المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: ‌باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت

تفاؤلاً بأن يختم الله لنا به، والله الموفق، وبه الثقة، وعليه التوكل والاعتماد، وإليه التفويض والاستناد.

‌باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت

قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ} [العنكبوت: 45] وقال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال تعالى:

ــ

(تفَاؤلاً) هو مهموز ممدود أو مقصور مصدر تفاعل أو تفعل. قوله: (الثِّقة) بكسر المثلثة بعدها قاف مصدر وثق بحذف فإنه كما هو القياس فيه.

باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت

قوله: (في أَحْرُف) يصح أن يكون حالاً من باب بناء على كونه خبر المبتدأ محذوف وجاز مجيء الحال منه مع كونه نكرة محضة لتخصيصه بالوصف ويصح أن يكون خبراً بعد خبر للمحذوف ويصح جعل باب مبتدأ وصح الابتداء به لما ذكر من تخصيصه بالوصف وقوله في أحرف هذا متعلق بمحذوف خبر عنه و. قوله: (غير مقيد) بالنصب حال إما من فضل وإما من الذكر وجاز لكون المضاف بمنزلة بعض المضاف إليه ثم لو حذف قوله بوقت لكان أعم لشموله الأحوال والأمكنة والأفعال قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] المصدر إما مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف والمعنى ذكر العبد الله أكبر من كل ما سواه وأفضل منه قال قتادة ليس شيء أفضل من ذكر الله تعالى وقال الفراء وابن قتيبة ولذكر الله وهو التسبيح والتهليل أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر أو مضاف إلى للفاعل والمعنى ذكر الله إياك أكبر من ذكرك إياه وعلى هذا الأخير حمله ابن عباس كما نقله الواحدي وفي الآية فضل الذكر، أما على الأول فباعتبار ذاته وعلى الثاني باعتبار ثمراته إذ ذكر الله العبد جزاء الذكر له ففي الحديث القدسي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في ملأ ذكرته

ص: 174

{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} [الصافات: 143 - 144] وقال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 20].

ــ

في ملأ خير منه. قوله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)} [الصافات: 143] قال الواحدي "فلولا أنه كان" قبل التقام الحوت إياه {الْمُسَبِّحِينَ} أي المصلين وكان كثير الصلاة {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)} [الصافات: 144] لصار بطن الحوت قبراً له إلى يوم القيامة قال سعيد بن جبير شكر الله قدسه وقال الضحاك بن قيس اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس كان عبداً صالحاً ذكر الله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)} الآية وإن فرعون كان عبداً طاغياً ناسياً ذكر الله تعالى، {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90] قال الله تعالى له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس: 91] اهـ، قلت وفي حديث ابن عباس تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وفي الحصين الحصين من

حديث أبي هريرة من أحب أن يستجاب له في الشدائد والكرب فليكثر من الدعاء في الرخاء رواه الترمذي ما يؤيد ذلك. ثم وجه إيراد الآية في فضل الذكر جعل التسبيح على أحد أنواع الذكر أي على قول سبحان الله ونحوه فقد حكى الله تعالى أن نجاة يونس بكلمة التوحيد قال تعالى حكاية عنه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء: 87، 88] المؤمنين أما إذا جعل على بيان ما كان قد أتى به قبل التقام الحوت من الصلاة فتقدم أن فضل الذكر غير منحصر في نحو التهليل بل هو شامل لسائر الطاعات ويكون في الآية فضل الذكر بهذا المعنى أي طاعة الله تعالى، الشامل للذكر الحقيقي شرعاً أي قول سيق لثناء على الله تعالى إلخ. قوله:{مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [آل عمران: 24] أي لا يضعفون ولا يملون قال

ص: 175

وروينا في صحيحي إمامي المحدثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رضي الله عنهما بأسانيدهما

ــ

الزجاج يجري مجرى التسبيح منهم وغيره من سائر الطاعات مجرى النفس مناولاً بشغلنا عن النفس شيء وكذا تسبيحهم لا يشغلهم عنه شيء وكذا فضل عمل الإنسان لكونه مشقاً على النفس على عمل الملك.

قوله: (وَرَوَينَا فِي صَحِيحَي إمامي المحدثين إلخ) وأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان وقال الترمذي حديث صحيح غريب ووجه الغرابة أنه لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلَاّ أبو هريرة ولا عن أبي هريرة إلَاّ أبو زرعة أي هرم البجلي ولا عن أبي زرعة إلَاّ عمارة بن القعقاع الضبي ولا عن عمارة بن القعقاع إلَاّ محمد بن فضيل بن غزوان الضبي وعنه انتشر الحديث فأخرجه البخاري عن أحمد بن اشكاب عنه في آخر صحيحه وأخرجه عن أبي خيثمة زهير بن حرب وعنه في الدعوات وكذا أخرجه مسلم وأخرجه البخاري أيضاً عن قتيبة بن سعيد عنه في الإيمان والنذور أخرجه مسلم في الدعوات عن أبي كريب محمد بن العلا المروزي ومحمد بن ظريف ومحمد بن عبد الله بن نمير ثلاثتهم عنه وأخرجه ابن ماجة في سننه في باب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي عنه وأخرجه غيرهم عنه ممن يعسر حصرهم كذا أشار إليه الحافظ في التسبيح وأوضحه الأنصاري في ختم البخاري المسمى بالدر اللامع في ختم الجامع. قوله: (مولاهم) أي مولى حلف وفي شرح المشكاة لابن حجر ولاء الإسلام على مذهب من يرى أن من أسلم على يد شخص كان ولاؤه له وذلك لأن جده المغيرة كان مجوسياً فأسلم على يد اليمان

ص: 176

عن أبي هريرة رضي الله عنه، واسمه عبد الرحمن بن

صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولاً، وهو أكثر الصحابة حديثاً، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ

ــ

الجعفري والي بخارى نسبة لجعفي بن سعد العشيرة أبي قبيلة من اليمن ووهم من قال أنه اسم بلد فكأنه توهمه من قول ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان أنه مخلاف باليمن ينسب إلى قبيلة من مذحج بينه وبين صنعاء أربعون فرسخاً اهـ، وأصله للعاقولي في شرح المصابيح وعلى قول ياقوت فيحتمل أن يكون جعفي مشتركاً لفظياً بين أبي القبيلة والمكان ويحتمل أنه حقيقة في الأول وسمي المكان به من تسمية المحل باسم الحال وكلامه إلى الثاني أقرب. قوله:(عَنْ أَبي هُرَيْرَة) اختلف في صرفه ومنعه فمنهم من قال بصرفه لأنه جزء علم وقال آخرون بمنع صرفه كما هو الشائع على ألسنة المحدثين وغيرهم لأن الكل صار

كالكلمة الواحدة واعترض بأنه يلزم عليه رعاية الأصل والحال معاً في كلمة بل لفظة هريرة إذا وقعت فاعلًا مثلاً فإنه تعرب إعراب المضاف إليه نظرًا إلى الأصل وتمنع الصرف نظراً للحال ونظره خفى وأجيب بأن الممتنع رعايتهما من جهة واحدة لا من جهتين كما هنا وكأن الحامل عليه الخفة واشتهار هذه الكنية حتى نسي الاسم الأصلي بحيث اختلفوا فيه اختلافاً كثيرًا كما نقله المصنف. قوله: (نحو ثلاثين قوْلاً) قال في شرح مسلم اختلف في اسمه واسم أبيه على خمسة وثلاثين قولاً اهـ، وبه يعلم إن قوله هنا نحو ثلاثين قولاً بالنسبة إلى اسمه واسم أبيه ثم كان حق هذا التقرير أن يذكر عند أول ذكر أبي هريرة وهو في مقدمة الكتاب وكأن التأخير إلى هذا المحل لأنه أول محل ذكر فيه من مقصود الكتاب بالأصالة. قوله:(كَلِمَتَانِ) أبهمهما ثم بينهما ليزداد تطلع النفس إليهما فيكون أوقع في النفس وسببا لرسوخهما فيها والمراد

ص: 177

خَفِيفَتَانِ على اللسانِ ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَحْمنِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ" وهذا الحديث

ــ

بالكلمة هنا العرفية أو اللغوية لا النحوية. قوله: (خفِيفَتَانِ) أي لقلة ألفاظهما ورشاقتهما شبه حصولهما بمتاع يسهل حمله فاستعار له لفظ خفيفتان استعارة تبعية وفي التعبير بذلك إيماء إلى إن في معظم التأليف ثقلا على النفس لمزاولة الأعمال ومن ثم سمي تكليفاً إذ هو إلزام ما فيه كلفة كذا هو عند البخاري في الدعوات وفي الإيمان والنذور ورواه البخاري في آخر صحيحه وختم به بتقديم حبيبتان إلى الرحمن على ما قبله. قوله: (ثقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ) به مع سابقه حصل الطباق والسجع المستعذب وسئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال إن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها فإنها ثقيلة في الميزان والسيئة العكس فلا يحملنك خفتها على ارتكابها وفي الحديث إثبات الميزان وهو مما يجب الإيمان به. قوله: (حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمنِ) لما لهما من المزية فباعتبارهما وصفتا بذلك وإلَّا فجميع الذكر محبوب إلى الرحمن تعالى وفي التعبير بالرحمن إيماء إلى إن الثواب من رحمة الرحمن وأنه لا يجب عليه إثابة مطيع ولا تعذيب عاص. قوله: (سبْحانَ الله وَبِحمْدِهِ) معنى سبحان الله تنزيهه عما لا يليق به من كل نقص وسبحان منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره سبحت الله ولا يستعمل غالباً إلَاّ مضافاً وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والمشهور الأول وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله:

*سبحانه ثم سبحانا انزهه*

وقوله الآخر:

*سبحان من علقمة الفاخر*

ثم لا منافاة بين إضافته وكونه علماً للتسبيح لأنه ينكر ثم يضاف كما في قول الشاعر:

*علا زيدنا يوم اللقا رأس زيدكم*

أشار إليه الكرماني والواو في وبحمده للحال ومتعلق الظرف محذوف أي أسبحه

ص: 178

آخر شيء في صحيح البخاري.

ــ

متلبساً بحمدي له من أجل توفيقه لي وقيل عاطفة لجملة على جملة أي أنزهه وألتبس بحمده وقيل زائدة أي أسبحه مع ملابسة حمدي له وسيأتي زيادة إيضاح في إعرابه وقدم التسبيح على التحميد لأنه تنزيه عن صفات النقص والحمد ثناء بصفات الكمال والتخلية مقدمة على التحلية قال الكرماني التسبيح إشارة إلى الصفات السلبية والحمد إشارة إلى الصفات الوجودية، ثم قيل سبحان الله إلخ مبتدأ خبره مقدم عليه هو كلمتان إلخ وما بينهما صفة الخبر وقدم الخبر لما تقدمت الإشارة إليه من تشويق السامع إلى المبتدأ كقول الشاعر:

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحا وأبو إسحاق والقمر

وبعضهم جعل كلمتان مبتدأ وسبحان الله إلخ خبره قال لأن سبحان يلزم الإضافة إلى مفرد فيجري مجرى الظروف وهي لا تقع إلَاّ خبراً ورجحه المحقق ابن الهمام قال لأنه مؤخر لفظاً والأصل عدم مخالفة وضع الشيء محله بلا موجب ولأن سبحان الله إلخ محط الفائدة بنفسه بخلاف كلمتان فإنهما إنما يكونان محطا لها بواسطة صفاتها. قال الشيخ زكريا في شرح البخاري وللنظر في بعضه مجال والله أعلم. قوله: (آخر شيءٍ في صَحِيح البخَارِي) قال الحافظ وكذا ذكره البخاري أيضاً في الدعوات وفي الإيمان والنذور. وختم البخاري بهذا الحديث لأن التسبيح مشروع في الختام وقال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3] وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جلس في مجلس فأكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلَاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك وأيضاً ففي الحديث المذكور ما تقدم من أن الثواب من محض الإحسان ففيه

ص: 179

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أَلا أخْبِرُكَ بِأَحب الكَلامِ إلى اللهِ تَعالى؟ إن أَحَب الكَلَامِ إلى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ"

ــ

إيماء إلى أن المدار على رحمة الرحمن فينبغي للعبد الاعتماد عليها في كل شأن، مع أداء التكليف الشرعية قدر الإمكان.

قوله: (وَرَوَينَا فِي صَحيح مسلم إلخ) ورواه كذلك الترمذي والنسائي والحاكم قال الحافظ ووهم في استدراكه فإن مسلماً أخرجه ولعله قصد الزيادة التي في طريقه ولفظه فيها عن أبي ذر قلت يا رسول الله أخبرني أي الكلام أحب عند الله بأبي أنت وأمي قال ما اصطفى الله لعباده سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده هكذا ورد في طريق عبد الوهاب الحجبي الذي رواه الحاكم من طريقه بمعناه. قوله: (عَنْ أبي ذر) هو الغفاري واسمه جندب بضم الجيم والدال وبفتح ابن جنادة بضم الجيم على المشهور وقيل جندب بن عبد الله وقيل ابن السكن وقيل اسمه بربر بموحدتين وراءين مهملتين بوزن هدهد الغفاري وسيأتي في كتاب السلام من هذا الكتاب أنه برير مصغر البر الغفاري الحجازي من السابقين إلى الإسلام وأقام بمكة ثلاثين بين يوم وليلة وأسلم وهو رابع أربعة وقيل خامس أربعة ثم رجع إلى بلاد قومه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه حتى توفي صلى الله عليه وسلم روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائتا حديث وأحد وثمانون حديثاً اتفقا منها على اثني عشر وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بسبعة عشر روى عنه ابن عباس وآخرون توفي بالربذة بالراء ثم الموحدة ثم الذال المعجمة سنة اثنتين وثلاثين قال المدائني وصلى عليه ابن مسعود ثم قدم ابن مسعود المدينة فأقام

عشرة أيام ثم توفي رضي الله تعالى عنهما. قوله: (ألَا أُخْبِرُكَ بأحَبِّ الكَلَام إِلَى الله إلخ) في الرواية الثانية سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكلام أفضل إلخ قال المصنف في شرح مسلم هذا محمول على كلام الآدمي وإلا فالقرآن أفضل وقراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق أما المأثور في وقت أو نحو ذلك فالاشتغال به أفضل اهـ. قال الطيبي ثم هذا الحديث معارض بحديث "أفضل الذكر لا إله إلَاّ الله الخ" ويمكن أن يقال قول سبحان الله وبحمده مختصراً من الكلمات الأربع سبحان الله والحمد لله إلخ لأن معنى سبحان الله تنزيهه عما لا يليق بجلاله فيندرج فيه معنى لا إله إلَاّ الله وقوله وبحمده صريح في معنى الحمد لله لأن إضافته بمعنى اللام ويستلزم ذلك معنى الله أكبر لأنه إذا كان كل فضل وإفضال منه فلا أكبر منه ومع ذلك فليس التسبيح المدلول عليه بسبحان الله مثلاً أفضل من التهليل لأن التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولأن منطوق لا إله إلَاّ الله توحيد ومفهومه تنزيه وسبحان الله بالعكس فيكون لا إله إلَاّ الله أفضل لأنه يفيد التوحيد الذي عليه المدار بالتصريح والتوحيد أصل التنزيه ينشأ عنه اهـ، وجمع القرطبي بأن هذه الأحاديث إذا أطلق في بعضها أنه أفضل الكلام أو أحب الكلام فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها الأربع بدليل حديث سمرة أحب الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت الحديث ويحتمل أنه يجمع بأن من مضمرة في قوله أفضل الكلام لا إله إلَاّ الله وفي قوله أحب الكلام سبحان الله بناء على تساوي لفظي أحب وأفضل ومع ذلك فالظاهر تفضيل لا إله إلاّ الله لأنها ذكرت بانفرادها بالأفضلية الصريحة ومع إخوانها بالأحببة فحصل لها الأفضلية صريحاً والأحببة انضماماً كذا في لفظ اللآلي والدرر من شرح البخاري لابن حجر للشيخ ابن العز الحجازي وفيما نقله عن القرطبي ما لا يخفى إذ لا يلزم من الحكم بالأفضلية للمجموع تساوي الأفراد فيها بل يكون مع التفاوت وهذا كما يقال أفضل العلماء فلان وفلان ويكون احدهما أفضل من المذكور معه فيكون ما في الخبرين من ذلك ولعل الجمع إن اختلاف الوصف بالأفضلية باعتبار الملاحظة فأفضلية لا إله إلَاّ الله لدلالتها على إثبات

ص: 181

وفي رواية: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الكلام أفضلُ؟ قالَ: ما اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ أوْ لعبادِهِ:

سبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ".

وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً

ــ

الوحدانية صريحاً وعلى ذلك المدار ولذا وصفت به صريحاً وأفضلية سبحان الله وبحمده لدخول معاني الكلمات الأربع تحته إما بالتصريح أو بالاستلزام على ما تقدم وبه يعلم أنه لا يحتاج إلى تقدير من لما تقرر والله أعلم وألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام أداة استفتاح وسيأتي الكلام عليها في حديث إلا أخبركم بخير أعمالكم. قوله: (وفِي رِواية لمسلم) ورواه الترمذي ولفظه كما سيأتي سبحان ربي وبحمده سبحان ربي وبحمده وسبق أنه كذلك عند الحجبي الذي روى الحاكم الحديث من طريقه ثم الحديث على هذه الرواية من حديث أبي ذر أيضاً. قوله: (مَا اصْطَفَى) أي ما اصطفاه الله فالعائد محذوف وفي نسخة اصطفاه بإثباتها ويجوز كون ما مصدرية أي مصطفى الله أي مختاره من الذكر لمن ذكر. قوله: (لِمَلَائِكَتِهِ أوْ لِعبَادِهِ) ووقع في المشكاة إسقاط أو لعباده والاقتصار على "لملائكته" وعزاه لمسلم والذي فيه كما عزاه المصنف لملائكته أو لعباده قال ابن حجر في شرح المشكاة ومن ثم افتخروا به على آدم فقالوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30] اهـ. قال العاقولي في شرح المصابيح وإنما كان أفضل

الكلام لأنه متضمن للتنزيه ومنه نفى الشريك فيكون متضمناً لكلمة التوحيد اهـ.

قوله: (وَرَوَيْنا فِي صَحيح مسلم) قال في شرح سلاح المؤمن بعد إيراده ما لفظه مختصراً خرجه مسلم والنسائي وابن ماجة زاد النسائي وهو من القرآن اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة أفراد الكلمات الثلاث الأول في القرآن اهـ، وحينئذٍ فمعنى قوله وهو من القرآن البعض باللفظ والمعنى والبعض بالمعنى ثم الذي في الإذكار والسلاح وغيرهما من رواية مسلم أحب الكلام إلخ

ص: 182

عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحَب الكلامِ إلى اللهِ تَعالى أرْبَع:

ــ

فقط ثم قال بعد سوق الروايتين كما ذكر رواه مسلم ثم أشار الحافظ إلى أن في سند الحديث عند مسلم لطيفة توالى ثلاثة من التابعين منصور أي ابن المعتمر عن هلال بن يسار عن الربيع بن عميلة وأشار أيضاً إلى أن الحديث أخرجه الإمام أحمد وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء من طريق أخرى بمثله لكن قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَاّ الله والله أكبر قال الحافظ وقد صحح ابن حبان الروايتين أي التي في الأصل وهذه والله أعلم. قوله: (عَنْ سَمُرةَ بن جُنْدَب) بضم الجيم وفي دال جندب الفتح والكسر وهو الصحابي الفزاري توفي أبوه وهو صغير فقدمت به أمه المدينة فتزوجها أنصاري وكان في حجره حتى كبر قيل أجازه النبي صلى الله عليه وسلم في المقاتلة يوم أحد وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم وسلم غزوات ثم سكن البصرة وكان زياد يستخلفه عليها إذا سار إلى الكوفة وعلى الكوفة إذا سار إلى البصرة وكان شديداً على الخوارج ولذا تبغضه الحرورية روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وثلاثة وعشرون حديثاً اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بأربعة توفي بالبصرة سنة تسع وقيل ثمان وخمسين وقيل غير ذلك وفي الصحيحين عن سمرة قال لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا إن ها هنا رجالاً هم أسن مني. ثم اعلم إن الحديث كما خرجه عن سمرة من ذكر أولاً خرج من حديث أبي هريرة أيضاً رواه النسائي وابن حبان كما في الترغيب للمنذري. قوله: (أحَب الكلَام إلَى الله أَرْبَع) لا معارضة بين هذا الخبر وبين ما قبله لأن ما في هذا الحديث بين الكلمات مندرج في تلك الكلمة سبحان الله والحمد لله بالتصريح ولا إله إلَاّ الله والله أكبر بطريق الالتزام ولا يلزم منه

ص: 183

سبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ لِلهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، وَاللهُ أكْبَرُ، لا

يَضُركَ بأيهِنَّ بَدأتَ".

ــ

أفضلية سبحان الله وبحمده على لا إله إلَاّ الله لما سبق إن مفاد لا إله إلَاّ الله صريح التوحيد الذي عليه المدار وسبحان الله مستلزمة وما أفاد بالمقصود الصريح أبلغ مما أفاد بالمفهوم، نعم سبحان الله أبلغ في الدلالة عن التنزيه من لا إله إلَاّ الله لأنها وإن دلت عليه إذ يلزم من إثبات الألوهية انتفاء سائر النقائص وهو معنى التسبيح إلَاّ أنه بطريق الالتزام وسبحان الله يدل عليه بالتصريح التام وسيأتي في شرح حديث أبي مالك بيان أفضل هذه الكلمات. قوله:(والحمدُ لله) أي كل حمد أو حقيقة الحمد أو الحمد المعهود أي الذي حمد به نفسه وحمده به أنبياؤه وأولياؤه مملوك أو مستحق له وقرن باسم الذات إعلاماً بأنه مستحقه للذات قال بعضهم وهو أفضل من التسبيح لأن فيه إثبات سائر صفات الكمال وفي التسبيح تنزيهه عن سائر النقائص ولإثبات أكمل اهـ. وعلى هذا فقدم التسبيح على الحمد لأنه من باب التخلية والحمد من باب التحلية ولأول مقدم كما تقدم

والله أعلم. قوله: (ولا إله إلَاّ الله) وتقدم معناها وهي أفضل الذكر ففي الحديث لا إله إلَاّ الله أفضل الذكر وفي حديث البطاقة المشهور عند أحمد والنسائي والترمذي إن لا إله إلَاّ الله لا يقوم لها شيء في الميزان وعند أحمد لو إن السموات السبع وعامرهن والأرضين السبع في كفة ولا إله إلَاّ الله في كفة مالت بهن ولا يحصل الإيمان للقادر على النطق إلَاّ بالتلفظ مع التصديق الجناني وقيل يحصل بالتصديق فقط وهو عاص بترك اللفظ وضعف وقد نقل المصنف الإجماع على عدم نفع التصديق الجناني لمن تمكن من النطق بالشهادتين ولم يأتِ بهما ومات كذلك. قوله: (والله أكبر) أي أجل وأعظم من كل ما عداه وحذف العمول للتعميم ولتلاشي الأكوان في مقام ذكره. قوله: (لا يضرك بأَيهن بدأتَ) لحصول أصل المعنى المقصود مع البداءة بهن لاستقلال كل منها وأما كماله فإنما يحصل بترتيبها

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كما ذكرت في الخبر، كان اللائق بالذكر أولاً نفي النقائص عن ذاته المدلول عليه بسبحان الله ثم إثبات الكمالات مع التنبيه على معنى الفضل والإفضال من الصفات الذاتية والإضافية المدلول عليه بالحمد ثم إثبات الألوهية له تعالى ونفيها عما سواه ففيه توحيد الذات ونفي الضد والند والتبرئ من الحول والقوة والإثبات المذكور مدلول عليه بكلمة التوحيد ثم إثبات الكبرياء له تعالى والاعتراف بالعجز عن القيام بما يليق به من الثناء لعجز سائر الخلق عن ذلك قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وكل من هذه المدلولات لازم رعايته يما قبله، وقال ابن مالك المعنى إن بدأ بأي شيء منها جاز وهذا يدل على إن كلا منها جملة مستقلة ولا يجب ذكرها على نمطها المذكور لكن مراعاته أولى لأن المتدرج في المعارف يعرفه أولاً بنعوت جلاله وتنزيهاته عما يوجب نقصاً ثم بصفات كماله وهي الصفات الثبوتية التي بها يستحق الحمد ثم يعلم إن من هذا صفته لا مماثل له ولا يستحق الألوهية غيره فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه وهو كلام حسن المبدأ والمنتهى اهـ، وهذه الكلمات الأربع هي الباقيات الصالحات المذكورة في الآية كما رواه النسائي من جملة حديث والحاكم عن أبي هريرة وفي السلاح عن أبي سعيد الخدري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هن قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله اهـ. أي لما تقرر من جمعها للمعارف الإلهية والمقامات السلوكية من سلب النقائص المستلزم إثبات الكمالات المستلزم إثبات التوحيد المستلزم إثبات الكبرياء المستلزم الاعتراف بالعجز وزاد بعضهم عليها لا حول ولا قوة إلَاّ بالله لدال على الاعتراف بالعجز والتبري من الحول والقوة. وقد وردت في حديث أبي سعيد وحكمة تسميتها الباقيات مع بقاء

ص: 185

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

جميع أعمال الآخرة مقابلتها للفانيات الفاسدات في قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 45] من المال والبنين ولذا قال تعالى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46].

