المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: ‌باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما

"الْبَسْ جَدِيداً، وَعِشْ حَمِيداً، وَمُتْ شَهِيداً".

‌باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما

يستحبُّ أن يبتدأ في لبس الثوب والنعل والسراويل وشبهها باليمين من كُمَّيه ورجلي السراويل ويخلع الأيسر، ثم الأيمن، وكذلك الاكتحال،

ــ

عليه وسلم - ألبسك الله جديداً إلخ) قال عبد الرزاق زاد فيه الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد ويعطيك الله قرة العين في الدنيا والآخرة قال وإياك يا رسول الله أخرجه أبو حاتم كذا في الرياض النضرة.

باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما

قوله: (في لبس الثوب إلخ) التيامن في لبسه ما ذكر بإدخال اليد اليمنى في كم الثوب والرجل اليمنى في كل من النعل والسراويل وما أشرف إليه من كون اللبس مصدراً مضافاً للمفعول أقرب مما يشير إليه قوله باليمين من كميه إلخ، من كونه مصدراً مبنياً للمفعول "فإن قلت" الخارج من المسجد يتعارض في حقه سنتان تقديم اليسرى نظراً لكونه خارجاً منه وتقديم اليمنى لكونه لابساً للنعل "قلت" لا تعارض وذلك بأن يقدم رجله اليسرى في الخروج ويجعلها على ظهر النعل ثم يخرج اليمنى ويدخلها النعل وعند الدخول للمسجد بالعكس وأفاد ابن الجوزي إن من واظب على الابتداء باليمين في لبس النعل وباليسار في الخلع أمن من وجع الطحال. قوله:(ويخلع اليسرى) أي بتقديم إخراج اليد اليسرى من الكم والرجل اليسرى من النعل والسراويل وإذا أراد الدخول إلى المسجد فيقدم نزع اليسرى ويجعلها على ظهر النعل وينزع اليمنى ويدخلها المسجد كما مر آنفاً وإنما يبدأ باليسرى في النزع لأن بقاء العضو في ملبوسه كرامة له والأحق بها الأيمن. قوله: (وكذلك الاكتحَالُ) المشار إليه بذلك لبس الثوب وما بعده والواو إما عاطفة

ص: 312

والسواك،

ــ

للجملة الاسمية على الفعلية وإما استئنافية ويقويه قوله آخراً فكله يفعله باليمين وفي الإمداد السنة في الاكتحال أن يكحل اليمنى ثلاثا ولاء ثم اليسرى كذلك

اهـ، وكأن الفرق بينه وبين طلب الفضل في المضمضة والاستنشاق مع كونهما عضوين تقاربهما وتنافدهما والعينان وإن تقاربا إلا أنهما غير متنافذين فإن الأصح عند المتكلمين إن العصبتين المجوفتين المودع فيهما القوة التي يدرك بها البصر تتلاقيان ثم تفترقان فيهما كالدالين المتلاقى منهما منتهى الاعوجاج هكذا، والله أعلم. قوله:(والسواك) يطلق على الآلة التي يستاك بها ومنه قول بعضهم وقد أحسن:

بالله إن جزت بوادي الأراك

وقبلت أغصانه الخضر فاك

فأبعث إلى المملوك من بعضها

فإنني والله ما لي سواك

وقول آخر:

طلبت منك سواكا

وما طلبت سواكا

لكن طلبت أراكا

وما طلبت أراكا

وعلى الفعل أي استعمال عود أو نحوه من كل خشن في الأسنان لإزالة ما عليها وهو بكل من المعنيين يطلب فيه التيامن لكن مع الخلاف فيه بالإطلاق الأول فقال بعضهم يأخذ باليد اليسرى لأنه لإزالة القذر وفصل آخر بين إن يكون القصد به إزالة القذر فيكون باليسرى أو التكريم فاليمنى والمختار ما أشار إليه المصنف من التيامن فيه على كل حال اعتباراً بشرف محله والمقصود به والمستقذر إنما يكون باليسرى إذا كانت اليد تباشر القذر حساً كما في الاستنجاء أو حكماً كالامتخاط لأن المخاط ربما يصيب اليد فكان باليسرى والسنة في الفعل أن يبدأ بالجانب الأيمن من أسفل وأعلى ثم بالأيسر كذلك ووقع في حاشية شرح الروضة إن أبا مخرمة قال في الخادم: وغلط بعض الناس يعني الإسنوي فنقل عن المصنف أنه قال في الأذكار والروضة والمجموع يستحب الاستياك باليمنى قلت لم يتعرض

