مع النَّهارِ والنهارِ مع الليلِ؟ يقول: سبحان الله عددَ ما خلقَ، سبحان الله ملءَ ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملءَ ما في الأرض والسماء، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابُه، وسبحان الله عدد كلِّ شيء، وسبحان الله ملءَ كلِّ شيء، والحمد لله مثلَ ذلك» ، وزاد الطبراني (5)«وتحمدُ وتسبِّح مثلَ ذلك، وتكبِّرُ مثلَ ذلك» ولم يذكر أحمدُ التكبيرَ، وأخرجه من هذا الوجه ابنُ حبان في صحيحه، والحاكم وقال على شرط الشيخين، وفي إسناده ليثُ بن أبي سليم وهو ثقة وقال في مجمع .....................................
(1)[الأنعام: 38].
(2)
في (عمل اليوم والليلة) رقم (166).
(3)
في صحيحه رقم (830).
(4)
في (الكبير) رقم (7930).
(5)
في (الكبير)(8122). قال الهيثمي في (المجمع)(10/ 93) رواه الطبراني من طريقين. وإسناد أحدهما حسن.
الزوائد (1): رواه الطبراني من طريقين، وإسنادهما حسن.
وأخرجه الطبراني (2) من وجه ثالث، وفي إسناده محمد بن خالد الواسطي، (3) وقد تُكُلِّم فيه، ووثَّقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالفُ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
قال في مجمع الزوائد (4): ورجال أحمدَ رجال الصحيح [1ب]. والمراد بما وقع في هذه الأحاديث من قوله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «ملء كذا، زنة كذا مداد كذا» الدلالةُ على الكثرة التي لا تحيط بها العقولُ، لأنَّ الكلماتِ الواقعةَ بهذه الألفاظِ هي مجرد أغراض لا تُتَخيَّرُ بنفسها، ويمكن أن يكون المراد أنَّ هذه الكلماتِ لو تجسَّمت وتُخيِّرَتْ كانت ملءَ الأمور وزنتَها ومدادَها.
والمراد بالمدادِ المدُّ وهو: ما يكثُر به الشيء ويزيد. ومن هذا ما ورد في حديث ابن عباس عند مسلم (5) والنسائي (6): أنَّه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: «اللهم ربَّنا لك الحمد ملءَ السماوات، وملءَ الأرض، وملءَ ما شئت من شيء بعدُ» الحديث.
وأخرجه أيضًا مسلم، (7) وأبو داود، (8) والنسائي (9) من حديث أبي سعيد الخدري.
(1)(10/ 93).
(2)
كما في (مجمع الزوائد)(10/ 93).
(3)
قال يحيى: كان رجل سوء، وقال مرة: لا شيء، قال أبو زرعة: ضعيف.
انظر: (ميزان الاعتدال)(3/ 533 رقم 7467).
(4)
بل قال الهيثمي في (المجمع)(10/ 93): رواه الطبراني وفيه محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي وقد نسب إلى الكذب ووثقه ابن حبان وقال يخطئ ويخالف، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(5)
في صحيحه رقم (206/ 478).
(6)
في (السنن)(2/ 198).
(7)
في صحيحه رقم (205/ 477).
(8)
في (السنن) رقم (847).
(9)
في (السنن)(2/ 198 رقم 1068). وهو حديث صحيح.
وقد يكون المراد بهذه المقاديرِ المذكورة في هذه الأحاديث هو أجرُ هذه الكلمات، وأنه يحصل لمن تكلَّم بها من الأجر زنةَ عرشِ الله ـ سبحانه ـ، ومداد كلماتِه، وملء السماوات، وملءَ الأرض، وملء ما شاء الله عز وجل.
ومن ذلك أيضًا ما أخرجه مسلم (1) والترمذي، (2) والنسائي (3) من حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض» فإنَّه يجري في هذا الحديث ما ذكرناه من تلك الوجوه، ويؤيد الوجهَ الثالثَ ما ورد من أنَّ {(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)} .
تعدِلُ ثلثَ القرآن (4) وسورةَ إذا زلزلت تعدلُ نصفَ القرآن، (5) وسورة الكافرين تعدل ربعَ القرآنِ، (6) وسورة إذا جاء نصر الله تعدل ربعَ القرآن. (7)
(1) في صحيحه رقم (223).
