الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متفق على صحته،
ــ
صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا منه بريء" هو للذي أشرك، وحمل الغزالي الإشراك فيه على المساواة محله في إشراك دنيوي لا رياء فيه على أن هذا لا يمنع مطلقاً كما يأتي ومحل قول العز بن عبد السلام متى اجتمع باعث الدنيا والآخرة فلا ثواب مطلقاً وإن طرأ الرياء في عمل عقده لله خالصاً فإن دفعه حالاً لم يضر اجماعاً وإلا فرجح أحمد وجماعة من السلف إثابته عملاً بنيته الأولى ومحله إن كان العمل مرتبطاً آخره بأوله كالصلاة وإلا كالقراءة فلا ثواب بعد الرياء أما إذا صاحبه غير محرم كأن حج بقصد الحج والتجارة فنقل عن ابن عبد السلام منع الثواب مطلقاً وعن الغزالي اعتبار الباعث فإن غلب باعث الدنيا أو تساويا فلا ثواب وقول الشافعي وأصحابه من حج بنية التجارة كان ثوابه دون ثواب المتخلى عنها يقتضي ثوابه على القصد المديني وإن قل ويؤيده عموم قوله {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وكلام الإحياء في مواضع وكذا كلام غيره يتبين منه صحة ذلك اهـ. قوله: (متفق على صحته) قال القلقشندي في شرح عمدة الأحكام أخرج هذا الحديث أحمد في مسنده والبخاري في سبعة مواضع من صحيحه ومسلم في كتاب الجهاد من سبعة أحرف وأبو داود في الطلاق والترمذي وأبو عوانة في الجهاد والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود في الطهارة وابن ماجة في الزهد وابن حبان في صحيحه والطحاوي في الصيام من شرح معاني الآثار والبيهقي في سننه كلهم من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب ووهم ابن دحية في زعمه أن مالكاً أخرجه في الموطأ اهـ.
فائدة
قال المصنف في الإرشاد إذا قالوا في حديث متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفق البخاري ومسلم على روايته لا يعنون اتفاق الأمة قال الشيخ يعني ابن الصلاح لكن اتفاق الأمة
مجمع على عِظَم موقعه وجلالته، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام؛
ــ
حاصل من ذلك لأنها اتفقت على ما روياه أو أحدهما بالقبول سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض الحفاظ اهـ، "قلت" وقد أجاب عنها آخرون وفي شرح المشكاة لابن حجر الهيتمي وهذا الحديث مجمع على صحته وما أشار إليه ابنا ماكولا وجرير مما يقتضي القدح فيه لا يلتفت إليه بل قيل أنه متواتر لكن ليس على إطلاقه كما علم مما تقدم أنه غريب باعتبار أوله متواتر باعتبار آخره وشرط التواتر وجود من يستحيل تواطؤهم على الكذب في كل طبقة إلى أن ينتهي إلى محسوس وذلك مفقود هنا كما سبق.
فائدة
روي الحديث عن عمر تسعة غير علقمة وعن علقمة اثنان غير التيمي وعن التيمي أربعة غير يحيى ولم يصح من طرقه غير ما سبق وقد أطال الكلام البلقيني فيما يتعلق بتفرد علقمة به عن عمر وتفرد محمد بن إبراهيم به عن علقمة ويحيى بن سعيد عن محمد فراجعه فهو نفيس. قوله: (مجمع على عظم موقعه وجلالته) قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين وعلى أنه أصل عظيم من أصول الدين ومن ثم خطب به صلى الله عليه وسلم كما في رواية البخاري ثم عمر قال أبو عبيد ليس في الأحاديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه قال أبو داود أنه نصف العلم وقال إمامنا الشافعي إن هذا الحديث يدخل فيه نصف العلم أي لأنه متعلق بعمل القلب المقابل بعمل الجوارح بل ذاك أجل وأفضل بل هي الأصل فكانت نصفاً بل أعظم النصفين قال في شرح المشكاة فهو على حد حديث إن الفرائض نصف العلم لتعلقها بالموت المقابل للحياة وقال كثير منهم الشافعي أنه ثلث الإسلام أو العلم ووجهه البيهقي بأن كسب العبد إما بقلبه كالنية أو بلسانه أو بقية جوارحه والأول أحد الثلاثة بل أرجحها لتبعيتها له صحة وفساداً ولأنه عبادة بانفرادها ومن ثم ورد في خبر ضعيف لا موضوع خلافاً لزاعمه وفي شرح المشكاة طرقه مضعفة لكن يتقوى بمجموعها "نية المؤمن خير من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عمله" وفي رواية أبلغ وفي أخرى زيادة وأن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته ما لا يعطيه على عمله أي لأن النية لا يطرقها الرياء بخلاف العمل ويدل لخيريتها أيضاً خبر آخر عند أبي يعلى "يقول الله تعالى للحفظة يوم القيامة اكتبوا لعبدي كذا وكذا من الأجر فيقولون ربنا لم نحفظ ذلك عنه ولا هو في صحفنا - الحديث" ولا يعارضه خبر من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له واحدة ومن عملها كتبت له عشراً الموهم إن العمل خير منها لأن كتابة العشر ليست على العمل وحده بل عليه معها، ومن خيرية النية على العمل اقتضاؤها تخليد المؤمن في الجنة إذ المؤمن ناوِ الإيمان دائماً فقوبل التأبيد بالتأبيد ولو نظر إلى العمل لكان الثواب بقدره ومثله الكافر في العقاب وقيل النية خير من العمل بلا نية لا معها لئلا يلزم خيرية الشيء مع غيره على نفسه وسبب خيريتها أنها عمل قلبي سالم من تطرق نحو الرياء مع إن تنوير القلب المقصود بالطاعات بالنية أكثر لأنها صفته وقيل الضمير في عمله لكافر معهود وهو السابق لبناء قنطرة عزم مسلم على بنائها وقيل ليس خير في ذلك الخبر أفعل تفضيل.