ص: 313

وتقليم الأظفار، وقصّ الشارب، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، ودخول المسجد،

ــ

في الكتب الثلاثة إلَّا لكون الابتداء في السواك بجانب فمه الأيمن أما كونه باليد اليمنى أو اليسرى فلم يتمرض له اهـ، وفيه إن عبارة الأذكار كالمصرحة بما أشار إليه الإسنوي ألا ترى قوله بعد فكله يفعله باليمين. قوله:(وتقليمُ الأظافر) أي ويبدأ من اليمين بالمسبحة إلى الخنصر ثم يختم بإبهامها ومن اليسرى بالخنصر إلى الإبهام وفي الرجلين بخنصر اليمنى إلى خنصر اليسرى كما ذكره الغزالي إلاّ أنه قال يؤخر إبهام اليد اليمنى إلى تمام اليد والوجه كما قال غير واحد ما قلناه ثم التقليم مصدر قلم من القلم وهو القطع قال الجوهري قلمت ظفري بتخفيف اللام وقلت أظفاري أي بالتشديد للتكثير والمبالغة والقلامة ما يسقط منه والأظافر جمع ظفر بضم الظاء المعجمة والفاء وبسكونها وحكي كسرها وأنكره ابن سيده وحكي اظفور كعصفور والمراد قلم ما طال عن اللحم من الظفر. قوله: (وحَلقُ الرأس) وهل العبرة فيه بيمين الحالق أو يمين المحلوق الذي اختاره أصحابنا الأخير وعبارة المجموع للمصنف يستحب أن يبدأ بحلق شعر رأسه الأيمن من أوله إلى آخره ثم الأيسر اهـ. وقال صاحب الغاية من الحنفية تعتبر البداة بيمين الحالق لا المحلوق ويبدأ بشق المحلوق الأيسر اهـ. قوله: (والسلامُ من الصلاة) أي إذا أتى بهما كما هو السنة فيبدأ باليمين ويلتفت حتى يرى

خده الأيمن ثم باليسار كذلك والسنة ابتداؤه في كل مستقبلا وانتهاؤه مع تمام الالتفات فإن اقتصر على الفرض فهل يجعلها لجانب اليمين أو تلقاء وجهه قضية كلام أصحابنا يجعلها لليمين حينئذٍ. قوله: (ودخولُ المسْجِدِ) أي ولو من مسجد آخر إن كان الثاني أفضل كالكعبة مع باقي المسجد الحرام وإلا فيتخير ومنه صعود الخطيب للمنبر كما في التحفة وفي شرح العباب ويتجه في دخول الإنسان لبيته ونحوه أنه يقدم اليمنى دخولاً واليسرى خروجاً ما لم يتصل بمسجد فيراعي

ص: 314

والخروج من الخلاء، والوضوء، والغسل،

ــ

المسجد اهـ. قوله: (والخروج من الخلاء) أي فيقدم اليمنى ولو إلى محل مستقذر كان يكون بلصق الخلاء سوق إذ السوق كالخلاء وإن كان محل عبادة كالمسعى كما في شرح العباب لأن الخلاء أقذر ولذا قدم اليسرى عند الخروج من السوق إلى الخلاء والخلاء بالفتح والمد أصله المكان الخالي ثم خص بما تقضى فيه الحاجة وقيل هو اسم شيطان لحديث يدل له. قوله: (والوضوء) فيقدم نحو أقطع اليمين في جميع أعماله والسليم اليمين من اليدين والرجلين لا الخدين والجبينين والأذنين وجانبي الرأس بل يطهران معاً قال المصنف وأجمع العلماء على إن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو تركه فاته الفضل وصح وضوءه وقالت الشيعة هو واجب ولا اعتداد بخلاف الشيعة، ونظر القلقشندي في دعوى الإجماع على الاستحباب بأن الدارمي حكى الإيجاب عن أبي هريرة الصحابي وفي كلام الرافعي ما يوهم إن أحمد قال به وغلط الشريف المرتضى فنسب القول بوجوبه للشافعي لأن اليدين والرجلين بمنزلة العضو الواحد وأنهما جمعا في القرآن حيث قال وأيديكم وأرجلكم ووقع في كلام البندنيجي والعمراني نسبة وجوب التيامن إلى الفقهاء السبعة وهو تصحيف من الشيعة اهـ، ولك إن تقول ما ذكر لا يقترح في الإجماع أما ما ذكر عن أبي هريرة فإن ثبت فعل الإجماع وقع بعد وفاته والأصح انعقاده بعد الخلاف وأما ما نقل عن أحمد فليس بالصريح وإنما هو احتمال فلا يدافع به النقل الصحيح والله أعلم. واعلم إن الابتداء باليسار وإن كان مجزئاً لكنه مكروه نص عليه الشافعي في الأم وقد ثبت إذا توضأتم فابدؤوا بأيامنكم. قوله:(والغَسلُ) بفتح الغين مصدر غسل أو اسم مصدر اغتسل وبضمها مشترك بينهما وبين الماء والذي يغسل به وبكسرها اسم لما يغتسل به من صدر ونحوه والفتح من المصدر واسمه أشهر من الضم وأفصح لغة لكن الضم أشهر في كلام الفقهاء

