المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مبينة في كتاب عمل اليوم والليلة- كان من الذاكرين الله - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: مبينة في كتاب عمل اليوم والليلة- كان من الذاكرين الله

مبينة في كتاب عمل اليوم والليلة- كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، والله أعلم.

‌فصل:

أجمع العلماء على جواز الذكْر بالقلب واللسان للمحْدِث والجنب والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء وغير ذلك،

ــ

من الوارد من الذكر في مكان يسن الإتيان به وسبق ما فيه. قوله: (مثبتة في كتاب عمل اليوم والليلة) الظاهر أن المراد من الإضافة العموم أي مثبتة في عمل اليوم والليلة أي في الكتب المصنفة في ذلك ويحتمل إن يراد به كتاب معهود وهو بعيد والمراد ما يعمل فيهما من الأعمال الشامل للأقوال والأفعال وما أحسن ما أنشده الشيخ العلامة أبو البركات السبكي من. قوله:

الليل يعمل والنهار كلاهما

يا ذا البصيرة فيك فاعمل فيهما

وهما جميعاً يغنيانك فاجتهد

بصنائع المعروف أن تغنيهما

وهو عقد لقول إمامنا الأعظم الشافعي رضي الله عنه الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، ومثبتة يصح قراءته بالمثلثة فالموحدة مخففة أو مشددة فالمثناة الفوقية اسم مفعول من أثبت أو ثبت ويصح قراءته بالموحدة فالتحتية المشددة فالنون إلا أن يصح فيه ضبط عن المصنف فيرجع إليه.

فصل

قوله: (على جواز الذكر إلخ) المراد من جوازه باللسان والقلب بالنسبة للمحدث حال الحدث عدم الامتناع والحرمة لكراهته حينئذٍ بل يكره سائر الكلام بلا عذر وبالنسبة إليه بعد انقضائه الإباحة خارج محل قضاء الحاجة ويكره فيه ولو بعد انقضائه ويكره الأذان والإقامة للمحدث وكراهتها أشد من كراهته لقربها من الصلاة، وكراهتها من ذي الحدث الأكبر كالحيض والمتوسط أشد

ص: 127

ولكن قراءة القرآن حرام على الجنب والحائض والنفساء، سواء قرأ قليلًا أو كثيراً،

حتى بعض آية،

ــ

منها من ذي الحدث الأصغر لغلظ الحدث. قوله: (ولكن قراءة القرآن حرام على الجنب والحائض والنفساء) وكذا على ذات الولادة وكأنه سكت عنه لملازمة النفاس له غالباً فاكتفى بذكره عنه أي يحرم على من ذكر قراءته باللفظ بحيث يسمع نفسه إن اعتدل سمعه ولا عارض يمنعه من لغط ونحوه وإشارة أخرس وتحريك لسانه كقراءة الناطق باللفظ وهل تحرم قراءة على الصبي الجنب بناه في التحفة على الخلاف في إباحة مسه وحمله المصحف لحاجة التعلم أي والأصح جواز ذلك فكذا هو ومن بحث حرمته عليه نبني على حرمة المس على الصبي الجنب وقد علمت ضعفه وقد كنت بحثت عن ذلك قبل الوقوف عليه وظهر لي الجواز واستدللت له بأنه لو حرمت عليه القراءة حينئذٍ لم يكن في جواز حمله ومسه القرآن فائدة وكأنهم سكتوا عنه لفهمه مما ذكروه لأنه إذا أبيح له المس الذي هو آكد منها لحرمته على ذي الحدث الأصغر بخلافها فإباحتها إن لم تكن بالأولى فبالمساوى ثم رأيته كذلك في

التحفة فلله الحمد والمنة وإنما حرم للحديث الحسن لا يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن، ويقرأ بكسر الهمزة نهى وبضمها خبر بمعناه ثم حسن الخبر المذكور لغيره وإلا فهو ضعيف في ذاته لكن له متابعات جبرت ضعفه، وممن حسنه المنذري وسيأتي أن الجنب وما في معناه إذا كان فاقد الطهورين تجوز بل تجب عليه قراءة الفاتحة في الصلاة لتوقف صحتها عليه ثم في شرح العمدة للفاكهاني أن مشهور مذهب مالك جوازها للحائض اهـ، ثم تحريم ما ذكر على المسلم أما الكافر كذلك فلا يمنع من القراءة إن رجى إسلامه ولم يكن معانداً وإنما منع من المصحف لأن حرمته آكد كما سبق من تحريم مسه وحمله على ذي الحدث الأصغر وجواز القراءة له. قوله:(حتى بعض آية) أي أو حرفاً منه كما في التحفة قال ابن قاسم