والصحيح أن نية السيئة لا عقاب عليها إلَاّ إذا انضم إليها عزم أو تصميم ونية الحسنة وإن كانت كذلك إلا أن ناوي الحسنة كذلك يثاب عليها وعلى نيتها بخلاف نية السيئة مع ذلك فإنه معاقب على نيتها لا عليها ومعنى ثوابه على الأولين أنه يكتب له حسنة عظيمة لكن باعتبارين لا التضعيف إلى عشر فأكثر فإنه خاص بمن فعل كما صرح به خبر ومن عملها كتبت له عشراً المخصوص بقوله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، والحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام واختلف فيها فجعلها أبو داود أربعة هذا، ومن حسن أسلام المرء تركه ما لا يعنيه، والحلال بين والحرام بين، وازهد في الدنيا يحبك الله وقد نظمها كذلك أبو الحسن طاهر بن المفوز فقال:
عمدة الناس عندنا كلمات
…
أربع قالهن خير البريه
اتق الشبهات وازهد ودع ما
…
ليس يعنيك واعملن بنيه
وكان السلف وتابعوهم من الخلف رحمهم الله يستحبُّون استفتاح المصنفاتِ بهذا الحديث، تنبيهاً للمطالع على حسن النية، واهتمامه
ــ
وقال أحمد أصول الإسلام ثلاثة أحاديث هذا والحلال بين إلخ ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد قال الشافعي أنه أي حديث الباب يدخل في سبعين باباً من الفقه ولم ير المبالغة خلافاً لمن توهمه لأن من تدبر مسائل الفقه في متفرق الكتب الفقهية وجدها كذلك بل تزيد. قوله: (وكان السلف إلخ) في النهاية السلف في اللغة من تقدم بالموت من آباء الإنسان وأقاربه ولذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح اهـ. وفيها: الخلف بالتحريك والسكون كل من يجيء بعد من مضى إلَاّ أنه بالتحريك في الخير والتسكين في الشر يقال خلف صدق وخلف سوء ومعناهما جميعاً القرن من الناس. قوله: (حسن النية) في نسخة صدق النية وفي أخرى صحة النية والمراد التنبيه على تصحيح النية وتصفية الطوية بالإخلاص في الأعمال لرب البرية قال القاضي البيضاوي في شرح المصابيح والأعمال لا تصح بلا نية لأن النية بلا عمل يثاب عليها والعمل بلا نية هباء ومثال النية في العمل كالروح في الجسد فلا بقاء للجسد بلا روح ولا ظهور للروح في هذا العالم من غير تعلق بجسد وفي ذلك أنشدنا الصدر السعيد كمال الإسلام عبد الله الخجندي رحمه الله لنفسه:
اغرس نوى البر بأرض التقى
…
به ثمار الخلد مجنيه
واخلص النية في سقيها
…
فإنما الأعمال بالنيه
اهـ.
وما أحسن قول التاج السبكي يمدح المصنف وفيه جناس تام لفظاً وخطاً.
لله درك يا نوى
…
ووقيت من شر النوى
فلقد نشا بك عالم
…
لله أخلص ما نوى
وعلى سواه فضله
…
فضل الحبوب على النوى
بذلك والاعتناء به.
روينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مَهْدي رحمه الله تعالى: من أراد أن يصنِّف كتاباً فليبدأ بهذا الحديث.
وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: كان المتقدِّمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث "الأعمال بالنية" أمام كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة
ــ
قوله: (بذلك) أي بحسن النية وعلى نسخة بصحة النية فالمشار إليه مؤنث وتذكير اسم الإشارة باعتبار ما ذكر.
قوله: (الإمام) بكسر الهمزة في الأصل كل مقتدى به في خير أو شر ثم غلب في المقتدى به في الخير ويجمع على أئمة كسنان واسنة. قوله: (ابن مهدي) بفتح الميم وإسكان الهاء وكسر الدال. قوله: (الخطابي) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وبالموحدة بعد الألف واسمه حمد بصيغة المصدر. قوله: (يستحبون إلخ) قال الفاكهاني في شرح عمدة الأحكام ومثل هذا الحديث في اعتبار النية قوله صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم قلت وفي رواية ولكن ينظر إلى نياتكم قال وكلاهما يشير إلى قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110] والمراد من ذلك أن تكون أفعال العبد وأقواله متمحضة لإرادة التقرب إلى الله تعالى أعاننا الله على ذلك. قوله: (من أمور الدين) الدين وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات دنيا وأخرى وترادفه الملة وقيل بل هي غيره فهي المنزلة من عند الله إلى أنبيائه والدين العمل بذلك والمعروف المشهور ترادفهما وكذا ترادف الإسلام والشريعة والشرع والناموس إذ هي متحدة بالحقيقة وإن اختلفت بالاعتبار إذ هو من حيث إنه يدان أي يخضع له يسمى ديناً ومن حيث إنه
إليه في جميع أنواعها.
وبلغنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنما يُحفَظُ الرجلُ على قدر نيته. وقال
غيره
ــ
يجتمع عليه وعلى أحكامه على من يكتبها يسمى ملة فهي من الإملاء وقيل من أمل بمعنى اجتمع ومن حيث إنه يرده الواردون المتعطشون إلى زلال نيل الكمال يسمى شريعة ومن حيث إنه أظهره الشارع شرع ومعنى شرع ظهر والشريعة الطريق الظاهر ومورد الماء قال ابن رمضان في شرح العقائد وغيره ومن حيث إنه يأتي به ملك يسمى ناموساً قال غيره ومن حيث إنه يرجع إليه يسمى مذهباً ومن حيث إنه يستسلم له يسمى إسلاماً فالألفاظ المذكورة متحدة ذاتاً مختلفة اعتباراً ثم كما يطلب البدء بالحديث في كل أمر ينشأ من أمور الدين لما ذكره المصنف فكذلك ينبغي البدء به في أمر الدنيا ليصير بالنية الحسنة طاعة أو يسلم عن صيرورته معصية وشناعة وكأن الاقتصار على الدين لكونه الأصل المتين. قوله: (إليه) أي الحديث. قوله: (جميع أنواعها) أي أنواع الأمور الدينية وفي نسخة أنواعه أي أنواع الدين.
قوله: (وبلغنا عن ابن عباس) هو حبر الأمة وبحر القرآن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما وهو المراد عند إطلاق لفظ ابن عباس وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي ابن الصحابي الهاشمي كنيته أبو العباس كني بابنه العباس وهو أكبر أولاده أمه لبابة بنت الحارث الهلالية دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة والتأويل والفقه في الدين وحنكه حين ولد وبنو هاشم
في الشعب محصورون وذلك عام الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن عشر وتوفي بالطائف سنة ثمان وستين قاله الواقدي وابن حنبل وغيرهما وقيل تسع وستين وقيل عام سبعين وقيل ثلاث وسبعين وضعفه حاكيه ابن الأثير بل قال إنه غريب ضعيف أو باطل وصلى عليه ابن الحنفية وقال اليوم مات رباني هذه الأمة قال
إنما يُعطى الناس على قدر نياتِهم. وروينا عن السيد الجليل أبي علي
ــ
ميمون بن مهران لما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض فوقع على أكفانه فدخل فيها فالتمس فلم يوجد فعرفوا أنه عمله، ولما سوى عليه التراب سمعنا من نسمع صوته ولا نرى شخصه يقول {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} [الفجر: 27] الآية. روي لابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف وستمائة وستون حديثاً اتفقا منها على خمسة وتسعين وانفرد البخاري بمائة ومسلم بتسعة وأربعين وهو أحد السبعة الذين روي لهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فوق ألف. وقد نظمهم من قال:
سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا
…
من الحديث عن المختار خير مضر
أبو هريرة سعد جابر أنس
…
صديقه وابن عباس كذا ابن عمر
وكان من أكثر الناس فتوى وكان جسر القرآن كما سبق وقد ذكرت جملة من فضائله في كتابي ورد القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من الفوائد. قوله: (إنما يعطى الناس إلخ) أي من نوى للمسلمين خيراً أعطيه وضده بضده الجزاء من جنس العمل وفي الخبر المرفوع كما تدين تدان وقال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] وقال تعالى: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] وفي الخبر المرفوع ليس للمؤمن من عمله إلَاّ ما نواه ولا عمل إلَاّ بنية وقال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} [الحج: 25]، ففي الحديث لو إن رجلاً بعدن أبين هم بمعصية بمكة لأصاب من ذلك العذاب أو كما قال وقريب من حديث الباب حديث إن من عبادي من لا يصلحه إلَاّ الغنى ولو أفقرته لفسد حاله وإن من عبادي من لا يصلحه إلَاّ الفقر ولو أغنيته لفسد حاله.