ص: 315

والأكل، والشرب والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وأخذ الحاجة إنسان، ودفعها إليه،

ــ

فإن قلت ما الفرق بين كونه مصدراً أو اسم مصدر قلت الفرق أنه إذا جعل متصدراً كان عاماً في الآدمي وغيره وإذا جعل اسم مصدر كان خاصاً بالآدمي كذا رأيته منقولاً عن الشيخ نور الدين الزيادي وقال أنه سأل عنه شيخه عبد الحميد السمهودي فأفاده بما ذكر ونقله عن الشرف المناوي وقال أنه من الفوائد العزيزة النقل، والسنة في غسل الحي بعد تعهد الرأس وإفاضة الماء عليه وتخليله، غسل الشق الأيمن من البدن المقدم والمؤخر ثم الأيسر كذلك أما الميت فيغسل المقدم الأيمن ثم الأيسر ثم يجعله على جانبه الأيسر ويغسل المؤخر الأيمن ثم الأيسر وفارق الحي الميت بأن ما ذكر في الحي لو فعل في الميت لاستلزم تكرر قلبه وفيه مشقة. قوله:(والأكملِ) سيأتي حكاية خلاف في الأصل في أدب الأكل في وجوبه قال بعضهم يستثنى ما يجمع فيه بين اليمين واليسار من أكل حار وبارد كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل قثاء برطب هذا بيد وهذا بيد مستثنى من كراهة الأكل بالشمال. قوله: (والشُّرب)

بضم الشين إدخال المائع الجوف أي فيأخذ نحو الشربة باليد اليمنى. قوله: (واستلام الحجرِ الأسودِ) ومثله استلام الركن اليماني فيكون باليمين إن لم يكن بها مانع وإلا فيكون باليسرى وفارق عدم الإشارة بالمسبحة في التشهدين من اليسرى عند قيام مانع بمسبحة اليمنى لأن لها في الصلاة عملاً صالحاً يفوت بتحركها عند التشهد ولا كذلك هنا والاستلام افتعال قيل من السلام بالفتح بمعنى التحية وقيل من السلام بالكسر بمعنى الحجارة وسيأتي في الحج إن شاء الله تعالى مزيد بيان. قوله: (وأخذِ الحاجة من إنسان ودفعها إليه) أي ما لم تكن

ص: 316

وما أشبه هذا، فكله يفعله باليمين، وضده باليسار.