(2)
في (السنن) رقم (3517).
(3)
في (عمل اليوم والليلة) رقم (168).
(4)
أخرج البخاري رقم (5013)، ومالك في (الموطأ)(1/ 208)، وأبو داود رقم (1461)، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) رقم (698). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنَّ رجلاً سمع رجلاً يقرأ:{(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)} يردِّدها فلمَّا أصبح جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكان الرّجل يتقالُّها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» .
(5)
أخرج الترمذي في (السنن)(3333)، والحاكم (1/ 566) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «{إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدل نصف القرآن، و {(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)} تعدل ثلث القرآن، و {(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)} تعدل ربع القرآن» .
وهو حديث صحيح.
(6)
انظر التعليقة السابقة.
(7)
أخرج الترمذي في (السنن) رقم (2895) وهو حديث ضعيف.
من حديث أنس وفيه: «قال: أليس معك {(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)}؟» قال: بلى، قال:«تعدل ربع القرآن» .
فإنَّ المراد بالعدلِ هنا الثوابُ، وحصول الأجرِ، وليس المراد المعادلةَ للمقدارِ الذاتي.
ومما يفيد أن هذه الكلماتِ تتجسَّم، وتأتي كذلك ما ثبت عند مسلم (1) من حديث أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ يقول: «اقرءوا الزَّهراوَيْنِ البقرةَ وآل عمران، فإنهما يأتيان يومَ القيامةِ كأنَّهما غمامتانِ أو كأنَّهما غيايتان، أو كأنهما فرقانِ من طيرٍ صوافَّ تحاجَّانِ عن صاحبهما» . وهذا وجه رابعٌ، وهو الظاهر لكونه غيرَ محتاج إلى تأويلٍ كما تقدم في الوجوه السابقةِ. ومنه ما ثبت في الصحيحين (2) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان» الحديث.
البحث الثاني: اعلم أنَّه ليس للإنسان في العدد الذي ورد عن الشارع تقديرُه بمقدار معيَّن كأنْ يقول الشارع: من قال: كذا مائةَ مرَّة فله من الأجر كذا فيقول: الذاكر مثلاً: أستغفر الله عز وجل [2أ]ـ مائةَ مرَّة، ويكتفي بهذا اللفظ، بل لا بد أنْ يفعلَ ذلك العددَ، ولا يحصلَ له الأجرُ إلَاّ به كما ثبت عند مسلم، (3) وأبي داود (4) قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «من قال حين يصبح ويمسي: سبحان الله وبحمده مائةَ مرة لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضلِ مما جاء به إلَاّ أحدٌ قال مثلَ ذلك أو زاد عليه» .
وفي صحيح ............................................
(1) في صحيحه رقم (804).
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6406)، ومسلم رقم (2694).
(3)
في صحيحه رقم (2691).
(4)
في (السنن) رقم (5019)
قلت: وأخرجه النسائي في (عمل اليوم والليلة) رقم (568)، والترمذي رقم (3469).
مسلم (1) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «من قال: سبحان الله وبحمده مائةَ مرة حُطَّتْ عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبَدِ البحرِ» .
وفي صحيح مسلم (2) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «أيعجزُ أحدُكم أن يكسبَ كلَّ يوم ألف حسنةٍ؟ يسبِّح مائةَ تسبيحةٍ فيكتب له ألفُ حسنةٍ، أو يُحَطُّ عنه ألفُ خطيئةٍ» وعند الترمذي (3) والنسائي، (4) وابن حبان (5):«وتحطُّ» بدونِ ألفِ التخييرِ.
وفي الصحيحين (6) من حديث علىٍّ أنَّ فاطمة أتت النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ تسأله خادمًا فقال: «ألا أخبرك بما هو خير لك منه؟ تسبِّحينَ الله عند منامكِ ثلاثًا وثلاثين، وتحمدينَ الله ثلاثًا وثلاثين، وتكبرين الله أربعًا وثلاثين» .
وأخرج مسلم، (7) والترمذي، (8) والنسائي (9) من حديث كعب بن عجرة قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «معقباتٌ لا يخيبُ قائلُهنَّ أو فاعلُهن دُبُرَ
(1) في صحيحه رقم (2691). قلت: وأخرجه البخاري رقم (6405)، ومالك (1/ 209)، والترمذي رقم (3466)، وابن ماجه رقم (3812)، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) رقم (826).