قوله: (عن السيد إلخ) فيه إطلاق السيد على غير الله تعالى وسيأتي جواز ذلك مطلقاً وعن النحاس كراهته إذا كان بأل وأصله سيود على وزن فيعل وقيل سويد على وزن فعيل الأول قول البصريين والثاني قول غيرهم كما ذكره الجوهري وأعل عليهما بالقاعدة الصرفية هي إن الواو
الفضيل بن عياض رحمه الله قال: ترك العمل لأجل الناس رياء،
ــ
والياء إذا اجتمعا وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياء وإدغام الياء في الياء وسيأتي بيان معناه وفي النهاية شيخ جليل أي مسن اهـ، والمراد هنا جلالة العلم والتقى وفي إتيانه بالوصفين المذكورين التنبيه على ما أشار إليه علماء الأثر من إن المحدث إذا ذكر من يروي عنه فينبغي إن يصفه بما يليق مما هو اهله من الأوصاف الجميلة كالصدق والأمانة والتنبيه أيضًا على سلوك الأدب مع العلماء الأعلام والتعظيم لهم إلى يوم القيامة فعاقبة ذلك الخير على الدوام والحذر من الإخلال بالأدب مع أحد من علماء الإسلام فإن ذلك سبب لحلول البلاء والانتقام. قال المصنف في شرح المهذب لحوم
العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب فليحذر الذين يخالفون عن أمره إن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم اهـ. قوله: (الفُضيل بن عياض) بضم فاء وفتح ضاد معجمة مصغر فضل والألف واللام كما في الفضل والحارث للمح الصفة وعياض بكسر العين المهملة بعدها ياء خفيفة وضاد معجمة بعد الألف قال الذهبي في الكاشف فضيل بن عياض التميمي الخراساني الزاهد ثقة رفيع الذكر جاوز الثمانين مات في المحرم سنة سبع وثمانين ومائة روى عنه ما عدا ابن ماجة من أصحاب السنين اهـ. قوله: (ترك العمل لأجل الناس رياء) قال الشعراني في كتاب الأخلاق معناه إن لا يحب العمل إلَاّ في محل يجده فيه الناس فإن لم يجده ترك العمل أو كسل عنه اهـ. لكن قضية ما سيأتي للمصنف في النهي عن ترك العمل مخافة تطرق الرياء إن معنى قوله ترك العمل لأجل الناس رياء هو أن يترك الإنسان العمل مخافة أن يرى ويقال هواية عمل للرياء فترك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العمل لذلك رياء بل ينبغي العمل والمجاهدة في الإخلاص والإعراض عن النظر إلى الناس وسئل السهروردي عمن يخشى العجب إن عمل والتعطيل إن لم يعمل هل الأولى ترك العمل لذلك أو يعمل وإن خاف ذلك فأجاب اعمل وإن خفت العجب مستغفراً منه إذا وقع فإن ترك العمل من مكايد الشيطان اهـ. وقرره الشيخ زكريا على وجه لطيف فقال ترك العمل لأجل الناس رياء من حيث يتوهم منهم أنهم ينسبونه إلى الرياء فيكره هذه النسبة ويحب دوام نظرهم له بالإخلاص فيكون حراماً بتركه محبة لدوام نسبته للإخلاص لا للرياء اهـ، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر واعلم أن كثيرين ربما تركوا الطاعات خوفًا من الرياء وليس ذلك بمحمود مطلقاً، فإن الأعمال إما لازمة للبدن لا تتعلق بالغير ولا لذة في عينها كالصلاة ونحوها فإن كان باعثه نيته التقرب لكن عرض الرياء عند عقدها شرع فيها وجاهد نفسه في دفع ذلك العارض وكذا لو عرض في أثنائها فيرد نفسه قهراً للإخلاص حتى يتمها لأن الشيطان يدعوك للترك فإن لم تجبه وشرعت دعاك للرياء فإن لم تنظر إليه ندمك بعد تمام الفعل بكونك مرائياً ونحو ذلك لنترك ذلك الفعل فيحصل غرضه فاحذره، وإما متعلقة بالخلق وهذه تعظم آفاتها وأعظمها الخلافة ثم القضاء ثم التذكير ثم التدريس والإفتاء ثم إنفاق المال فمن لم تستمله الدنيا ولا يستفزه الطمع ولا يأخذه في الله لومة لائم وأعرض عن الدنيا جملة ولا يتحرك ولا يسكن إلَاّ إليه هو المستحق للولايات الدنيوية والأخروية ومن لا فهي عليه بأقسامها ضرر ولا يغتر الإنسان بما ورد في فضل ذلك فإن خطره عظيم ولسنا نأمر أحداً بترك الخير من ذلك إذ لا آفة فيه إنما الآفة في إظهاره بالتصدي له وعظاً وتدريساً بل نأمره معه بمجاهدة نفسه والتنزه عن خطرات الرياء فضلاً عن شوائبه وينبغي للضعفاء ترك الولايات رأسًا لخطرها ولا يترك الصلاة ونحوها أحد بل يجاهد نفسه في دفع شوائب الرياء عنها، وأما التصدي للعلوم فرتبة وسط لكنها بالولايات أشبه وللآفات أقرب فالحذر منها في حق الضعيف أسلم، وفضل قوم جمع المال على
والعمل لأجل الناس شرك،
ــ
الشغل بالذكر ومنهم من عكس والصواب إن آفاته كثيرة فمن خلص منها بأن جمعه من الحل وأنفقه في المحل بقصد وجه الله فالجمع والإنفاق له أفضل ومن لا فالأولى له ملازمة العبادات اهـ، ملخصاً ثم الرياء المذموم إرادة العامل بعمله غير وجه الله كأن يقصد إطلاع