قوله: (وروينا في صحيح مسلم) واللفظ له ورواه الترمذي أيضاً وفي رواية له والتسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض والصوم نصف الصبر وزاد في رواية

أخري ولا إله إلَاّ الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه كذا في السلاح ثم ما أورده المصنف بعض حديث مسلم، وباقيه والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، وأخرج الحديث أحمد والنسائي ووقع عند ابن ماجة وابن حبان إلى قوله والصبر ضياء دون ما بعده وقالا سبحان الله بدل لا إله إلَاّ الله قال الحافظ وقع في رواية جميع من تقدم عن أبي مالك الأشعري إلا الترمذي فوقع في روايته عن الحارث بن الحارث الأشعري فإن كان محفوظاً فالحديث من سند الحارث وهو يكنى أبا مالك وفي الصحابة من الأشعريين ممن يكنى أبا مالك كعب بن عاصم وآخر اسمه عبيد وآخر مشهور بكنيته وقد جعل صاحب الأطراف هذا الحديث من روايته وما وقع عند الترمذي يأبى ذلك اهـ، وسيأتي لهذا مزيد في باب ما يقول الرجل إذا دخل بيته إن شاء الله تعالى. قوله:(عن أبي مالك الأشعري) اختلف في اسمه على عشرة أقوال فقيل كعب بن مالك وقيل كعب وقيل عاصم وقيل عبيد وقيل عمر وقيل الحارث قدم في السفينة مع الأشعريين على النبي صلى الله عليه وسلم يعد في الشاميين

ص: 186

"الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ،

ــ

توفي في خلافة عمر رضي الله عنه بطعن هو ومعاذ وأبو عبيدة وشرحبيل في يوم واحد روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وعشرون حديثاً روي عنه مسلم حديثين هذا أحدهما والثاني أربع من أمر الجاهلية وروي البخاري عنه على الشك فقال عن أبي مالك أو أبي عامر وروي عنه أصحاب الأربعة. قوله: (الطّهور شطر الإيمان) الطهور بالضم على المختار وهو قول الأكثر كما قاله المصنف وبه يندفع قول القرطبي لم يرو إلاّ بالفتح، وبالفتح للمبالغة أو اسم الآلة التي يتطهر بها ويمكن حمله على ما يوافق رواية الضم إما إنهما مصدران بمعنى واحد وعليه الخليل أو أنه مراد به غير معناه المذكور من المبالغة واسم الآلة بل المراد به ما يوافق معنى المضموم من الاستعمال فيتحد معنى الروايتين أو إن فيه على رواية الفتح مضافاً أي استعمال الطهور والمراد به الفعل وهو كالطهارة مصدران من طهر بفتح هائه وضمها يطهر بالضم لا غير لغة النزاهة وشرعاً فعل ما يترتب عليه إباحة أو ثواب مجرد فالأول كالوضوء عن الحدث والثاني كالوضوء المجدد والمراد بالإيمان هنا حقيقته المركب من التصديق الجناني والإقرار اللساني والعمل الأركاني وهو كذلك وإن كثرت خصاله إلاّ أنها منحصرة فيما ينبغي التنزه عنه وهو كل منهي عنه ويطلب التلبس به وهو كل مأمور به فهو شطران والطهارة بالمعنى اللغوي شاملة لجميع الشطر الأول فالخبر نظير خبر الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر أو الصلاة كما في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143 - 143] أي صلاتكم لبيت المقدس والمراد بالطهور فيه الوضوء وهو لافتقار الصلاة إليه لكونه شرطها فكان لها كالشطر قال المصنف وهذا أقرب الأقوال واعترض بأن الشرط ليس بشطر لغة ولا اصطلاحاً ورد

ص: 187

والحمْدُ لِلهِ تَمْلأُ المِيزَانَ،

ــ

بأنه لم يدع أن الشرط شطر إنما قال أنه كالشطر وهو وإن لزم عليه إن فيه تجوزاً في قصر الإيمان على الصلاة وإخراج الشطر عن حقيقته إلى معنى المماثل للشطر لا يبعد اختياره لتعذر الحقيقة باعتبار القواعد والاستقراء وبه يجاب عما قيل أنه من قصر العام على بعض أفراده وهو لا يجوز إلَاّ بدليل واستعمال الشطر في غير النصف الحقيقي شائع وحكمة التعبير به الإشارة إلى الفخامة والشرف والطهر حقيق بذلك إذ طهر الظاهر، برفع الحدث والخبث حتى يتأهل

العبد للوقوف بين يدي الله تعالى والشروع في مناجاته، مؤذن غالباً يطهر الباطن من خبائث ذنوبه بالتوبة المؤذنة بفتح باب السلوك إلى الله تعالى ومن ثم مدح الله تعالى كلا منهما وأثبت له محبة مخصوصة بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} [البقرة: 222] ولا يشكل على ما ذكر من إخراج الشطر عن معنى النصف حديث أحمد والطهور نصف الإيمان لأن النصف يأتي أيضاً بمعنى الصنف ومنه عند جماعة حديث تعلموا الفرائض فإنها نصف العلم كقول الشاعر: {}

إذا مت كان الناس نصفان شامت

وآخر مثن بالذي كنت أفعل

وأما حمل بعضهم الخبر على أن المراد الطهور كالإيمان في تكفير ما فعل من العصيان فمردود بأنه حينئذٍ مثله لا شطره على أن الصلاة ونحوها مثله في ذلك فلا خصوصية له. قوله: (والحمد لله تملأ الميزان) بالتحتية والفوقية أي يملأ ثوابها لو قدر جسماً أو هي لو جسمت باعتبار ثوابها أي ثواب التلفظ بها مع استحضار معناها أي من الثناء بالجميل الاختياري إلخ والإذعان له والميزان الذي يقع به وزن الأعمال إما بأن يجسم أو توزن صحف الأعمال فتطيش بالسيئة وتثقل بالحسنة حقيقة يوم القيامة دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] والآيات والسنة كثيرة فيما ذكره ومخالفة المعتزلة في إثبات حقيقة الميزان

ص: 188

وَسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ

تَمْلآنِ -أَو تَمْلأُ- ما بَيْنَ السمواتِ والأرضِ".

ــ

وحمله على أنه مجاز عن إقامة العدل في الحساب كنظائره نشأ عن تحكيم عقولهم الفاسدة ونظرهم لأنظارهم الكاسدة وإنما ملأ ثواب هذه الجملة كفة الميزان مع سعتها المفرطة لأن حمده تعالى فيه إثبات لسائر صفات كماله فبسبب ذلك عظم ثوابه حتى ملأ الميزان ثم هل الثواب المذكور على خصوص هذه الجملة لأنها أفضل صيغ الحمد ولذا وردت في الكتاب والسنة أو المراد هي وما ماثلها مما أفاد الحمد تردد فيه بعض المحققين وظاهر كلامه الميل إلى الثاني وزعم إن المراد بالحمد لله هو سورة الفاتحة مردود بدليل السياق. قوله: (وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ) شك من الراوي هل هو بضمير التثنية لتعدد الجملتين أو بالإفراد باعتبار الجملة أو المذكور ثم كل منهما بالفوقية باعتبار الجملة وبالتحتية فالأولى باعتبار أنهما جملتان والثانية باعتبار اللفظ أي هذا اللفظ المشتمل على الجملتين واقتصر العاقولي على قوله تروى بالمثناة الفوقية. قوله: (ما بين السماوات والأرض) كذا هو في الكتب الحديثية السموات بالجمع ورأيته في سلاح المؤمن السماء بالإفراد وعزاه إلى رواية مسلم والترمذي والذي في أصلي من مسلم كما في كثير من الكتب الحديثية بالجمع والأرض في هذا الخبر مروي به بالإفراد والمراد به الجمع أي الأرضين جرياً على وزان الآيات القرآنية وحكمته الإشارة إلى شرف السماء على الأرض كما هو الأصح عند الجمهور لعدم العصيان فيها أبدًا بناء على إباء إبليس من السجود كان في الأرض أو غالباً بناء على مقابله، وملأ ثواب ما ذكر ما بين السموات والأرض التي لا يحيط بسعتها إلَّا خالقها سبحانه لأن العبد إذا حمد الله مستحضراً معنى الحمد امتلأت ميزانه فإذا أضاف إليه سبحان الله الذي هو تنزيه الله أي

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اعتقاد تنزهه عما لا يليق به من الأوصاف ملأت حسناته ثوابه وزيادة على ذلك ما بين السماء والأرض إذ الميزان مملوء بثواب التحميد فهذه الزيادة ثواب التسبيح وثواب الحمد من ملئه للميزان باقٍ بحاله على كل من اللفظين المشكوك فيهما وهل المراد أنهما معاً يملآن ما

بينهما أو كل منهما يملؤه هذا محتمل كذا في شرح الأربعين لابن حجر وفي شرحه على المشكاة وفي ملئهما لهذه الاجرام أظهر دلالة على عظم فضلهما وعلى إن الحمد لله أفضل من سبحان الله لأنها خصت بملء الميزان ثم شوركت مع سبحان الله في ملء ما ذكر أيضاً اهـ، وبه يعلم إن قوله فهذه الزيادة ثواب التسبيح أي مع الحمد لا على الانفراد كما يوهمه كلامه الأول ثم قد تضمنت الأحاديث فضل الكلمات الأربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَاّ الله والله أكبر قال ابن حجر في شرح الأربعين فأما الحمد فقد اتفقت الروايات على أنها تملأ الميزان فهو أفضل من التسبيح وسره إن في الحمد إثبات سائر صفات الكمال وفي التسبيح تنزيهه عن صفات النقص والإثبات أكمل من السلب واعلم أن الميزان أوسع مما بين السماء والأرض فما يملؤه أكثر مما يملؤهما وبه يعلم إن الحمد لله أكثر ثوابًا من لا إله إلَاّ الله لما تقرر إن الحمد يملأ الميزان وانه أكثر مما يملأ السماء والأرض ومع ذلك لا إله إلَاّ الله لا تملؤه إلَاّ مع ضم الله أكبر إليها وقد حكى ابن عبد البر وغيره خلافاً في ذلك قال ابن عبد البر قال النخعي إن الحمد لله أكثر الكلام تضعيفاً وقال الثوري ليس يضاعف من الكلام مثل الحمد لله وروى أحمد إن الله اصطفى من الكلام أربعاً سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَاّ الله والله أكبر وإن في كل من الثلاثة عشرين حسنة وحط عشرين سيئة وفي الحمد لله ثلاثين حسنة اهـ، وأشار بقوله ولا إله إلاّ الله لا تملؤه إلَاّ بضم والله أكبر إليها إلى حديث ولا إله إلَاّ الله والله أكبر ملء السموات

ص: 190

وروينا فيه أيضاً

ــ

والأرض وما بينهن وإلى حديث آخر كلمتان إحداهما من قالها لم يكن لها نهاية دون العرش والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض لا إله إلَاّ الله والله أكبر وفي شرح المشكاة في حديث الترمذي وابن ماجة أفضل الذكر لا إله إلَاّ الله وأفضل الدعاء الحمد لله قيل الحمد لله أفضل لأنه جعلها أفضل العبادة وتلك إنما جعلت أفضل الذكر الذي هو نوع منها وأيضاً في حديث إن الحمد لله بثلاثين حسنة ولا إله إلَاّ الله بعشر حسنات وهو صريح في أفضلية الحمد لله وقيل الأفضل كلمة لا إله إلاّ الله لأنها كلمة النجاة المتكفلة بكل خير ديني ودنيوي وأيضاً هي أصل العبادات القولية والفعلية والأمر المبني عليها غيرها وهذا هو الصحيح الذي لا محيد عنه فيتعين أن يكون المراد من حديث وأفضل الدعاء ما ندب الشارع إلى بدئه وختمه به وهو الحمد لله وأفضل الدعاء أي العبادة لا إله إلَاّ الله الحمد لله وكونها بثلاثين حسنة لا يدل على أفضليتها لأن لا إله إلَاّ الله فيها من الفضائل والخصائص غير الحسنات ما ليس في الحمد لله اهـ. وقال الطيبي لا إله إلَاّ الله وهي الكلمة العليا وهي القطب الذي يدور عليها رحى الإسلام والقاعدة التي بني عليها أركان الدين وهو أعلى شعب الإيمان ثم قال ولا مر ما نجد العارفين وأرباب القلوب يستأثرونها على سائر الأذكار لما رأوا فيها من خواص ليس الطريق إلى معرفتها إلاّ الذوق والوجدان اهـ. وزعم الزمخشري إن التسبيح أفضل ورد بأن التفضيل أمر شرعي ولم يثبت في ذلك شيء وبأن التسبيح أمر سلبي والذكر أمر ثبوتي والوجود أشرف من العدم ولا يشكل على قوله ولم يثبت إلخ حديث لا إله إلَاّ الله بعشر حسنات وسبحان الله بثلاثين حسنة لما

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تقدم والله أعلم.

قوله: (وروينا فيه أيضاً) اعلم أن حديث جويرية رواه ما عدا البخاري من أصحاب الكتب الستة

كما قاله في السلاح وأخرجه الطبراني في كتاب الدعاء بنحوه كما أشار إليه الحافظ، وكلما أيضاً لا تستعمل إلَاّ مع شيئين بينهما توافق ويمكن استغناء كل منهما عن الآخر وهو مفعول مطلق حذف عامله وجوباً سماعاً أو حال حذف عاملها وصاحبها والتقدير على الأول أرجع إلى الرواية عنه رجوعاً وعلى الثاني أروى بما تقدم راجعاً إلى الرواية عنه ثانياً قال الجلال السيوطي توقف ابن هشام في عربيتها وظن أنها مولدة من استعمال الفقهاء وليس كما ظن فقد ثبت في الكلام الفصيح روى أحمد في مسنده عن أبي هريرة إن عمر وهو يخطب يوم الجمعة جاء رجل فقال عمر له تحبسون عن الصلاة فقال الرجل ما هو إلاّ إن سمعت النداء فتوضأت فقال أيضاً وفي لفظ الوضوء أيضاً وهو في الصحيح من حديث ابن عمر عن عمر اهـ. قلت في صحيح البخاري عن عمر والوضوء أيضاً أخرجه في باب غسل الجمعة وقد ظفرت بأنه صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك في الصحيحين وأخرج البخاري في كتاب الجهاد في باب بيعة الرضوان حديث سلمة بن الأكوع قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل الشجرة فلما خف الناس قال يا ابن الأكوع ألا تبايع قلت قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأيضاً الحديث وأخرج البخاري في كتاب الفضائل في فضل هند بنت عتبة بن ربيعة زوج أبي سفيان وأخرجه في غير كتاب الفضائل أيضاً ومسلم في صحيحه عن عائشة قالت جاءت هند بنت عتبة فقالت يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من خباء أحب إليَّ أن يذلوا من أهل خبائك ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك فقال لها صلى الله عليه وسلم وأيضاً والذي نفسي بيده أي ليزيد الإيمان في قلبك وترسخ المحبة عندك أيضاً اهـ.

ص: 192

عن جُوَيريةَ أم المؤمنين رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من

عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي

ــ

قوله: (عن جويرية) بالجيم المضمومة فالواو المفتوحة ثم التحتية الساكنة ثم الراء المهملة ثم ياء تحتية مشددة ثم هاء. قوله: (أُم المؤْمنين) وهي بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع وهي غزوة بني المصطلق في السنة الخامسة وقيل السادسة من الهجرة وكانت جويرية تحت صفوان ذي الشعرين فقتل يوم المريسيع وفي صحيح مسلم كان اسمها برة فحوله النبي صلى الله عليه وسلم جويرية وكان يكره إن يقال خرج من عند برة كما سيأتي في كتاب الأسماء ذكر ابن سعد إنها توفيت في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في خلافة معاوية وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذٍ والي المدينة وكان سنها لما تزوجها صلى الله عليه وسلم عشرين سنة وتوفيت عن خمس وستين سنة كذا أخرجه ابن سعد عن مولاة جويرية عنها وخبر تزوجه بها مذكور في التهذيب للمصنف وغيره حاصله عن عائشة أنها استعانته في كتابتها مع من وقعت في سهمه وهو ثابت بن قيس وكانت امرأة ملاحة فقال أو خير من ذلك أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت نعم ففعل فبلغ الناس ذلك فقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق فلقد أعتق بها مائة بيت من بني المصطلق قالت عائشة فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها وروى عنها ابن عباس ومولاه كريب وآخرون روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أحاديث انفرد البخاري منها بحديث واحد ومسلم بحديثين. قوله: (بُكرةً) بالتنوين لأن المراد منه بكرة يوم من الأيام والبكرة أول النهار من الفجر على الصحيح من قبل طلوع الشمس. قوله: (حين صلى الصبح) أي حين أراد صلاة

ص: 193

في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة فيه،

فقالَ: ما زِلْتِ اليَوْمَ على الحالَةِ التي فارَقْتُكِ علَيها؟ قالت: نعم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أربَعَ كَلماتٍ ثلاثَ مرَّاتٍ لو وُزِنَت بِما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْم لَوَرنَتْهُن:

ــ

الصبح. قوله: (في مَسجدِها) قال العاقولي أي موضعها المعد للصلاة من بيتها اهـ. قال ابن حجر

وهو بفتح الجيم مصلاها وغلب السجود لأنه أشرف الأركان مطلقاً وبعد القيام. قوله: (أَضْحَى) أي دخل في الضحا فالفعل تام والضحا ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح ووقع عند الطبراني ثم رجع بعد ما ارتفع وانتصف النهار وهي كذلك. قوله: (بعدكِ) أي بعد مفارقتك. قوله: (أَربَعَ كلمَاتِ) قال العاقولي نصب على المصدر أي تكلمت يعني إن معنى قلت تكلمت فهو معنوي أي عامله من معناه لا من لفظه كقمت وقوفاً ويحتمل أنه جعله لفظياً بناءً على القول بأن العامل في المذكور محذوف ويكون قلت وتكلمت أربع كلمات. قوله: (منذُ اليومِ) بضم الميم وتكسر وهي هنا من حروف الجر أي في الوقت الحاضر هذا هو المختار ويجوز رفعه. قوله: (لَوَزَنَتْهُنَّ) أي عادلنهن كما هو المتبادر أو غلبتهن وزادت عليهن في الوزن كما يقال حاججته أي غلبته في الحجة ويؤيده أنه ورد عن الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد قلت بعدك كلمات ثلاث مرات هن أكثر وأرجح مما قلت وأعاد الضمير مجموعاً عليهن باعتبار معنى ما في قلت إذ هي واقعة على أذكار كثيرة جداً كما يدل عليه تحديدها الوقت المشغول جميعه بالذكر وفي حواشي سنن أبي داود للسيوطي "سئل" الشيخ عز الدين ابن عبد السلام عمن يأتي في التسبيح بلفظ يفيد عدداً كثيراً كقوله سبحان الله عدد

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خلقه أو عدد هذا الحصى وهو ألف هل يستوي أجره في ذلك وأجر من كرر التسبيح قدر ذلك العدد "فأجاب" قد يكون بعض الأذكار أفضل من بعض لعمومها وشمولها واشتمالها على جميع الأوصاف السلبية والذاتية والفعلية فتكون السلبية من هذا النوع أفضل من الكثير من غيره كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم سبحان الله عدد خلقه اهـ، وصريحه أن أجر التكرار إذا اتحد النوع أفضل ولا إشكال فيه بل غيره لا يظهر لئلا يلزم مساواة العمل القليل للعمل الأكثر مع التساوي في سائر الأوصاف وذلك مما يأباه قواعد الشرع الشريف وفي فتاوى الحافظ ابن حجر العسقلاني "سأل" المحقق الجلال المحلي عما ورد من نحو هذا الخبر من حديث صفية، فقال ما المراد منه حتى يرتفع فضل التسبيح الأقل زمناً على الأكثر زمناً "فأجاب " قد قيل في الجواب إن لألفاظ الخبر سرًّا يفضل به على لفظ غيره فمن ثم أطلق على اللفظ القليل أنه يشتمل على عدد لا يمكن حصره فما كان منها من الذكر بالنسبة إلى عدد ما ذكر في الخبر قليل جداً فكان أفضل من هذه الحيثية والله أعلم وفي شرح الحصين الحصين للحنفي واعلم إن قول سبحان الله وبحمده إذا كان مطلقاً محمول على أول مرتبة وهي الوحدة وإذا قيد بقولنا عدد خلقه كان هذا المجمل قائماً مقام المفصل فيقاربه ويساويه وكذا الحال في باقي الأحاديث "وسئل" الشيخ الإمام أحمد بن عبد العزيز النويري بما صورته هل الأفضل الإتيان بسبحان الله عشر مرات أو بقوله سبحان الله عدد خلقه مرة فأجاب الظاهر إن قوله سبحان الله عدد خلقه مرة أفضل ثم ساق أحاديث تشهد بذلك منها حديث الباب وما في معناه ثم قال وقد يكون العمل القليل أفضل من العمل الكثير كقصر الصلاة في السفر أي إذا زاد على ثلاث مراحل أفضل من الإتمام مع كون الإتمام أكثر عملاً لكن لو نذر إنسان أن يقول سبحان الله عشر مرات فقال سبحان الله عدد خلقه مرة فإنه لا يخرج عن عهدة نذره لأن العدد هنا مقصود وقد صرح إمام الحرمين أنه لو نذر أن يصلي ألف صلاة لا

ص: 195

سُبْحَانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ

ــ

يخرج عن

عهدة نذره بصلاة واحدة في الحرم المكي وإن كانت تعدلها من حيث الثواب ومثله ما في معناه من الأخبار كخبر سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن فلا يخرج عن عهدة نذره قراءته وفي الدر المنضود في الصلاة على صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم لابن حجر الهيتمي إن أبا المتطرف "سئل" عن كيفية قوله صلى الله عليه وسلم من صلى علي في يوم خمسين مرة صافحته يوم القيامة "فقال" إن صلى على سيدنا محمد خمسين مرة أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى وإن كرر ذلك بقدر العدد فهو أحسن اهـ، لكن توقف ابن عرفة المالكي في حصول الثواب بعدة ما ذكر وقال أنه يحصل له ثواب أكثر ممن صلى مرة لا ثواب ذلك العدد قال ويشهد لما ذكر حديث من قال سبحان الله عدد خلقه من حيث إن للتسبيح بهذا اللفظ مزية مالاً لم تكن له فائدة وقد شهد لإثابته بقدر ذلك العدد من طلق ثلاثاً فإنه يلزمه الأعداد الثلاثة نقله عنه تلميذه المحقق الآبي المالكي شارح صحيح مسلم وأنت خبير بأن خبر الباب شاهد بإثابته بقدر ذلك. قوله:(سُبْحانَ الله وبحمده) قال ابن هشام في المغني اختلف فيه فقيل جملة واحدة على أن الواو زائدة وقيل جملتان على أنها عاطفة ومتعلق الباء محذوف أي وبحمده سبحته وعلى كل من القولين يأتي الخلاف المتقدم في (وَسَبحْ بِحَمدِ رَبِّكَ)[طه: 130] من إن الباء للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول أو للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل اهـ، والمراد من الحمد لازمه مجازاً أي ما يوجب الحمد من التوفيق والهداية ويكون هذا من التعبير بالمسبب وهو الحمد عن السبب وهو التوفيق والهداية والإعانة ويجوز أن يكون الحمد مضافاً للمفعول ويكون معناه وسبحت بحمدي إياه قاله الكرماني. قوله:

ص: 196

عَدَدَ

خَلْقِهِ، وَرِضَى نَفْسِهِ،

ــ

(عَدَدَ خَلقِهِ) أي قدره فهو وما بعده منصوب على الظرفية قال الجلال السيوطي في حاشية سنن أبي داود ما لفظه "سئلت" قديماً عن إعراب هذه الألفاظ ووجه النصب فيها فأجبت بأنها منصوبة على الظرف بتقدير قدر وقد نص سيبويه على إن من المصادر التي تنصب على الظرف قولهم زنة الجبل ووزن الجبل اهـ، وألف فيه الجلال جزءاً لطيفاً سماه "رفع السنة عن نصب الزنة" وقيل بل على المصدرية وعليها فقدره بعضهم أعد تسبيحه وبحمده بعدد خلفه وبمقدار ما يرضاه إلخ، وقدره آخرون سبحته تسبيحاً يساوي خلقه عند التعداد وزنه عرشه ومداد كلماته في المقدار وموجب رضا نفسه قال ابن حجر في شرح المشكاة والأول أوضح اهـ، وفيه أن ما يناسب القول بأن النصب على نزع الخافض الذي بدأ به في المرقاة وقدره الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عدداً كعدد خلقه اهـ. قال العاقولي وذكر العدد مجاز للمبالغة لأنها لا تحصر بعد اهـ، وسيأتي له مزيد. قوله:(ورِضَا نفسِهِ) أي ذاته المقدس لتعاليه تعالى عن النفس وقوله تعالى: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] من باب المقابلة والمشاكلة لاستحالة النفس عليه تعالى كذا في شرح المشكاة لابن حجر وصريحه منع إطلاقها عليه تعالى في غير المشاكلة وأجازه آخرون لوجوده مع فقد المشاكلة كما في خبر الباب وخبر سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وفي الحرز لعل وجه المنع أنه مأخوذ من النفس وهو تعالى منزه عنه والأظهر أنه مأخوذ من النفس فيجوز إطلاقه عليه بهذا المعنى اهـ، وهذا بناء على مذهب الباقلاني من جواز ما صح وصفه به مما لا يوهم نقصاً وإن لم يأت به توقيف والصحيح امتناعه قبله ولو استدل لجواز الإطلاق بوروده لا على سبيل المشاكلة فيما ذكر من الخبر

الصحيح وأمثاله لكان أولى والله أعلم، وما ورد من إطلاق لفظ النفس عليه تعالى

ص: 197

وَزِنَةَ عَرشِهِ،

ــ

فالمراد بها فيه الذات قال الراغب في مفرداته في قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ} [آل عمران: 30] أي ذاته وقال ابن الجوزي والنفس تطلق بمعنى الذات وهو المراد في الحديث أي حديث من ذكرني في نفسه الحديث وفي تفسير القاضي وقوله في نفسك للمشاكلة وقيل المراد به الذات وفي "فتح الرحمن في كشف ما يلبس من القرآن" للشيخ زكريا الأنصاري "إن قيل" كيف قال عيسى ذلك مع إن كل ذي نفس جسم فهو ذو جسم لأن النفس جوهر قائم بذاته متعلق بالجسم تعلق التدبير والله منزه عن ذلك "قلت" النفس كما تطلق على ذلك تطلق على ذات الشيء وحقيقته كما يقال نفس الذهب والفضة محبوبة أي ذاتهما والمراد هنا الثاني اهـ، فتحصل من ذلك حمل ما ورد من النفس في حقه تعالى على معنى الذات لكن قال ابن اللبان الشاذلي في كتابه "إزالة الشبهات" في الآية المذكورة قد أولها العلماء بتأويلات منها إن النفس عبّر بها عن الذات والهوية وهذا وإن كان سائغاً في اللغة ولكن تعدى الفعل إليها بواسطة في المفيدة للظرفية محال لأن الظرفية يلزمها التركيب في ذاته وأولها بعضهم بالغيب أي ولا أعلم ما في غيبك وسرك وهذا أحسن لقوله آخر الآية:{إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)} [المائدة: 109] اهـ، وأنت خبير إن صرفها عن معنى الذات لما ذكر في الآية إنما يجري فيما أشبهه قال ابن حجر في شرح المشكاة وكان القياس ورضاه فذكر النفس المراد بها الذات تأكيداً أي يقتضي التسبيح والحمد، أي كل منهما لكماله والإخلاص فيه، رضا ذاته أو يكون بما يرتضيه لنفسه أو بمقدار ما يرضاه ولا يرضى إلَاّ بما هو خالص لوجهه وعليه ففي ذكر النفس الإشارة إلى الإخلاص وأنه لا يحصل ثواب الذكر بل سائر الأعمال إلاّ ما ابتغى بها وجه الله سبحانه وتعالى اهـ. قوله:(وَزنَة عَرْشه) في كشف المشكل لابن الجوزي هو من الوزن والمقابلة بالثقل وكون كل من التسبيح والحمد ليس له وزانة والعرش جسم له ثقل يجاب بأن الخبر يحتمل

ص: 198

ومِدَادَ كَلِماتِهِ"

ــ

أمرين أحدهما إن تكون الإشارة إلى إن الصحف التي يكتب فيها التسبيح والتحميد تجمع حتى توازن العرش والثاني إن يراد بذلك الكثرة والعظمة فشبهت بأعظم المخلوقات اهـ. قوله: (ومِدَادَ كَلِمَاته) المداد بكسر الميم كالمد مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء يقال مددت الشيء أمده ويحتمل أن يكون جمع مد بالضم مكيال معروف فإنه يجمع على مداد، وكلمات الله تعالى قيل كلامه القديم المنزه عن أوصاف الكلام الحادث قال تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109] الآية وقيل علمه وقيل القرآن، ومعناه قيل مثلها في العدد وقيل مثلها في عدم التقدير وقيل في الكثرة أي يكون كل من التسبيح والتحميد مثلها بمقدار هذه وقيل عددها لو فرض حصرها فذكر القدر أو العدد فيها مجاز مبالغة في الكثرة وإلاّ فهي لا تعد ولا تحصى ولذا ختم بها إشارة إلى أن تسبيحه وحمده لا يحدان بعدد ولا مقدار قال ابن حجر في شرح المشكاة ولعل هذا مراد النووي بقوله فيه ترق لكن لا يتم ذلك في الكل لأن رضا نفسه أبلغ من زنة عرشه كما هو ظاهر اهـ، والمراد المبالغة في الكثرة لأنه ذكر ما لا يحصره العد الكثير من عد الخلق ثم زنة العرش ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك وعبّر بقوله ومداد كلماته أي مما لا يحصيه عدد كما لا تحصى كلمات الله وصرح في الأولى بالعدد وفي الثانية بالزنة ولم يصرح بواحد منهما في الثانية

والرابعة إيذاناً بأنهما لا يدخلان في جنس المعدود والموزون ولا يحصر بهما المقدار لا حقيقة ولا مجازاً فيحصل الترقي من عدد الخلق إلى رضا النفس ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات وقال القرطبي في المفهم إنما ذكر صلى الله عليه وسلم هذه الأمور على جهة الإعياء والكثرة التي لا تنحصر منبهاً على إن الذاكر لله تعالى بهذه الكلمات ينبغي له أن يكون بحيث لو تمكن من تسبيح الله

ص: 199

وفي رواية: "سُبْحانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ".