(2)
رقم (2698).
(3)
في سننه رقم (3459).
(4)
في (عمل اليوم والليلة)(152).
(5)
في صحيحه رقم (825) وهو حديث صحيح.
(6)
أخرجه البخاري رقم (3705، 5362)، ومسلم رقم (2727) و (2728). قلت: وأخرجه أحمد (1/ 106)، وأبو داود (5063)، والترمذي (3408).
(7)
في صحيحه رقم (596).
(8)
في (السنن) رقم (3412).
(9)
في (عمل اليوم والليلة) رقم (155، 156)، وفي (السنن)(3/ 75).
كلَّ صلاة مكتوبةٍ: ثلاثٌ وثلاثون تسبيحةً، وثلاث وثلاثونَ تحميدةً، وأربع وثلاثون تكبيرةً».
وفي الصحيحين (1) وغيرهما (2) من حديث أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ وقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجاتِ العُلا والنعيم المقيم، يصلُّون كما نصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضلُ أموالهم، يحجُّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدَّقون فقال:«ألا أخبركم بشيء بما إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدركُّم أحدق بعدكم، وكنتم خيرَ من أنتم بظهرانيهِ إلَاّ من عمل مثلَه؟ يسبحونَ ويحمدونَ ويكبرونَ خلف كلَّ صلاة ثلاثًا وثلاثين» الحديث وورد في الصحيح من كل واحدة منهنَّ عشرًا، وورد أيضًا في الصحيح من كل واحدة منهن إحدى عشْرَةَ.
وفي الصحيحين (3) وغيرهما (4) من حديث أبي أيوبَ أنَّ النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ قال: «من قال لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. من قالها عشر مراتٍ كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل» ونحوُ هذه الأعداد المنصوصِ عليها من الشارع فلا يتمُّ ما يترتب عليها من الأجرِ إلَاّ بتكريرها حتى يبلغَ العددَ المنصوص عليه.
البحث الثالث: اعلم أنَّ مقادير ثواب الأقوال والأفعال التي هي غالب الأعمال ليس للعقل فيها مجال، ولا للرأي فيها مدخل بحال من الأحوال، بل ذلك راجع إلى الشرع.
ولا خلاف في هذا بين جميع المتشرعين من المسلمين، وإذا كان الأمر هكذا فمالنا ولهذا السؤال الذي أورده السائل حسبما حكيناه في عنوان هذا البحث! فواجب علينا أن
(1) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (6329)، ومسلم رقم (595).
(2)
كأبي داود رقم (1504)، والترمذي رقم (410).
(3)
أخرجه البخاري رقم (6404)، ومسلم رقم (30/ 2693).
(4)
كالترمذي رقم (3584).
نقولَ: سمعْنا وأطعْنا، وليس لنا في ذلك حَلٌّ ولا عقدٌ، ولا قيل ولا قالَ، وهذا الشارعُ الذي بيَّن لأُمَّته ما شرعَهُ الله في كتابه الكريم، وعلى لسانه الطاهرة قال: تلك المقالةَ التي ذكرناها في البحث الأول، ورواها [2ب] من رواها من صحبه الذين هم خيرُ القرون مسألةً أوضحناها، ثم تلقاه من بعدهم قرنًا بعد قرن، يرويها الآخر عن الأول، والخلف عن السلف. وهل بعد قوله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لجويرية:«لقد قلتُ بعدَك ثلاثَ مرات أربعَ كلماتٍ لو وزنتْ بما قلتِ منذ اليومِ لوزنتهنّ» .
فهذا تصريح منه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ فإنَّ هذه الكلماتِ التي قالها ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ تعدُل ما قالتْه جويرية من بعد صلاة الصبح إلى الضحى (1) وقال للمرأة التي بين يديها نوى أو حصَى تسبَّح بهنَّ: «ألا أخبركِ بأيسرَ عليك من هذا أو أفضلَ» وقال في الرواية الأخرى لصفيةَ أمِّ المؤمنين: «لقد سبَّحتُ منذ قمت على رأسك أكْثَرَ من هذا» (2) وقال لأبي أمامةَ: «ألا أخبرك بأكثرَ أو أفضلَ من ذكرك الليل مع النهار، والنهار مع الليل» (3) حسبما قدمنا في البحث الأول.