الناس على عبادته وكماله ليحصل له منهم مال أو جاه أو ثناء أو نحو ذلك من المقاصد الخسيسة ويطلق الرياء على أمر مباح وهو طلب نحو الجاه بغير عبادة كأن يقصد بزينة لباسه الثناء عليه بالنظافة وإنما لم يحرم هذا لأنه ليس فيه ما في النوع قبله من التلبيس بالدين والاستهزاء برب العالمين. وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الخروج يسوي عمامته وشعره وينظر وجهه في المرآة. قالت عائشة رضي الله عنها أوتفعل ذلك يا رسول الله قال نعم إن الله يحب من العبد أن يتزين لإخوانه إذا خرج إليهم رواه ابن السني وهذا منه صلى الله عليه وسلم عبادة متأكدة لأنه مأمور بدعوة الخلق واستمالة قلوبهم ما أمكنه فيلزمه أن يظهر لهم محاسن أحواله لئلا يزدروه فيعرضوا عنه لامتداد أعين عامة الخلق إلى الظواهر دون السرائر فهذا قصده وفيه قربة أي قربة ويجري ذلك في العلماء ونحوهم إذا قصدوا بتحسين هيئاتهم نحو ذلك وقد وقع للعز بن عبد السلام أنه لما كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو محرم لا يمتثل منه فلما أحل ولبس لباس العلماء امتثل منه فمن تزين من أهل العلم بزينتهم لذلك أثيب فالأعمال بمقاصدها. قوله: (والعمل لأجل الناس شرك) قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر وجه كون الرياء الشرك الأصغر أن فيه استهزاء بالمعبود حيث أظهر أن العمل له وقصد قصده المنبئ عن اعتقادك في ذلك المقصودات أقدر على تحصيل غرضك من الله سبحانه فرفعت العبد العاجز على المولى القادر فمن ثم كان من الكبائر المهلكات وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر والفرق بين
والإخلاص أن يعافيَك الله منهما.
وقال الإمام الحارث المحاسبي رحمه الله: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كلُّ قَدْر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب اطِّلاع الناس على مثاقيل الذرِّ من حسن عمله، ولا يكره أن يطّلع الناس على السيء من عمله.
وعن حذيفة
ــ
الشرك الأصغر الذي هو الرياء والشرك الأكبر الذي هو الكفر والعياذ بالله متجه يتضح بالمثال هو أن المصلي حتى يقال إنه صالح مثلاً يكون رياؤه باعثاً له على العمل لكنه في خلال ذلك العلم يقصد به تعظيم الله تعالى تارة ويغفل أخرى وفي كل منهما لم يصدر منه مكفر بخلاف الشرك الأكبر فإنه لا يحصل إلَاّ إذا قصد بالسجود مثلاً تعظيم غير الله تعالى فالمرائي نشأ له الشرك الخفي بواسطة أنه عظم قدر المخلوق عنده حتى حمله ذلك العظم على أن يركع ويسجد لله ليراه الناس فيصل إلى قصده فكان ذلك المخلوق معظماً بالسجود من وجه وهذا عين الشرك الخفي لا الجلي إذ لا يقدم عليه إلَاّ مخدوع الشيطان لما أوهمه قدرة ذلك العبد الضعيف الذي لا يملك نفع نفسه على نفعه وضره أكثر مما يقدر تعالى عليه فعدل بوجهه وقصده إليه عن الله تعالى فأقبل يستميل قلبه فوكله الله إليه في الدنيا والآخرة ففي الحديث يقال لهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون فاطلبوا ذلك عندهم اهـ. باختصار. قوله: (والإخلاص إلخ) فتفرد الحق بالقصد وتقطع النظر عن الخلق قال السري لا تعمل للناس شيئاً ولا تعط لهم شيئاً ولا تكشف لهم شيئاً اهـ.
قوله: (المحاسبي) قال المصنف في المجموع والتبيان هو بضم الميم قال السمعاني قيل له ذلك لأنه كان يحاسب نفسه وهو ممن جمع له علم الظاهر والباطن اهـ، لكن نقل المغني عن النووي أنه بفتح الميم أهو كذا رأيته مضبوطاً في هامش أصل صحيح من هذا الكتاب غير معزو لكتاب قال القشيري مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين اهـ. قوله:(الصادق هو الذي لا يبالي إلخ) زاد المصنف نقلاً عنه في التبيان فإن كراهته لذلك دليل
المرعشي رحمه الله قال: الإخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن. وروينا عن الإمام الأستاذ أبي القاسم
ــ
على أنه يحب الزيادة عندهم وليس هذا من إخلاص الصديقين اهـ، ثم إن المصنف رحمه الله عقد الترجمة في الإخلاص وأورد مقالة المحاسبي في الصدق لتقاربهما وترجم في المجموع لهما لذلك فقال فصل في الإخلاص والصدق قال بعض
العلماء الإخلاص والصدق متقاربان إلَاّ إن الإخلاص في ابتداء العمل وآخره والصدق في العمل وبعده ولذا قال الدقاق المخلص لا رياء له والصادق لا عجب له والعجب يخشى منه في العمل وبعده وفي شرح الرسالة القشيرية للشيخ زكريا قال ذو النون المصري الإخلاص لا يتم إلَاّ بالصدق فيه والصبر عليه والصدق يتم بالإخلاص فيه والمداومة عليه فبين الإخلاص والصدق تلازم فمن أخلص في مقام وصدق في سلوكه وصبر عليه حتى أحكمه نقله الله إلى ما فوقه وسئل عنهما الجنيد أهما واحد أم بينهما فرق فقال بينهما فرق الصدق أصل والإخلاص فرع والصدق أصل كل شيء والإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في الأعمال والأعمال لا تكون مقبولة إلا بهما اهـ، وفي حواشي شرح العقائد لابن أبي شريف الصدق استعمله السادة الصوفية بمعنى استواء السر والعلانية والظاهر والباطن بأن لا تكذب أحوال العبد أعماله ولا أعماله أحواله وجعلوا الإخلاص لازما له اعم، فقالوا كل صادق مخلص ولي كل مخلص صادقاً.
