المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوبا جديدا - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: ‌باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوبا جديدا

إلى الثَّوْبِ الَّذِي أخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كانَ في حِفْظِ اللهَ وفي كَنَفِ الله عز وجل، وفي سَبيلِ الله حَياً وَميتاً".

‌باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً

وروينا في "صحيح البخاري" عن أمّ خالد بنت خالد رضي الله عنها قالت: أُتيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء، قال:"مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ الخَمِيصَةَ"؟ فسكت القوم، فقال:"ائتوني بأم خالِدٍ" فأُتِيَ بي النبيُّ صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده، وقال:

ــ

باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً

قوله: (أم خالدٍ) .. ابن العوام فخالد الأول أموي والثاني أسدي اهـ، وكذا قال الحافظ في الأمالي أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص لكن في السلاح عن أم خالد بنت خالد بن أسيد وأسيد بفتح الهمزة. قوله:(فيها خَمِيصَة سَودَاء) زاد البخاري في بعض طرقه صغيرة وأخرجه كذلك في أسد الغابة والخميصة كما في كشف المشكل كساء من خز أو صوف وفي النهاية هي ثوب خز أو صوف معلم وقيل لا تسمى خميصة إلَاّ أن تكون سوداء معلمة وكانت من لباس الناس قديماً اهـ، وفي الصحاح قريب منه. قوله:(فَأسْكَتَ القومُ) قال القاضي عياض أي سكتوا يقال سكت وأسكت بمعنى اهـ ويؤيده أنه في رواية فسكت القوم بحذف الألف وفي نسخة بالبناء للمفعول. قوله: (فأُتِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أي محمولة كما في رواية. قوله:

ص: 306

"أبْلِي، وأخْلِفِي"، مرَتين.

ــ

(أبلي وأخلقي) وتتمة الخبر كما في باب اللباس البخاري فجعل ينظر إلى علم الخميصة زاد في رواية وكان أخضر أو أصفر ويشير بيده إلي ويقول أم خالد هذا سنا والسنا بلسان الحبشة الحسن قال إسحاق حدثتني امرأة من أهلي أنها رأته على أم خالد وفي البخاري أيضاً في كتاب اللباس قال عبد الله بن المبارك وبقيت أي أم خالد حتى دكين وحذفه المصنف لعدم تعلقه بفرضه ويجوز الاقتصار على بعض الخبر إذا كان لا يتعلق المذكور بالمحذوف بأن لم يكن غاية أو استثناء أو نحو ذلك وإلَّا فيمتنع كما قاله الأصوليون وتقدم بيانه في أوائل الكتاب وأنه يسمى بالجزم ودكن من الدكنة بالمهملة والكاف والنون لون يضرب إلى السواد أي عاشت طويلاً حتى تغير لون قميصها إلى الاسوداد وفي بعض نسخ حتى ذكرت أي بقيت حتى ذكرت دهراً طويلاً

وفي بعضها بصيغة المجهول أي صارت مذكورة عند الناس لخروجها عن العادة وفي بعضها ذكر بصيغة المذكر مجهولاً والضمير للقميص ومعروفاً والضمير له أيضاً أو للراوي أي حتى ذكر ما نسي من طول مدته ذكره الكرماني، وقوله أبلي واخلقي أمر من الإبلاء والإخلاق فتكون همزته همزة قطع قال الكرماني ويجوز أن يكونا من الثلاثي وهما بمعنى يقال بلي الثوب يبلى بلاء بالكسر وخلق كشرف يخلق خلوقة أي بلي وأبلى وبلى وأخلق وخلق بمعنى انقطع كما قال الكرماني وقال فإن قلت ما قولك في عطف ثم أبلي وأخلقي على مثله ولا تفاوت لا لفظاً ولا معنى قلت في المعطوف تأكيد وتقوية ليس في المعطوف عليه كقوله تعالى:{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3] اهـ. قال ابن الجوزي هذا أمر بمعنى الدعاء كناية عن طول العمر أي للمخاطب