وروينا في "كتاب الترمذي" ولفظه: "أَلا أعَلمُكِ كلماتِ تَقُولينها: سُبْحانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ عدَدَ خَلْقِهِ، سبْحانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سبْحَانَ اللهِ رِضَى نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ".

وروينا في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى

ــ

وتحميده وتعظيمه عدداً لا يتناهى ولا ينحصر لفعل ذلك فيحصل له من الثواب ما لا يدخل في حساب. قوله: (وفي روايةٍ) هي لمسلم أيضاً كما في السلاح واستغنى المصنف عن التعيين لأنه لم يخرج الحديث إلَاّ من طريقه وسبق منه أول الكتاب في الفصول أنه إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفى بالعزو إليهما عن باقي المخرجين ورواه بلفظ هذه رواية النسائي وزاد في آخره والحمد لله كذلك وفي رواية النسائي سبحان الله وبحمده ولا إله إلَاّ الله والله أكبر عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.

قوله: (ورويْناه في كتاب الترمذي إلخ) ولفظه إن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي في مسجدها ثم مر بها في المسجد قريب نصف النهار وقال لها ما زلت على حالك فقالت نعم فقال صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك إلخ، يؤخذ تثليث الذكر المذكور من خبر جويرية برواياته لأن زيادة الثقة مقبولة قال الحافظ وللحديث شاهد من حديثي سعد بن أبي وقاص ذكره الشيخ فيما يأتي.

قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضاً)

ص: 200

الله عليه وسلم - "لأنْ أقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ والحمْدُ لِلَهِ، وَلا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ أَحَب إليَّ مِما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ".

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم"

ــ

ورواه النسائي أيضاً في السنن الكبرى قال في المرقاة ورواه الترمذي وابن أبي شيجة وأبو عوانة اهـ. قوله: (أَحَبّ إلي مِمَّا طلعت عليه الشمس) أي هذه الكلمات باعتبار ثوابها أحب إلي من الدنيا بأسرها لزوالها وفنائها قال القرطبي يحتمل أن يكون هذا على جهة الإعياء على طريقة العرب في ذلك ويحتمل أن يكون معناه أن تلك الأذكار أحب إليه من أن يكون له الدنيا فينفقها في وجوه البر والخير وإلَّا فالدنيا من حيث هي دنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة وكذا عند أنبيائه وأصفيائه فكيف يتوهم كونها أحب من الذكر حتى ينص على خلافه اهـ، بالمعنى وقال في باب الجهاد في قوله صلى الله عليه وسلم لغدوة أو روحة في سبيل الله تعالى خير من الدنيا وما فيها أي الثواب الحاصل على ذلك خير لصاحبه من الدنيا كلها لو جمعت له وهذا منه صلى الله عليه وسلم كقوله في الحديث الآخر وموضع قوس أحدكم أو سوطه في الجنة خير من الدنيا وما فيها باعتبار ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا وأما على التحقيق فلا تدخل الجنة مع الدنيا باعتبار ذلك تحت افعل إلا

كما يقال العسل أحلى من الخل اهـ. وفي شرح المشكاة وهذا نحو حديث ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها فخير وأحب ليس المراد بهما حقيقتهما اهـ.

قوله: (وروينا في صحيحي البُخارِي ومسلم) ورواه الترمذي والنسائي أيضاً كما في السلاح وأخرجه ابن ماجة أيضاً كما قال الحافظ وقال المنذري في الترغيب وقالا يعني النسائي والطبراني كن له عدل عشر رقاب أو ورقبة على الشك وقال الطبراني في بعض ألفاظه كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل من غير

ص: 201

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ لا إلهَ إِلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ،

ــ

شك اهـ .. قوله: (عن أبي أيوب الأنصاري) الخزرجي البخاري المدني الصحابي شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وشهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة مهاجراً وأقام عنده شهراً حتى بنيت مساكنه ومسجده روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وخمسون حديثاً اتفقا منها على سبعة وانفرد البخاري بحديث ومسلم بخمسة روى عنه البراء بن عازب وجابر بن سمرة وآخرون توفي بأرض الروم غازياً في سنة خمسين وقيل إحدى وقيل اثنتين وخمسين وقبره بالقسطنطينية. قوله: (من قال لا إله إلا الله إلخ) من فيه من ألفاظ العموم تقع في اللغة على الذكر والأنثى ويحتمل أن تكون من شرطية فيكون مبتدأ وخبر قال وجواب الشرط قوله كان كمن أعتق إلخ، وقال فعل ماض لفظاً مستقبل معنى ويحتمل أن تكون من موصولة وصلتها قال وما بعده وقوله كان كمن أعتق إلخ، خبر المبتدأ وقال معناه الاستقبال أيضاً والمعنى الذي يقول ذلك إلخ، وعلى الشرطية من يقل إلخ، كذا في شرح الأنوار السنية ثم ظاهر إطلاق الحديث كما قال المصنف في شرح مسلم أنه يحصل هذا الأجر المذكور في الحديث لمن قال هذا التهليل مائة مرة في يومه سواء قالها متوالية أم متفرقة في مجالس أم بعضها في أول النهار وبعضها في آخره لكن الأفضل أنه يأتي بها متوالية في أول النهار ليكون حرزاً له في جميع نهاره اهـ، وظاهر إن ما ذكره في المائة جار في العشرة التي في هذا الحديث. قوله:(وحده) حال مؤكدة وكذا قوله لا شريك له أي هو في ذاته منفرد في صفاته وأفعاله فوحده لتوحيد الذات وما بعده تأكيد لتوحيد الأفعال أي ليس له معين ولا ظهير ففيه الرد على نحو المعتزلة وقال في الحرز هو من باب التأسيس والمراد من قوله وحده أي منفرداً

ص: 202

لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُل

شَيءٍ قَديرٌ

ــ

بالذات ومن قوله لا شريك له أي في كمال الصفات وما اختاره الحنفي من كون كل منهما تأكيداً خلاف الأولى مع إمكان التأسيس على ما لا يخفى اهـ. وقال ابن العربي أتى به للإشارة إلى نفي الإعانة فإن العرب كانت تقول لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك اهـ، ثم وحده وإن كان معرفة لفظاً هو نكرة معنى إذ هو بمعنى منفرداً فلذا وقع حالاً وفي تحفة القاري على صحيح البخاري للشيخ زكريا الأنصاري في باب الدين النصيحة من كتاب الإيمان وحده حال بتأويله بنكرة أي واحداً أو مصدر وحد يحد كوجد يجد اهـ. قوله:(له الملك) أي الملك المطلق الحقيقي الدائم الذي لا انتهاء لوجوده له لا لغيره كما يؤذن به تقديم الظرف المؤخر رتبة لكونه معمول الخبر والميم في الملك مثلثة بمعنى واحد على ما رواه بعض البغداديين كذا في شرح العمدة للقلقشندي. قوله: (وله الحمد) أي الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم له لا لغيره وما وجد

منه لغيره فبطريق المجاز إذ لا نعمة بالحقيقة لغيره أصلاً كذا في فتح الإله وفيه إن الحمد لا يختص بالنعمة بل قد يكون لا فى مقابلتها إلا إن يقال وحمل ذلك على ما في مقابل النعمة ولا يخفى ما فيه. قوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1] قال في شرح المشكاة على كل شيء شاءه قدير فخرج المحال لذاته فإنه لا يتعلق به الإرادة فلا تتعلق به القدر وحاصله أن شيئاً هنا بمعنى مشيء اسم مفعول من شاء أي مراد وجوده فلا استثناء لأن الممتنع والواجب لا يحتملهما الشيء بهذا المعنى فلا حاجة إلى استثنائهما منه وقد أوضح هذا المقام القاضي البيضاوي فقال في سورة البقرة من تفسيره الشيء يختص بالموجود لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تاره أي مريد اسم فاعل وحينئذٍ فيتناول الباري تعالى كما قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19] وبمعنى مشيء أي اسم مفعول أي مشيء وجوده وما شاء الله وجوده فهو موجود في

ص: 203

عشر مرات، كان كمن أَعتقَ أربعة أنفسِ من ولد إسماعيل".

ــ

الجملة وعليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109] فهما على عمومهما بلا مثنوية أي استثناء والمعتزلة لما قالوا الشيء ما يصح إن يوجد وهو يعم الواجب والممكن أو ما يصح إن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضاً لزمهم التخصيص بالممكن في الموضعين بدليل العقل اهـ، أي لأن الواجب والمستحيل لا تتعلق بهما القدرة إذ لو تعلقت بهما لانقلبا من الممكنات وقد فرض خلافه هذا خلف والقدرة التمكن من إيجاد الشيء وقيل صفة تقتضي التمكن وقيل قدرة العبد هيئة بها يتمكن من الفعل وقدرة الله تعالى عبارة عن نفي العجز عنه والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل والقدير الفعال لما يشاء ولذا قل ما يوصف به غير البارئ تعالى قاله البيضاوي وقال الكواشي قدير أي فاعل لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة لا زائد ولا ناقص ولذا يمتنع وصف غير الله بالقدير ومقتدر قريب منه لكونه لا يوصف بالشيء واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل على مقدار قوته أو على ما تقتضيه مشيئته وفي قوله وهو على كل شيء قدير دليل على أن الممكن حال حدوثه وحال بقائه مقدوران وإن مقدور العبد مقدور لله تعالى لأنه شيء وكل شيء مقدور على كل شيء متعلق بقدير وموضعه نصب وجاز تقديمه مع أن معمول الصفة المشبهة لا يقدم عليها لكونه ظرفاً ومحل منع تقدمه إذا كان فاعلاً في المعنى قاله البدر بن مالك وغيره وعلى هذا التفصيل يحمل إطلاق قول والده وسبق ما تعمل فيه مجتنب. قوله:(عشر مرات) قال في الحرز هو أقل العدد الذي يجاوز عن حد الآحاد اهـ. قوله: (كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل) أي كان من قال الذكر المذكور كمن أعتق العدد المحصور من المذكور وولد يحتمل إن يكون بفتحتين أو بضمة فسكون وإسماعيل ويقال إسماعين بالنون محل اللام اسم أعجمي غير منصرف وجميع أسماء الأنبياء غير

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منصرفة إلا سبعة نظمتها في قولي:

منعوا أسامي الأنبياء جميعها

صرفاً سوى أسما أتاك نظامها

فمحمد وشعيب هود صالح

وعزيز نوح ثم لوط تمامها

وجميعها أعجمية قال أبو منصور الجواليقي إلَاّ أربعة آدم وصالح وشعيب ومحمد صلى الله عليه وسلم وقد

نظمتها أيضاً في قولي:

جميع أسامي الأنبيا أعجمية

عليهم صلاة الله ثم سلامه

سوى صالح مع آدم ومحمد

كذاك شعيب فاحفظا ذا تمامه

وفي شرح كشف المشكل لابن الجوزي وجه التخصيص بولد إسماعيل كونه أشرف العرب وهم أشرف من غيرهم وكذا قال ابن الجوزي في مفتاح الحصين قال في الحرز ولأنهم مشتركون معه في النسب والحسب اهـ، والمشاركة في النسب مسلمة وفي الحسب ممنوعة للأحاديث الصريحة وأين حسب بني هاشم في باقي قريش فضلاً عن باقي العرب ومن ثم صرحوا إن بني هاشم لا يكافئهم غيرهم من قريش سوى بني المطلب قال الحنفي ووجه التخصيص بالأربع لا يعلم إلا منه صلى الله عليه وسلم قيل ولعله أن فيه في الذكر المذكور إثبات أربع صفات ثبوت الإلهية في لا إله إلاّ الله والملك في. قوله:(له الملك) وسائر الثناء في قوله: (وله الحمد والقدرة) في قوله: (وهو على كل شيء قدير) وهذه وإن كان بعضها يلزم بعضاً إلَاّ أن المقام للإطناب والمراد أن لمن أتى بها الذكر من الثواب كثواب من أعتق أربعاً من الرقاب لكن في أصل الثواب لا في كماله المتضاعف لما علم من تشوف الشارع إلى العتق أكثر منه إلى غيره ويؤيده قاعدة النفع المتعدي والعمل الأشق على النفس الأصل والغالب بهما أن يكونا أفضل من غيرهما والعتق متعد وأشق بكثير فليكن له من مزية الزيادة في الثواب ما ليس لغيره وعلى هذا كما قال غير واحد يحمل ما ورد من أشباهه وهو كثير كحديث سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن بناء على أن المراد به أن يحصل لقارئها من الثواب ثواب قارئ الثلث غير مضاعف

ص: 205

وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءِ قدير

ــ

بخلاف قارئ الثلث فتضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى ما لا يعلمه إلَاّ الله وسيأتي لهذا المقام مزيد في كتاب تلاوة القرآن ثم في خبر الصحيحين كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل وفي رواية للطبراني وقد سبقت كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل وفي أخرى للطبراني ورواتها محتج بهم من حديث أبي أيوب من قال ذلك كان له كعدل محرر أو محررين وروى أحمد وابن حبان ومن قال لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمة كذا في الترغيب وزاد في عدة الحصين فعزى الحديث الأخير أيضاً إلى تخريج الحاكم في المستدرك ولا منافاة لاحتمال أن التفاوت في الثواب على حسب تفاوت حال الذاكر حضورًا وغيبة فمنهم من يثاب على ذلك كعتق عشرين من الرقاب ومنهم كثواب عتق أربع ومنهم كثواب أقل أو إن ذلك للجميع لكنه صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بأن فيه كعتق واحد أو اثنين أو أربع فأخبر به ثم أخبر بأنه كعدل عشر رقاب فأخبر به هذا كله بناء على اعتقاد مفهوم العدد والأصح عند الأصوليين عدمه وإن ذكر الأقل لا ينافي الأكثر ثم في هذا الخبر وما أشبهه جواز استرقاق كفار العرب قال المصنف في شرح مسلم في أول كتاب الجهاد في غزوة بني المصطلق وفيه جواز استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة وهذا قول الشافعي في الجديد وهو الصحيح وبه قال مالك وجمهور أصحابه وأبو حنيفة والأوزاعي وجمهور العلماء وقال جماعة من العلماء لا يسترقون وهو قول الشافعي في القديم اهـ.

قوله: (وروينا في صحيحيهما عن أبي هريرة) قال الحافظ

ص: 206

في يَومٍ مائَةَ مَرةٍ كانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مِائةُ حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مائَةُ سَيِّئةٍ، وكانَتْ لَهُ

ــ

بعد تخريجه جملة الحديث كما أورده المصنف أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة وأفرد البخاري الحديث الثاني أي ومن قال سبحان الله إلخ، من رواية مالك مصرحاً برفعه قال وقد وقع عن شيخ مالك أي سمي مولى أبي بكر فذكره بلفظ من قال حين يصبح سبحان الله وبحمده مائة مرة فإذا أمسى قال مثل ذلك لم يأت أحد بمثل ما أتى به أخرجه أبو داود والنسائي في الكبيري اهـ. قوله:(في يوم) قال الأبي اليوم اسم لكمال الدورة لا للنهار فسواء قال ذلك في ليل أو نهار اهـ، وفيه أن ما ذكر في اليوم قول بعض علماء الهيئة إن النهار هو الدورة من نصف نهار إلى نهار يليه وقال بعضهم من نصف ليلة إلى نصف ليلة تليها والأقرب إن المراد باليوم فيه الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حملا للفظ الشرعي على المتعارف عنده والله أعلم. قوله:(مائةُ مرة) قال الشيخ خالد الأزهري في شرح جمع الجوامع كان القياس في همزة مائة إن ترسم ياء لكسر ما قبلها ولكنها رسمت ألفاً لئلا يلتبس بصورة منه إذا لم ينقط وأصلها مئي حذفت لامها وعوض منها هاء التأنيث اهـ. قوله: (كَانت) أي تلك الكلمات وفي بعض نسخ المشكاة كان بالتذكير وهي باعتبار ما ذكر. قوله: (عدل عشرِ رقابٍ) في النهاية العدل بالكسر والفتح وهما بمعنى المثل قال في السلاح هذا قول البصريين وقيل هو بالفَتح ما عاد له من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه وقيل بالعكس اهـ. قال القرطبي يعني إن ثواب هذه الكلمة بمنزلة ثواب من أعتق عشر رقاب وتقدم في العتق أن من أعتق رقبة واحدة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار ثم يزاد ثواب ما زاد على ذلك مما اشتمل الحديث على ذكره اهـ. قوله: (وَمحيت عنْهُ مائَةُ سَيئة) قال

ص: 207

حِرزاً مِنَ الشَّيطَانِ يَومَهُ ذلكَ حَتَّى يُمْسِيَ، ولَمْ يأتِ أحَدٌ بأَفْضَلَ مِمَا جاءَ بِهِ إلا رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ

مِنْهُ"

ــ

الأبي هذه صغائر لأن شرط محو الكبائر التوبة منها مع جواز العفو عنها هذا مذهب أهل السنة ومثله في شرح المشكاة وغيره وأصل سيئة كما في النهاية سيوئة فأعل كإعلال سيد. قوله: (حِرْزاً من الشيطان) الحرز بكسر الحاء وسكون الراء المهملتين في آخره زاي الموضع الحصين يقال حرز حريز ويسمى التعويذ حرزاً ذكره الجوهري وفي النهاية اللهم اجعلنا في حرز حارز أي كهف منيع وهذا كما يقال شعر شاعر فأجري اسم الفاعل صفة لشعر وإنما هو لقائله والقياس محرز أو حريز لأن الفعل منه أحرز ولكن كذا روي ولعله لغة اهـ، والشيطان هو المارد من الجن الكثير الشر وفي مفردات الراغب الشيطان النون فيه أصلية وهو من شطن أي تباعد وقيل بل النون فيه زائدة من شاط يشيط احترق غضباً والشيطان مخلوق من قوة النار كما دل عليه قوله تعالى:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] ولكونه من ذلك اختص بفرط القوة الغضبية والحمية الذميمة قال أبو عبيدة الشيطان اسم نكل عاد من الجن والإنس والحيوانات اهـ، ثم ذكره في مادة شيط وكذا فعل في القاموس ذكره في المادتين للاختلاف في أصله ومادته قال القرطبي والمراد إن الله تعالى يحفظ قائل هذا الذكر يومه ذلك فلا تقع منه زلة ولا وسوسة ببركة هذا الذكر قوله حتى يمسي ظاهر

التقابل أنه إذا قال في الليل كانت له حرزاً من الشيطان حتى يصبح فيحتمل أن يكون اختصاراً من الراوي أو ترك لوضوح المقابلة وتخصيص النهار لأنه أحوج فيه إلى الحفظ والله أعلم قوله ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلخ، قال القاضي عياض ذكر هذا العدد من المائة وهذا الحصر

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لهذه الأذكار أولاً دليل على أنها غاية وحد لهذه الأجور ثم نبه صلى الله عليه وسلم بقوله ولم يأت أحد إلخ، على أنه يجوز أن يزاد على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسب ذلك لئلا يظن أنها من الحدود التي نهي عن اعتدائها وأنه لا فضل للزيادة عليها كالزيادة على ركعات السنن المحدودة وإعداد الطهارة وقد قيل يحتمل أن هذه الزيادة من غير هذا الباب أي إن لا يزيد أعمالاً آخر من البر غيرها فيزيد له أجره عليها اهـ، وفي المحكي بقيل بعد لا يخفى وبالغ آخرون فقالوا الثواب الموعود به موقوف على العدد المذكور فلو زاد عليه لم يحصل له ما وعد عليه فإن للعدد المعين سراً وخاصية يترتب عليه ما ذكر ولو زاد تبطل الخاصية قال ابن الجوزي وهذا غلط ظاهر وقوله لا يلتفت بل الصواب أنه كما قال الشاعر ومن زاد زاد الله في حسناته. ثم لا ينافي هذه الفضيلة أن المحو هنا من السيئات مائة وفي حديث التسبيح مثل زبد البحر لأن هذا لم يجعل ذلك الممحو جزاءه فقط بل ضم إليه عتق عشر رقاب وكتابة مائة حسنة والحرز من الشيطان ذلك اليوم وهذه الثلاث أعظم من محو مثل زبد البحر نعم ينافيها حديث سبحان الله وبحمده مائة مرة فإنه قال في آخره أيضاً ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلَاّ من قاله إلخ، ويقال بأن المراد ثم ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به من التسبيح والتكبير وهنا بأفضل مما جاء به من التهليل والتفضيل بين التهليل المخصوص والتسبيح كذلك مسكوت عنه في الأخبار إذ ليس في واحد منها ما يدل على إن أحدها أفضل من الآخر فيجوز تساويهما وأفضلية أحدهما على الآخر وظاهر سياقهما أن هذا أفضل لأنه ذكر له من أفضليته على غيره ثواباً جزيلاً متنوعاً به ظهرت أفضليته وأما ذاك فلم يذكر فيه إلَاّ أفضليته من غير بيان لسببها ثم رأيت القاضي عياضاً صرح بذلك فقال التهليل أفضل لأن ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وفضل عتق الرقاب وكونه حرزاً من الشيطان زائد على

ص: 209

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما في ذلك من تكفير الخطايا ثم قال وقد جاء في الحديث هنا نصاً أفضل الذكر التهليل وانه أفضل ما قاله والنبيون من قبله وأنه اسم الله الأعظم وهي كلمة الإخلاص وتقدم إن معنى التسبيح تنزيه الله عما لا يليق به جل جلاله وذلك في ضمن لا إله إلَاّ الله اهـ. قال في المختار قوله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلَاّ الله وحده إلخ، أفضل كلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم والنبيون قبله وإنما كان كذلك لما جمع من المعاني فإن لا إله إلَاّ الله نفي لكل إله سواه وقوله وحده تأكيد للنفي وقوله لا شريك له إشارة إلى نفي أن يكون معه معين أو ظهير وقوله له الملك بيان إن له الخلق والأمر والتصريف والتكليف والهداية وقوله وله الحمد بيان إن النعم كلها منه والحمد كله راجع إليه وقوله وهو على كل شيء قدير أي ليست قدرته فيما ظهر خاصة بل هو قادر على ما ظهر وما بطن وما وجد وما لم يوجد اهـ. نقله شارح الأنوار السنية.

فائدة

نقل القاضي عياض في أواخر شرح مسلم وابن الملقن في شرح البخاري عن بعضهم أنه قال هذه الفضائل التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال والطهارة من

الكبائر والجرائم ولا يظن إن من فعل هذا وأصر على ما شاء من شهواته يلحق السابقين المتطهرين وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تقي ولا إخلاص ولا عمل، ما أظلم من تناول دين الله على هواه اهـ. وسكت عليه ابن الملقن ونظر فيه القاضي عياض بأن الأخبار عامة فلو قال لمن قالها معظماً لربه مخلصاً من قلبه بنية صادقة مطابقة لقوله لكان أولى وفي شرح الأنوار السنية قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي كل مندرب اليد فمرتب الحكم بعد الواجب فلا نظر فيه شرعاً إلَاّ بعد تقرر الواجب كالنوافل إنما جاءت مرتبة بعد الفرائض، والحاجيات إنما جاءت مرتبة على ما هو ضروري والتحسينات إنما جاءت مرتبة على ما فوقها مما تقتضيه مكارم الأخلاق ومحاسن العادات أن يكون محسناً فإذا ثبت هذا الدليل الشرعي منتهض بأن المندوبات إنما تعتبر

ص: 210

وقال: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وبحمْدِهِ في يوم مائة مَرَّةٍ،

ــ

بعد أداء المفروضات وبالنسبة إلى ذلك جاء فيها من الترغيب ما جاء وبحسبه يرد مورد الرضا والقبول وفي كتاب الغرور للغزالي من هذا الباب ما يحصل الثقة بالنسبة لما نحن فيه وقال ابن أبي جمرة في شرح البخاري والإجماع منعقد على أن لا شيء أفضل من أفعال البر أفضل من الفرائض فيخصص عموم اللفظ ويبقى هذا خاصاً بأنه أفضل المندوبات ولم يأخذ القوم في هذه المندوبات حتى أكملوا فروضهم اهـ، كلام شارح الأنوار السنية وهو مبين إن الاشتغال بفضائل الأعمال إنما يطلب لمن قام بما عليه من الفروض وإلا فالأهم المقدم هو الفرض والله أعلم ثم تارة يكون الاشتغال بغيره حراماً لتعين الوقت للفرض وتارة خلاف الأولى كما إذا كان الوقت متسعاً والظاهر حصول الثواب على الذكر في الحالة الأخيرة بخلافه في الأولى لأنه إثم به لتعين الوقت للاشتغال بالفرض لضيقه ويحتمل إثابته على الذكر لأن سبب الإثم من ضيق الوقت المقتضي لتعين صرفه للجواب خارج عن نفس الذكر فيكون كالوضوء بماء مغصوب والله أعلم. قوله:(وقالَ) أي أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أو قال أي هو أي النبي صلى الله عليه وسلم وهذه القطعة قال المنذري بعد إيرادها حديثاً مستقلاً رواها مسلم ورواها أيضاً الترمذي والنسائي في آخر حديث وفي رواية للنسائي ومن قال سبحان الله وبحمده حط الله عنه ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ثم لم يقل في هذه في يوم ولم يقل مائة مرة وإسنادهما متصل ورواتهما ثقات اهـ، وسبق في كلام الحافظ أن البخاري أفرد هذا الحديث من رواية مالك وصرح برفعه. قوله:(في يوم) تقدم المراد باليوم قال السفاقسي في إعراب القرآن لم يجئ ما فاؤه ياء وعينه واو إلا يوم قيل ويوح اسم للشمس وقيل بوح بالموحدة من

ص: 211

حُطَّتْ خَطايَاهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ".

وروينا في "كتاب الترمذي وابن ماجه" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

ــ

أسفل. قوله: (حطتْ عنه خطاياهُ) أي الصغائر المتعلقة بحقوق الله تعالى فإن لم يكن ذنب رفعت منزلته وإن لم يكن له صغائر وله كبائر رجي أن يخفف منها قدر ما كان كفر من الصغائر قاله المصنف وله بسط يأتي. قوله: (زبدِ البَحْر) في الصحاح الزبد زبد الماء وبحر زبد أي مالح يقذف بالزبد اهـ. وقيل زبد البحر رغوة مائة عند تموجه واضطرابه قال المحقق الطيبي هذا وأمثاله نحو ما طلعت عليه الشمس كنايات عن الكثرة عرفا اهـ، ومثله في شرح العاقولي.