فهل بقي بعد هذا إشكال، أو محلُّ سؤال وهل يحتاج إلى زيادة عليها في حل إشكال الإشكال والخلالِ ما زعمه من انعقاد ما أورده من السؤال، وانكشافِ وجهِ ما ظنَّ أنه محجوبٌ عن أبصار أهل الكمال.
وإذا أراد الزيادة على هذا المقدارِ فلينظرْ ما ذكرناه في البحث الثاني من ثواب الكلمة أو الكلمات التي يتحرَّك بها لسان الذاكرِ من غير تعبٍ، ولا مشقةٍ، ولا قطعِ وقتٍ يعتد به. وقد عدَلَتْ ما عدلت الأعمال الكثيرة، وتأمل ثواب من قال: «لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير عَشْرَ مرَّاتٍ فكأنما
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
أعتق أربعةً من ولد إسماعيل» (1) فإنَّ تحصيل أربعَ رقاب بالثمن لا سيَّما وهم ممن له شرف في الأصل يحتاجُ إلى القيمة الكثيرة، ثم إلى البحث عنهم حتى يحصلُوا لديه، ثم نقلهم من ملك من كانوا معه إلى ملكه مع كثره الحركة باللسان وبغيره من الجوارحِ، وقد يكون مجر المساومة للبائع في واحد منهم يحتاج أن يتكلَّم بلسانه كلامًا أكْثَرَ من الذكر بذلك الذكر عَشْرَ مرَّات مع ما لاقاه في تحصيل القيمة المدفوعة، وإن كان حصولُهم له من السببي فالأمر أشدُّ وأعظم، لأنَّ من دالة القتالِ والمخاطرةِ بالنفس هي أشدُّ من كل عمل، ومن ظنَّ ممن يلاقي الحروبَ بأن لا يصابَ فقد ظنَّ عجْزًا.
ومما ذكرناه تعلم أنه لا وجه لقول العامَّة من الناس أنَّ الثوابَ على قدر المشقةِ، انظر إلى ما أخرجه أحمدُ، (2) ومالك في الموطأ، (3) والترمذي، (4) والحاكم في المستدرك، (5) والطبراني في الكبير، (6) والبيهقي في الشعب، (7) وابن شاهين في الترغيب (8) في الذكر كلُّهم من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليكِكُم، وأرفِعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهب والفضةِ، وخير لكم من أن تلقوا [3أ] عدوَّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قال: بلى. قال: «ذكر الله عز وجل» .
(1) تقدم تخريجه.
(2)
في (المسند)(6/ 446).
(3)
(1/ 211).
(4)
في (السنن)(3377).
(5)
(1/ 496).
(6)
لم أجده في (الكبير) بل في الدعاء رقم (1872).
(7)
رقم (519).
(8)
(2/ 390). وهو حديث صحيح والله أعلم.
وقد صححه الحاكم وغيره، وأخرجه أحمد (1) أيضًا من حديث معاذ. قال المنذري (2) بإسناد حسن. وقال (3) في حديث أبي الدرداء أنَّ أحمد أخرجه بإسناد حسن. وقال الهيثمي (4): في حديث أبي الدرداء: إسناده حسن. وقال: في حديث معاذ رجاله رجالُ الصحيح. فتأمَّل ما اشتمل عليه الحديث من ارتفاع فضيلةِ الذكر حتى جعلًه خير الأعمالِ وأزكاها وأرفعَها، فجمعَ بين هذه العباراتِ الثلاثِ، (5) ولم يقتصر على واحدة منها، وهذا يفيد التأكيد المتبالغَ إلى حد يقصُر عنه الوصفُ، وتعجزُ الأذهانُ عن تصوُّره.