ص: 307

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به بطول حياته حتى يبلى الثوب ويخلقه قال الجوزي وهو بالقاف وربما صحف بعض المحدثين وأخلفي بالفاء وفي شرح العمدة لابن جمعان خلافه نقلا عن ابن بطال قال من رواه بالقاف فهو تصحيف والمعروف وأخلفي بالفاء يقال خلفت الثوب إذا أخرجت باليه فمعنى ابل واخلف عش تخرق ثيابك وارقعها هذا كلام العرب اهـ. وفي النهاية حديث أم خالد قال لها أبلي وأخلفي يروى بالقاف والفاء فالقاف من أخلاق الثوب تقطيعه وأما الفاء فمعنى العوض والبدل وهو الأشبه اهـ، وذكر الوجهين في السلاح ولم يرجح واحداً مهما إلَاّ أنه قدم الفاء في الذكر على القاف وقضية كلام السيوطي في التوشيح أن القاف رواية الأكثرين والفاء رواية السروري من الإخلاف اهـ. (وسنه) بفتح المهملة وخفة النون بدون الألف معناه حسنة ولعلها بعينها صارت معربة بزيادة الحاء عليها وإنما كان غرض النبي صلى الله عليه وسلم من التكلم بهذه الكلمة الحبشية استمالة قلبها لأنها كانت قد ولدت بأرض الحبشة "فإن قلت" ورد أنها قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قميص أصفر فقال سنه ثم قال أبلي وأخلفي "قلت" لا تنافي لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم حسنها ودعا لها بالإبلاء لها قاله الكرماني وتقدم عنه في الباب نظير ذلك.

فائدة

قال الشيخ تقي الدين بن الصلاح من القرب لبس الخرقة وقد استخرج لها بعض المشايخ أصلاً من هذا الحديث قلت أشار به إلى السهروردي فإنه ذكره في عوارف المعارف فقال وأصل لبس الخرقة من السنة هذا الحديث قال ولبس الخرقة ارتباط بين الشيخ والمريد وتحكيم من المزيد للشيخ في نفسه والتحكيم سائغ في الشرع لمصالح دنيوية فكيف ينكر هذا فيلبسه الخرقة إظهاراً للتصرف فيه

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيكون لبس الخرقة علامة للتفويض والتسليم ودخوله في حكم الشيخ ودخوله في حكم الله وحكم رسوله وإحياء سنة المبايعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ولا خفاء أن ليس الخرقة على الهيئة التي تعتمدها المشايخ في هذا الزمان لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من استحسان الشيوخ ويد الشيخ في لبس الخرقة تنوب مناب يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأينا من المشايخ من لا يلبس الخرقة ويسلك بأقوام من غير لبسها وكان طبقة من السلف الصالحين لا يعرفون لبس الخرقة ولا يلبسونها للمريدين فمن يلبسها فله مقصد صحيح وأصل في السنة وشاهد من الشرع ومن لم يلبسها فله رأيه وكل تصاريف المشايخ محمولة على السداد والصواب ولا تخلو عن نية صالحة اهـ، وفي المواهب اللدنية من قال

إن علياً البس الخرقة للحسن البصري فمن الكذب المفترى فإن أئمة الحديث لم يثبتوا للحسن سماعاً من علي فضلاً عن إلباسه الخرقة قاله الدمياطي والذهبي والعلائي ومغلطاي والعراقي والابناسي والحلبي وآخرون مع كون جماعة منهم لبسوها تشبهاً بالقوم اهـ، لكن نقل الفاكهي فيما ألفه من مناقب الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي عن الشيخ ابن حجر الهيتمي نفسه أنه صحح سند اتصالها من الحسن بعلي تبعاً للحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ونقل التصحيح عن جمع من المتأخرين كالحافظ السيوطي وقال ممن أثبت سماع الحسن من علي الحافظ أيضاً في المختارة وتبعه عليه الحافظ في التهذيب ثم قال ابن حجر الهيتمي في معجمه بعد أن ذكر أشياء فإذا تأملت ما ذكرته علمت إن ما عليه الصوفية من أسانيدهم التي تنتهي إلى الحسن البصري لا مطعن ولا إنكار عليهم فيها وأطال في تأييد ذلك ورد على من خالفه اهـ، كلام الفاكهي وكأن الحافظ السيوطي اختلف كلامه في المسألة وإلا فالذي في رسالته التي ألفها في الخرقة مثل ما في المواهب وكذا وافق ابن حجر الهيتمي