قوله: (روينا في كتابي الترمذي وابن ماجة) كتاب بالإفراد في نسخة اكتفاء بالعموم الحاصل

بالإضافة وفي نسخة "كتابي" بالتثنية ثم الحديث المذكور هنا بعض حديث تتمته "وأفضل الدعاء الحمد لله" وقد رواه أيضاً النسائي أي في الكبرى كما قال الحافظ وابن حبان والحاكم كما عزاه إلى تخريجهم السيوطي في الجامع الصغير واعترض الحافظ تحسين الحديث الذي قاله الترمذي وتصحيح غيره بما سيأتي عند قول المصنف قال الترمذي حديث حسن. قوله: (عن جابر بن عبد الله رَصْي الله عنهما) عبد الله والده هو ابن حرام بالمهملتين المفتوحتين أوله وكذا ضبطه حيثما جاء في أسماء الأنصار بخلافه في أسماء قريش فإنه بالمهملة المكسورة وبالزاي أشار إليه المصنف وغيره وجابر هذا أنصاري خزرجي سلمى بفتح اللام نسبة إلى سلمة بن سعد روي عن جابر "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدراً ولا أحداً منعني أبي فلما قتل أبي لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط" وعنه قال أنا وأبي وخالي من أصحاب العقبة

ص: 212

"أفضَلُ الذكْرِ لا إلهَ إلا اللهُ"

ــ

وكان أبوه يومئذٍ أحد النقباء وكان جابر من أصغر الصحابة سناً وآخرهم موتًا وكان من ساداتهم وفضلائهم المتحفين بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهد أبوه يوم أحد وأخبر عنه صلى الله عليه وسلم إن الله أحياه وكلمه كفاحاً وسأله أن يتمنى عليه فتمنى الرجعة إلى الدنيا ليستشهد مرة أخرى على يد جابر وبسببه معجزات طاهرة باهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كقصة أبيه وخبر بعيره وقصة الداجن يوم الخندق حيث كفتهن والشطر الشعير جميع أهل الخندق ببركته صلى الله عليه وسلم وبقيت بقية روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وخمسمائة وأربعون حديثاً اتفقا منها على ستين وانفرد البخاري بستة عشر ومسلم بمائة وستة وعشرين روى عنه بنوه وغيرهم توفي بالمدينة بعد أن كف بصره سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة وصلى عليه أبان بن عثمان وكان والي المدينة وجابر آخر الصحابة موتاً بالمدينة رضي الله عنهم أجمعين. قوله: (أَفْضَلُ الذكر لا إله إلَاّ الله) إن أريد بالذكر المصدر كان التقدير قول لا إله إلَاّ الله وإن أريد به الألفاظ التي وضعت للذكر لم يحتج لتقدير قال المظهري وإنما كانت أفضل الذكر لأن الإيمان لا يصح إلاّ بها وقال زين العرب أو بما في معناها والجمهور على الأول ولأنها كلمة التوحيد وكلمة الحق وكلمة الإخلاص كما سيأتي قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] أي دم على علم ذلك قال الرازي في أسرار التنزيل وقد ذكر الله تعالى كلمة التوحيد في سبعة وثلاثين موضعاً في التنزيل اهـ، ولأنها تؤثر تأثيراً بيناً في تطهير القلب عن كل وصف ذميم راسخ في باطن الذاكر وسببه أن لا إله نفي لجميع أفراد الآلهة وإلا الله إثبات للواحد الحق الواجب الوجود لذاته المنزه عن كل ما لا يليق بجلاله فبإدمان الذاكر لهذه ينعكس الذكر من لسان الذاكر إلى باطنه

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حتى يتمكن فيه فيصيبه ويصلحه ثم يضيء ويصلح سائر الجوارح ولذا أمر المريد وغيره بإكثارها والدوام عليها قال القرطبي في تفسير سورة الإسراء قال أبو الجوزي ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من قول لا إله إلَاّ الله ثم تلا: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46] اهـ، ثم الاسم الكريم بالرفع إما بدلاً مما قبل إلا أي لا إله لنا أو في الوجود إلاّ الله قال الفاكهاني في باب التيمم من شرح عمدة الأحكام أنكر بعض المتكلمين على النحاة في تقديرهم في الوجود وقال إن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة وأنها إذا نفيت مقيدة كان ذلك على سلب الماهية مع القيد وإذا نفيت غير مقيدة كان نفياً للحقيقة وإذا انتقت الحقيقة انتفت

مع كل قيد وإذا نفيت مع قيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر وفي هذا الإنكار عندي نظر فإن قولنا لا إله في الوجود إلَاّ الله يستلزم نفي كل إله غير الله قطعاً فهو في الحقيقة نفي للحقيقة مطلقة لا مقيدة وقد قدره ابن عطية لا إله معبود أو موجود إلَاّ الله وهو قريب مما تقدم أو هو من حيث المعنى فلا معنى لهذا الإنكار وليت شعري ما معنى الإنكار وتقدير الخبر لا بد منه وإلا لأدى إلى خرم قاعدة عربية مجمع عليها اهـ، والمبدل منه قيل هو اسم لا باعتبار المحل إذ هو مبتدأ واعتبار لفظه متعذر لأن عمل لا إنما هو بسبب معنى النفي وقد أبطله كلمة إلا قال المحقق ابن كمال باشا في حاشيته على التلويع الاستثناء الواقع في كلمة التوحيد لا يجوز أن يكون مرفوعاً بأن يكون الخبر المحذوف عاماً كموجود أو في الوجود ويكون إلَاّ الله واقعاً موقعه كما وقع إلا زيد موقع الفاعل في نحو ما جاءني إلا زيد لأن المعنى على نفي الوجود عن إله سوى الله تعالى وهو إنما يحصل إذا جعل الاستثناء بدلاً من اسم لا على المحل إذ حينئذٍ يقع الاستثناء موقع اسم لا فيكون خبراً له فينتفي الوجود عن إله سوى الله سبحانه كما

ص: 214

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هو المطلوب لا على نفي مغايرة الله تعالى عن كل إله وهو الذي يفيده الاستثناء المفرغ لأنه لما قام مقام الخبر كان القصد إلى نفيه كالخبر فيفيد نفي مغايرته تعالى عن كل إله ويحصل به التوحيد كما لا يخفى اهـ. وقيل هو الضمير المستكن في الخبر المقدر وقرب بأن فيه الإبدال من الأقرب وهو أولى من الأبعد وبأنه لا داعية إلى الاتباع باعتبار المحل مع إمكانه باعتبار اللفظ وأما خبراً مبتدؤه اسم لا واستظهره ناظر الجيش ونقله عن جماعة لكن ضعف بأنه يلزم عمل لا في المعارف لكون الاسم الكريم أعرف المعارف خبرها واتحاد المستثنى والمستثنى منه وذلك ممنوع لفقد المقصود بالاستثناء معه وبالإخبار بالاسم الخاص وهو الاسم الكريم عن العام والخاص لا يكون خبراً عن العام لا يقال الحيوان إنسان وأجيب بأن جعله خبراً عن المبتدأ مبني على مذهب سيبويه أنه لا عمل للا في الخبر حال تركب لا مع اسمها بل الخبر مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخولها وعلله بأنها ضعفت حين ركبت وصارت كجزء كلمة وجزء الكلمة لا عمل له ومقتضى هذا بطلان عملها في الاسم أيضاً لكن أبقي في أقرب المعمولين لقربه وجعلت مع معمولها بمنزلة المبتدأ والخبر بعدها على ما كان عليه قبل دخول لا فلا يلزم عملها في المعارف ودعوى اتحاد المستثنى والمستثنى منه مبنية على كون المستثنى منه اسم لا ونحن نمنع ذلك بل نقول الاسم الكريم خبر والمستثنى منه محذوف لأنه استثناء مفرغ والاستثناء المفرغ يكون المستثنى منه محذوفاً نعم الاستثناء من شيء مقدر لصحة المعنى ولا اعتبار بذلك المقدر لفظاً ولا خلاف يعلم في نحو ما جاءني إلا زيد إن زيداً فاعل مع أنه مستثنى من مقدر في المعنى والتقدير ما جاءني أحد إلا زيد فلا منافاة بين كونه خبراً ومستثنى من مقدر إذ جعله خبراً منظور فيه للفظ ومستثنى منظور فيه للمعنى قال بعض المحققين في قوله لا خلاف يعلم إلخ، نظر ظاهر فقد صرح غير واحد منهم ابن هشام بأن إطلاق الفاعل على ما بعد إلا في نحو ما ذكر مجاز

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والصواب إن الفاعل هو المحذوف وإن ما بعد إلا بدل منه فلذا كان الأرجح تذكير الفعل إذا كان الفاعل مؤنثًا حقيقياً واقعاً بعد إلا قال لأن الفاعل مذكر محذوف وما بعد إلا بدل منه اهـ، وكون الإخبار بخاص عن عام لا يجوز مسلم لكن ما نحن فيه لم يخبر بخاص عن

عام لأن العام منفي والكلام إنما سيق لنفي العموم وتخصيص الخبر المذكور بواحد من إفراد ما دل عليه اللفظ العام وأما جعل الجرجاني لا فيه بمعنى ليس أي وإله مرفوع وإلا صفة بمعنى غير هي مع الاسم بعدها صفة لاسم لا باعتبار لفظه فيمنعه من جهة الصناعة إن لا بمعنى ليس لا تعمل في المعارف على الصحيح وأما قول الشاعر:

وحلت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها ولا في حبها متراخيا

فمؤول بأن الأصل لا أراني فحذف العامل فانفصل الضمير وقول المتنبي:

إذا المال لم يكسب جميلا من الثنا

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا

لحن وبما ذكر يعلم ما في قول ناظر الجيش في شرح التسهيل أنه ليس مانع يمنعه من جهة العربية وإنما يمتنع من جهة المعني وذلك لأن المقصود من هذا الكلام نفي الإلهية عن غير الله تعالى أو إثباتها له ولا يفيده التركيب حينئذٍ نعم يفيده بالمفهوم وأين هو من المنطوق على إن هذا المفهوم إن كان لقباً فهو غير حجة خلافاً للدقاق وبعض الحنابلة أو صفة ففي حجيته خلاف وأعرب لا إله في موضع الخبر وإلَاّ الله في موضع المبتدأ وعزى للزمخشري وضعف بأنه يلزمه إن خبر لا النافية للجنس يبني معها وهي لا يبني معها إلا اسمها ولو كان كذلك لما جاز نصبه وأعربه بعضهم فجعل إلاّ الله فاعلا لا له مغن عن الخبر كما يرفع بالصفة نحو أقائم زيد وضعف بأنه لو كان كذلك لوجب نصب اسم لا وتنوينه لكونه شبيهاً بالمضاف والجواب عنه بأن بعض النحاة يجيز حذف التنوين في مثله وجعل منه نحو قوله تعالى: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ} [الأنفال: 48] نظر فيه بأن الذي يجيز حذف التنوين في مثل ذلك يجيز إثباته ولا يعلم أحد أجاز التنوين في لا إله إلَاّ الله

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجوز بعضهم في الاسم الكريم النصب وخرجه على وجوه معترضة وسيأتي باب التشهد تلخيص ما هنا مع زيادة عليه.

فائدة

قال بعض العلماء لهذه الكلمة أسماء الأول كلمة التوحيد فإنها تدل على نفي الشريك على الإطلاق لأن لا لنفي الجنس نصاً ومعها يذهب احتمال وجود إله آخر بخلاف الإله واحد فإنه ليس في العبارة ما ينفي احتمال خطور إله آخر بالبال والثاني كلمة الإخلاص كان معروف الكرخي يقول يا نفس أخلصي لتخلصي ثم التحقيق فيه أن كل شيء متصور أن يشوبه غيره إذا صفا يسمى خالصاً وفي الحرز كلمة الإخلاص مجموع الشهادتين وسميت بذلك لكونها لا يكوِن سبباً للخلاص إلَاّ مع الإخلاص اهـ، والثالث كلمة الإحسان قال تعالى:{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] قال المفسرون هل جزاء الإيمان أي وذلك إنما يكون بالكلمة المذكورة لمن تمكن من النطق الرابع دعوة الحق وقال ابن عباس هو قول لا إله إلَاّ الله الخامس كلمة العدل قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] قال ابن عباس العدل شهادة أن لا إله إلَاّ الله السادس الطيب من القول قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ} [الحج: 24] السابع الكلمة الطيبة قال تعالى: {مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً} [إبراهيم: 24] الآية الثامن الكلمة الثابتة قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] التاسع

كلمة التقوى قال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] العاشر الكلمة الباقية قال تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] أي قول لا إله إلَاّ الله الحادي عشر كلمة الله العليا الثاني عشر المثل الأعلى الثالث عشر كلمة السواء قال تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] الآية الرابع عشر كلمة النجاة الخامس عشر العهد قال تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87] السادس عشر كلمة الاستقامة السابع عشر مقاليد السماوات والأرض الثامن عشر القول السديد التاسع عشر البر العشرون الدين قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3] الحادي والعشرون الصراط المستقيم الثاني والعشرون كلمة الحق قال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزخرف: 86] يعني قول لا إله إلَاّ الله الثالث والعشرون العروة

ص: 217

قال الترمذي: حديث حسن.

وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

ــ

الوثقى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] أي بلا إله إلَاّ الله التي هي حصن الحق الرابع والعشرون كلمة الصدق قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} [الزمر: 33] أي قول لا إله إلَاّ الله (وصدق به) اهـ. قوله: (قَالَ الترمذي حديث حسن إلخ) عبارته حديث حسن غريب لا نعرفه إلَاّ من حديث موسى يعني ابن إبراهيم المدني وقد روى علي بن المديني هذا الحديث عن موسى قال الحافظ وذكرت جماعة من رواه عنه ولم أقف في موسى على تجريح ولا تعديل إلَاّ إن ابن حبان ذكره في الثقات وقال يخطئ وهذا عجب منه لأن موسى مقل فإذا كان يخطئ مع قلة روايته كيف يوثق ويصحح حديثه ولعل من صححه أو حسنه تسمح لكونه في فضائل الأعمال اهـ. قوله: (في صَحيح البخاري) كذا اقتصر المصنف على عزو تخريجه إلى البخاري فقط وقد عزاه إلى تخريج الصحيحين غير واحد منهم صاحب المشكاة والحسن وغيرهما والأحسن ما فعله المصنف لأن الحديث بهذا اللفظ لم يخرجه إلا البخاري وأما مسلم فلفظ روايته البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت وقد أحسن صاحب السلاح حيث نبه على ذلك بقوله بعد إيراده متفق عليه ولفظ مسلم البيت الخ اهـ، فنبه على إن الاتفاق على رواية هذا المعنى لا بخصوص هذا المبنى وقال الحافظ بعد إيراده باللفظ الذي عند مسلم من طرق ما لفظه اتفق من ذكرنا على أن التمثيل وقع بالبيت إلَاّ البخاري فإن لفظه مثل الذي يذكر الله ربه إلخ، وكأن لهذا اقتصر المصنف على عزو الحديث للبخاري والذي أظن أنه حديث واحد وإن البخاري كتبه من حفظه فأقام الحال مقام المحل والعلم عند الله والله أعلم. قوله:(عن أبي موسى الأشعري) هو عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري قدم أبو موسى على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة فأسلم ثم هاجر وقدم مع النبي جعفر وأصحاب السفينة بعد خيبر وأسهم

ص: 218

عن النبي صلى الله عليه وسلم

"مَثَلُ الذِي يَذْكُرُ ربهُ والذي لا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ".

وروينا في "صحيح مسلم"

ــ

لهم النبي صلى الله عليه وسلم منها كمن حضرها وقال لهم لكم أصحاب السفينة هجرتان وكان لأبي موسى ثلاث هجر إلى مكة ثم إلى الحبشة ثم إلى المدينة واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن وساحل اليمن كما استعمل معاذ بن جبل على الجند وجبالها وخالد بن سعيد على صنعاء والمهاجر بن أمية على كندة وزياد بن أمية على حضرموت وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويبجله وقال له أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود ولاه الولايات وله الأثر العظيم في يوم أوطاس وافتتح الأهواز وأصبهان وعدة أمصار في خلافة عمر ومضت أحواله من

أولها إلى آخرها على الاستقامة ولما قرب موته زاد اجتهاده فقيل له في ذلك فقال الخيل إذا قاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها والذي معي من أجلي أقل من ذلك روي لأبي موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وستون حديث اتفقا منها على تسعة وأربعين وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة عشر روى عنه جميع أهل المسانيد والسنن توفي بمكة وقيل بالكوفة سنة اثنتين أو أربع وثلاثين عن ستين سنة. قوله: (مثلُ الذِي يذْكر رَبَه إلخ) مثل الشيء صفته ذكره الجوهري وهو المراد هنا والقصد من ضرب الأمثال التقريب إلى ذهن السامع وقد شبه صلى الله عليه وسلم الذاكر بالحي الذي ظاهره مزين بنور الحياة الحسية والتصرف التام في مراده وباطنه منور بنور المعرفة وغير الذاكر بالميت في فساد ظاهره وكونه عرضة للهوام وباطنه بتعطله عن الإدراك والإفهام فالذاكر ظاهره مزين بحلية الشريعة وباطنه على بعقود الحقيقة وغير الذاكر عاطل الجيد خال عن كل حسن مجيد وقيل شبه بالحي في نفع من يواليه وإضرار من يعاديه والميت في خلوه من ذلك. قوله: (في صحيح مسلم) أورده كذلك المنذري في الترغيب ثم قال وزاد من حديث أبي مالك الأشجعي وعافني وفي رواية قال فإن هؤلاء تجمع

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لك خير دنياك وآخرتك وسيأتي الحديث بهذين اللفظين في باب جامع الدعوات وعلى هاتين الروايتين يحيل كلام المنذري ويعلم إن راوي فإن هؤلاء إلخ، هو أبو مالك وأورده من حديث سعد بن أبي وقاص كما أورده المصنف هنا ثم قال قال موسى يعني الجهني أما عافني فأنا أتوهم وما أدري وعلى هذا يحيل كلام المشكاة والسلاح والله أعلم وسيأتي حديث سعد هذا وحديث طارق المذكور قبله في باب جامع الدعوات قال الحافظ ووقع لي من وجه آخر عن موسى الجهني إثباتها فساقه وفيه وعافني ثم قال الطبراني هذا لفظ يحيى القطان يعني أحد الرواة عن موسى والآخرون نحوه قال الحافظ والقطان من جبال الحفظ فكأن موسى جزم بها لما حدثه وتردد فيها لما حدث ابن نمير وحذفها لما حدث غيرهما والله أعلم وقال السخاوي رواه عن موسى بدون قوله وعافني أبو نعيم في المستخرج من حديث جعفر ابن عون عنه وأخرجه البيهقي في الدعوات من طريق جعفر بن عون ويعلى كلاهما عن موسى بإثباتها

وقد روى حديث سعد أبو عوانة وأبو نعيم في المستخرج اهـ، وهذا الاختلاف على موسى بأنها في حديث سعد رضي الله عنه لأنه رواه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال الحافظ ووقع عند مسلم اختلاف في ثبوتها وحذفها في حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه ثم أخرجه الحافظ بسنده إلى أبي مالك واسمه سعد بن طارق عن أبيه واسمه طارق بن أشيم قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذ أتاه إنسان فقال علمني ما أقول قال قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني ويقول بأصابعه الأربع وقبض كفه غير الإبهام ويقول هؤلاء يجمعن لك دنياك وآخرتك قال الحافظ حديث صحيح أخرجه مسلم هكذا في رواية وقال في أخرى عافني بدل ارزقني وأثبت الخمسة في رواية قلت وكأن نسخ مسلم مختلفة قال الحافظ ولأصل الحديث شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى وفيه ذكر وعافني وهو حديث حسن أخرجه أبو داود وأخرجه عنه من طرق أخرى النسائي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم بأسانيد متعددة مدارها على إبراهيم السكسكي يعني الراوي عن ابن أبي أوفى قال النسائي وليس بالقوي قال الحافظ فكأنهم صححوه لشواهد اهـ. قوله: (عَنْ سَعْدِ بنِ أَبي وقاصِ رضي الله عنه اسم أبي وقاص مالك وسعد هذا هو سعد بن مالك بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري المكي كان رابعاً أو ثالثاً في الإسلام وسبب إسلامه ما رآه من القمر وسبقه إليه أبو بكر وعلي وزيد بن حارثة فلما استيقظ أسلم وأسلم أخواه لأبويه عامر وعمير وكان من المهاجرين الأولين وشهد بدرا وما

ص: 220

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاءَ

ــ

لك دنياك وآخرتك رواه مسلم وفاعل زاد مسلم وجاز عود الضمير عليه وإن تأخر لفظه لتقدم مرتبته وأوضح ذلك في المشكاة فأورده من تخريج مسلم بقوله اللهم اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني شك الراوي في عافني قال شارحها ابن حجر أي شك هل هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو لا فيؤتى به احتياطًا رعاية احتمال أنه صلى الله عليه وسلم قاله اهـ، وفي السلاح بعد ذكره وعافني قال ابن نمير قال موسى أما عافني فأنا أتوهم وما أدري اهـ، لكن ظاهر صنيع المنذري أنه زاد هذا اللفظ من حديث مالك من غير شك فيه إلَاّ أنه انفرد بإلحاقه بالخبر أبو مالك وظاهر كلام المشكاة خلافه ثم راجعت صحيح مسلم فرأيته موافقاً لما فيها فإنه أورد لفظ وعافني في الخبر مجزوماً به من طريقين منتهيين إلى أبي مالك الأشجعي الأولى لفظها عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه كان الرجل إذا اسم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني والثانية لفظها أنه أي إياه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي قال قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلَاّ الإبهام قال فإن هؤلاء تجمع

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعدها وكان يقال له فارس الإسلام وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة وأحد السبعة السابقين وأحد الستة أصحاب الشورى وكان يحرس النبي صلى الله عليه وسلم في مغازيه وجمع له النبي صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي أيها الغلام الحزور اللهم سدد رميته وأجب دعوته ثم قال هذا خالي فليأت كل رجل بخاله وفي الصحيحين عن علي رضي الله تعالى عنه ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلاّ لسعد بن مالك سمعته يقول له يوم أحد ارم فداك أبي وأمي وفي صحيح مسلم عن الزبير قال أما والله لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ أي يوم الخندق أبويه فقال فداك أبي وأمي قال القرطبي في المفهم وهذا يدل على إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لغير سعد بن أبي وقاص وحينئذٍ يشكل بما رواه الترمذي من قول علي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع أبويه لأحد إلَاّ لسعد قال له يوم أحد ارم فداك أبي وأمي ويرتفع الإشكال بأن يقال إن علياً أخبر بما في علمه ويحتمل إن يريد أنه لم يقل ذلك في يوم أحد لأحد غيره اهـ، وفيه أمور "الأول" تخريجه الحديث عن الترمذي مع أنه من أحاديث الصحيح كما تقدم "الثاني" قوله في الاحتمال أنه لم يقله في أحد لأحد غيره يعارضه ما رواه ابن ماجة عن عبد الله بن الزبير عن الزبير رضي الله عنه قال لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد "لا يقال" حديث الصحيح إن الجمع للزبير إنما كان يوم الخندق فيقدم على حديث ابن ماجة فيتم الاحتمال "لأنا نقول" إنما يعدل إلى التقديم عند التعارض عند عدم إمكان الجمع وإلَّا كما هنا فيعمل به ووجه الجمع إمكان تعدد الجمع له أي جمع النبي صلى الله عليه وسلم أبويه للزبير رضي الله عنه فمرة بأحد وهو ما في ابن ماجة ومرة بالخندق وهو ما في مسلم ومنه يعلم أن على جوابه الأول المعول والله أعلم، وفي فتح الباري أخرج

ص: 222

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابن أبي عاصم من حديث ابن عمران النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة فداك أبوك وأخرج من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال لأصحابه فداكم أبي وأمي ومن حديث أنس أنه قال مثل ذلك للأنصار اهـ، ومنه يعلم أن ما تقدم عن علي رضي الله عنه بحسب علمه كما يدل عليه قوله ما سمعت إلخ، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالشفاء من جرح به فشفي وشهد له بالجنة وبالشهادة وهو أول من أراق دماً في الإسلام وأول من رمى بسهم في سبيل الله شهد فتح مدائن كسرى بالعراق في خلافة عمر وبنى الكوفة ووليها فشكاه أهلها فعزله عنهم وبعث رجالاً يسألونهم فانتدب لشكواه أبو سعد وقال أنه لا يسير بالسرية ولا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية والقصة ذكرها المصنف في باب جواز دعاء المظلوم على ظالمه وقال عمر رضي الله عنه إن أصابت الإمارة سعداً فذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة واعتزل الفتن بعد موت عثمان ونزل فيه وبسببه آيات من القرآن منها قوله تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] وهو من الجماعة الذين نزل في شأنهم: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52] وأخباره في الشجاعة والشدة في دين الله واتباع السنة والزهد والورع وإجابة الدعوة والصدق والتواضع كثيرة روي له مائتان وسبعون حديثاً انفقا منها على خمسة عشر وانفرد البخاري بخمسة عشر ومسلم بثمانية عشر روى عنه ابنا عمر وعباس وجابر بن سمرة وآخرون توفي في قصره بالعقيق على تسعة أميال من المدينة وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة وصلى عليه والي المدينة مروان بن الحكم وأزواجه صلى الله عليه وسلم قيل وكان آخر المهاجرين موتاً بالمدينة وقيل آخرهم موتاً بها جابر بن عبد الله ولما حضرته الوفاة دعا بخلق جبة له من صوف فقال كفنوني فيها فإني كنت لقيت المشركين فيها يوم بدر وكنت أخبؤها لهذا اليوم وكانت وفاته سنة ثمان أو خمس وخمسين وله بضع وستون أو وسبعون أو وثمانون أو

ص: 223

أعرابي

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علمني كلاماً أقوله، قالَ: قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، والحَمْدُ لِلَهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ رَب العالمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَةَ إلَاّ بِاللهِ

ــ

وتسعون سنة. قوله: (أعرابي) منسوب إلى الأعراب سكان البادية وسيأتي في باب المساجد مزيد كلام في الأعرابي وتحقيق الفرق بينه وبين العربي. قوله: (عَلّمْني كلاماً) فيه إطلاق الكلام على الذكر وعدم حنث من حلف لا يتكلم فذكر لأن مبني الإيمان على العرف وهم لا يعدون منه الذكر. قوله: (كَبيراً) قال القاضي عياض ينصب عند النحاة بفعل مضمر دل عليه ما قبله كأنه قيل كبرت أو ذكرت كبيراً أو نحو ذلك وقيل على التمييز وقيل على القطع اهـ، واقتصر القرطبي على نقل كونه مفعولاً مطلقًا وزاد ابن حجر في شرح المشكاة كونه حالاً مؤكدة نحو زيد أبوك عطوفاً وعلى كونه حالاً أو تمييزاً فالعامل افعل التفضيل وعلى كونه مفعولاً فالعامل فعل مدلول عليه بأفعل. قوله:(رَب العالمين) في النهاية الرب يطلق في اللغة على المالك والسيد والمدبر والمربي والمتمم والمنعم ولا يطلق غير مضاف إلاّ على الله تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا وقد جاء في الشعر مطلقاً على غير الله تعالى وليس بالكثير اهـ، وفي الفتح المبين وقول الجاهلية للملك من الناس الرب من كفرهم ويطلق أيضاً على الصاحب والثابت ثم قيل هو صفة فعلية وزنه فعل وقيل فاعل أي رأيت وحذفت ألفه لكثرة الاستعمال ورد بأنه خلاف الأصل وقيل هو مصدر بمعنى فاعل كعدل وظاهر أن المعاني المذكورة تتأتى في هذا المقام والعالمين بفتح اللام اسم جمع لعالم على الصحيح لا جمع له لعموم المفرد إذ

هو اسم لما سوى الله تعالى من سائر الأجناس فيخرج صفات ذاته إذ هي ليست غيره نظراً لاستحالة الانفكاك ولا عينه نظراً للمفهوم

ص: 224

العَزِيزِ

الحكيمِ، قال:

ــ

وخصوص العالمين إذ هو مخصوص بذي العقل من أنس وملك وجن والمفرد منه مع الجمع لا يكون كذلك ولذا منع سيبويه كون الإعراب الخاص بسكان البادية جمعا لعرب الشامل له ولسكان الحاضرة لئلا يكون المفرد أوسع دلالة من الجمع وهو ممنوع وقد اختلف في عدة العوالم على أقوال عديدة: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] وأل في العالمين للاستغراق ثم قيل العالم مشتق من العلم فيختص بذويه ما سبق وقيل من العلامة لأنه علامة على موجده وأنه متصف بصفات الكمال. قوله: (العزيز الحكيم) هذان الاسمان هما الواردان في ختم الحوقلة دون ما اشتهر في ألسنة كثير من ختمها بالعلي العظيم لكن في بعض نسخ الحصن الحصين رواية ختمها بالعلي العظيم فلعله رواية أخرى قاله ابن حجر في شرح خطبة كتابه المشكاة وكلامه في الحوقلة من حيث هي وأما حديث سعد المذكور فإنه من أفراد مسلم كما صرح به صاحب السلاح ويؤخذ من اقتصار المنذري على عزو تخريجه إليه وليس فيه إلَاّ ختمها بالعزيز الحكيم، والختم بها أنسب لأن العزيز من لا يغالب أمره ولا حول ولا قوة معه ومع ذلك فهو حكيم يضع الشيء موضعه على مقتضى الحكمة بمحض الفضل والإحسان وفي شرح هذا الحديث من المشكاة ما لفظه وختم الحوقلة بهما لوروده في هذه الرواية الصحيحة سيما رواية مسلم أولى من ختمها بالعلي العظيم وإن كان قد اشتهر لكن قوله لا سيما فيه إيهام إن الحديث روي عند غير مسلم وليس بمسلم لما تقدم نعم في المرقاة في الكلام على هذا الحديث ما لفظه وجاء في رواية البزار بلفظ العلي العظيم قال الحافظ ورواه البزار من حديث موسى الجهني يعني الراوي لحديث مسلم عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه اهـ. قال في المرقاة