ثم ذكر بعد هذا التأكيد العظيم، والمبالغةِ البليغةِ أنَّ الذِّكر خيرٌ من إنفاقِ ما هو أحبُّ إلى القلوب من جميع عروض المال فقال:«وخير لكم من إنفاقِ الذهبِ والفضة» لأنَّ هذين الجنسين هما أثمانُ جميعِ الأموالِ، وأكثرِها نفعًا لبني آدم، والنفوس بها أشحُّ، وعليهما أحرص، يعلم هذا كلُّ عاقل. ثم جاوز هذا إلى ما النفوس به أشحُّ، وإليه أرغب، وعليه أحرصُ، وهي نفوس بني آدمَ فقال:«وخير لكم من أن تَلْقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقكم» ، ولم يكن التفضيلُ على مجرد بذْل النفوس مطلقًا، بل قيده بما يفيد أنه القتلُ في الجهادِ حيث جعلَ القتال مع من هو عدوٌّ لا يقبل الإسلامَ، فيكون المعنى أنَّ ذكر الله أحبُّ وأزكى وأرفعُ من جميع الأموال التي اقتصر على ذكرِ أعلاها وأكملِها وأحبِّها إلى النفوس، وأرفعها عند الله، فكان دخول غيرِ الذهبِ
(1) في (المسند)(5/ 239) بسند ضعيف.
(2)
في (الترغيب والترهيب)(2/ 368). قلت: بل قال المنذري: بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعًا.
(3)
أي المنذري في (الترغيب والترهيب)(2/ 368).
(4)
في (مجمع الزوائد). (10/ 73).
(5)
قال العز بن عبد السلام في (قواعده): هذا الحديث مما يدل على أن الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها، فإذًا الثواب يترتب علي تفاوت الرتب في الشرف.
انظر: (مرقاة المفاتيح)(5/ 54).
والفضة بفحوى الخطاب، ومن جميع الأفعال التي أعلاها وأفضَلها وأشدُّها الجهادُ مع من يحقٌّ الجهادُ له، وذلك يفوقُ جميعَ الأعمال كائنةً ما كانت، وبذلها في الحق والجود بها لا يساويه عملٌ.
يجودُ بالنفس إنْ ضنَّ الجبان بها
…
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
فما عدا القتال من الأعمال داخلٌ بفحوى الخطاب. فانظر إلى هذا الأمر العظيم، فإنَّ ذكر الله ـ سبحانه ـ هو مجرَّد حركة لسانِه ليس فيها من التعب والنَّصبِ ما يساوي اشتغالَ المجاهدِ بإلجام فرسِه، أو وضع السُّّرجِ عليها فضلاً عما وراء ذلك، فسبحانه المتفضِّل على عباده بما تقصُر عقولهم عن إدراك كُنْهِهِ، وأفهامُهم عن تصور حقيقتهِ، بل عن تصور رسْمِهِ! ومما يقوي هذا الحديث ما أخرجه أحمد (1) والطبراني (2) من حديث معاذ عن رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: أنَّ رجلاً سأله: أيُّ المجاهدين أعظمُ أجرًا؟ قال: «أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرًا» ثم ذكر الصلاة، والزكاةَ، والحجَّ والصدقةَ كل ذلك ورسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ يقول:«أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرًا [3ب]» . فقال ابو بكر لعمر رضي الله عنهما: يا أبا حفص ذهب الذاكرونَ بكل خير، فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:«أجل» .
ويؤيده أيضًا ما أخرجه الترمذي (3): أنَّ رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ سُئل: أيُّ العباد أفضلُ درجةً عند الله يوم القيامة؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا» . قال: قلتُ: ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: «لو ضرب بسيفِهِ في الكفارِ والمشركينَ حتى ينكسِرَ ويختضبَ دمًا لكان الذاكرون الله تعالى أفضلَ منه درجةً» قال ...................................
(1) في (المسند)(3/ 438) بإسناد ضعيف.
(2)
في (الكبير)(20/ 407).
وأورده الهيثمي في (المجمع)(10/ 74) وقال: رواه أحمد والطبراني وفيه زايد بن فائد، وهو ضعيف، وقد وثق، وكذلك ابن لهيعة، وبقية رجال أحمد ثقات.
(3)
أخرجه في (السنن) رقم (3376).
الترمذي (1) بعد إخراجه: حديثٌ غريب، وما أخرجه ابن أبي الدنيا (2) والبيهقيُّ (3) من حديث ابن عمر مرفوعًا وفيه:«ولا شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله عز وجل» ما أخرجه أحمد، (4) والطبراني في الكبير (5) والأوسط (6)، وابن أبي شيبة في مصنَّفه (7) من حديث معاذ أنَّ رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ قال:«ما عمل ابنُ آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله» قالوا: ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلَاّ أن يضرب بسيفه حتى ينقطَع، إلَاّ أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، إلَاّ أن يَضْرِبُ بسَيفِهِ حتى يَنقَطِعَ» .