قوله: (المرعشي) قال في التبيان بفتح الميم وسكون الراء وفتح العين المهملة وبالشين المعجمة اهـ. قوله: (الأستاذ) بضم الهمزة وبالذال المعجمة في الصناعة العلمية وبالمهملة في باقي الصنائع الدنيوية. قوله: (أبي القاسم) لا يخالف إتيانه بها ما صححه فيما يأتي من حرمة التكني بذلك مطلقاً أخذاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي وإن كان سبب النهي عن الإيذاء الحاصل بذلك خاصاً بحياته صلى الله عليه وسلم جرياً على القاعدة الأصولية إن العبرة بعموم اللفظ
القشيري رحمه الله قال: الإخلاص: إفراد الحقِّ سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر: من تَصَنُّعٍ لمخلوق، أو اكتساب محمَدةٍ عند الناس، أو محبةِ مدحٍ من الخلق، أو معنى من المعاني سوى التقربِ إلى الله تعَالى.
وقال السيد الجليل أبو محمد سهل بن عبد الله
ــ
لا بخصوص السبب لما هو ظاهر من كون الحرمة إنما هو وضعها أولاً أما إذا وضعت لإنسان واشتهر بها فلا يحرم ذلك لأن النهي لا يشمله وللحاجة كما اغتفروا التلقيب بنحو الأعمش لذلك على إن مقتضى ظاهر ما سيأتي للمصنف من تأييد قول مالك بجواز ذلك بعمل الناس كذلك اختيار الجواز بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وسيأتي تحرير ما فيه.
قوله: (القُشيري) بضم القاف وفتح الشين المعجمة وسكون التحتية قال السمعاني نسبة إلى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قبيلة كبيرة ينتسب إليها كثير من العلماء منهم مسلم صاحب الصحيح والأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أحد مشاهير الدنيا بالفضل والعلم والزهد وأولاده وأهله كلهم فضلاء اهـ. قوله: (أو معنى من المعاني) ظاهره ولو طلب ثواب أو نجاة من عقاب أو عتاب قال الأهدل في شرح دعاء أبي حربة اقتضاء ثواب الأعمال في الآخرة من
الله لا يقدح في الإخلاص وهذا يخالف ما نقله الإمام الرازي في تفسيره في سورة الأعراف عن المتكلمين وصوابه عن بعض المتكلمين أن من عبد الله ودعاه خوفاً أو طمعاً لم تصح عبادته وفي سورة الفاتحة لو قال أصلي للثواب وللهرب من العقاب فسدت صلاته اهـ، فإن كان المراد أنه عبد للثواب أو العقاب فلا شك في فساد صلاته بل في كفره لأنه عبد غير الله تعالى وإن كان المراد أنه عبد الله طمعاً في الثواب أو خوفاً من العقاب فهو غلو وقد علم من نصوص الشريعة في الكتاب والسنة الترغيب في العمل بذكر ثوابه والتخويف من تركه بذكر عقابه وهو دليل على قبول العمل طمعاً في الثواب وخوفاً من
التُّسْتَري رحمه الله: نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن تكون حركته وسكونه في سره
ــ
العقاب فتأمل ذلك تجده كثيراً وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مختصر الرعاية إرادة الله بالأعمال الصالحة ستة أقسام أحدها أن يعمل له طمعاً في ثوابه الثاني أن يعمل خوفاً من عقابه الثالث أن يعمل له حياء منه الرابع أن يعمل له حباً وودًا الخامس أن يعمل له إجلالاً وتعظيماً عن المخالفة السادس أن يضيف بعض هذه الأغراض إلى بعض اهـ. فصحح الشيخ العمل في هذه الأقسام كلها ومعنى الخامس من الأقسام أن يعمل لله أمثالا لأمره تعظيماً له وإجلالاً له ولا يخطر بباله طمع في الثواب ولا خوف من العقاب وهذا أولى بالصحة من سائر الأقسام وهو أفضلها والله أعلم.