ص: 128

ويجوز لهم إجراء القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النظر في المصحف، وإمراره على القلب. قال أصحابنا: ويجوز للجنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}

ــ

وظاهره ولو بقصد ألا يزيد عليه وهو الظاهر اهـ. قال في الإمداد ولا ينافيه قول ابن عبد السلام لا ثواب في قراءة جزء حمله لأن نطقه بحرف بقصد القراءة شروع في المعصية فالتحريم لذلك لا لكونه يسمى قارئاً اهـ، وبه يعلم أنه لا بد من تقييد حرمة نحو الحرف عليه بقصد القراءة وكان السكوت عنه للعلم به من محله. قوله:(ويجوز لهم إجراء القرآن على القلب إلخ) وكذا يجوز الهمس به من غير إسماع نفسه مع اعتدال السمع والسلامة من مانعه لأنها ليست بقراءة فلا يشملها النهي وقياس الزركشي له على ما لو حلف لا يكلم زيداً فكلمه بحيث لا يسمع نفسه مدخول. قوله: (وكذا النظر في المصحف وإمراره) أي يجوز إجراء القرآن على القلب بانفراده وبانضمام النظر في المصحف إليه حيث خلا عن القراءة فالواو للمعية لبيان جواز الهيئة الاجتماعية. قوله: (ويجوز للجنب والحائض) وفي معناهما النفساء وذات الولادة واكتفى عن الأولى بالحيض إذا النفاس دم حيض مجتمع وعن الثانية بالجنابة إذ الولد مني منعقد ومن ثم أوجب الغسل وإن خلا عن البلل بالمرة. قوله: (إنا لله وإنا إليه راجعون) أي فلا يجزع لأن المتصرف وهو الله تصرف في ملكه والكل راجع إليه {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)} [الشورى: 53] ومن شهد ذلك سلم من الجزع بل فاز بالرضا وصار من جمله أرباب الارتضا وما أحسن قول من قال:

يا أيها الراضي بأحكامنا

لا بد أن تحمد عقبى الرضا

فوض إلينا وابق مستسلما

فالراحة العظمى لمن فوضا

لا ينعم المرء بمحبوبه

حتى يرى الراحة فيما قضى

ص: 129

وعند ركوب الدابة: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} وعند الدعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، إذا لم

يقصدا به القرآن، ولهما أن يقولا: بسم الله والحمد لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواء قصدا الذكر

ــ

وسيأتي في باب التعزية مزيد كلام في هذا المقام. قوله: (وعند) ركوب الدابة أي عند أخذه في الركوب وينبغي إذا فاته الذكر أوله يأتي به أثناءه نظير ما في الوضوء ثم ظاهر التقييد بالدابة أنه لا يقوله عند ركوبه لآدمي ولعل وجهه أن من شأن الدواب الإباء لولا التسخير بخلاف الآدمي ويحتمل أنه يقوله والقيد لكونه جرياً على الغالب من كون الدابة محل الركوب لا مفهوم له وهذا الثاني كما قال

بعض المتأخرين غير بعيد ولا نسلم ما ذكر فإن من شأن الآدمي الإباء عن مثل هذا أيضاً فكان في تسخيره نعمة أي نعمة وتعميمه الدابة يقتضي استحباب الذكر عند ركوب الدابة ولو مغصوبة قال ابن حجر وهو الأظهر وهل يقول الذكر عند حمله عليها المتاع أولا ظاهر كلامه الثاني وسيأتي لهذا مزيد في باب أذكار المسافر. قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] إلخ، مقرنين أي مطيقين ويضم إليها الآية الأخرى {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 14] أي مبعوثون وناسب ما قبله لأن الركوب قد يتولد منه الموت بنحو تعثر الدابة فكان من حقه وقد اتصل بسبب من أسباب التلف أن لا ينسى موته وأنه هالك لا محالة منقلب إلى الله ليحمله ذلك على الاستعداد للقاء بإصلاح حاله قبل أن تنفلت نفسه بغتة. قوله: (أقصدا الذكر) الهمزة فيه للاستفهام أي سواء أقصد الذكر أي وحده أما إذا قصده والقرآن فيحرم، وتسوية المصنف بين الإذكار والدعوات والمواعظ وغيرها كما في المجموع وأشار هنا إلى بعضه صريحة أنه لا فرق في حل ذلك لمن ذكر عند عدم قصد القرآن بين ما يختص نظمه بالقرآن