ص: 309

وروينا في كتابَي ابن ماجة، وابن السني، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر رضي الله عنه ثوباً فقال: "أجَدِيد

ــ

في شرح الشمائل القوم فيما قالوه من أن اتصالها من طريق الحسن باطل وفي رسالة الخرقة وحاشية سنن أبي داود كلاهما للحافظ السيوطي بعد ما قدمه عن السهروردي "قلت" وقد استنبطت للخرقة أصلاً أوضح من هذا الحديث وهو ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عطاء الخراساني إن رجلاً أتى ابن عمر يسأله عن إرخاء طرف العمامة فقال له عبد الله بن عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليهم عبد الرحمن بن عوف وعقد له لواء وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة من كرابيس مصبوغة سوداء فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحل عمامته بيده وأفضل من عمامته موضع أربع أصابع أو نحو ذلك فقال هكذا فاعتم فإنه أحسن وأجمل زاد في حاشية السنن فهذا أوضح في كونه أصلاً للخرقة من حيث إن الصوفية إنما يلبسون من يلبسونه طاقاً لا ثوباً عاماً لجميع البدن وإن حديث أم خالد في إلباس عطاء كسوة وهذا في إلباس تشريف وهو السبب بلبس الخرقة وإن لبس الخرقة فيه نوع من المبايعة كما أشار إليه السهروردي وأم خالد كانت صغيرة لا تصلح للمبايعة بخلاف حديث عبد الرحمن بن عوف اهـ، مع يسير اختصار.

قوله: (وروَينا في كِتاب ابن ماجة وابن السني) زاد أحمد وإسحاق في مسنديهما آخره ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة لكن أبدلا قوله بل غسيل بقولهما فلا أدري ما رد عليه ورواه باللفظ المذكور في الأصل النسائي في الكبرى وابن ماجة وليس في روايتهما الزيادة التي في آخره ورجال إسنادهما رجال الصحيح لكن أعله النسائي فقال هذا حديث منكر

ص: 310

هَذا أمْ غَسِيلٌ"؟ فقال: بل غسيل، فقال:

ــ

أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق قال النسائي وقد روي أيضاً عن معقل يعني عن الزهري وروي عنه مرسلاً قال وليس هذا من حديث الزهري قال الحافظ وجدت له شاهداً مرسلاً أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن إدريس عن أبي الأشهب بنحو حديث أحمد وأبو الأشهب جعفر بن حبان العطاردي وهو من رجال الصحيح سمع من كبار التابعين وهذا يدل على إن للحديث أصلاً وأقل درجاته أنه يوصف بالحسن قال الحافظ وعجيب في اقتصار الشيخ في عزوه إلى ابن ماجة وابن السني وقد جرى ابن حبان على ظاهر السند أي عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنه فأخرج الحديث

المذكور في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن محمد بن أبي السري عن عبد الرزاق بالسند المذكور وأفاد إن الزيادة التي في آخره مدرجة في الإسناد المذكور، ولفظه بعد قوله ومت شهيداً: قال عبد الرزاق زاد فيه الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد ويعطيك الله قرة عين في الدنيا والآخرة قال الحافظ وقع في الطبراني في الدعاء من رواية المهرقاني والرازي والمروزي كلهم عن عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر قال فذكر نحوه قال الطبراني فوهم فيه عبد الرزاق وحدث به بعد إن عمي والصحيح عن معمر عن الزهري ولم يحدث به عن عبد الرزاق هكذا إلَاّ هؤلاء الثلاثة اهـ، ثم ظاهر إدراج هذا الحديث في هذا الباب أنه يستحب الإتيان بهذا الذكر لمن رأى على غيره ثوباً جديداً وكأن وجهه إن قوله البس جديداً وإن كان أمراً لفظاً فهو دعاء معنى بحصول الغنى المتسبب عنه لبس الجديد والإنفاق في سبيل الله الذي يعيش به حميداً ويموت شهيداً وبه يندفع ما يقال الموت شهيداً ليس في قدرته فكيف يؤمر به وقد حصل لسيدنا عمر رضي الله عنه كونه عاش حميداً ومات شهيداً قتله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة كما سبق بيانه. قوله: (فقال النبي - صلى الله

ص: 311