ص: 225

فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قُل اللهُم

ــ

وإن لم يرد في الصحيح قال الطيبي لم يرد ذلك في أكثر الروايات إلَاّ عن الإمام أحمد فإنه أردفها بقوله العلي العظيم اهـ، ومراد السلاح بكونه من إفراد مسلم بالنسبة لباقي الستة وقول ابن حجر فلعله رواية أخرى هو كذلك فقد روى الترمذي والنسائي وقال الترمذي واللفظ له حديث حسن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على وجه الأرض أحد يقول لا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله العلي العظيم إلَّا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، كذا في السلاح وفي الترغيب للمنذري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلَاّ بالله العلي العظيم قال الله تعالى أسلم عبدي واستسلم، رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد. قوله:(فَهَؤُلاء لربي) أي حق له تعالى إذ هي موضوعة للدلالة على أوصافه الأزلية الأبدية من صفات الجلال ونعوت الكمال والتنزه عن النقص بحال. قوله: (فَمَا لي) أي ما الذي أذكره مما أرجو حصول مدلوله لي. قوله: (اللهمَّ) قال ابن السيد لا خلاف إن المراد باللهم يا الله وإن الميم زائدة ليست بأصل الكلمة ثم اختلفوا بعد ذلك في هذه الميم على ثلاثة مذاهب فذهب سيبويه والبصريون إلى أنها زيدت في الآخر عوضًا عن حرف النداء ولهذا لا يجمع بينهما لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض وشذ قول الشاعر:

* إني إذا ما حدث ألما

أقول يا للهم يا للهما*

والمنع من الجمع بين حرف النداء والميم إنما هو على مذهب من ذكر كما صرح به أبو حيان في النهر، وذهب الكوفيون إلى إن الميم عوض عن جملة محذوفة والتقدير يا الله أمنا بخير أي أقصدنا ثم حذف للاختصار ولكثرة الاستعمال قال القاضي البيضاوي فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته اهـ، ورد بعدم اطراد هذا القدر في أكثر المواضع في قوله تعالى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32]، الآية ولو

ص: 226

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان الميم من أمنا لما احتاج الشرط إلى جواب لأن الفعل حينئذٍ وهو أمنا يكون الجواب تاليا إن وذهب آخرون إلى إن الميم زائدة للتعظيم والتفخيم لدلالتها على معنى الجمع كما زيدت في زرقم لشدة الزرقة وابنم في الابن قال ابن السيد وهذا غير خارج عن مذهب سيبويه لأنه لا يمنع أن يكون للتعظيم وإن كانت عوضاً من حرف النداء كما إن التاء في قولنا تالله بدل من الباء وفيها زيادة معنى التعجب قال وهذا القول أحسن الأقوال، وذكر ابن ظفر في شرح المقامات إن الله اسم للذات والميم للصفات التسعة والتسعين فجمع بينهما إيذاناً بالسؤال بجميع أسمائه وصفاته وقواه بعضهم واحتج بقول الحسن البصري: اللهم مجمع الدعاء، وقول النضر بن شميل من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه وصفاته وكأنه قال يا الله الذي له الأسماء الحسنى ولذا قيل له أنه الاسم الأعظم كذا في شرح الزركشي على جمع الجوامع ووجه بعضهم كلام ابن ظفر أيضاً بأن الميم هنا بمنزلة الواو الدالة على الجمع فإنها من مخرجها فكأن الداعي يقول يا الله الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى والصفات العلا قال ولذا شددت لتكون عوضاً عن علامتي الجمع الواو والنون في مسلمون ونحوه واختير الإتيان به في الأدعية كثيراً بل لم يأت التنزيل إلي به عن الإتيان بالجلالة مقروناً بيا لأن يا موضوعة للبعيد وهو سبحانه أقرب للإنسان من حبل الوريد قرب علم لا قرب مسافة وتحديد قال ابن عطية أجمعوا على أنها يعني اللهم مضمومة الهاء مشددة الميم مفتوحة وأنها منادى قال أبو حيان في النهر وما نقله من الإجماع على تشديد الميم قد نقل الفراء تخفيفها في بعض اللغات قال وأنشدني عليه بعضهم:

*كحلقة من أبي رياح

يسمعها اللهم الكبار*

قال الراد عليه وتخفيف الميم خطأ فاحش عند الفراء لأنها عنده هي التي في أمنا وهي التي لا تحتمل التخفيف قال والرواية الصحيحة لاهة كبار اهـ، وإن صح هذا

ص: 227

اغْفِرْ لي وَارحَمني وَاهْدِني وَارْزُقني".

وروينا في "صحيح مسلم" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

البيت كان فيه شذوذ آخر من حيث استعماله في غير النداء إذ هو فيه فاعل بالفعل قبله اهـ، كلام النهر، وفي شرح الخلاصة للمرادي شذ حذف أل منه كقوله:

لا هم إن كنت قبلت حجج

وهو في الشعر كثير ولا يستعمل إلا في النداء وشذ استعماله في غير النداء كما في الارتشاف وفي جواز وصفه خلاف منعه سيبويه والخليل وأجازه المبرد والزجاج وفي النهاية تستعمل اللهم على ثلاثة أنحاء إن يراد بها النداء المحض نحو اللهم توفنا مسلمين وإن يذكره المجيب تمكيناً للجواب في نفس السامع يقول لك القائل أزيد قائم فتقول اللهم نعم وإن يؤتى به للدلالة على الندرة وقلة وقوع المذكور نحو أنا لا أزورك اللهم إذا لم تدعني إذ وقوع الزيارة مقروناً بعدم الدعاء قليل اهـ. قوله:

(اغفرْ لي) أي جميع الذنوب فالكريم وهاب وليس هذا من باب التكفير بصالح الأعمال فيقيد بالصغائر بل من السؤال فالمسؤول تكفير كل ذنوبه صغيرة وكبيرة ويشهد للتعميم حذف المعمول. قوله: (وارْحَمني) أي بتوالي نعمك. قوله: (وَاهدني) بالدلالة والإيصال لما فيه الصلاح والنجاح في الحال والمآل. قوله: (وارْزقني) أي ارزقني ما أستعين به على القيام بالتكاليف المطلوبة مني وأستغني به عن سواك وأنفق منه في طرق رضاك وما أحسن قول إمامنا الشافعي رضي الله عنه:

يا لهف قلبي على مال أفرقه

على المقلين من أهل المروءآت

ان اعتذاري إلى من جاء يسألني

ما ليس عندي من أجلى المصيبات

وفي الحديث إن سؤال ما يقيم الحال ويغني عن الغير من الرزق الحلال لا ذم فيه بحال. قوله: (وروينا في صحيح مُسْلم) ورواه الترمذي والنسائي وابن حبان أيضاً وقال الترمذي حسن صحيح وروايتهم وتحط بالواو من غير ألف قبلها كما

ص: 228

فقال: "أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ في كُل يَوْم ألفَ حَسَنَةٍ؟ فسأله سائل من

جلسائه: كيفَ يكسب ألف حسنة؟ قال: يُسَبِّحُ مائَةَ تَسْبِيحَة فَتُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أوْ تُحَطَّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَة". قال الإمام الحافظ أبو عبد الله

ــ

في الترغيب للمنذري والسلاح وقال الحافظ رواية شعبة عن أحمد والنسائي بالواو كما قال البرقاني إن شعبة وغيره رووه عن موسى الجهني بالواو وهو عند أحمد عن عبد الله بن نمير ويعلى بن عبيد ويحيى القطان في موضعين أحدهما بلفظ ويمحى عنه ألف سيئة والثاني باللفظ الذي ذكره مسلم اهـ. قوله: (أيَعجِزُ أحدكم) بكسر الجيم وتفتح من العجز وهو الضعف والفعل كضرب وسمع على ما في القاموس قيل اقتصار ابن الجوزي في مفتاح الحصين في حديث "لا يعجزوا في الدعاء" على قوله بكسر الجيم في المستقبل وفتحها في الماضي مبني على الرواية وهي لا تنافي جواز الفتح لغة أو على كونه أفصح لوروده في قوله تعالى: {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 31] قال القاضي عياض في المشارق وقد قيل في الماضي بكسر الجيم والفتح أعرف اهـ، وفي أوائل شرح مسلم للمصنف يقال عجز بفتح الجيم يعجز بكسرها هذه هي اللغة الفصحى المشهورة وبها جاء القرآن العزيز في قوله تعالى:{يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ} ويقال عجز يعجز بكسرها في الماضي وفتحها في المضارع حكاه الأصمعي وغيره والعجز في كلام العرب ألا يقدر على ما يريد وأنا عاجز وعجز اهـ، وأحد هنا بمعنى واحد لا بمعنى أحد التي للعموم لأن ذلك إنما يستعمل في النفي نحو لا أحد في الدار أصله وحد قلبت واوه المفتوحة همزة على غير قياس بخلاف المضمومة كوجوه وأوجه فإنه قياسي والمكسورة كوسادة وإسادة قيل سماعي وقيل قيامي. قوله:(فَيكتب لَهُ ألفُ حَسنةَ) هذا أقل مراتب

ص: 229

الحميدي: كذا هو في كتاب مسلم في جميع

الروايات: "أو تُحَطُّ" قال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا:"وتحَط" بغير ألف.

ــ

المضاعفة قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وأما نهاية المضاعفة فلا يعلمها إلَاّ واهبها قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وقال تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]. قوله: (الحميدي) بحاء مضمومة فميم مفتوحة فتحتية ساكنة فدال مهملة بعدها ياء النسب منسوب لجده حميد الأعلى والحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيره ومن شعره:

لقاء الناس ليس يفيد شيئاً

سوى الإكثار من قيل وقال

فأقلل من لقاء الناس إلا

لأخذ العلم أو إصلاح حال

قوله: (من جَميع الروايات) أي من جميع رواة كتاب مسلم أي إن رواة صحيح مسلم عنه لم يختلفوا في هذا الحرف وجميع نسخ مسلم متفقة. قوله: (قالَ البِرْقاني) بكسر الموحدة وفتحها وسكون الراء وبالقاف ثم نون بعد الألف كذا ضبطه بالوجهين السبكي في الطبقات وغيره قال صاحب لب اللباب نسبة إلى قرية من قرى كانت بنواحي خوارزم خربت والمشهور منها الإمام أبو بكر أحمد ابن محمد بن أحمد بن غالب البرقاني الخوارزمي الفقيه المحدث الأديب الصالح وقال السبكي في طبقاته هو الحافظ الكبير تفقه في حداثته وصنف في الفقه ثم اشتغل بالحديث فصار فيه إمامًا قال الخطيب واستوطن بغداد وحدث فكتبنا عنه وكان ثقة ورعاً متقناً فهما لم ير في شيوخنا أحفظ منه حافظاً للقرآن عارفاً بالفقه له حظ من علم العربية كثير الحديث حسن الفهم والبصيرة صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان ولد آخر سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ومات أول يوم من آخر سنة خمس وعشرين وأربعمائة ببغداد اهـ. قوله: (ويحط بغير ألف) وتقدم إن الترمذي والنسائي وابن

ص: 230

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حبان رووه كذلك وفي فتاوى الحافظ ابن حجر العسقلاني هو كما قال الحميدي والبرقاني لكن وجدته في مسند أحمد من طريق شعبة وغيره بالواو تارة وتارة بأو وكان أحمد شديد الحرص على تحرير ألفاظ الرواة وبيان اختلافهم ومن تأمل مسنده وجد من ذلك ما يتعجب منه اهـ، وحاصل الكلام أن موسى الراوي اضطرب في الحديث فرواه تارة بأو وهي التي صحت عند مسلم وجاءت عن شعبة عند أحمد وتارة بالواو وهي التي جاءت عن شعبة عند أحمد وغيره وعن القطان وغيرهما والمتبادر من أو أحد الأمرين لا هما ومن الواو معاً فالروايتان متعارضتان فيطلب الترجيح من خارج ومقتضى ما قرره في الثواب من العمل بالأكثر ثوابًا وفضلًا عند التعارض لعمل برواية الواو فيكون صلى الله عليه وسلم أخبر بالألف وحدها أولاً لأنها واقعة مطلقاً بخلاف حط السيئات فإنه قد لا يوجد لكون القائل لا سيئات له وإن وجد بدله من زيادة الدرجات أخذاً مما قالوه في نحو صوم يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين ومما يؤيد الأخذ برواية الواو أن رواية أو فيها إشكال إذ الجزم بحصول الألف أول الحديث ينافي ما في آخره إذ الحاصل هي أو الحط عن الإبهام هذا بناء على ما استظهره ابن حجر في شرح المشكاة من الاضطراب المبني على التعارض بالتقرير المذكور في معنى الحرفين وقال الطيبي يختلف معنى الواو وأو إذا أريد به أحد الأمرين وأما إذا أريد به التنويع فهما سيان في القصد اهـ، ونظر فيه ابن حجر بما تقدم من تبادر معنى الحرفين إلى ما ذكره ثم قال "فإن قلت" ضرورة الجمع توجب حمل الواو على التنويع لتوافق أو فيتحد الروايتان "قلت" الأمر كذلك لولا بعد هذا الحمل وخروجه عن السياق كما يعلم مما تقرر اهـ، وقد سبق الطيبي إلى ما جنح إليه من الجمع الإمام القرطبي فقال في المفهم إن صحت رواية أو فتحمل على المذهب الكوفي من كون أو فيه بمعنى الواو اهـ، وقال في المرقاة وقد تأتي الواو بمعنى أو فلا منافاة بين الروايتين وكان المعنى إن من قالها يكتب له ألف حسنة إن لم تكن عليه خطيئة وقدم بمقتضى حسن الظن أو يحط عنه ألف خطيئة

ص: 231

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُصْبِحُ على كُل سُلامَى مِنْ أحَدِكمْ صَدَقَة،

ــ

إن كانت عليه وإلاّ فيحط بعض

ويكتب بعض ويمكن أن تكون أو بمعنى الواو أو بمعنى بل فحينئذٍ يجمع له بينهما وفضل الله أوسع من ذلك اهـ، وما ذكروه من الجمع هو الظاهر وإن قيل أنه خلاف المتبادر لما فيه من إعمال سائر الروايات وهو خير من إهمال بعضها سيما والمعنى المحمول عليه هو من جملة معاني ذلك الحرف وورد له الشاهد من كلام العرب مع ما فيه من الجري على القول بالاضطراب على الوجه المذكور من تقديم رواية غير الصحيح المقدم على غيره ولا ضرورة إليه وبه يعلم إن الاضطراب في الحديث غايته حصل الشك في اللفظ الوارد مع توافق المعنى فلا يضر التخالف اليسير في المبنى والله أعلم.

قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال الحافظ بعد تخريجه أخرجه مسلم وابن حبان وأخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وأبو عوانة من طرق وله شاهد أخضر منه من حديث بريدة وفيه تفسير السلامى أي بذكر المفصل في محلها قال الحافظ أخرجه أبو داود وابن حبان وشاهد آخر أتم منه إلَاّ أنه ليس فيه ذكر الضحى من حديث عائشة أخرجه مسلم اهـ. قوله: (صدقه) هو بالرفع اسم يصبح أي يصبح على كل عظم ومفصل لابن آدم أصبح سليماً من الآفات باقياً على الهيئة التي يتم بها منافعه وأفعاله صدقة عظيمة شكراً لمن صوره ووقاه عما يضره ويؤذيه مع قدرته على ذلك وعدله لو فعله لكنه عامله بالإحسان فعفا عنه فأدام له تلك النعم الحسان على إن الصدقة تدفع البلاء فبوجودها عند أعضائه يرجى اندفاع البلاء عنها و"على" في الخبر لتأكد الندب وهو مراد من عبر بالوجوب في قوله التقدير تصبح الصدقة واجبة على كل سلامى إذ كل من الصدقات وما ناب عنها من صلاة الضحى ليس واجباً حقيقة حتى يأثم بتركه ثم ظاهر الحديث تكرر ذلك سائر الأيام وقد جاء كذلك في حديث

ص: 232

فَكُلُّ تَسْبِيحَةِ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُل تَهْلِيلَةٍ

صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ،

ــ

أبي هريرة كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ظاهر هذا الخبر وجوب الشكر بهذه الصدقة وهو يدل على أنه يكفيه إن لا يفعل شيئاً من الشر ويلزمه القيام بجميع الواجب ومنه ترك المحرمات وهذا الشكر الواجب وهو كافٍ في شكر هذه النعمة وغيرها أما الشكر المندوب فهو الزيادة على ذلك بنوافل الطاعات القاصرة كالصلاة والمتعدية كالعدل والإعانة وهذا هو المراد من هذا الحديث وأمثاله وإن ذكر فيه بعض الواجبات ما مر أيضاً. قوله: (فكل تسبيحة صدقة) الفاء فيه تفصيلية لإجمال الصدقة قبله وبه استغني عن تعداد المفاصل بناء على أنها المراد من السلامى كما قال بعضهم وأيده بأنه روى أحمد وأبو داود عن بريدة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً فعليه أن يتصدق على كل مفصل منه صدقة قالوا ومن يطيق ذلك يا نبي الله قال النخاعة في المسجد يدفنها والشيء ينحيه عن الطريق فإن لم يجد فركعتا الضحى تجزيك "قلت" وروى مسلم من حديث عائشة خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل وسبح واستغفر وعزل حجراً عن طريق المسلمين أو عزل شوكة أو عزل

عظما أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر عدل تلك الستين والثلاثمائة السلامى فإنه يمشي يومئذٍ وقد زحزح عن النار قال ابن الجوزي وهذا من أفراد مسلم وفي شرح الأربعين للفاكهاني قال سهل بن عبد الله التستري في الإنسان ثلاثمائة وستون عرق مائة وثمانون ساكنة ومثلها متحرك فلو تحرك ساكن أو سكن متحرك لم ينم الإنسان فالله المسؤول يلهمنا شكر هذه النعم الجسام وذكر علماء الطب أن جميع أعضاء البدن مائتان وثمانية وأربعون عظم سوى السمسمات وبعضهم

ص: 233

وَأمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ،

ــ

يقول ثلاثمائة وستون عظم يظهر منها للحس مائتان وخمسة وستون عظم والبقية صغار لا تظهر تسمى السمسمانية ويؤيد هذا القول أحاديث كثيرة منها حديث البزار أنه صلى الله عليه وسلم قال للإنسان ثلاثمائة وستون عظم وستة وثلاثون سلامى عليه في كل يوم صدقة قالوا فمن لم يجد قال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قالوا فمن لم يستطع قال يرفع عظماً عن الطريق قالوا فمن لم يستطع قال فيكفي الناس شره وتقدم حديث مسلم وما في معناه وقوله وستة وثلاثون سلامى لعله عبر بها عن تلك العظام الصغار إذ السلامى في الأصل اسم لأصغر ما في البعير من العظام ثم عبر بها عن مطلق العظم من الآدمي وغيره. قوله: (وأمر بمعروف إلخ) أمر ونهي مجروران عطفاً على مدخول كل قال الكازروني في شرح الأربعين وأسقط المضاف هنا اعتماداً على ما سبق اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر كأن حكمة ترك ذكر كل للإشارة إلى ندرة وقوعها بالنسبة إلى ما قبلهما لا سيما من المعتزلة عن الناس أو مرفوعان عطفاً عليها وخبرها معطوف على خبرها وعليه فيكون من عطف معمولين على معمولي عاملين مختلفين أو كل منهما مبتدأ خبره ما بعده والواو لعطف الجمل أو استئنافية لأن هذا نوع غير ما قبله إذ هو فيما تعدى نفعه وما قبله نفعه قاصر وسوغ الابتداء بما ذكر مع كونه نكرة تخصيصه بالعمل في الظرف بعده ونكراً إيذاناً بأن كل فرد من أفرادهما صدقة ولو عرفا لاحتمل إن المراد الجنس أو فرد معهود منهما فلا يفيد النص في ذلك ثم سكت في الحديث عن ذكر الصدقة الحقيقية وهي إخراج بعض المال لوضوحها بخلاف ما ذكره في الخبر فإن في تسميته بالصدقة وأجزائه عن الصدقة الحقيقية المتبادر إرادتها من ظاهر الخبر خفاء فيؤخذ منه إن للصدقة إطلاقين ثم ليس المراد من الحديث حصر أنواع الصدقة بالمعنى الأعم فيما ذكر فيه بل التنبيه به على ما بقي منها ويجمعها كل ما فيه نوع نفع للنفس

ص: 234

وَيَجْزِئُ مِنْ

ذلكَ رَكعَتَانِ تَرْكعُهُمَا منَ الضُّحَى"

ــ

أو للغير. قوله: (وَيْجزِي إلخ) هو بضم أوله وفتحه من أجزأ وجزى أي يكفي كذا في شرح المشكاة لابن حجر وفيه إطلاق في محل التقييد يبينه قول الحافظ العراقي في شرح التقريب قوله يجزي يجوز فتح أوله بغير همز في آخره وضم أوله بهمز في آخره فالفتح من جزى يجزي أي يكفي ومنه قوله تعالى: {لَا تَجْزِي نَفْسٌ} [البقرة: 48] والضم من الإجزاء وقد ضبط بالوجهين في حديث أبي ذر "ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الصبح" اهـ. ثم ظاهر الخبر إجزاء ذلك ولو مع التمكن مما قبله وفي خبر أبي داود تقييد إجزاء ذلك بعدم الوجدان وجمع بأن ما في خبر أبي داود محمول على الحال الأكمل والعمل الأفضل إذ لا يبعد أن يكون الإتيان بثلاثمائة وستين صدقة أفضل من ركعتي الضحى وإن كانت الصلاة أفضل العبادات البدنية لأنه بالنسبة للمجموع لا بالنسبة للإفراد قال الأصحاب لا يقال صلاة ركعتين أفضل من صوم يوم أي لكثرة العمل في الأخير إنما التفاضل مع استواء الزمان

المصروف للعملين وما في خبر مسلم المذكور في الكتاب فبالنسبة لمطلق الاكتفاء قال العراقي "فإن قلت" قد عد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما فرضا كفاية فكيف أجزأ عنهما ركعتا الضحى وهما تطوع والتطوع لا يسقط الفرض "قلت" المراد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قام بالفرض غيره وحصل المقصود وكان كلامه زيادة وتأكيداً أو المراد تعليم المعروف ليفعل والمنكر ليجتنب وإن لم يكن هناك من واقعه فإذا فعله كان من جملة الحسنات المعدودة من الثلاثمائة والستين وإذا تركه لم يكن عليه فيه حرج ويقوم عنه وعن غيره من الحسنات ركعتا الضحى أما إذا ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند فعله حيث لم يقم به غيره فقد إثم ولا يرفع عنه الإثم ركعتا الضحى ولا غيرهما من التطوعات ولا من الواجبات اهـ. قوله: (من ذَلك) أي من ما ذكر من التسبيح فما بعده. قوله: (تركَعُهما مِنَ الضُّحى)

ص: 235

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيه عظيم فضل صلاة الضحى لتحصيلها هذا الثواب الجزيل والشكر العظيم وأنه ينبغي المداومة عليها وكره جماعة من أصحابنا تركها قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي اشتهر بين كثير من العلماء أنه من صلى الضحى ثم قطعها حصل له عمى فصار كثير من الناس لا يصلونها خوفاً من ذلك وليس لهذا أصل ألبتة من السنة ولا من قول أحد من الصحابة ولا من التابعين ومن بعدهم والظاهر أن هذا مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام لكي يتركوا صلاة الضحى دائماً فيفوتهم بذلك خير كثير من قيامها مقام سائر أنواع التسبيح الخ. اهـ. وكأن سبب قيامها مقام ذلك اشتمال الركعتين على جميع ما ذكر حق الأخيرين {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وتردد الولي العراقي في حصول ما ذكر بركعتين غير ركعتي الضحى وإن كان أفضل كركعتي الفجر أو اختصاص ذلك بركعتي الضحى واستظهر الأخير ولم يبين وجهه ولعله أنها متمحضة للشكر بخلاف نحو الرواتب فإنها شرعت لجبر نقص الفرائض لم يتمحض فيها القيام بشكر تلك النعم الباهرة والضحى لما لم يكن فيه ذلك تمحض للقيام لذلك مع أنها مناسبة لما أشير إليه بقوله تطلع فيه الشمس من إن اليوم قد يعبر به عن المدة الطويلة المشتملة على أيام كثيرة كيوم صفين وعن مطلق الوقت كما في قوله تعالى {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8] فلو لم يقيد بتطلع فيه الشمس لتوهم إن المراد به أحد هذين وأنه لا يطلب منه شكر تلك النعم كل يوم فقيد بذلك إعلاماً بتكرر الطلب بتكرر طلوع الشمس ودوامها فإذا تأمل الإنسان ذلك أوجد له عند شهود طلوعها تيقظاً للشكر وأفضل العبادات حينئذٍ صلاة الضحى فناسب تخصيصها بذلك دون غيرها، وفي شرح المشكاة لابن حجر وكأن سر ذلك إن النهار الحقيقي إنما يدخل بطلوع الشمس كما يصرح به خبر اركع لي أربع ركعات أول النهار الحديث وما بعد الفجر إليها إنما يعطي حكم النهار تبعًا وفي بعض الأحكام لا كلها ومن ثم قال جمع إن صلاة الصبح ليلية وأول صلاة تطلب بعد طلوع الشمس المشار إليه بالإصباح صلاة الضحى وصلاة

ص: 236

قلت: السلامى بضم السين وتخفيف اللام: وهو العضو،

وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء.