قال المنذري في الترغيب والترهيب (8): بعد أنْ عزاه إلى الطبراني في الصغير (1/ 77). (9) رقم (2296). (10) في (المجمع)(10/ 74). (11) في (الصغير)(1/ 77) وفي (الأوسط)(2296).
(1) في (السنن)(5/ 458) هذا حديث غريب.
قلت: وهو حديث ضعيف.
(2)
عزاه إليه المنذري في (الترغيب والترهيب)(2/ 368 رقم 2205) وقال: من رواية سعيد بن سنان.
(3)
في (الشعب) رقم (522).
(4)
في (المسند)(5/ 239).
(5)
(ج20) رقم (181) و (208) و (212) و (213) بنحوه.
(6)
كما في (المجمع)(10/ 74).
(7)
في (المصنف)(10/ 300) و (13/ 455).
(8)
(2/ 369 رقم 2208).
(9)
والأوسط
(10)
ورجالهم رجال الصحيح، وجعلَهما عنده من حديث جابر بهذا اللفظ. وقال الهيثمي
(11)
في حديث معاذ: رجاله رجال الصحيح. قال: وقد رواه الطبراني
عن جابر بسند رجاله رجال الصحيح.
وأخرج الطبراني في الكبير (1) من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «لو أنَّ رجلاً ي حجرِه دراهمُ يقسِمُها، وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضلَ» . وأخرجه من حديثه الطبراني في الأوسط، (2) وابن شاهين في الترغيب في الذكر، وفي إسناده جابر أو الوزاع (3) قال النسائي: منكر الحديث انتهى.
قلت: أخرج له مسلم فلا وجْهَ لإعلال الحديثِ به، وقد حسَّنَ إسنادَهُ المنذريُّ في الترغيب والترهيب. (4) قال البيهقي: رجاله وُثِّقوا. انتهى.
وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (5)، وعنه البيهقي وأحمد في زوائد الزهد (6) من حديث أبي برزةَ الأسلمي.
وأخرج الطبراني في الأوسط (7) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «ما صدقةً أفضل من ذكر الله تعالى» هكذا في الجامع الصغير (8) للسيوطي، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (9) معزوًّا إلى الطبراني من حديث أبي موسى، وحسَّنه. قال الهيثمي (10): في حديث ابن عباس: إنَّ رجاله موثَّقون. وهذه
(1) كما في (مجمع الزوائد)(4/ 75).
(2)
رقم (5959).
(3)
ذكره الذهبي في (الميزان)(1/ 378 رقم 1418): وقال: وثقه ابن معين. وقال النسائي: منكر الحديث.
(4)
(2/ 374).
(5)
في (المصنف)(10/ 307 رقم 9521) و (13/ 456 رقم 16901).
(6)
بل عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد. كما في (الدر المنثور)(1/ 151) ط: دار المعرفة.
(7)
رقم (7414).
(8)
رقم (7925) وهو حديث ضعيف.
(9)
(2/ 374).
(10)
في (المجمع)(10/ 74).
النكرة وقعت في سياق النفي فتشملُ الصدقةَ القليلةَ والكثيرةَ من أي نوع كانت، ومن الأدلة الدالة على أنَّ العمل القليلَ قد يكون أفضلَ من العلم الكثير ما أخرجه البخاري (1) ومسلم (2) وغيرُهما (3) من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلثَ القرآن في ليلة» فشقَّ ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يطيقُ ذلك يا رسول الله! قال: «الله الواحدُ الصمدُ ثلثُ القرآن» وأخرجه [4أ] مسلم (4) من حديث أبي هريرة، وأخرجه أحمد في المسند، (5) والنسائي، (6) والضياء المقدسي في المختارة (7) من حديث أبيِّ بن كعب، أو من حديث رجل من الأنصار عنه ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ:«من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلثَ القرآنِ» قال الهيثمي (8): ورجاله رجال الصحيح.