قوله: (التُّستَري) بضم المثناة الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة منسوب إلى تستر المدينة المعروفة كذا في التبيان للمصنف وفي لب اللباب في الأنساب كذلك وزاد تستر من كور الأهوار من خوارستان يقول لها الناس ششتر بشينين معجمتين أوله والمشهور بهذه النسبة سهل بن عبد الله بن يونس بن عبد الله سكن البصرة صاحب كرامات صحب ذا النون المصري توفي سنة ثلاث وثمانين اهـ، وفي الرسالة القشيرية توفي سنة ثلاث وثمانين وقيل ثلاث وسبعين ومائتين اهـ، ونقل الفتني في المغني عن القاضي عياض جواز ضم التاء الثانية. قوله:(نظرَ الأكياس إلخ) الأكياس جمع كيس أي أصحاب العقل وفي النهاية الكيس العاقل وقد كاس يكيس كيساً فهو كيس وكيس والكيس العقل اهـ، وفي التهذيب للمصنف نقلا عن صاحب المحكم كاس كيساً فهو كيس وكيس والجمع أكياس قال سيبويه كسروا كيساً على أفعال لشبهها بفاعل ويدلك على أنه فعيل أنهم قد سلموه ولو كان فعلا لم يسلموه والأنثى كيسة وكيسة اهـ، ويطلق الكيس على معاني أخر لا حاجة بنا لبيانها والنظر هنا بمعنى
وعلانيته لله تعالى، لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا.
وروينا عن الأستاذ أبي علي الدقاق رحمه الله قال: الإخلاص: التوقِّي عن ملاحظة الخلق، والصدق: التنقي عن مطاوعة النفس، فالمخلص لا رياء له،
ــ
التفكر والتدبر في الشيء قال الكرماني في شرح البخاري النظر إذا استعمل بفي فهو بمعنى التفكر وباللام بمعنى الرأفة وبإلى بمعنى الرؤية وبدون الصلة بمعنى الانتظار نحو {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] اهـ، وقال ابن رمضان في شرح الشرح يقال نظر إليه ونظر فيه إذا تفكر بقلب اهـ، وفي مفردات الراغب نظرت في كذا تأملته قال تعالى:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 185]. قوله: (وعلانيته) في مفردات الراغب العلانية ضد السر وأكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان يقال أعلنته فعلن قال تعالى: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} [نوح: 9] اهـ، وقال الجوهري يقال علن الأمر يعلن علوناً وعلن الأمر أيضًا بالكسر يعلن علنا حكاه ابن السيد وأعلنته أنا إذا أظهرته اهـ، والعلانية بتخفيف التحتية مصدر كطواغية. قوله:(ولا هوى) الهوى مقصور ميلان
النفس لما يستلذ من غير داعية الشرع وقال البيضاوي الهوى رأي يتبع الشهوة قال في النهاية يقال هوى يهوى هوى اهـ، أي من باب فرح والهواء ممدود ما بين السماء والأرض والجمع أهوية. قوله:(التوقي) تفعل من الوقاية أي التحفظ والتكلف فيه كما يؤذن به الصيغة.
قوله: (عن ملاحظة الخلق) بألا يفرح برؤيتهم لما هو فيه من العمل ليمدحوه أو يصلوه أو لئلا يستعصوه ولا يخفى ما بين قوله هنا التوقي وفيما يأتي التنقي بالنون من المحسن البديعي. وقوله: (من مطاوعة النفس) بأن يتخلص من الإعجاب بألا يستحسن عمله ولا يضيفه لنفسه قال القشيري مختصراً للعبارة المذكورة يصح أو يصلح أن يقال الإخلاص تصفية الأعمال عن ملاحظة المخلوقين. قوله: (لا رداء له) أي وذلك لعدم نظره إلى
والصادق لا إعجاب له.
وعن ذي النون المصري رحمه الله قال: ثلاث من علامات الإخلاص: استواء المدح والذمّ من العامَّة،
ــ
الخلق وقصره نظره على الحق. قوله: (لا إعجاب له) أي وذلك لعدم رؤياه نفسه فلا يرى لها حالاً ولا مقاماً حتى يعجب به زاد الأهدل نقلا عنه قوله والعجب يخشى منه في العمل وبعده ثم قال وهذا بناء على الفرق بين الإخلاص والصدق ويحتمل عنده أن يقال الفرق بين الصدق والإخلاص أن الإخلاص تصفية العمل من الشوائب والصدق عدم الالتفات إلى العوارض والعوائق ثم قال بعد ذكر الفرق بين الإخلاص والصدق وقد يتداخلان لقرب المعاني اهـ.
قوله: (استواء المدح والذم من العامة) أي من جميع الناس لا من بعضهم فقط لمعنى يخصه وهذا أول درجات الإخلاص وهو السلامة من الرياء قال العارفون من فرح بالمدح أو رضي به فهو محجوب قالوا ومن خفي الرياء أن يخفى بحيث لا يريد الاطلاع على عمله ولا يسره ذلك ولكنه يحب أن يبدأ بالسلام ويقابل بالإعظام ومتى قصر أحد معه في ذلك ثقل عليه لثقل طاعاته التي أخفاها عند نفسه فكأن نفسه تطلب أن تحترم في مقابلة ذلك حتى لو فرض أنها لم تفعل تلك الطاعات لما كانت تطلب تلك المقامات وقالوا كل من وجد في نفسه فرقاً بين اطلاع الصغار والمجانين واطلاع غيرهم على عباداته فعنده شوب من الرياء إذ لو علم إن الله هو الضار النافع القادر على كل شيء وغيره العاجز عن كل شيء لاستوى عنده الصغار والكبار ولم يتأثر بحضور كبيرهم ولا صغيرهم والحاصل أنه مهما لم يكن وجود الطاعة كعدمها في كل ما يتعلق بالخلق لم يكن قد قنع بعلم الله تعالى ولم يخل من شوب خفي الرياء قال الغزالي ويوشك أن يحبط الأجر اهـ، فعلامة الإخلاص استواء مدح القوم عنده وذمهم لأنه صفي ذمته عن ملاحظة الأغيار واكتفى بعلم عالم الأسرار ومن كان كذلك استوى عنده المدح الصادر من الخلق والقدح فأقبل على
ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاء ثواب العمل في الآخرة.