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُلُّكَ

ــ

الإشراق قال جمع أنها من صلاة الضحى نظير ما مر من مقدمة صلاة الليل فكانت صلاة الضحى هي المقصود بالذات فلم يحصل ذلك بغيرها فتأمله اهـ .. قوله: (السلامى إلخ) في النهاية جمع سلامية وهي الأنملة من أنامل الأصابع وقيل جمعه ومفرده واحد ويجمع على سلاميات اهـ. وقول المصنف هنا جمعه سلاميات يميل إلى الأخير. قوله: (وهو

العضو) وهو بضم العين وكسرها مع إسكان الضاد قال في القاموس هو كل لحم وافر يعظمه وفي مختصر العين للزبيدي السلامى من عظام الأصابع والأكارع اهـ، ومثله في المشارق لعياض إلاّ أنه قال وأصله عظام الأصابع إلخ. وفي النهاية هي التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان وقيل كل عظم مجوف من صغار العظام، المعنى على كل عظم من عظام ابن آدم صدقة وقيل إن آخر ما يبقى فيه المخ من البعير إذا عجف السلامى والعين قال أبو عبيد هو عظم يكون في فرسن البعير اهـ، وظاهر إن المراد من السلامى في الخبر ما يعم العضو وغيره فتجوز بقوله العضو عن مطلق الجزء والعظم على طريق التجريد وفي شرح مسلم للمصنف أصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في سائر عظام البدن ومفاصله قال العراقي في شرح التقريب وهو المراد في الحديث اهـ، وأيده المصنف بخبر مسلم السابق خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل. قوله:(في صحيح البخاري ومسلم) وكذا رواه باقي الستة ورواه النسائي أيضاً من حديث أبي هريرة وزاد فيه ولا منجا من الله إلاّ إليه كذا في السلاح وقال الحافظ بعد تخريجه حديث متفق عليه أخرجه أحمد والأئمة الستة وأبو عوانة من طرق متعددة إلى أبي عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وتشديد

ص: 237

عَلى كَنزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنةِ؟ فَقلت:

ــ

اللام يعني الراوي عن أبي موسى الأشعري اهـ، وفي الترغيب للمنذري بعد إيراده من حديث أبي هريرة ولفظه "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من قول لا حول ولا قوة إلَاّ بالله فإنها كنز من كنوز الجنة قال مكحول فمن قال لا حول ولا قوة إلَاّ بالله ولا منجى من الله إلاّ إليه كشف الله عنه سبعين باباً من الضر أدناهن الفقر" ما لفظه رواه الترمذي وقال هذا حديث إسناده ليس بمتصل، مكحول لم يسمع من أبي هريرة ورواه النسائي والبزار مطولاً ورفعا ولا منجى من الله إلَاّ إليه ورواتهما ثقات محتج بهم ورواه الحاكم وقال صحيح ولا علة له ولفظه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أعلمك ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة تقول لا حول ولا قوة إلَاّ بالله فيقول الله أسلم عبدي واستسلم، وفي رواية له وصححها أيضاً قال صلى الله عليه وسلم، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال تقول لا حول ولا قوة إلاّ بالله ولا ملجأ ولا منجى من الله إلاّ إليه، ذكره في حديث اهـ. قوله:(على كنز مِنْ كنُوزِ الجنةِ) قال المصنف في شرح مسلم معنى الكنز هنا ثواب يدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما إن الكنز أنفس أموالكم اهـ. وقال الكرماني أي أنها من نفائس ما في الجنة وما ادخر فيها للمؤمنين أو من محصلات نفائس الجنة وذخائرها اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر كنز من كنوز الجنة من حيث أنه يدخر لصاحبها من الثواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا لأن من شأن الكانز أن يعد كنزه لخلاصه مما ينوبه والتمتع به فيما يلائمه واعلم إن هذا ليس من باب الاستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز ولا من باب التشبيه الصرف لبيان الكنز بقوله من كنوز الجنة بل هو إدخال الشيء في غير جنسه وجعله أحد أنواعه ادعاء فالكنز إذًا نوعان متعارف وهو المال الكثير المتراكم

ص: 238

بلى يا رسول الله، قال:

ــ

بعضه على بعض الذي بالغ صاحبه في حفظه وكتمه وغير متعارف وهو هذه الكلمة الجامعة للتنزه

بالمعاني الإلهية كما يعلم مما تقدم اهـ. وفي شرح مسلم للمصنف وسبب كونها من كنوز الجنة أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان وأن لا صانع إلَاّ الله ولا راد لأمره وإن العبد لا يملك شيئاً من الأمر أي فلا يستحق شيئاً بل إن نوقش في الحساب عذب قال الشيخ ابن حجر ولذا كانت هي الكنز العلي والعطاء الوفي ولم لا، وهي محتوية على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والاستطاعة مما من شأنه ذلك وأثبتت لله تعالى على وجه الحصر اتحاداً واستعانة وتوفيقاً لم يشذ شيء عن ملكه وملكوته اهـ، وفي أمالي الحافظ زين ألدين العراقي عن المستدرك ومن خطه نقلت ما لفظه أنشدكم لنفسي في هذا المعنى:

يا صاح أكثر قول لا حول ولا

قوة فهي للداء دوا

وأنها كنز من الجنة يا

فوز امرئ لجنة المأوى أوى

له يقول ربنا أسلم لي

عبدي واستسلم راضيا هوا

قوله: (بلى) هي كلمة يؤتى بها في الجواب كنعم إلا أنها تختص بالنفي وتفيد إبطاله سواء كان مجرداً أم مقروناً بالاستفهام حقيقياً أو توبيخياً أو تقريرياً نحو {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [التغابن: 7] ونحوه أليس زيد قائماً ونحو {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} [الزخرف: 80]{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، أجرى النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى ولذلك قال ابن عباس وغيره لو قالوا نعم كفروا ووجهه إن نعم تصديق للخبر بنفي أو إيجاب ولذلك قال جماعة من الفقهاء لو قال أليس لي عليك ألف فقال بلى لزمته ولو قال نعم لم تلزمه وقال آخرون يلزمه فيهما وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا على اللغة ونازع السهيلي وجماعة في المحكي عن ابن عباس

ص: 239

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيره في الآية متمسكين بأن في الاستفهام التقريري خبراً موجباً ونعم بعد الإيجاب تصديق له واستشكله في المغني بأن بلى لا يجاب بها الإيجاب ولا يحتج بما جاء من الجواب بها عن الاستفهام المجرد كحديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه أما ترضون إن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا بلى ونحو لأنه قليل لا يتخرج على مثله التنزيل قال وتسمية الاستفهام في الآية تقريراً المراد منها أنه تقرير بما بعد النفي وفي المغني بعد كلام: الحاصل إن بلى لا يأتي إلَّا بعد نفي وإن لا لا يأتي بعد إيجاب وإن نعم تأتي بعدهما وإنما جاز "بلى قد جاءتك آياتي" مع أنه لم يتقدم أداة نفي لأن {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر: 57] يدل على نفي الهداية ومعنى الجواب بلى قد هديتك بمجيء الآيات أي أرشدتك نحو {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] وقال جماعة من المتقدمين والمتأخرين إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرد وإن أريد به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعياً للفظه ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رعياً لمعناه وعلى ذلك قول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قال لهم ألستم ترون لهم ذلك: نعم. وقال ابن عصفور أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجاباً في المعنى فإذا قيل ألم أعطك درهماً قيل في تصديقه نعم وفي تكذيبه بلى وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك فإذا

قيل نعم لم يعلم هل أراد لم تعطني باعتبار اللفظ أو أعطيتني مراعاة للمعنى فلذا أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى قال وأما قول الأنصار فجاز لجواز أمن اللبس لأنه قد علم أنهم يريدون نعم نعرف لهم ذلك اهـ. قال في المغني ويتحرر على هذا أنه لو أجيب ألست بربكم بنعم لم يكف في الإقرار لأن الله سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلق بالربوبية العبارة التي لا تحتمل غير المعنى المراد من المقر ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله لا إله إلَاّ الله برفع إله لنفي الوحدة ولعل ابن عباس إنما

ص: 240

قُل: لا

حَوْلَ وَلَا قوَّةَ إلا باللهِ".

وروينا

ــ

قال أنهم لو قالوا نعم لم يكن إقراراً كافياً وجوز الشلوبين أنه يكون مراده أنهم لو قالوا نعم جواباً للملفوظ به على ما هو الأفصح لكان كفراً إذ الأصل تطابق السؤال والجواب لفظاً وفيه نظر لأن التكفير لا يكون بالاحتمال اهـ، ونازعه الدماميني في قوله ولعل ابن عباس إنما قال بأنه لا وجه له فإنه معارض للنقل الثابت المشهور بمجرد احتمال عدمه من غير تثبت اهـ. قوله:(قُلْ لَا حَولَ وَلَا قوَّةَ إلا بالله) كذا رواه المصنف هنا وفي المشكاة لا حول ولا قوة إلَاّ بالله بإسقاط قل ورواه في السلاح عن أبي موسى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له قل لا حول ولا قوة إلاّ بالله فإنها كنز من كنوز الجنة رواه الجماعة اهـ، ومثله في الترغيب للمنذري ثم راجعت صحيح مسلم فرأيته أورده فيه باللفظ الذي أورده المصنف من حديث أبي بكر بن أبي شيبة وباللفظ الذي في المشكاة من حديث أبي كامل فضل بن حسين ولم أجده فيه باللفظ المروي في السلاح والترغيب نعم هي لفظ رواية البخاري ولما كان معنى الروايات واحداً عزاها لجميع من ذكر على عادة المحدثين ومن ثم قالوا لا يجوز أن يعتمد على نحو قول البيهقي أخرجه الشيخان أو أحدهما في جواز عزو الحديث لذلك لأنهم كثيراً ما يقولون ذلك ومرادهم إن أصله فيهما أو في أحدهما نعم إن قال أخرجه بلفظه أو نحو ذلك اعتمد عليه وعزى إلى من نقله عنه وسبق ما يجوز فيها من الوجوه وإعراب كل ذلك وأما معناها فهو لا حول عن المعاصي إلَاّ بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلَّا بالله قال عليه الصلاة والسلام كذلك أخبرني جبريل عن الله تعالى وفي المرقاة في شرح المشكاة، وهي المراد إذا أطلقت المرقاة، ما لفظه والأحسن ما ورد فيه عن ابن مسعود قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتها فقال تدري ما تفسيرها قلت الله ورسوله أعلم قال لا حول

ص: 241

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن معصية الله ولا قوة على طاعة الله إلَاّ بعون الله أخرجه البزار ولعل تخصيصه بالطاعة والمعصية لأنهما أمران مهمان في الدين اهـ، وروي عن علي في معناها أي أنا لا نملك مع الله شيئاً ولا نملك من دونه ولا نملك إلَاّ ما ملكنا مما هو أملك به منا وحكى أهل اللغة إن معنى لا حول لا حيلة يقال ما للرجل حيلة ولا حول ولا محالة ولا محتال وقوله شديد المحال يعني القوة والشدة كذا في شرح العمدة لابن جمعان وفي شرح المشكاة لابن حجر وتفسير الحول بالتحول أوضح من تفسيره بالحيلة أو الحركة وإن كان المآل واحداً اهـ. وقال الهروي قال أبو الهيثم الحول الحركة يقال حال الشخص إذا تحرك وكأن القائل يقول لا حركة ولا استطاعة إلَاّ بمشيئة الله وكذا قاله أبو عمر في الشرح عن أبي العباس ثعلب وآخرين وقيل لا حول عن معصية الله إلاّ بعصمته ولا قوة على طاعته إلَاّ بمعونته ويحكى هذا عن عبد الله بن مسعود كذا يؤخذ من التهذيب وشرح مسلم للمصنف وقيل معناه لا تحول عن معصية الله ومخالفة أمره ولا على تدبير أمر من أمور الآخرة من طاعته وموافقته ولا قوة

على طاعته إلَاّ بالله "تنبيه" الخبر محتمل كون هذه الكلمة كنزاً أي أجرها مدخر لمن قالها وإن لم يتحقق بمضمونها قال شارح الأنوار السنية وهو ظاهر اهـ، ويشهد له قوله في الحديث قل وكونها خاصة بمن قالها وتحقق بذلك وتبرأ من حوله وقوته وفوض أمره إلى الله تعالى قال يحيى بن ربيع الأشعري في كتاب الحكمة البالغة ورد الأمر والنهي بالأخص لا بالأعم وهذا أقرب الوجوه إلى الحق بل هو الحق فإنها توقف على كل جهة ما يليق بها وتجعل للعبد قدرة كسبية حالية وتجعل الإسناد للرب سبحانه وتعالى عن كل شريك في ذاته وصفاته وأفعاله وتثبت الاقتدار من العبد وتثبت أحوالاً بلا واسطة وقدرة في جير وهذا من الحكم العجيب جاءهم ليوافق قوله لا حول ولا قوة إلَاّ بالله على نصها من غير تأويل والحمد لله وقال ابن بطال هذا باب جليل في الرد على القدرية وذلك أن معنى لا حول ولا قوة إلَاّ بالله لا حول للعبد ولا قوة إلَاّ بالله أي بخلق الله له

ص: 242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحول والقوة وهي القدرة على فعله للطاعة أو المعصية كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أن الباري تعالى خالق لحول العبد وقدرته على مقدوره وإذا كان خالقاً للقدرة فلا شك أنه خالق للشيء المقدور، وفي تفسير القرطبي قوله تعالى:{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] أي بالقلب وهو توبيخ ووصية من المؤمن للكافر تقديره الأمر ما شاء الله وقيل الخبر مضمر أي ما شاء الله كان لا قوة إلَّا بالله أي ما اجتمع لك من المال فهو بقدرة الله وقوته لا بقدرتك قال أشهب قال مالك ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا وروي إن من دخل منزله فقال بسم الله ما شاء الله لا قوة إلَاّ بالله تنافرت عنه الشياطين من بين يديه وأنزل الله عليه البركات وقال أنس من رأى شيئاً فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلَاّ بالله لم يضره عين وروي أن من قال أربعًا أمن أربعاً من قال هذه أمن من الآفات ومن قال حسبنا الله ونعم الوكيل أمن من كيد الناس ومن قال أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد أمن من مكر الناس ومن قال لا إله إلَاّ أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم، وعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنعم الله عليه نعمة فأراد بقاءها فليكثر من لا حول ولا قوة إلَاّ بالله قال المنذري أي في الترغيب رواه الطبراني "خاتمة" في خبر الباب أنها كنز من كنوز الجنة وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن حبان عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم فقال يا محمد مر أمتك أن تكثر من غراس الجنة لا حول ولا قوة إلاّ بالله وجاء في بعض الروايات أنها باب من أبواب الجنة ولعل اختلاف نتائج الاختلاف مراتب قائلها.

فائدة

سئل محمد بن إسحاق بن خزيمة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم تحاجت الجنة والنار فقالت الجنة يدخلني الضعفاء الحديث، من الضعيف، فقال الذي تبرأ في نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين أو خمسين مرة اهـ، كذا في شرح الأنوار السنية وفي العلوم الفاخرة للثعالبي قال القرطبي ومثل هذا لا يقال

ص: 243

في "سنن أبي داود والترمذي" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه

دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: "ألا أخْبِرُكِ بِمَا

هُوَ أيْسَرُ عَلَيكِ مِنْ هَذَا

ــ

رأيًا فيكون من قبيل المرفوع اهـ.

قوله: (في سنن أبي داود) أي واللفظ له والترمذي وكذا رواه النسائي والحاكم في مستدركه

وابن حبان في صحيحه كذا في السلاح وقال الحافظ بعد ذكر من ذكر ممن خرجه حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله ولا روى عنه إلَاّ سعيد يعني ابن أبي هلال وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر وصححه الحاكم وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة الباهلي إن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه فقال ماذا تقول يا أبا أمامة فقال أذكر ربي فقال إلا أخبرك بأكثر أو بأفضل من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل تقول سبحان الله عدد ما خلق الله سبحان الله ملء ما خلق الله سبحان الله عدد ما في الأرض وما في السماء سبحان الله عدد ما أحصى كتابه وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه وسبحان الله عدد كل شيء وسبحان الله ملء كل شيء وتقول الحمد لله مثل ذلك هذا حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وابن حبان والطبراني في الدعاء من وجهين آخرين عن أبي أمامة اهـ. قوله: (على امرأة) هو كذا مبهم في جميع الطرق وروى الترمذي والحاكم في المستدرك وكذا الطبراني كما أشار إليه الحافظ عن صفية رضي الله عنها إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وبين يديها أربعة آلاف نواة تسبح بهن فقال يا بنت حيي ما هذا قالت أسبح بهن قال قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا قالت علمني يا رسول الله قال قولي سبحان الله عدد ما خلق

ص: 244

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من شيء ورواية الترمذي عدد خلقه قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلَاّ من حديث صفية إلَاّ من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي وليس إسناده بمعروف وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني حديث حسن قال وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار بن بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن هاشم بن سعيد عن كنانة عن صفية رضي الله عنها وقال ليس إسناده بمعروف قال الحافظ كنانة مولى صفية روى عنها وهو مدني روي عنه خمس أنفس وذكره ابن حبان في الثقات وأبو الفتح الأزدي في الضعفاء وهاشم بن سعيد الراوي عنه كوفي قال فيه ابن معين ليس بشيء وقال أحمد لا أعرفه وقال أبو حاتم الرازي ضعيف وقال ابن عدي لا يتابع على حديثه قال الحافظ وقد توبع على هذا الحديث ثم خرجه من رواية خديج بن معاوية عن كنانة عن صفية بنحوه وقال فيه وكان لهما أربعة آلاف نواة إذا صلت الغداة أوتيت بهن فسبحت بعد ذلك قال وأخرجه الطبراني في الدعاء من وجه آخر عن صفية وبقية رجال الترمذي رجال الصحيح اهـ. قال صاحب السلاح فيحتمل أن تكون المرأة المبهمة في الحديث هي صفية أي وإن كان في حديثها المذكور اختصار عما في حديث الكتاب قال الحافظ ابن حجر ويحتمل أن تكون جويرية وقد مضى حديثها في هذا الباب قال ابن حجر في شرح المشكاة قوله دخل على امرأة أي محرم له أو كان ذلك قبل نزول الحجاب على أنه لا يلزم من الدخول الخلوة فلا يحتاج إلى ذلك اهـ، وهذه الوجوه إن كانت بالنظر إلى دخوله صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج إليها لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم كونهن معهن بمنزلة المحرم فلذا جازت له الخلوة والمنام عند من شاء منهن كما صرح به الجلال السيوطي في خصائصه وابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل وأخذ بعض المحدثين ذلك من نومه وخلوته بأم سليم مع كونها ليست من محارمه كما حققه غير واحد خلافاً لما في شرح مسلم للمصنف من أنها كانت خالته صلى الله عليه وسلم وقد بينت

ص: 245

أو أفْضَلُ؟ فقالَ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ فِي السمَاءِ، وسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ ما خَلَقَ فِي الأَرْضِ، وَسبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا بَينَ ذلكَ، وسبْحَانَ اللهِ عَدَدَ ما هُوَ

ــ

ذلك فيما كتبته على بهجة المحافل للعامري نعم قضية كلام المصنف في باب الأشربة وباب الفضائل من شرح مسلم

أنه صلى الله عليه وسلم مع الأجانب كالغير في المنع مما ذكر وعليه فيحتاج إلى الجواب. قوله: (أو أفضل) هذا شك من سعد ويحتمل أن تكون أو فيه بمعنى الواو وقيل بمعنى بل وإنما كان أفضل لأن قوله عدد ما خلق مما ذكر يكتب له ثواب بعدد المذكورات كما علم مما في قوله سبحان الله وبحمده رضا نفسه إلخ، وما تعده بالنوى أو الحصى قليل تافه بالنسبة إلى ذلك الكثير الذي لا يعلم كنهه إلاّ اللطيف الخبير وقال ابن مالك تبعًا للطيبي لأنه اعتراف بالقصور وأنه لا يقدر أن يحيى ثناه وفي العد إقدام على أنه قادر على الإحصاء اهـ، وتعقباً بأنه لا يلزم من هذا العد هذا الإقدام ولا يقدم على هذا المعنى إلَاّ العوام الذين كالهوام بل المراد أنه صلى الله عليه وسلم أراد يرقيها من عالم كثرة الألفاظ والمباني إلى وحدة الحقائق والمعاني وهو خارج عن الأعداد بل متوقف على مداد الإمداد والعد في الأذكار يجعل لها شأنًا في الباب ويخطرها به في كل حال وهذا معيب عند أهل الكمال ولذا قال بعضهم لمن يذكر الله تعالى بالعدد تذكر الله بالحساب وتذنب بالجزاف وتعصيه بلا كتاب أو لأن الله تعالى لما أنعم على عبده النعمة بلا إحصاء كما قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] فينبغي حسن المقابلة في المعاملة على وجه المماثلة أن يذكر الذاكر بغير استقصاء وفيه إيماء إلى مقام المكاشفة بتسبيح جميع الأشياء {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44]. قوله: (ما في السماء)

ص: 246

خَالِقٌ، واللهُ أَكْبَرُ مثلَ ذلكَ، والحمْدُ لِلهِ مِثْلَ ذلكَ، وَلا إلهَ إلا الله مثْلَ ذلكَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللهِ مِثْلَ ذلكَ" قال الترمذي: حديث حسن.

وروينا فيهما بإسناد حسن عن يسيرة، بضم

ــ

أي من ذوي العلم وغيرهم الأكثر فلذا غلب عليه ونظيره {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [التغابن: 1] قوله: (خَالق) قال ابن حجر في شرح المشكاة أي ما هو خالقه من بدء الخلق إلى الأبد لأن اسم الفاعل في نحو هذه الصيغة وفي نحو الله عالم قادر لا يقصد به زمن دون زمن بلا استغراق سائر الأزمنة إلاّ أن يقال مقابلته بخلق يدل على أن المراد عدد ما خلق قبل تكلمي وما هو خالق بعده إلى ما لا نهاية له وهذا أولى. قوله: (مثلَ ذلك) منصوب مفعول مطلق صفة للمصدر المحذوف أي والحمد لله حمدًا مثل ذلك. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) وفي المشكاة وقال يعني الترمذي حديث غريب ولا تخالف فإن الترمذي ذكر في الحديث كلا الوصفين فإنه قال كما نقله المنذري وصاحب السلاح حديث حسن غريب وحينئذٍ فنقل كل واحد منهما واحداً من الوصفين وغفل عن الثاني سهوًا أو تركه لكونه ساقطاً من أصله فإن أصول الترمذي مختلفة النسخ في ذلك فلذا قالوا بالنسبة إلى مقابلته يتعين أن يكون على جملة من الأصول أي ليوثق بضبطه المنقول.

قوله: (وروينا فيهما) أي في سنن أبي داود والترمذي وكذا قال السيوطي في الجامع الصغير وزاد الحاكم في مستدركه قال الحافظ وأخرجه أحمد وابن حبان بنحوه والحديث حسن اهـ، وفي موجبات الرحمة للرداد أخرج أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول من حديث يسيرة قالت دخل

علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسبح بالسبح فقال ألقين أو دعن وعليكن بالأنامل تسبحن بها فإنهن مسؤولات ومستنطقات. قوله: (يسيرة بضم

ص: 247

الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة،

الصحابية المهاجرة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن

ــ

الياء المثناة تحتُ وهي أم ياسر إلخ) أي بصيغة التصغير ويقال أسيرة كذلك وفي التقريب لابن حجر العسقلاني ويقال أسيرة بالألف صحابية ويقال أنها من المهاجرات اهـ. قال في الاستيعاب وقيل هي بنت ياسر، وكأنه مستند ابن مالك في شرح المشارق فما في المرقاة أنها بنت ياسر سبق قلم ليس في محله قال الحافظ يسيرة جدة حميظة أول اسمها مثناة تحتية ثم مهملة مصغرة ويقال أسيرة بالهمزة بدل الياء ذكروها في الصحابة وكنوها أم ياسر وقال بعضهم يسيرة بنت ياسر والأكثر لم يذكر اسم أبيها وذكر بعضهم أنها أنصارية والذي وقع في الرواية عن أحمد وابن سعد في طبقاته عن يسيرة وكانت من المهاجرات اهـ، بمعناه قال الدبيع في تيسير الوصول مولاة لأبي بكر الصديق، وليس لها في الكتب الستة إلاّ هذا الحديث قال في الاستيعاب تكنى أم حميظة كانت من المهاجرات المبايعات اهـ، وقيل إنها أنصارية وعلمت ما فيه قال الحافظ وحميظة بضم المهملة ثم تحتية ثم معجمة ثم فوقية مصغرة من ثقات التابعين ويسيرة جدتها اهـ. قوله:(أمرهن) أي النساء ومرجع الضمير إما معلوم من المقام أو تقدم في الكلام ولم يذكر لعدم الحاجة إليه، وصيغة الأمر، على ما في المشكاة وقال رواه الترمذي وفي الحصين وعزا تخريجه لمصنف ابن شيبة، عليكن بالتسبيح والتقديس والتهليل ولا تغفلن فتنسين الرحمة وليس فيها ذكر التكبير والرواية التي ذكرها المصنف هنا حذف منها لفظ التسبيح وأتى فيها بالتكبير ورواها كذلك في الحصين أيضاً من حديثها فلعل في الخبر روايتين أثبت في إحداهما التكبير وحذف التسبيح وفي الأخرى بالعكس وكأن وجه حذف التسبيح الاكتفاء عنه بالتقديس المفسر بما سيأتي مما يشمل معنى التسبيح ثم رأيت صاحب الحرز قال فلعل للترمذي فيه ألفاظاً إلخ،

ص: 248

أن يُراعين بالتكبير والتقديس

والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل فإنهن

ــ

ما سيأتي بما فيه.

تنبيه

اختلف علماء الأثر في قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عنه أو نحو ذلك هل هو موقوف حكماً أو لفظاً فقط ومحل ذلك ما لم يصرح بالأمر كحديث يسيرة هذا وإلا فمرفوع حكماً اتفاقًا إلاّ من شذ فقال لا يكون مرفوعاً حتى ينقل لنا لفظه قال السخاوي ولعله ممن لا يجوز الرواية بالمعنى اهـ. قوله: (يُرَاعِينَ) أي أمر النسوة أن يراعين بالتكبير فالنون ضمير النسوة فاعل والفعل مبني للمعلوم ومراده صاحب الحصين بلفظ كان يأمر أن يراعي التكبير إلخ، والفعل فيه مبني للمجهول والتكبير نائب الفاعل ثم على رواية الكتاب يحتمل كون الباء في التكبير زائدة في المفعول مثل {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ويقربه توافق الروايتين والسلامة من الحذف في البين ويحتمل كونها ليست كذلك والمفعول محذوف أي يراعين أنفسهن بالتكبير أي فإن لهن بالإتيان بذلك الأجر الكثير ونفع العمل الصالح يعود لفاعله {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت: 46] قوله: (والتَّقْديس) أي قول سبحان الملك القدوس أو سبوح قدوس أو سبحان الله أو سبحان الله وبحمده وفي قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي قال الحكيم الترمذي في نوادره التهليل هو التوحيد والتقديس التنزيه

والتطهير والفرق بينه وبين التسبيح إن التسبيح للأسماء والتقديس للآلاء وكلاهما يؤديان إلى التطهير اهـ. قوله: (والتهليل) أي قول لا إله إلَاّ الله يقال هلل إذا قال ذلك وهذا على عادة العرب أن الكلمتين أي فما فوق إذا تكررت على ألسنتهم اختصروها ليسهل تكررها بضم بعض حروف أحدها إلى الأخرى كالحوقلة والحولقة والبسملة. قوله: (وان يَعقِدْنَ بالأَنامل) الباء إما زائدة في الإثبات على مذهب جماعة أو للاستعانة أي يعقدن عدد التسبيح مستعينات بالأنامل عند الحاجة إلى ذلك قاله ابن حجر الهيثمي

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتعقبه في المرقاة بأنه وهم وانتقال من الباء إلى من وإلا فزيادة الباء في المفعول كثيرة غير مقيدة بالإثبات والنفي اتفاقاً على ما في المغني كقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25] فليمدد بسبب إلى السماء {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25]{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكفى بنا فضلاً عن غيرنا حب النبي محمد إيانا اهـ، والأنامل رؤوس الأصابع كما في الصحاح وفي القاموس الأنملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات التي فيها الظفر وجمعها أنامل وأنملات اهـ. قال في المرقاة والظاهر إن يراد بها الأصابع من إطلاق البعض وإرادة الكل عكس قوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19]، للمبالغة اهـ، ثم العقد المذكور يحتمل أن يراد به أنه يعد بنفس الأنامل أو بجملة الأصابع قال ابن حجر في شرح المشكاة والأول أقرب اهـ، وفي الحرز والعقد بالمفاصل مشهور أن يضع إبهامه في كل ذكر على مفصل والعقد بالأصابع أن يعقدها ثم يفتحها أما العقد برؤوس الأصابع فباتكائها على ما يحاذيها من البدن على ما قرره الفقهاء في صلاة التسبيح ونحوها وأما بوضعها على الكف فماله بالعقد على الأصابع وأما بوضع الإبهام على الرؤوس اهـ. وفي المرح المشكاة وظاهر كلام أئمتنا المتأخرين إن المراد بالعقد هنا ما يتعارفه الناس وقال غيره المراد عقد الحساب لا الذي يعلمه الناس الآن "قلت" وممن قال بذلك الحافظ وعبارته في التخريج معنى العقد المذكور في الحديث إحصاء العدد بوضع بعض الأنامل على بعض عقد أنملة أخرى فالآحاد والعشرات باليمين والمئون والألوف باليسار اهـ. قال ابن حجر في شرح المشكاة وعلى تسليمه فالظاهر أن الأول يحصل به أصل السنة بل كمالها إذا لم يعرف غيره اهـ. قال ابن الجزري في الخبر المروي بلفظ يراعي

ص: 250

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التكبير إلخ، يريد المراعاة بالعدد كما ورد منصوصاً في الأحاديث نحو مائة مرة وثلاث وثلاثين وخمس وعشرين وغير ذلك بأن يعقد الأنامل وهي الأصابع كما هو معروف عند العرب قديماً وحديثاً لأن الأنامل مسؤولات ومستنقطات عما كان يستعملهن صاحبهن {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24] الآية وبينه حديث ابن عمرو الآتي ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبح وقال أهل العلم ينبغي أن يكون عدد التسبيح باليمين اهـ، وفي شرح المشكاة لابن حجر ويستفاد من الأمر بالعقد المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة وزعم أنها بدعة غير صحيح إلَاّ أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب اهـ، ونوزع بأن أخذ السبح بظاهره مناف لهذا الحديث لأنه يفيد العدد بالأصابع على وجه تفصيله كما أشير إليه بتعليله وجرى في الحرز على كونها بدعة قال لكنها مستحبة لما سيأتي من حديث جويرية أنها كانت تسبح بنوى أو حصى وقد قررها صلى الله عليه وسلم على فعلها والسبحة في معناها إذ لا يختلف الغرض من كونها منظومة

أو منثورة اهـ، وما ذكره من إقرار جويرية على التسبيح بالحصى أو النوى وهم إذ التي دخل عليها صلى الله عليه وسلم وكانت تسبح بذلك صفية في رواية وامرأة مبهمة في رواية أخرى وليس في حديث جويرية التسبيح بحصى أو نوى، ثم قوله أولاً أنها بدعة يخالف نقله إقرار المصطفى صلى الله عليه وسلم والبدعة كما في التهذيب وغيره إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس منه لموافقته على إقراره صلى الله عليه وسلم وصرح غير واحد من المحدثين بأن محل الخلاف في وقت أو رفع قول الصحابي كنا نفعل أو نقول كذا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يصرح في الخبر باطلاعه عليه صلى الله عليه وسلم وإلا فمرفوع جزماً كما ورد عن ابن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان فيسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينكره رواه البخاري وما نحن فيه من هذا القبيل لما فيه من

ص: 251

مسؤولات مستنطقات".