روينا في صحيحي البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري عن

ــ

الحاجة مستقذرة وإلا كأحجار الاستنجاء فتكون باليسار قال المصنف في باب الانتعال من شرح مسلم فيما يستحب باليمين فعله أشياء إلى أن قال ودفع الصدقة وغيرها من أنواع الأشياء المستحسنة وتناول الأشياء الحسنة وعد فيما يستحب باليسار أشياء منها تناول أحجار الاستنجاء ومس الذكر وتعاطي المستقذرات وأشباهها اهـ. قوله: (وما أشبه هذا) أي من كل ما هو من باب التكريم وعد منه ابن حجر في شرح الشمائل دخول المنزل والظاهر أنه مما لا شرف فيه ولا خسة. قوله: (فكله يفعل باليمين) تكريماً لها والقول بأن تقد يم اليمين لكونها أقوى يخرج الأمر عن كونه شرعياً إلى كونه إرشادياً ولهذا رده بعض المحققين. قوله: (وضده) أي ما لم يكن من باب التكريم كدخول الخلاء والسوق والمستحم ومحل المعصية ومنه الصاغة ويحرم دخولها على ما أطلقه غير واحد وقيده المصنف في فتاويه بما إذا علم أن فيها أي حال دخوله كما هو ظاهر معصية كالربا ولم يكن له حاجة في الدخول قال ابن حجر في التحفة ومنه يؤخذ إن محل حرمة دخول كل محل به معصية كالزينة ما لم يحتج إليه اهـ. ثم ما لا تكرمة فيه ولا إهانة هل يبدأ فيه باليمين أو باليسار عبارة الأذكار ساكتة عن ذلك وقضية قول المصنف في المجموع ما كان من باب التكريم يبدأ فيه باليمين وخلافه باليسار أن يكون باليسار ويمكن حمل عبارة الأذكار عليه بأن يراد بالضد فيه الخلاف مجازًا والداعي عليه كون الكلام مبيناً لحكم جميع الأقسام بخلافه لو أبقيت على ظاهرها فإنها تكون ساكتة عن حكم الثالث كما مر وخالف الزركشي فقال ما لا تكرمة فيه ولا إهانة يكون باليمين أخذاً من قول الفقهاء اليسرى للأذى واليمنى لغيره واستوجهه ابن حجر في التحفة.

قوله: (في صحيحي البُخاري ومسلم) قال

ص: 317

عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّنُ في شأنه كلّهِ:

ــ

القلقشندي في شرح العمدة هذا الحديث رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني والبيهقي وغيرهم اهـ. وكذا أخرجه ابن خزيمة من طريقين وأبو عوانة كما قال الحافظ وجاء عن عائشة من طرق كثيرة بنحوه. قوله: (يُعجبه التيمّن) هذا اللفظ للبخاري ولفظ مسلم يحب التيمن ومحبته لذلك لأنه كان يحب الفأل الحسن إذ أهل اليمين هم أهل الجنة وفي بعض روايات البخاري بما استطاع وبه يعلم إن محافظته على التيمن ما لم يمنع منه مانع والأكمل في المبايعة باليسرى عن عثمان رضي الله عنه في بيعة الرضوان لقيام المانع باليمين وهو كونها المبايع بها والتيمن بتشديد الميم من باب التفعل أي الابتداء باليمين. قوله: (في شأْنه كلِّهِ) متعلق بيعجبه أي يعجبه التيمن في شأنه أي الذي من باب

التكريم لما في الحديث الآتي عقبه وفي فتح الباري تأكيد الشأن بقولها كله يدل على أنه عام لأنه رفع المجاز فيمكن أن يقال حقيقة الشأن ما كان فعلاً مقصوداً اهـ. قال القلقشندي وكلامه يؤول إلى أنه عام أريد به الخصوص ثم ذكر ما يدل على أنه عام مخصوص كما أشرت إليه لكن في كون كلام الفتح يقتضي إن الشأن عام أريد به الخصوص نظر، إذ هو على ما أشار إليه من قوله حقيقة الشأن إلخ، مختص بغير الاستنجاء لأنه ليس مقصوداً والشأن لا يشمله والتأكيد بكل التعميم لفظ الشأن في إفراد الفعل المقصود والله أعلم وتقديم هذا على قوله في طهوره وقع في رواية مسلم فيكون في طهوره بدل بعض من كل وفي رواية أخرى في طهوره وترجله وتنعله وفي شأنه كله بالواو في رواية أبي الوقت السجزي وبحذفها في رواية مسلم ومعظم روايات البخاري وذكر البخاري في الأطعمة من صحيحه عن سعيد إن شيخه أشعث بن سليم كان يحدث بالحديث جميعه تارة وتارة يقتصر