وفي الباب أحاديثُ كثيرةٌ استوفيناها في شرحنا لعدة الحصنِ الحصينِ، (9) فانظر ـ أصلحك الله ـ كم قابلتْ هذه السورةُ! فإنَّ تلاوة ثلثِ القرآن تستغرقُ تلاوتُه شطرَ اليومِ إن لم تستغرقه كلَّه. وهذه السورة يتلوها التالي عند أن ينهضَ للقيام فلا يستوي قائمًا إلا وقد فرغَ منها.
ومن هذا القبيل حديثُ ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله
(1) في صحيحه رقم (5019) وقد تقدم.
(2)
لم يخرجه مسلم.
(3)
كمالك (1/ 208)، وأبو داود رقم (1461).
(4)
في صحيحه رقم (812).
(5)
في (السنن)(5/ 141).
(6)
في (عمل اليوم والليلة) رقم (685).
(7)
رقم (1239، 1240).
وهو حديث صحيح لغيره.
(8)
لم أعثر عليه.
(9)
وهو (تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم) بتحقيقنا.
وسلم ـ: «إذا زلزلتِ الأرضُ تعدلُ نصفَ القرآن» أخرجه الترمذي (1) والحاكم (2) وقال: صحيح الإسناد، وفي إسناده يمانُ بن المغيرة، (3)، وفيه ضعف. ومن هذا القبيل من حديث أنس قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «{(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)} تعدلُ رُبُعَ القرآن» . أخرجه الترمذي (4) وحسَّنه، وفي إسناده سلمةُ بن وِرْدَانَ، (5) وفيه مقال. وأخرجه أيضًا الترمذي (6) والحاكم (7) وقال: صحيح الإسناد، وفيه يمان بن المغيرة، وفيه المقال المتقدم.
ومن ذلك حديث ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «{(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} تعدل ربع القرآن» أخرجه الترمذي (8) وحسَّنه، وفي إسناده سلمة بن وردان، وفيه مقال كما تقدم.
من أول ص5931 إلي آخر ص6122
(1) في (السنن) رقم (2894) وقال: هذا حديث غريب لا نعرف إلا من حديث يمان بن مغيرة.
(2)
في (المستدرك)(1/ 566).
(3)
قال البخاري: منكر الحديث: قال النسائي: ليس بثقة.
(ميزان الاعتدال)(4/ 460 ـ 461 ـ رقم 9851).
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «{إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدل نصف القرآن و {(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)} تعدل ثلث القرآن و {(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)} تعدل ربع القرآن» .
وهو حديث صحيح دون: فضل إذا زلزلت.
(4)
في (السنن) رقم (2895) قال: هذا حديث حسن.
(5)
قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: منكر الحديث.
انظر: (ميزان الاعتدال)(2/ 193 رقم 3414).
وهو حديث ضعيف والله أعلم.
(6)
في (السنن)(2894) وقد تقدم.
(7)
في (المستدرك)(1/ 566) وقد تقدم.
(8)
في (السنن) رقم (2895) وقال: هذا حديث حسن.
من حديث أنس. وهو حديث ضعيف.
البحث الرابع: اعلم أيها السائل ـ أرشدك الله ـ أنا قد أوضحنا لك الجواب، وعددنا الطرق الرافعة للإشكال، بحيث إن طريقة واحدة منها تشرح صدرك، وتميط إشكالك، وترفع إعضالك، لأن الأمر الذي سألت عنه وتحيرت قد قاله وفعله الصادق المصدوق ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ.
والعباد مأمورون بقبول ما جاء به، والتسليم له، والإذعان لما دل عليه، فكيف لا ينثلج لذلك خاطرك، وينشرح له قلبك، وأنت واحد من عباد الله عز وجل المخاطبين بقوله سبحانه:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)
وقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2) الآية.
وما دار في خلدك من استبعاد قيام العمل القليل مقام العمل الكثير فهذا وإن كان مجرد وسوسة شيطانية، وتشكيكات نفسية فقد أخبرناك في البحث الثالث المصدر قبل هذا البحث بما ورد في الشريعة المطهرة من الأعمال التي قام القليل اليسير منها مقام الكثير الخطير من جنسها، فهل بقي بعد هذا إشكال لذي عقل صحيح وفهم رجيح!.