ــ

الإقرار على التسبيح بتلك النوى وصغار الأحجار بل ورد من الأخبار ما فيها التصريح برؤيته صلى الله عليه وسلم ذلك مع الإقرار والله أعلم ثم رأيته خالف في المرقاة وسلك طريق الصواب فقال في حديث سعد السابق وهذا أصل صحيح بتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة وقد قال المشايخ أنها سوط الشيطان وروي أنه رؤي مع الجنيد سبحة في يده حال انتهائه فسئل عن ذلك فقال شيء وصلنا به إلى الله كيف نتركه ولعل هذا أحد معاني قولهم النهاية الرجوع إلى البداية اهـ، وقد أفردت السبحة بجزء لطيف سميته "إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح" وأوردت فيه ما يتعلق بها من الأخبار والآثار والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع في الأذكار وحاصل ذلك أن استعمالها في أعداد الأذكار الكثيرة التي يلهى الاشتغال بها عن التوجه للذكر أفضل من العقد بالأنامل ونحوه والعقد بالأنامل فيما لا يحصل فيه ذلك سيما الأذكار عقب الصلاة ونحوها أفضل والله أعلم. قوله:(مسؤولات مستَنطَقات) بصيغة المجهول أي مسؤولة عن أعمال صاحبها شاهدة عليه والحديث مشير إلى قوله تعالى {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24] الآية.

تنبيه

أورد ابن الجزري في الحصين في الحديث كان يأمر أن يراعى التكبير والتقديس والتهليل وأن يعقد بالأنامل لأنهن مسؤولات ومستنطقات ورمز لمخرجيه بقوله دت أي أبو داود والترمذي ثم أورد بعده حديث عليكن بالتسبيح والتقديس والتهليل ولا تغفلن فتنسين الرحمة ورمز لمخرجه بقوله مص أي ابن شيبة في مصنفه وصحابي الحديثين يسيرة واعترضه ميرك بأن لفظ الترمذي عن يسيرة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكن بالتسبيح إلخ وفي الأذكار سنده حسن

ص: 252

وروينا فيهما وفي "سنن النسائي" بإسناد حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

فالعجب من الشيخ أنه خرج لفظ الترمذي ونسبه إلى مص فقط اهـ. قال في الحرز ولعل في الترمذي ألفاظاً منها ما نقله المصنف عنه مطابقاً لرواية أبي داود ومنها ما نقله صاحب الأذكار وأما ما رواه ابن أبي شيبة فليس فيه إلاّ ما نسبه المصنف إليه ومدار الحديث عند الكل على يسيرة، فعلة الإشكال صارت يسيرة، ثم إن السيوطي في الجامع الصغير أورد لفظ الحديث كما في الأذكار ثم قال رواه الترمذي والحاكم في مستدركه ففيه استدراك على المصنف حيث لم يذكره ولم ينقله عنه اهـ. وهذا وهم من ميرك تابعه عليه في الحرز إذ

حديث عليكن بالتسبيح إلخ، لا وجود له في الأذكار بهذا اللفظ أصلاً فضلاً عن كونه بسند حسن إنما فيه حديث أمرهن إن يراعين بالتكبير إلخ، وأما قول صاحب الحرز وأما ما رواه ابن أبي شيبة إلخ، فلا يندفع بالاعتراض عن صاحب الحصين لأن الذي ادعاه ميرك إن هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الترمذي والمصنف اقتصر في عزوه على مصنف ابن أبي شيبة فإن ثبت أنه في الترمذي كذلك ثبت الاستدراك عليه به وبالمستدرك ولفظ حديث الجامع الصغير كما في الرواية المعزوة إلى مص.

قوله: (وروينا فيهما وفي سُنن النسائي إلخ) قال الحافظ الحديث حسن أخرجه أبو داود وقال في آخره زاد محمد بن قدامة "بيمينه" وأخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى وأخرجه الحاكم وقال الترمذي حسن غريب من حديث الأعمش عن عطاء بن السائب قال الحافظ رجال إسناده غالبهم كوفيون وكلهم ثقات إلَاّ عطاء بن السائب فاختلط ورواية الأعمش عنه قديمة فإنه من أقرانه اهـ. قوله: (عن عبد الله بن عمرو) وهو عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما أحد العبادلة الفقهاء الأربعة وباقيهم ابن عمر وابن الزبير

ص: 253

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابن عباس كان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة أسلم قبل أبيه وكان فاضلاً عالماً قارئ القرآن والكتب المتقدمة قال في حقه النبي صلى الله عليه وسلم نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله أخرجه أحمد وأبو يعلى عن طلحة واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في أن يكتب عنه فأذن له فقال يا رسول الله أكتب ما أسمع في الرضا والغضب قال نعم فإني لا أقول إلَاّ حقاً قال أبو هريرة ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلَاّ عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب وإنما قلت الأحاديث المروية عنه بحيث لم يزد بالنسبة إلى ما في مسند تقي بن مخلد على أربعمائة حديث اتفقا منها على سبعة عشر وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بعشرين وكثرت الأحاديث المروية عن أبي هريرة لأنه توجه أبو هريرة لنشر الحديث حتى بلغ من أخذ عنه إلى نحو ثمانمائة إنسان ما بين صحابي وتابعي وتوجه عبد الله إلى التعبد أكثر من توجهه للتعليم واعتزل الناس وكان بمكة والطائف ولم يكن الرحلة إليهما من طلبة العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبو هريرة متصدياً فيها للفتيا والحديث حتى مات ولأن أبا هريرة اختص بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ينسى ما يحدثه به فانتشرت روايته وقال عبد الله بن عمرو حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام والقيام وأمره صلى الله عليه وسلم بالتخفيف مشهور مخرج في الأصول.

في أسد الغابة قال عبد الله بن عمر لخير اعمله اليوم أحب إلي من مثليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تهمنا الآخرة ولا تهمنا الدنيا وإنا اليوم مالت بنا الدنيا وشهد مع أبيه فتح الشام وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك وشهد معه صفين وقاتل وندم عليه وكان يقول ما لي ولصفين ما لي ولقتال المسلمين لوددت أني من قبله بعشرين سنة وقيل شهدها ولم يقاتل روى عنه ابن أبي مليكة أما والله ما طعنت برمح ولا ضربت بسيف ولا رميت بسهم

ص: 254

- يعقد التسبيح" وفي رواية: "بيمينه".

وروينا

ــ

وما كان رجل أجود مني لم يفعل شيئاً من ذلك توفي عبد الله سنة ثلاث وقيل خمس وستين بمصر وقيل سبع وستين بمكة وقيل خمس وخمسين بالطائف وقيل ثمان وستين وقيل ثلاث وسبعين وكان عمره اثنتين وسبعين سنة وقيل وتسعين شك ابن كبير في سبعين هل هو بتقديم المثناة أو السين المهملة أخرجه الثلاثة وقال الحافظ

العراقي اختلف في وفاته فقال أحمد توفي ليالي في الحرة وكانت سنة ثلاث وستين وقيل ثلاث وسبعين وقيل خمس وستين وقيل سبع وقيل ثمان وستين وقيل خمس وخمسين وهو بعيد واختلف أيضاً في محل وفاته فقيل بمصر وقيل بفلسطين وقيل بمكة وقيل بالمدينة وقيل بالطائف والله أعلم اهـ. وقال ابن الجوزي في صفوة الصفوة أنه مات بالشام سنة خمس وستين عن اثنتين وسبعين سنة اهـ. قوله: (يعقِدُ التسبيح) فهم ابن الجزري في مفتاح الحصين إن المراد بالتسبيح فيه المسبحة فقال كما سبق ولهذا اتخذ أهل العبادة غيرهم السبح اهـ. وقال في الحرز ليس المراد بالتسبيح ما سبح به من الآلة بل المراد به قول سبحان الله ونحوه من ألفاظ التنزيه فالمعنى يعقد عدد ما قاله من التسبيح. قوله: (وفي رواية بيمينه) قال في الحرز ليس في النسائي والترمذي قول بيمينه كما ذكره ميرك وفي الجامع الصغير كان يعقد التسبيح رواه الترمذي والنسائي والحاكم والظاهر إن لفظ بيمينه مدرج من الراوي إذ ليس في الأصول مذكوراً اهـ، لكن قضية قول الرداد في موجبات الرحمة بعد إيراده كذلك أخرجه أبو داود ورواه الترمذي والنسائي ولم يقولا بيمينه أن هذا اللفظ ثابت في رواية أبي داود وكلام ميرك يومئ إليه لأنه لم ينفها إلَاّ في طريقي النسائي والترمذي ولم يتعرض لأبي داود لأن صاحب الحصن إنما عزا تخريج الحديث كذلك إلى رواية النسائي وبما ذكر يندفع دعوى إن لفظ بيمينه مدرج من الراوي كما لا يخفى على اليقظ.

ص: 255

في "سنن أبي داود" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: "مَنْ قالَ: رَضِيتُ بالله رَباً، وَبالإسْلام دِيناً، وَبمُحَمدِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً وَجَبَتْ لَهُ الجَنةُ".

وروينا

ــ

الحاوي وقد سبق في كلام أبي داود إن محمد بن قدامة زاد ذلك وهو أحد أشياخ أبي داود في هذا الخبر فقد رواه عنه وعن عبيد الله بن محمد القواريري وآخرين كما أشار إليه الحافظ وفي شرح المشكاة لابن حجر وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه وفي التصحيح ما لا يخفى لوجود النزاع في ثبوت بيمينه من حيث الرواية، هذا وحديث يسيرة السابق عقد الأنامل فيه شامل لكلا اليدين وحينئذٍ فإما أن يحمل على اليمين ليوافق حديث ابن عمرو أو يبقى على عمومه بالنسبة لحصول أصل السنة ويحمل خبر ابن عمرو على بيان الأفضل أو يحمل حديثها على ما احتيج إلى اليدين وحديثه على ما إذا كفى أحدها.

قوله: (في سنن أبي داود إلخ) في عدة الحصين رمز لمخرج هذا الخبر "س. م" أي النسائي -قلت خرجه في السنن الكبرى- ومسلم، وفي الحصن لمخرجيه "س م ت مص" أي النسائي ومسلم والترمذي وابن أبي شيبة قال في السلاح رواية أبي داود وإحدى روايات النسائي من قال رضيت بالله ربا إلخ، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي في أخرى من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وجبت له الجنة وحينئذٍ فكان حق المصنف أن يذكر في مخرجيه النسائي أيضاً ولا يرد عليه مسلم لأنه لم يروه بهذا اللفظ والله أعلم وقال الحافظ هذا حديث حسن وإنما لم أحكم له بالصحة مع إن رجاله رجال الصحة لاختلاف وقع على أبي هانئ يعني الراوي له عن عبدة بن سليمان عن أبي سعيد الخدري واسمه حميد بن هائئ في متنه وسنده فأخرجه مسلم والنسائي عن أبي هانئ عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أبا سعيد من رضي بالله رباً الحديث

ص: 256

في "كتاب الترمذي" عن عبد الله بن بُسر، بضم الباء الموحدة وإسكان السين المهملة الصحابي رضي الله عنه، "أن رجلاً قال: يا رسول الله إن

ــ

على هذا المنوال وفيه قصة وحديث آخر في الجهاد مضموم إليها ولذا أخرجه مسلم في كتاب الجهاد وصحح

ابن حبان طريقيه معاً وأخرجه الحاكم والطبراني في كتاب الدعاء قال الحافظ وسيأتي شواهد لأصل الحديث في القول عند سماع المؤذن وفي القول عند الصباح والمساء لكنها مقيدة بذلك اهـ، وسيأتي الكلام على معنى الحديث في باب الأذان إن شاء الله تعالى.

قوله: (في كتاب الترمذي إلخ) ورواه أيضاً ابن ماجة والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد وابن حبان في صحيحه قاله في السلاح زاد في الحصين وابن أبي شيبة في مصنفه وكان سبب الاقتصار على الترمذي كون اللفظ له وقال الحافظ الحديث حسن رواه الترمذي والنسائي في الكبرى والطبراني في كتاب الدعاء ولأصل الحديث شاهد من حديث معاذ أخرجه الطبراني في الدعاء عن معاذ قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى قال أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله قال الحافظ حديث حسن أخرجه الفريابي في الذكر له وشاهد آخر من حديث جبير بن نفير عن أبي الدرداء موقوفاً إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله تعالى يدخلون الجنة وهم يضحكون، نفير بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها مهملة صحابي اهـ. قوله:(عَنْ عبد الله بن بُسْرٍ) قال في السلاح وغيره بضم الموحدة وسكون المهملة اهـ، وهو أنصاري مازني صحب النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه وأمه وأخوه عطية وأخته الصماء انفرد كل واحد من الشيخين عنه بحديث وخرج عنه الأربعة مات بحمص سنة ثمان وثمانين عن أربع وتسعين سنة وفي أسد الغابة توفي سنة ثمان وثمانين وهو ابن أربع وتسعين سنة وقيل مات بحمص

ص: 257

شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال: لا يَزَالُ لِسانُكَ

ــ

سنة ست وتسعين أيام سليمان بن عبد الملك وعمره مائة سنة وهو آخر من مات بالشام من الصحابة أخرجه الثلاثة إلَاّ ابن منده قال عبد الله بن بسر السلمي المازني وهذا لا يستقم فإن سليمان أخو مازن وليس لعبد الله حلف في سليم حتى ينسب إليهم بالحلف. قوله: (شَرائِعَ الإسلام) بهمزة قبل العين أي شعائره وعلاماته كالفرائض والنوافل والذكر والحمد وكل طريق جميل دال على صدق أسلام فاعله. قوله: (كثَرَتْ بفتح المثلثة) أي غلبت علي لكثرتها وفي نسخة من الحصين بضمها أي تعددت وبلغت حد الكثرة التي عجزت عن عدة جميعها وتحيرت في اختيار بعضها لعدم معرفتي أفضلها. قوله: (فأخبرني) هذا لفظ الترمذي وفي الحصين فأنبئني والمعنى واحد. قوله: (بشيءِ) أي معتبر من الشرائع وقيل بشيء عمله قليل وأجره جزيل وفيه أنه لا يطابقه الجواب الجميل. قوله: (لَا يَزالُ لِسانُكَ) أي بحسب القدرة والطاقة إن أريد باللسان الجارحة المعروفة وإن أريد به اللسان القلبي الملائم لقوله لا يزال فيه يتضح وإن جمع بين اللسانين فنور على نور كذا قيل وفيه أنه وإن حمل على اللسان القلبي فلا بد من أن يراد إن ذلك على حسب الطاقة والاستعداد لأن دوام الذكر والمراقبة والحضور إن قلنا به كما قاله به جمع من المحققين إنما هي

للخصوص ومن كان كذلك فلا منع بالنسبة إليه من دوام الذكر لكل من اللسان والجنان أما إذا قلنا بأن ذلك تارة وتارة كما قال به آخرون أخذاً من حديث حنظلة فيتضح باعتبار هذا القيد بكل من اللسانين والله أعلم وفي طبقات الشعراني الكبرى في ترجمة أبي الدرداء كان يعني أبي الدرداء يقول إن الذين ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك قلت المراد بالرطبة عدم الغفلة فإن

ص: 258

رَطْباً مِنْ ذكْرِ اللهِ تَعالى" قال الترمذي: حديث حسن، قلت: أتشبث بتاء مثناة فوق ثم شين معجمة ثم باء موحدة مفتوحات ثم ثاء

مثلثة، ومعناه: أتعلق به وأستمسك.

وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل:

ــ

القلب إذا غفل يبس اللسان وخرج عن كونه رطباً اهـ، وهو من الحسن بمكان. قوله:(رطباً) أي ليناً ملازماً قريباً للعهد من ذكر الله وقال الطيبي رطوبة اللسان حينئذٍ كناية عن سهولة جريانه كما أن يبسه كناية عن ضده ثم إن جريان اللسان حينئذٍ عبارة عن مداومة الذكر قبل ذلك كأنه قيل دوام الذكر فهو أسلوب {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] اهـ، أي أدمن الذكر باللسان والجنان في سائر الأحوال حتى أنه لا يزال لسانك رطباً إلخ. قال في الحرز وهذا الحديث هو المعنى بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] وسيأتي في الحديث بعده كلام في هذا المقام. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) وفي المشكاة وقال الترمذي حديث حسن غريب وقال الحاكم كما سبق صحيح الإسناد. قوله: (أَتشبثُ إلخ) سكت المصنف عن ضبط إعرابه وهو بالرفع صفة ووجد في بعض نسخ الحصين بالجزم على أنه جواب الأمر. قوله: (وروينا فيه) أي في سنن الترمذي وأورده في المشكاة على ما هنا إلاّ أنه رواه بإبدال قوله أي العباد بتشديد الموحدة وحذف الهاء من آخره قال جمع عابد رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث غريب وقد راجعت نسختي من جامع الترمذي فوجدتها كما رواه في المشكاة ولعله وقع فيه اختلاف ليحصل به الائتلاف قال الترمذي بعد تخريج الحديث هذا غريب إنما نعرفه من حديث دراج بالمهملة المفتوحة والراء المشددة المهملتين وبعد الألف جيم قيل أنه لقب واسمه عبد الرحمن وكنيته أبو السمح مصري مختلف فيه فضعفه أحمد وأبو حاتم

ص: 259

أيُّ العبادة أفضل درجة عند الله تعالى يوم القيامة؟ قالَ: الذاكِرُون اللهَ كَثِيراً، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ

ومِن الغازي في سبيل الله عز وجل؟ قال: لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ حتَى ينكسرَ سيفه ويَخْتَضِبَ دَماً

ــ

والدارقطني وغيرهم مطلقاً وأبو داود في روايته عن أبي الهيثم ووثقه ابن معين واعتمد توثيقه ابن حبان والحاكم فصححا له وأورد ابن عدي هذا الحديث في الكامل من طريق سعيد بن عفير عن ابن لهيعة عنه في جملة ما أنكر عليه من الأحاديث ويزاد ضعفه بأنه لم يروه عنه إلَاّ ابن لهيعة، وأبو الهيثم أي شيخ أبي السمح وهو الراوي عن أبي سعيد اسمه سليمان بن عمرو مصري تابعي ثقة اهـ. قوله:(أيُّ العبادة أفضل) كذا في نسخ الأذكار وعليه فيحتاج لتقدير مضاف في الجواب أي عبادة الذاكرين ليحصل التطابق بين السؤال والجواب أو يجعل من أسلوب الحكيم أي سئل عن أفضل الأعمال فأجاب بذكر أفضل العمال إعلاماً بأنهم حريون بالسؤال عما لهم من الأحوال وذكر ما يعلم منه الجواب من الثناء عليهم بأفضل الأعمال من الذكر لله المتعال ورواية المشكاة واضحة مطابقة الجواب فيها للسؤال. قوله: (أفضل درجة عند الله) هذا لفظ الترمذي وفي المشكاة أي العبادة أفضل وأرفع درجة عند الله وكأن زيادة أربع وقعت عند الإمام أحمد وعلى هذا تحمل زيادة والذاكرات في رواية المشكاة على رواية المصنف هنا وهي التي في الترمذي. قوله: (الذاكرونَ الله كثيراً) إن أريد من

الخبر المذكور قبله ما يشمل الذكر المأثور وغيره وأريد به هنا ما يخص المأثور كان الأول أعم وإن أريد به هنا الأعم كذلك فهما متساويان. قوله: (قُلت ومِنَ الغازي إلخ) هذا لفظ الترمذي ورواه في المشكاة قيل وكأنه من رواية الإمام أحمد والواو عاطفة والمعطوف عليه مقدر أي أفضل من غير الذاكر حتى من الغازي. قوله: (في الكفار) وهو مفعول

ص: 260

لَكان الذاكِرُونَ اللهَ أفْضلَ مِنْهُ".

ــ

به وجعله مفعولاً فيه مبالغة لأن جعلهم مكاناً وظرفاً للضرب بالسيف أبلغ من جعلهم مضروبين به فقط وعطف المشركين على الكفار عطف خاص على عام إن أريد بالمشركين أهل الأوثان من مشركي العرب ومن تابعهم وبالكفار ما يعم ذلك وأهل الكتاب أي الحربيين وغيرهم أو عطف رديف إن أريد بالمشركين ما أريد بالكفار من مقابل المسلم. قوله: (لكانَ الذاكرونَ لله) أي الذاكرون مخلصين له لا لغرض سواه ذكراً كثيراً كما دل عليه السباق والسياق لفضل ويوجد في بعض النسخ الذاكرون لله كثيراً ولا وجود له في الأصول المصححة. قوله: (أَفْضل منه كذا) هو بحذف "درجة" في نسخ الأذكار مع أنها ثابتة في جامع الترمذي وقد رواها في شرح السنة وفي المشكاة قال شارحها ابن حجر يحتمل إن المراد بدرجة الوحدة أي واحدة ويحتمل إن المراد بها الجنس أي درجات متعددة ثم قضية هذا الخبر وما في معناه كالخبر الآتي بعده وخبر من قال حين يصبح أو يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلَاّ قال مثل ما قال أو زاد عليه إن الذكر أفضل سائر الأعمال وكونه أفضل أعمال اللسان لا إشكال فيه إنما الإشكال في كونه خيراً من نحو الجهاد وإنفاق الذهب والورق وقضية كلام أصحابنا كما قال ابن حجر في شرح المشكاة العكس ويمكن الجمع باعتبار الحيثية وبه يندفع التنافي وذلك بأن أفضلية الذكر نظراً إلى امتلاء قلب الذاكر بشهود ربه وحضوره بين يديه والإنفاق والجهاد المستلزم لدفع الشيطان وتجرده عن ساحة القلب الذي بصلاحه وطهارته يصلح ويطهر باقي البدن فالذكر من جهة تأثيره في القلب ما لا يؤثر غيره من الإنفاق ونحوه أفضل والجهاد من جهة خروجه عن نفسه وماله وبذلهما لله تعالى وتعدي نفعه وكونه فرض كفاية أو عين أفضل والذكر سنة والفرض أفضل منها بالإجماع

ص: 261

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في غير ما استثني وقد جمعت منه صوراً في قولي:

الفرض أفضل من نفل وإن كثرا

فيما عدا صورا خذها حكت درراً

بدء السلام أذان والطهارة من

قبيل وقت مع الابرا لمن عسرا

وكلام ابن عبد السلام الآتي في الخبر بعده مبني على ظاهر الخبر غافل عن هذا النظر إلى كلام الأصحاب المذكورة كما نبه عليه ابن حجر الهيتمي وحمل زين العرب الذكر المفضل على الجهاد والإنفاق على الذكر الجناني الفكري دون الذكر اللساني قال لأن ذاك له المنزلة الزائدة على بذل النفس والمال لأنه عمل نفسي وفعل قلبي أشق من عمل الجوارح بل هو الجهاد الأكبر اهـ، وظاهره كلام الشراح المذكور وما يأتي يخالفه وما في مفتاح الحصين حمل هذا وأمثاله على الذكر المضموم إلى الجهاد فالمجاهد الذاكر أفضل من الذاكر بلا جهاد ومن المجاهد الغافل والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل فأفضل الذاكرين المجاهدون وأفضل المجاهدين الذاكرون وكذا الحال في سائر

الأعمال اهـ، أي إن الذكر المجرد أفضل من جميع العبادات المجردة عنه والعمل المنضم إلى ذكر أفضل منه بلا ذكر ومن الذكر المجرد عن العمل ثم ينظر في نسبة الأعمال المتضمنة باعتبار تفاوت مراتبها وفي الحصين ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله رواه الطبراني في الكبير وأحمد وابن أبي شيبة زاد الطبراني وابن أبي شيبة قالوا ولا الجهاد في سبيل الله إلا إن يضرب بسيفه حتى ينقطع قال الحنفي الاستثناء يدل على إن الجهاد الخاص وهو إن يضرب بسيفه حتى ينقطع أنجى من الذكر وهذا لا يلاءم خبر إلا أخبركم بخير أعمالكم قلت ومثله الحديث الذي نحن فيه، وقال ابن الجوزي قوله ولا الجهاد يعني والله أعلم الجهاد المجرد عن الذكر يبينه الحديث القدسي إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه أي بكسر القاف أي كفأه في الشجاعة حال القتال اهـ. قال في الحرز ليس مراده إن الجهاد المجرد

ص: 262

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنجى من الذكر إذ صرح بضده حيث قال والذاكر بلا جهاد أفضل من المجاهد الغافل وإنما أراد إن قوله ولا الجهاد محمول على الجهاد المجرد والمراد بالمستثنى المنضم إلى الذكر كما بينه بأنه الأفضل، والأظهر إن يراد بقولهم ولا الجهاد الأعم من المجرد والمنضم إلى الذكر ويراد بالمستثنى الأخير وبه يحصل الجمع بين الأحاديث اهـ، وصريح كلام ابن الجوزي إن الذكر المجرد أفضل من العمل المجرد عنه كما هو قضية ظاهر الأخبار لكن قضية ما ذكرناه إن فضله ليس على الإطلاق بل من حيثية ما فيه من امتلاء القلب بشهود الرب وإلا فالجهاد وبذل الأموال أفضل منه من كل حيثية غير الحيثية المذكورة وبذلك صرح ابن حجر في شرح المشكاة وقال أيضاً الحق أنهما خير منه في حق السالك بالنظر لتطهير النفس من رذيلة البخل بالإنفاق ومن رذيلة الجبن بالجهاد والذي لا يحصل ثمرات الذكر وفضله إلا بالتطهر عنهما إذ معهما ليس له كبير جدوى والذكر خير منهما بالنظر للعارف لأنه يخلو عنهما، وأمر السالك به أولاً والإدمان عليه حتى يصير كالطبع له ثم لغيره لا يدل على أفضليته لأنهم إنما يفعلون ذلك تدريباً للنفس وأخذًا بالأسهل فالأسهل إلى أن يتأهل للأشق ولا شك أنه أخف منهما بل لا أشق منهما في الحقيقة على النفس فأمروه بالأخذ بالأهون ابتداء وهو الذكر ثم بما هو أشق من الإنفاق ونحوه، قال وقول الشارح "لعل أفضلية الذكر وخيريته إن سائر العبادات من الإنفاق والجهاد وسائل والذكر هو المقصود الأسنى وناهيك من فضل الذكر قوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وغير ذلك" اهـ، لا يخالف ما ذكرناه من التفضل فهو المقصود الأسنى ممن يطهر من ذينك دون غيره كما قررته اهـ. وقال المحقق الشهاب الرملي من جملة جواب له ومحصل ما أجاب به العلماء عن الحديثين وغيرهما مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال إن الجواب اختلف باختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كلا بما يحتاج إليه أو يليق به أو له فيه رغبة أو باختلاف الأوقات بأن يكون ذلك العمل ذلك الوقت أفضل من غيره ومنه في غيره كالجهاد

ص: 263

وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

فقد كان أفضل الأعمال أول الإسلام لأنه الوسيلة إلى التمكن منها والقيام بأدائها ثم تظافرت النصوص على فضل الصلاة عليه وتظافرت على فضلها على الصدقة مع إن الصدقة في وقت مواساة المضطر تكون أفضل منها أو إن أفعل التفضيل فيه ليس على بابه بل المراد به أصل الفعل أو أنه على حذف من التبعيضية لفظاً وإرادتها اهـ.

قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب الترمذي واللفظ له في كتاب ابن ماجة وكذا رواه مالك وأحمد كما في المشكاة قال إلا إن مالكاً وقفه على أبي الدرداء اهـ، والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد كما سيأتي في كلامه رحمه الله ولا يضر وقف مالك له لأن الحكم لمن وصل على إن مثل هذا مما لا مجال للرأي فيه حكمه الرفع، وقال الحافظ هذا حديث مختلف في رفعه ووقفه وفي إرساله ووصله قال الترمذي رواه بعضهم عن عبد الله بن سعيد يعني ابن أبي هند الراوي عن زياد بن أبي زياد المخزومي عن أبي بحرية عن أبي الدرداء قال الحافظ ورواه مالك في الموطأ عن زياد بن أبي زياد قال قال أبو الدرداء فذكره موقوفاً ولم يذكر أبا بحرية في سنده قال وقد وقع لنا الحديث من وجه آخر عن أبي الدرداء موقوفاً عليه بسند رجاله ثقات فذكره وأفاد بعض تلامذة الحافظ نقلاً عنه في حال الإملاء إن الصحيح الوقف اهـ، وقد علمت إن الوقف للفظه فقط لأن مثله لا يدركه رأياً. قوله: (عن أبي الدرداء رضي الله عنه واسمه عويمر بن عامر بن مالك بن زيد بن قيس من الخزرج وكان آخر أهل داره إسلاماً وحسن إسلامه وكان فقيهاً عالماً حكيماً آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان

ص: 264

"ألا أنْبئُكُمْ بِخَيْرِ أعمالِكُمْ

ــ

الفارسي وقال عليه الصلاة والسلام في حقه عويمر حكيم أمتي شهد ما بعد أحد من المشاهد وعن مسروق قال شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وجدت علمهم انتهى إلى عمر وعلي وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وكان ابن عمر يقول حدثونا عن العاملين معاذ وأبي الدرداء ولاة عمر رضي الله عنه القضاء وكان القاضي خليفة الأمير إذا غاب، توفي في خلافة عثمان على الصحيح سنة إحدى وقيل ثنتين وثلاثين وقبره وقبر زوجته أم الدرداء الصعري بباب الصغير من دمشق وقيل له مالك لا تقول الشعر وكل لبيب من الأنصار قال الشعر قال وأنا قلت شعراً قيل وما هو فقال:

يريد المرء أن يؤتى مناه

ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول العبد فائدتي ومالي

وتقوى الله أولى ما استفادا

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وتسعة وسبعون حديثاً اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بثمانية. قوله: (ألَا أُنَبئُكم) وفي نسخة "أخبركم" قال ابن هشام في المغني إلا تكون للتنبيه فتدل على تحقق ما بعدها وتدخل على الجملتين الاسمية والفعلية ويقول المعربون فيها حرف استفتاح فيبينون مكانها ويهملون معناها وإفادتها التحقيق من جهة تركبها من الهمزة "لا" وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق نحو أليس ذلك بقادر، ولكونها بهذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بنحو ما يتلقى به القسم نحو {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} [يونس: 62] اهـ، ومن غير الغالب الخبر المذكور لانتفاء التصدر فيه والإتيان بما يدل على شدة الاعتناء بما بعدها ليتفرغ ذهن السامع لاستماعه وفي الحرز يحتمل إن إلا للتنبيه والأظهر أنه مركب من لا النافية واستفهام التقرير كما يدل عليه قوله الآتي بلى. قوله:(بخيرِ أعمالكم) قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام

ص: 265

وأزْكاها عنْدَ مَلِيكِكُمْ

ــ

في القواعد هذا الحديث يدل على أن الثواب لَا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله على قليل العمل أكثر مما يأجر على كثيره فإذاً يترتب الثواب على تفاوت

الرتب في الشرف اهـ. قال في شرح المشكاة وهذا جرى على الأخذ بظاهر الحديث مع قطع النظر عن كلام الأئمة أي القائلين بأفضلية الجهاد والإنفاق على الذكر اهـ. وقال العاقولي في شرح المصابيح فيه دليل على أن الثواب ليس على قدر النصب ولكن على حسب إرادته تعالى وقد يعطى على العمل القليل الأجر الجزيل وقد يعكس اهـ، أي ولا يلزم منه فضل ذي الثواب الكبير على غيره قدرًا فلا يخالف كلام الأصحاب قال الحنفي ولا يناسبه يعني حديث الباب ما وقع من حديث ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل فقال أحمزها أي أشدها وأقواها وهذا الحديث مذكور في الكتب الكلامية في بحث تفضيل الأنبياء على الملائكة اهـ، وهو في النهاية منسوب لابن عباس موقوفاً وضبطه بالمهملة والزاي وذكره الجلال السيوطي في الدرر المنتثرة بلفظ أفضل العبادات أشدها وقال لا يعرف أي مرفوعاً أو موقوفاً بسند معروف وعلى تقدير صحته يحمل على ما لم يكن فيه نص من الشارع وقال العاقولي أيضاً يمكن أن يكون المراد من ذكر الله المداومة عليه بالباطن والظاهر فيقتضي حينئذٍ صرف العمر كله فيه ولا شك أنه إذا كان الذكر بهذه المثابة فهو أكثر من إنفاق مال ينفق وجهاد يخلص منه في زمان معين لأن الصبر على مضاضة القتل ساعة واحدة والصبر على مداومة الحضور مع الذكر طويل اهـ. أي فلا يكون فيه ترتب الأجر الجزيل على العمل القليل بل على العمل الكثير والله أعلم. قوله:(وأزكاها عند مَليكِكُم) أزكاها أي أنماها من حيث الثواب الذي يقابلها أو أطهرها من حيث كمال ذاتها لا بالنظر للثواب ويؤيده عطف

ص: 266

وأرْفَعِها فِي دَرَجَاتِكُمْ، وخَيْرِ

لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذهَبِ وَالوَرِقِ، وخَيرٍ لَكُمْ مِنْ أنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ ويضربوا

أعناقكم! قالوا: بلى، قال:

ــ

وأرفعها إذ هو على الأول تأكيد وعلى الثاني تأسيس وهو خير من التأكيد ومليك مبالغة ملك ومنه عند مليك مقتدر وهو ظرف لما قبله وما بعده معاً أو للأخير وعند في أمثال هذا السياق لشرف المرتبة وعلو المكان كما تقدم في الفصل الرابع. قوله (وأرفَعها إلخ) أي أكثرها رفعاً لدرجاتكم. قوله: (وخيرٍ لكم) عطف على خير عطف خاص على عام لأن الأول خير الأعمال مطلقاً وهو خير من إنفاق الذهب والورق أو عطف مغاير بأن يراد بالأعمال اللسانية فيكون ضد هذا لأن بذل الأموال والنفس من الأعمال البدنية. قوله: (إِنفاقِ الذهب والوَرِق إلخ) الإنفاق مصدر أنفق وهو يستعمل في الخير كما إن نفق وضع في الشر وللذهب أسماء منها النضير والنضر والنضار والزيرج والسيراء والزخرف والعسجد والعقيان والتبر غير مضروب وبعضهم يقوله للفضة، وللفضة أيضاً أسماء اللجين والسبيك والغرب ويطلقان على الذهب أيضاً كذا في المطلع للبعلي وفي شرح العمد للقلقشندي نظم ابن مالك أسماء الذهب في قوله:

نضر نضير نضار زيرج سيرا

زخرف عسجد عقيان الذهب

والتبر ما لم يذب وأشركوا ذهبا

وفضة في سبيك هكذا العرب

وفي النهاية الرقة يريد الفضة والدراهم المضروب منها وأصل الفضة الورق وهي الدراهم المضروبة خاصة فحذف الواو وعوض عنها الهاء وتجمع الرقة على رقات ورقين وفي الورق ثلاث لغات الورق والورق والورق اهـ. وهذه اللغات جارية فيه وفيما ماثله من كل ثلاثي على وزن فعل بكسر العين فإن كانت عينه حرف حلق جاز فيه لغة رابعة هي إتباع فإنه عينه كفخذ. قوله: (عدوكم إلخ) أي تلقوا الكفار المحاربين فيقع بينكم حرب فيحصل منكم وفيهم القتل. قوله:

ص: 267

ذِكْرُ اللهِ تَعالى" قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه

ــ

(ذكرُ الله) الشامل للقرآن وهو أفضل اللسان بلا خلاف وتقدم ما في فضله على عمل البدن وأفضل أنواعه القرآن ففي الخبر وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه ففيه إيماء إلى إن ذكره بكلامه القديم خير منه بالذكر الحادث وأيضاً فالقرآن مشتمل على الذكر مع زيادة ما يقتضيه من الفكر والتأمل في لطف مبانيه وحسن معانيه والعمل بما فيه ولا شك أنه أفضل من مجرد الذكر، نعم محل ذلك ما لم يرد من الشارع تخصيص لحال أو مكان أو زمان بذكر مخصوص وإلَّا فالاشتغال به فيه أفضل منه بالقرآن اتباعًا للمأثور وفي الحرز جاء في كثير من الأحاديث ما يدل على أن تعلم العلم وتعليمه أفضل من الذكر المجرد بل من سائر الطاعات والعبادات اهـ، وكلام أصحابنا مقتض لذلك قال إمامنا الشافعي الاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بصلاة النافلة وإذا فضل عليها وهي أفضل الأعمال البدنية فغيرها من نوافل الأذكار أولى والله أعلم. قوله:(قال الحاكم أبو عبد الله) هو محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بابن البيع ولد بنيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وتوفي بها في يوم الأربعاء ثالث صفر سنة خمس وأربعمائة طلب العلم من الصغر باعتناء والده وخاله وأول سماعه سنة ثلاثين، وأكثر من الشيوخ أكثرهم من نيسابور وله فيها نحو ألف شيخ وفي غيرها نحو ألف شيخ أيضاً روى عنه خلق كثير من أجلهم البيهقي والدارقطني وهو من شيوخه ورحل إليه من البلاد لسعة علمه وروايته واتفاق العلماء على أنه من أعلام الأمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين وحدث عنه في حياته وكان يرجع إلى قوله حفاظ عصره كأبي بكر بن إسحاق وأبي الوليد النيسابوري وكان أبو سهل الصعلوكي وابن فورك وأمثالهما يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق فضله ويعرفون له الحرمة الأكيدة بسبب تفرده بحفظه ومعرفته

ص: 268

المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإسناد.

ــ

وقال محمد بن طاهر الحافظ سألت سعداً الزنجاني الحافظ بمكة فقلت له أربع من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وابن منده بأصبهان وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور فسكت فألححت عليه فقال أما الدراقطني فأعلمهم بالعلل وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب وأما ابن منده فأكثرهم حديثاً مع معرفة تامة وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفاً وحكي إن أبا الفضل الهمداني الأديب لما ورد نيسابور وتعصبوا له ولقب بديع الزمان أعجب بنفسه إذ كان يحفظ المائة بيت إذا أنشدت بين يديه مرة واحدة وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة وأنكر على الناس قولهم فلان الحافظ في الحديث ثم قال: وحفظ الحديث مما يذكر، فسمع به الحاكم ابن البيع فوجه إليه بجزء وأجله جمعة في حفظة فرد إليه الجزء بعد الجمعة وقال من يحفظ هذا محمد ابن فلان وجعفر ابن فلان أسام مختلفة وألفاظ متباينة فقال له الحاكم فاعرف نفسك واعلم أن حفظ هذا أصعب مما أنت فيه ذكرَه السبكي في طبقاته وروى أبو موسى المديني إن الحاكم دخل الحمام واغتسل وخرج وقال آه وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد. قوله:(المستدرك) بفتح الراء سمي به لأنه استدرك فيه الزائد على الصحيحين من الصحيح مما هو على شرطهما أو شرط أحدهما أو ما ليس على شرط واحد منهما معبراً عن الأول بقوله هذا حديث صحيح الإسناد وربما أورد فيه ما هو فيهما أو في أحدهما سهواً وربما أورد فيه ما

لم يصح عنده منبهاً على ذلك وهو متساهل في التصحيح قال المصنف في شرح المهذب اتفق الحافظ على إن تلميذه البيهقي أشد نحرياً منه وقد لخص الذهبي المستدرك وتعقب كثيراً منه بالضعف والنكارة وجمع جزءاً فيه الأحاديث التي هي فيه وهي موضوعة فذكر نحو مائة حديث وقال أبو سعيد الماليني طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم فلم أر فيه حديثاً على شرطهما قال الذهبي وهذا إسراف وغلو من الماليني وإلَّا ففيه جملة وافرة

ص: 269

وروينا في "كتاب الترمذي"

ــ

على شرطهما وجملة كثيرة على شرط أحدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح بسنده وفيه بعض شيء أورد عليه وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير وواهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات قال شيخ الإسلام الحافظ وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سرد الكتاب لينقحه فأعجلته المنية قال وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك "إلى هنا انتهى إملاء الحاكم" قال وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلَاّ بالإجازة قال والتساهل في القدر المملي قليل جداً بالنسبة إلى ما بعده وحكم أحاديث المستدرك إن ما صححه منها ولم يوجد فيه لغيره من المتقدمين تصحيحاً ولا تضعيفاً يحكم له بالحسن إذ لم يظهر فيه علة تقتضي ضعفه قاله ابن الصلاح وتبعه المصنف وهو مبني من ابن الصلاح على انقطاع التصحيح في هذه الأعصار والجمهور على خلافه ولذا قال البدر بن جماعة الصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الصحة والحسن والضعف وتبعه العراقي فقال إن الحكم بالحسن فقط تحكم والمصنف كالجمهور لجواز التصحيح وكأنه سكت عن التنبيه على ذلك هنا مع خلافه في الأصل المبني عليه ذلك اكتفاء بما ذكر ثمة وبه يندفع قول بعض شراح التقريب له فالعجب من المصنف كيف وافقه هنا مع مخالفته في المسألة المبني عليها.

قوله: (وروينا في كتاب الترمذي إلخ) قال المنذري في الترغيب رواه الترمذي والطبراني في الصغير والأوسط وزاد ولا حول ولا قوة إلاّ بالله روياه عن عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم عن أبيه عن عبد الله بن مسعود وقال الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود قال المنذري أبو القاسم هو عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن هذا لم يسمع

ص: 270

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَقِيتُ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم

ــ

من أبيه وعبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الكوفي وآه قال الحافظ ابن حجر قال الطبراني لم يروه عن القاسم إلَاّ عبد الرحمن بن إسحاق ولا عنه إلَاّ عبد الواحد ولا رواه مرفوعاً عن عبد الواحد إلا سيار يعني ابن أبي حاتم اهـ، ونقل الحافظ مثله عن الدارقطني في الأفراد وحسنه الترمذي لشواهده ومن ثم قيد بالغرابة وإلَّا فعبد الرحمن بن إسحاق ضعفوه وهو أبو شيبة الواسطي ومن شواهد الحديث حديث أبي أيوب الأنصاري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم خليل الرحمن فقال إبراهيم يا جبريل من هذا معك قال هذا محمد فقال إبراهيم مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما غراس الجنة قال لا حول ولا قوة إلَاّ بالله هذا حديث حسن أخرجه أحمد وابن حبان اهـ. قال الحافظ المنذري ورواه الطبراني بإسناد وآه من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه ولفظه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في الجنة قيعاناً فأكثروا من غراسها قالوا يا رسول الله وما غراسها قال صلى الله عليه وسلم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَاّ الله والله

أكبر. قوله: (عن ابن مسعود) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بمعجمة وفاء الهذلي وهذيل بن مدركة كان ابن مسعود حالف في الجاهلية عبد الحارث بن زهرة، وأمه أم عبد هذلية أيضاً أسلم قديماً بمكة سادس ستة لما مر به صلى الله عليه وسلم وهو يرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط فقال يا غلام هل من لبن قال نعم ولكني مؤتمن قال فهل من شاة لم ينز عليها فحل فأتاه بها فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب منه وسقى أبا بكر ثم قال للضرع اقلص فقلص فعاد كما كان فقال يا رسول الله علمني من هذا الكلام أو من هذا القرآن فمسح رأسه وقال إنك

ص: 271

لَيلةَ أسْرِيَ بِي، فقالَ: يا مُحَمدُ

ــ

غلام معلم قال فلقد أخذت منه سبعين سورة ما نازعني فيها بشر، قال عبد الله لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا وهو أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرًا وبيعة الرضوان والمشاهد كلها وصلى للقبلتين وكان صلى الله عليه وسلم يكرمه ويدنيه ولا يحجبه فلذلك كان كثير الولوج عليه صلى الله عليه وسلم ويمشي معه وأمامه ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام ويلبسه نعليه إذا قام فإذا جلس أدخلهما في ذراعيه وكان مشهوراً بين الصحابة بأنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشراكه ونعليه وطهوره في السفر وبشره صلى الله عليه وسلم بالجنة وقال رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد وسخطت لها ما سخط لها ابن أم عبد وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم في سمته وهديه ودله وكان خفيف اللحم شديد الأدمة نحيفاً قصيراً جداً نحو ذراع ولما ضحك الصحابة من دقة رجليه قال صلى الله عليه وسلم "الرجل عبد الله في الميزان أثقل من جبل أحد" ولي قضاء الكوفة وما لها في خلافة عمر وصدراً من خلافة عثمان ثم رجع إلى المدينة ومات بها وقيل بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة وصلى عليه الزبير ليلًا ودفنه بالبقيع بإيصائه له بذلك لكونه صلى الله عليه وسلم كان قد آخى بينهما روى له ثمانمائة حديث وثمانية وأربعون حديثاً اتفقا منها على أربعة وستين وانفرد البخاري بأحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين روى عنه الخلفاء الأربعة وكثير من الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنه. قوله:(لَيلَةَ أُسْرِيَ بي) أي لما أسري بي إلى بيت المقدس ثم إلى السموات العلى ثم إلى قاب قوسين أو أدنى رأيت إبراهيم بمكانه من السماء السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ولكونه أشرف

ص: 272

أقْرِئْ أمتَكَ السلَامَ وأخْبِرْهُمْ أن

ــ

الأنبياء وأفضلهم بعد نبينا كان في أرفع السموات. قوله: (أقرئ أمتك السلَام) قال في فتح الإله لا يبعد أنه ينبغي لمن سمع ذلك أن يقول عليه السلام ورحمة الله وبركاته جزاء لما تفضل به على هذه الأمة آخراً كما تفضل عليها أولاً بسؤاله من ربه أن يبعث فيهم رسولاً من أنفسهم وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففي الحديث أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى إلخ وقد جوزي عن هذا بما منه إحياء ذكره والإعلان بشكره بالصلاة عليه وعلى آله في جميع الصلاة اهـ. قال المصنف في التهذيب لفظ الأمة يطلق على معاني منها من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وآمن بما جاء به وتبعه فيه وهي الممدوحة بنحو: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ} [آل عمران: 110] ومنها من بعث إليهم صلى الله عليه وسلم من مسلم وكافر ومنه حديث لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار رواه مسلم في كتاب الإيمان اهـ، باختصار ونقل الفاكهاني في شرح الأربعين النووية عن العزيزي إن أمة على ثمانية أوجه أي بحسب مدلولها وضعا بمعنى الجماعة وإتباع الأنبياء والرجل الجامع للخير يقتدي به والدين والملة نحو: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى

أُمَّهٍ} [الزخرف: 22] والحين والزمان نحو واذكر بعد أمة ومن قرأ بعد أمة بفتح أوليه فالمراد به النسيان والقامة نحو هذا حسن الأمة أي القامة والرجل الأمة المنفرد بدينه لا يشركه فيه أحد قال صلى الله عليه وسلم يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده والأم كهذه أمة زيد أي أمه اهـ، وفي مفردات الراغب الأمة كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين أو زمان واحد أو مكان سواء كان الجامع تسخيراً أو اختياراً والجمع أمم وقوله:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120] أي قائماً مقام جماعة في عبادة الله نحو قولهم فلان في نفسه قبيلة اهـ، وبه يعلم

ص: 273

الجَنةَ طَيبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وأنهَا قِيعان، وأنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكْبَرُ" قال الترمذي: حديث حسن.

ــ

إن إطلاق الأمة على الجماعة لا بد أن يكون لهم جامع مما ذكر. قوله: (الجنة) هي كما في مفردات الراغب كل بستان ذي شجر يستر الأرض بأشجاره وسميت الجنة إما تشبيهاً بالجنة في الأرض وإن كان بينهما بون وإما لستره عنا نعيمها المشار إليه بقوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] اهـ، باختصار وطيب تربها لأن تربها المسك والزعفران ولا أطيب منها. قوله:(عذبةُ الماء) قال تعالى: {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] أي غير متغير بملوحة ولا غيرها. قوله: (قيعَانٌ) في المفردات القيع والقاع المستوي من الأرض جمعه قيعان وتصغيره قويع. قوله: (غرَاسَها) جمع غرس وهو ما يغرس وقيل ما يستر تراب الأرض من نحو البذر لينبت بعد ذلك وإذا كانت التربة طيبة وماؤها عذباً كان غراسها أطيب وأفضل لبلوغه النهاية في الصلاح والنمو وقد يطلق الغراس على وقت الغرس والمراد إن هذه الكلمات سبب لدخول قائلها الجنة لكثرة أشجار منزله داخل الجنة لأنه كلما ذكرها نبتت له أشجار بعددها ثم لا يشكل هذا الخبر المصرح يكون الجنة قيعاناً قابلة لغرس الأشجار بما يقتضيه نحو قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [طه: 76] الآية من تكاثفها بالتفاف أغصان الأشجار إذ معنى الجنة مأخوذ من الستر على ما تقدم فيه وهي مخلوقة معدة للمتقين لأنه ليس المراد من الخبر خلوها الكلي عن القصور والأشجار بل معناها إن فيها ما هو ملتف بالأشجار وفيها ما هو واسع معد للغراس، والبذر الباقيات الصالحات ونحوها من الطاعات ويتميز الغرس الأصلي الذي بلا سبب والغرس المتسبب عن تلك الكلمات وحكمته تفاوت شكر المتمتع بذلك على ما غرسه بقوله تلك الكلمات وعلى ما لم يغرسه وإنما غرس له جزاء أعماله تفاوت التذاذه بذلك إذ ما تعب الإنسان في غرسه ليس كالذي يجيء له مغروساً بلا تعب قال العاقولي

ص: 274

وروينا فيه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال: "مَنْ قالَ: سَبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ،

ــ

تقرير الكلام إن الجنة ذات قيعان لأنه ثبت أنها ذات أشجار في قوله تعالى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14] فهي على هذا ذات قيعان وذات أشجار فما كان قيعاناً فغراسه سبحان الله إلخ، اهـ. وقال الطيبي الحق أنها كانت قيعاناً ثم إن الله تعالى أوجد بفضله وسعة رحمته فيها أشجاراً وقصوراً على حسب عمل العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إن الله تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال به ذلك الثواب جعله كالغارس لتلك الأشجار على سبيل المجاز إطلاقاً للسبب على المسبب ثم قال ولما كان سبب إيجاد الله الأشجار على العاملين أسند الغراس إليهم اهـ، ونظر فيه بأن فيه تكلماً وادعاءً تجوز غير محتاج إليه والأظهر ما ذكرناه من كون أكثرها مغروساً لكونه مقابلاً للعمل الصالح غير تلك الكلمات وباقيها معداً للغراس ببذر تلك الكلمات ليمتاز ثواب هذه الكلمات لعظم فضلها كما علم ما سبق من الأحاديث عن غيرها وفي

المرقاة ويخطر بالبال والله أعلم بالحال أن أقل أصحاب الجنة من له جنتان كما قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فيقال جنة فيها أشجار وأنهار وحور وقصور خلقت بطريق الفضل وجنة يوجد فيها ما ذكر بسبب حدوث الأعمال والأذكار من باب العدل وهذا معنى قول بعض الصوفية في تفسير الآية جنة في الدنيا وجنة في العقبى اهـ.

قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب الترمذي وفي السلاح بعد إيراده بهذا اللفظ إلا أنه زاد العظيم فقال من قال سبحان الله العظيم وبحمده رواه الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الترمذي واللفظ له حسن غريب وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وفي رواية النسائي وإحدى روايات ابن حبان

ص: 275

غُرِستْ لَهُ نَخْلَة فِي الجَنةِ" قال الترمذي: حديث حسن.

وروينا فيه عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟ قال: ما اصْطَفَى اللهُ تَعالى لِمَلَائِكَتِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي وبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ رَبي وَبِحَمْدِهِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وهذا حين أشرع في مقصود الكتاب وأذكره على ترتيب الواقع غالباً، وأبدأ بأوَّل استيقاظ الإنسان من نومه، ثم ما بعده على الترتيب إلى نومه في الليل، ثم ما بعد استيقاظاته في الليل التي ينام بعدها، وبالله التوفيق.

ــ

شجرة بدل نخلة اهـ، وفي الترغيب بعد إيراده باللفظ الذي في الأذكار إلَاّ أنه من حديث ابن عمر رواه البزار بأسانيد جيدة قلت قال في المرقاة وزاد فإنها عبادة الخلق وبها تقطع أرزاقهم أي يقين اهـ، وأورده من حديث جابر كما في السلاح وزاد قوله ورواه الحاكم في موضعين بإسنادين قال في أحدهما على شرط مسلم وفي الآخر على شرط البخاري اهـ، ورواه ابن أبي شيبة كما في المرقاة. قوله:(غُرِسَتْ لَهُ نَخلَةٌ) قال العاقولي في شرح المصابيح يحتمل أن يكون على حقيقته ويحتمل أن يكون مجازاً عن تثبيت أجره وحلاوة جناه اهـ، وعلى الأول فالمراد نخلة عظيمة لعظم مقابلها فيما مر من كونه حبيبًا للرحمن ثقيلاً في الميزان.

قوله: (سبحان ربي وبحمده إلخ) كتب الصديق الأهدل بهامش نسخته وقع هذا الحديث في جامع الترمذي سبحان ربي وبحمده مكرراً مرتين وفي بعض

ص: 276