ص: 318

في طهوره وترجله

ــ

على قوله في شأنه كله وتارة على قوله في تنعله وترجله وطهوره وزاد الإسماعيلي في مستخرجه بسنده عن شعبة إن عائشة كانت تجمله تارة وتبينه أخرى اهـ، وعلى رواية في طهوره وترجله وتنعله وفي شأنه قال الطيبي في شأنه بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل على رواية ثبوت الواو وذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالرأس والطهور لكونه مفتاح العبادة فنبه على جميع الأعضاء فيصير كبدل الكل من الكل اهـ، وكان مراده أنه بدل من حيث المعنى لا من حيث الصناعة إذ العاطف يمنعه وعلى رواية حذف الواو قال الكرماني لا يصح إن يكون بدل كل من كل لأن الشأن أعم من هذه الثلاث ولا بدل بعض لأنه ليس بعضاً من المتقدم ولا بدل اشتمال إذ شرطه إن يكون بينهما ملابسة بغير الجزئية والكلية وهو منتف هنا ولا بدل غلط لأنه لا يقع في فصيح الكلام ثم قال هو بدل اشتمال والمراد بانتفاء الجزئية والكلية بينهما هما المذكورتان في بدل الكل وبدل البعض وهو إن لا يكون الثاني عين الأول ولا بعض الأول وهذا بعكس ذاك إذ الأول بعض الثاني أو هو بدل غلط وقد يقع فصيح الكلام قليلاً ولا منافاة بين الغلط والثلاثة إذ هو بدل كل عن كل وذكر ما تقدم عن الطيبي. قوله:(في طُهوره) بدل مما قبله كما سبق والطهور بضم الطاء لأن المراد به التطهير وقيل أنه بفتح الطاء أي الماء الذي يتطهر به ففيه حذف مضاف أي في استعمال طهوره. قوله: (وترجله) في النهاية الترجل والترجيل تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه اهـ. وقيل تسريح الشعر ودهنه قال المطرزي رجل شعره أي أرسله بالمرجل وهو المشط وترجل إذا صار كذلك بنفسه وعليه فيشكل التعبير في الخبر بالترجل إذ مقتضى القياس الترجيل بزيادة الياء قبل اللام وأجاب البرماوي إن الترجل من مادة تسريح الشعر فيكون هو أثر الترجيل فاكتفى به عن ذكر الترجيل قال وقول ابن الأثير الترجل والترجيل إلخ فيه تساهل إلاّ إن

ص: 319

وتنعُّله".

وروينا في "سنن أبي داود" وغيره بالإسناد الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت:

ــ

يكون سمع في اللغة على غير قياس والتيمن في الترجل البداءة بالشق الأيمن من الرأس في التسريح وكذا يبدأ بالأيمن منه في الدهن. قوله: (وتنعله) أي لبس النعل ووقع عند مسلم انتعاله وفعله بالإفراد والمراد بها الجنس قال المصنف في شرح مسلم وقع في بعض الأصول أي من مسلم نعله بالإفراد وفي بعضها بالتثنية وهما صحيحان ولم نر في شيء من نسخ بلادنا غير هذين الوجهين وذكر الحميدي والحافظ عبد الحق في كتابيهما الجمع بين الصحيحين تنعله بتاء مثناة ثم نون ثم عين

مهملة مشددة وكذا هو في روايات البخاري وغيره وكله صحيح اهـ. وبه يعلم إن تنعله من إفراد البخاري والتنعل مصدر تنعل لبس النعل وهي الحذاء مؤنثة وتصغيرها نعيل والمراد بها البداءة بالرجل اليمنى وقيل اللبس باليد اليمنى وغلط قائله.

قوله: (بالإسناد الصحيح) قال المصنف في الخلاصة بعد إيراده: صحيح ورواه أبو داود اهـ، وتردد فيه في شرح المهذب فقال حسن أو صحيح وقال الحافظ رجال إسناده من عبد الوهاب فصاعداً أخرج لهم مسلم فالإسناد على شرط الصحة كما قال المصنف ثم قال بعد نقل كلامه في الخلاصة والمجموع التحرير أنه حسن فإن فيه علتين الاختلاف على سعيد يعني ابن أبي عروبة في وصله وإرساله وفي زيادة راوٍ على السند الموصول وأخرجه أبو داود أيضاً من رواية عيسى بن يونس عن سعيد بإسقاط الأسود يعني الراوي له عن عائشة وأخرجه البيهقي من رواية محمد بن أبي عدي عن سعيد عن رجل لم يسم عن أبي معشر أي عن الأسود عن عائشة ورجح الدارقطني في العلل هذه الرواية فصار الحديث بسبب ذلك ضعيفاً من أجل المبهم وسعيد مع كونه مدلساً وقد عنعنه ممن اختلط وإنما قلت إن الحديث حسن لاعتضاده بالذي بعده اهـ، لكن قال ابن حجر في شرح المشكاة بعد

ص: 320

"كانت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت، اليسرى لخلائه وما كان من أذى".