وروينا عن القشيري رحمه الله قال: أقل الصدق استواء السرِّ والعلانية.
وعن سهل التستري: لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره.
وأقوالهم في
ــ
ما ينفعه من التقوى وصلاح العمل مخلصاً في ذلك وما أحسن قول الشاعر:
بالله يا نفس اسمعي واعقلي
…
مقالة قد قالها ناصح
لا ينفع الإنسان في قبره
…
إلا التقي والعمل الصالح
وأوردهما الثعالبي في تفسيره لكن قال "مقالة من معزم ناصح" وأبدل إلَاّ بغير في البيت الأخير. قوله: (ونسيان رؤية الأعمال) هو بالرفع عطف على ما قبله وفي القواعد لابن عبد السلام فيما رأيت منقولاً عنها معناه ترك الأعمال والاستناد إلى شيء من المعارف والأحوال والأقوال والأعمال إذ لا ينجي شيء من ذلك صاحبه ولا اعتماد في ذلك كله إلَّا على الله سبحانه وتعالى اهـ، قال في الحرز المنير فسر بعض العارفين تقوى الله حق التقوى في قوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] إن تزد طاعته عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها اهـ. ويروى عن بعض العارفين من ظن أن يصل إلى الله تعالى بغير عمل فهو متمني، ومن ظن أن يصل إليه بعمل فهو متغني أي فالمريد يأتي بالأعمال بقصد الامتثال غير ملتفت إليها بالخاطر ولا مقبل عليها بالبال عسى إن يكون من أرباب الوصال فيوصله إليه بفضله لا بتلك الأعمال شغلا عنها بالإخلاص ففي الخبر لن يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلَاّ إن يتغمدني الله برحمته، فإذا كان دخول الجنة بمحض الفضل والإحسان فكيف بالقرب المعنوي والرضوان حق الله لنا ذلك بمنِّه وما ذلك على الله بعزيز. قوله:(واقتضاء ثواب العمل إلخ) هو بالرفع عطف على نسيان لقربه أو على استواء
هذا غير منحصرة، وفيما أشرت إليه كفاية
ــ
لأصالته وهذان الوجهان جائزان في أمثال ذلك وفي الراجح منهما عند عدم القرينة وجهان ذكرهما أبو حيان من غير ترجيح ورجح الملا عصام الدين كونه معطوفاً على الأول قال حفيده شيخنا العلامة عبد الملك العصامي وكأن سببه إن الأول متمحض للمتبوعية بخلاف ما بعده فإن فيه كونه تابعًا وكونه متبوعاً اهـ. قال السيد الأهدل معنى هذا الكلام إن المخلص يطلب ثواب عمله في الآخرة من دخول الجنة ونحوه ولا يطلب بعمله نفعاً في الدنيا ومنه يعلم أن اقتضاء ثواب العمل في الآخرة لا يقدح في الإخلاص اهـ، وهذا على إعرابه بالرفع كما ذكره هو أيضاً ولو جعل بالجر عطفاً على رؤية الأعمال ويكون علامة الإخلاص نسيان رؤية الأعمال ونسيان اقتضاء ثواب العمل في الآخرة كما صنع الشيخ زكريا في شرح الرسالة لكان الكلام منبهاً على أقصى درجات الكمال في الإخلاص من أداء العبودية له تعالى لذاته لا طمعاً في الثواب ولا خوفاً من العقاب إلَاّ أنه قد يقال إنه لا يطابق قوله ثلاث من علامات الإخلاص لأنه حينئذٍ يكون المذكور منها اثنين إلَاّ أن يقال لما كان النسيان المذكور تحته شيئان عد علامتين والحاصل أن كلام ذي النون مقتضى لما قاله الأهدل وظاهر عموم كلام القشيري السابق يقتضي إعراض ذي الإخلاص عن كل شيء سوى القيام بوظيفة الخدمة الواجبة على العبد وفي المجموع للمصنف عن رويم رحمه الله ذو الإخلاص لا يريد على عمله عوضًا من الدارين ولا حظاً من الملكين وعن أبي عثمان قال الإخلاص للعوام ما لا يكون للنفس فيه حظ وإخلاص الخواص ما يجري عليهم لا بهم فتبدو منهم الطاعات وهم عنها بمعزل ولا يقع لهم عليها رؤية ولا بها اعتقاد اهـ. ولعل الخلاف في قدح ذلك في الإخلاص مبني على رتب الإخلاص فمنها ما يقدح فيه ذلك وهو إخلاص الخواص أي الإخلاص عن السوي وهو المقام العلي ومنها ما لا يقدح فيه ذلك وهو إخلاص العوام أي الإخلاص عن النظر للخلائق وهو دون ذلك إذ ليس من أتى
الملك