فإن قلت: قد زال عن صدرك الحرج، واتضح لك الأمر، ولم يبقى لديك شيء من هذا الوسواس الذي زينه لك الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، فها أنا أزيدك بيانًا، وأورد لك [4ب] بعد هذه البراهين برهانًا يجتث الإشكال من أصله ويقطع الإعضال من عرقه، وهو ما أخرجه البخاري (3) ومسلم (4) وغيرهما (5) من حديث أبي هريرة قال: جاء الفقراء إلى رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقالوا: ذهب أهل
(1)[الحشر:7]
(2)
[آل عمران:31]
(3)
) في صحيحه رقم (6329).
(4)
في صحيحه رقم (595)
(5)
كأبي داود رقم (3412) وقد تقدم.
الدثور من الأموال بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموالهم يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، فقال:"ألا أحدثكم بشيء بما إذا أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدركم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين" واختلفنا بيننا فقال بعضنا: يسبح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويكبر أربعًا وثلاثين، فرجعت إليه فقال:"يقول سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر حتى يكون فيهن كلهن ثلاثًا وثلاثين" وفي رواية لمسلم من هذا الحديث: "يسبحون، ويحمدون، ويكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، إحدى عشرة، وإحدى عشر، وإحدى عشرة؛ فذلك كلُّه ثلاثًٌ وثلاثون". وفي رواية للبخاري (1) من هذا الحديث "يسبحون في دبر كل صلاة عشرًا، ويحمدون عشرًا، ويكبرون عشرًا".
وزاد مسلم (2) فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ:"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". فعند هذا النص النبوي الثابت في الصحيح طاحت الوساوس، وذهبت الشكوك وارتفع الإشكال، ولم يبق لسؤال سائل مجال، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأخرج البخاري (3) وغيره (4) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر
(1) في صحيحه رقم (6329)
(2)
في صحيحه رقم (142/ 595)
(3)
في صحيحه رقم (577) وأطرافه (2269، 2268، 7533، 7467 ، 5021، 3459)
(4)
كأحمد (2/ 6) والترمذي في "السنن"(2871)
إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراةَ يعملوا بها حتى انتصف النهار، فعجزوا فأعطوا قيراطً قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيلَ، فعملوا به إلى صلاة العصر فأعطوا قيراطًا قيراطا، ثم أوتينا القرآن، فعملنا به إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أي ربي لأعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا قيراطا، ونحن أكثر عمل منهم. قال الله عز وجل: هل ظلمتكم من أجركم شيئًا! قالوا: لا. قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء".
وأوضح من هذه الرواية رواية أخرى للبخاري (1) وغيره (2) من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: "مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملاً إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا له إلى نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملناه باطلٌ فقال لهم لا تفعلوا، لأكملوا بقية يومكم، ثم ذكر عمل النصارى كذلك [5أ] إلى العصر، فاستأجر قومًا يعملون بقية يومهم فعملوا فاستكملوا أجر الفريقين كليهما، فذلك مثلهم ومثل ما قبلُوا من هذا النور".
فقوله: "فهو فضلي أوتيه من أشاء"، نص بأن مرجع التفضيل بالأجور إلى الرب عز وجل، فليس لأحد أن يقول: لم كان كذا، أو كيف كان كذا؟ وبعد هذا كله فانظر إلى ما صرح به القرآن الكريم من قوله عز وجل:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (3) فانظر إلى ما تفيده هذه الأكبريةُ المذكورة بعد الصلاة التي هى أشرف أركان الدين،
(1) في صحيحه رقم (2268)
(2)
كالبيهقي (6/ 118) والبغوي في "شرح السنة" رقم (4017)
(3)
[العنكبوت:45].
انظر: "الجامع لأحكام القرآن"(13/ 349).
مع كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإنها تفيد أن الذكر أكبر من هذه الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر.
ثم انظر حذف التعلق ما يفيده من الفوائد الجليلةِ، فإنه إذا قدَّر كان عامًَّا فيكون الذكر أكبرَ من كل شيء من الطاعات، وأكبر العبادات، وما عداها من الطاعات دونها، فتكون جميعها داخلة تحت ما يدل عليه قوله ـ سبحانه ـ:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} بفحوى من الخطاب.
وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية، كتبه مؤلفه محمد بن علي الشوكاني ـ غفر الله لهما [5ب]ـ.