وروينا

ــ

إيراد الخبر أنه معلول لكن يعضده الحديث الآتي يعني حديث عائشة السابق وفي كلام الحافظ إن ما بعده يجبر علته فيحصل له عاضدان فتأمله. قوله: (كانتْ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ) قال المصنف في شرح مسلم نقلا عن المحققين كان لا يفيد التكرار اهـ. وقال ابن الحاجب تفيده وكذا ابن دقيق العيد لكن قال عرفاً وهو واضح وليس المراد أنها تفيده مطلقاً بل في مقام يقبل ذلك كذا قال بعض المحققين والخلاف إنما هو إذا وقعت في مقام الأفعال نحو كان يفعل أو يقول لكن في مقام الأوصاف ونحوها مما لا يفيد التكرار وحينئذٍ فالخبر بدل بناء على كونها تفيد التكرار عرفاً إن جعله اليمنى لكل ما هو من باب التكريم واليسرى لكل ما هو من باب الخسة أمر دائم لا ينفك عنه لقوله صلى الله عليه وسلم أدبني ربي فأحسن تأديبي كذا في فتح الإله وظاهر مما سبق إن المراد عند انتفاء المانع. قوله: (لطُهورِهِ وطعامِهِ) أي وما في معناهما مما هو من باب التكريم كما يدل عليه خبر كان يحب التيمن في شأنه كله المخصص عمومه بمنطوق نحو هذا الخبر أي إلا الخلاء وما كان من أذى. قوله: (اليسرى لخلائه) أي كانت اليد اليسرى للاستنجاء ويمكن إن يؤخذ من الخبر تقديم الرجل اليسرى أو بدلها عند دخول أو وصول الخلاء أو محل قضاء الحاجة من القضاء بأن يراد باليسرى ما يشمل اليد والرجل من استعمال المشترك في معنييه أو من عموم المجاز من أذى أي من النوع الذي يعد بالنسبة لِسائر الناس أذى من المخاط والبصاق والدم ونحوه فلاستقذار جنسه من باقي الناس جعل له صلى الله عليه وسلم اليسرى وأما بالنسبة إلى الحاصل منه فلا أذى ولذا كانوا يد لكون به وجوههم ويسارعون إليه وقد شرب ابن الزبير دم حجامته ومص مالك بن سنان

ص: 321

في "سنن أبي داود"، و"سنن البيهقي" عن حفصة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره

ــ

دمه صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشربت أم أيمن بوله وهذا دليل على فقد الأذى منه إذ يحرم على الإنسان تناول كل مؤذٍ للبدن ومنه الريق بعد انفصاله من معدنه لا فيه فلا منع منه من حليلة وعدلت عن قولها من مستقذر إلى ما عبرت به لما في لفظ الاستقذار من البعد

عن أن ينسب إليه صلى الله عليه وسلم فليس من مستقذر أصلاً قال العلماء من استقذر شيئاً مما أضيف إليه صلى الله عليه وسلم من الأحوال والأفعال فهو كافر والله أعلم.

قوله: (في سنن أبي داود إلخ) وكذا أخرجه أحمد في مسنده كما في الجامع الصغير وقال الحافظ الحديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وأخرجه أبو داود من طريق أخرى عن حفصة وصححه ابن حبان والحاكم من طريق أبي داود قال الحافظ وفي تصحيحه نظر لأن في أيوب الإفريقي واسمه عبد الله بن علي مقالاً مع الاضطراب من شيخه عاصم في سنده أي فإنه تارة رواه عن رافع بن المسيب عن حفصة وتارة أدخل بين المسيب بن رافع وحفصة سواء وتارة رواه عن معبد بن خالد عن سواء عن حفصة وتارة رواه عن المسيب بن رافع ومعبد بن خالد عن حارثة بن وهب الخزاعي عن حفصة وقد تكلموا في حفظ عاصم قال الحافظ وإنما قلت أنه حسن لاعتضاده بما قبله اهـ. قوله: (عن حفصة) هي أم المؤمنين بنت عمر رضي الله عنهما روى أبو سعيد بإسناده عن عمر أنها ولدت قبل المبعث بخمس سنين وقريش تبني البيت وأمها وأم أخيها عبد الله زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة تزوجها خنيس بمعجمة فنون فتحتية فمهملة مصغراً ابن حذافة

ص: 322

لما سوى ذلك".

وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا لبَسْتُمْ، وَإِذَا تَوَضأْتُمْ، فَابْدَؤُوا بأيامِنِكُمْ"

ــ

وكان ممن شهد بدراً وهاجرت معه وتوفي عنها بالمدينة مقدم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر وذكرها أبوها على أبي بكر وعثمان فلم يجبه واحد منهما إلى التزوج بها وكان أبو بكر اطلع على أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد إن يتزوج بها ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها سنة ثلاث وقيل سنة ثنتين من الهجرة في شعبان وقال ابن سعد تزوجها في شعبان على رأس ثلاثين شهراً قبل أحد ثم طلقها طلقة واحدة ثم راجعها بأمر جبريل وقال أنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة وفي رواية صؤوم قؤوم وإنها من نسائك في الجنة وأوصى عمر إلى حفصة وأوصت هي إلى أخيها عبد الله روي لها عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما قيل ستون حديثاً اتفقا منها على ثلاثة وقيل أربعة وانفرد مسلم بستة واختلف في وقت وفاتها فقال الواقدي في شعبان سنة خمس وأربعين عن ستين سنة وهو الصحيح وقال أبو معشر سنة إحدى وأربعين وقال أبو خيثمة أول ما بويع معاوية وكانت بيعته في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وقيل ماتت سنة سبع وعشرين وقيل ثمان وعشرين وقيل في خلافة عثمان وقيل سنة سبع وأربعين وقيل سنة خمسين.

روى ابن سعد أن مروان بن الحكم صلى عليها وحمل بين عمودي سريرها من عند دار آل المغيرة بن شعبة ثم حملها أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها ونزل في قبرها أخوها عبد الله وعاصم وبنو أخيها عبد الله وهم عبيد الله وسالم وحمزة رضي الله عنهم. قوله: (لما سوى ذلك) أي لما لم يكن من باب التكريم المذكور بعض أفراده من الطعام والشراب في اللباس وكأن الاقتصار عليها فيه لكونها أكثر ما يزاوله الإنسان. قوله: (بأيامنكم) وفي رواية بميامنكم أي لأن اليمين لما شرف ومنه

لبس الثوب والتطهر وحكمته كما تقدم إظهار شرف اليمين وخسة

ص: 323

حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذي، وأبو عبد الله محمد بن يزيد

ــ

غيرها ثم لفظ أبي داود "ميامنكم" وأورده كذلك البغوي في المصابيح وشرف السنة وفي موضع من المشكاة وهي في نسخة من الأذكار بأيامنكم والأيمن والميمنة خلاف الأيسر والميسرة. قوله: (حَديث حسن صحيح) وفي شرح المشكاة لابن حجر بعد إيراده إسناد حسن اهـ، ولعله لم يقف على كلام المصنف هذا أو لم يوجد في أصله منه قوله صحيح أو إن صحته لغيره فذكر وصفه الذاتي من الحسن وإلا فكيف يقتصر على قوله حسن بعد ذكر المصنف له ثم رأيت الحافظ قال بعد إيراده الحديث وتخريجه له هذا حديث صحيح غريب أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وأخرجه الترمذي بلفظ آخر وذكر فيه علة ثم قال وهذا لا يقدح في رواية زهير بن معاوية يعني الذي في طريق أحمد وأبي داود وقد صحح الحديث من طريقه ابن حبان فأخرجه عنه وعجب للشيخ كيف تبعه في تصحيح الذي قبله مع ما فيه من علة ولم يتبعه في تصحيح هذا اهـ، وكأن أصل الحافظ ليس فيه تصحيح الحديث والله أعلم وفي شرح مسلم للمصنف وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بأسانيد جيدة عن أبي هريرة إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بأيامنكم.

ثم إن علماء الأثر استشكل بعضهم الجمع بين وصفي الحسن والصحة لحديث واحد بأنه جمع بين الضدين إذ المعتبر في الصحة أعلى أوصاف القبول وفي الحسن أدناها.

وأجيب بأن الحديث الذي يقال فيه ذلك قسمان الأول ما تعددت طرقه فيحمل أحد الوصفين على أحد طرقه والثاني على الثاني وعلى هذا فيكون على تقدير واو العطف أي حسن وصحيح وما وصف بهما أعلى مما وصف بالصحة فقط لحوز الأول معها الحسن أيضاً والثاني ما كان فرداً فيحمل تعدد وصفيه على اختلاف مرتبته عندهم فقال بعضهم أنه حاز من القبول أعلى مراتبه فهو صحيح وقال آخرون لم يصل لذلك فهو حسن وعلى هذا

ص: 324