ص: 130

أو لم يكن لهما قصد، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن، ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته كـ "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما". وأما إذا قالا لإنسان: خذ الكتاب بقوة، أو قالا: ادخلوها بسلام آمنين، ونحو ذلك، فإن قصدا غير القرآن لم يحرم، وإذا لم يجدا الماء تيمماً وجاز لهما القراءة، فإن أحدث بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة كما لو اغتسل ثم أحدث، ثم

ــ

كالإخلاص وغيره وذهب جمع إلى تحريم ما لا يوجد نظمه في غير القرآن، قال ابن حجر وهو متجه مدركاً لكن تسوية المصنف بين الذكر وغيره صريحة في جواز كله بلا قصد قراءة واعتمده غير واحد اهـ. قوله:(أو لم يكن لهما قصد) قال في التحفة لأن القرآن أي عند وجود قرينة تقتضي صرفه عن موضوعه كالجباية لا يكون قرآناً إلَاّ بالقصد اهـ، أي فلا ينافي ما سبق من أن هذا اللفظ لا يكون إلَاّ عبادة فيحصل ثوابه وإن لم ينو القراءة لأن ذلك عند عدم الصارف وما هنا مع وجوده. قوله:(إلاّ إذا قصدا القرآن) أي ولو مع قصد الذكر كما تقدم. قوله: (ويجوز لهما قراءة ما نسخت تلاوته) أي سواء نسخ حكمه أيضاً كحديث عائشة كانت الرضعات المحرمات في كتاب الله عشراً فنسخت بخمس فنسخ حكمها ولفظها، أم بقي الحكم كقوله تعالى:(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) إذ هي في المحصن وحكم المدلول عليه بها وهو الرجم باقٍ لم ينسخ وإن نسخ لفظها، أما ما لم ينسخ لفظه فيحرم مسه على ذي الحدث الأصغر وقراءته على الجنب سواء نسخ حكمه كقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] فإنه منسوخ بتربص أربعة أشهر وعشر، أم لا، ومثل منسوخ التلاوة في إباحته للجنب الحديث القدسي ونحو التوراة. قوله:(فإن أحدث بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة إلخ) وكذا الجلوس في المسجد فيحل له ذلك كما يحل لذي الحدث

ص: 131

لا فرق بين أن يكون تيممه لعدم الماء في الحضر أو في السفر، فله أن يقرأ القرآن بعده وإن أحدث. وقال بعض أصحابنا: إن كان في الحضر صلى به وقرأ به في الصلاة، ولا يجوز أن

يقرأ خارج الصلاة، والصحيح جوازه كما قدمناه، لأن تيممه قام مقام الغسل. ولو تيمم الجنب ثم رأى ماءً يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل، ولو تيمم وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو لفريضة أخرى أو لغير ذلك، لم تحرم عليه القراءة.

هذا هو المذهب الصحيح المختار، وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يحرم، وهو ضعيف.

أما إذا لم يجد الجنب ماءً ولا تراباً فإنه يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، وتحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم

ــ

الأصغر قال المصنف ولا يعرف جنب تباح له القراءة والمكث في المسجد دون نحو الصلاة ومس المصحف غيره وفي التبيان له وهذا مما

يسأل عنه فيقال حدث بمنع الصلاة ولا يمنع قراءة القرآن والجلوس في المسجد من غير ضرورة وهذا صورته اهـ. قوله: (ثم رأى ماء يلزمه استعماله) أي لفقد المانع الحسين والشرعي من استعماله. قوله: (فإنه يحرم عليه القراءة) أي وما في معناها من الجلوس في المسجد لبطلان تيممه الذي استباح به مما ذكر. قوله: (وصلى) أي فرضاً وإنما لم تحرم القراءة حينئذٍ لبقاء طهره ولذا يتنفل به وإذا جازت مع صلاة الفرض فمع النفل أولى نعم إن كانت القراءة منذورة وقد صلى بتيممه فرضاً امتنعت بناء على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع لئلا يؤدي فرضان بتيمم واحد وقد صرح جمع بتحريم الجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها بتيمم واحد مع أن خطبتها فرض كفاية والممنوع الجمع به بين فرضي عين لكن لما جرى قول إنها بمثابة ركعتين ألحقت بالفرض العيني وإن لم يستبح

ص: 132