المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يقول إذا خرج من الخلاء - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: ‌باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

‌باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

يقول: "غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ لِلهِ الذي أذْهبَ عَني الأذى وعافاني".

ثبت في الحديث الصحيح في "سنن أبي داود" و"الترمذي" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:

ــ

التصريح به في رواية النسائي وكذا حديث ابن عمر في طريق أبي بكر العمري كما سبقت الإشارة إليه نعم ظاهر حديث ابن عمر من طريق قتادة وهي الطريقة الراجحة كما تقدم يقتضي ما ذكر والله أعلم.

باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

قوله: (ثبت في الحديث الصحيح إلخ) وفي الخلاصة للمصنف عن عائشة رضي الله عنها كان

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال غفرانك صحيح رواه الثلاثة يعني أبا داود والترمذي والنسائي في اليوم والليلة قال الترمذي حسن اهـ، وفي المشكاة رواه الترمذي وابن ماجة والدارمي قال شارحها بعد أن زاد أبا داود والنسائي ما لفظه وسنده حسن وكأنه أخذه من قول الترمذي في جامعه حديث غريب حسن لا نعرفه إلَّا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ولا يعرف في الباب إلّا حديث عائشة اهـ، ولم نقف على تصحيح المصنف المذكور، العلم الثبت المشهور مع إن كلام الترمذي لا ينافي كلام المصنف لأن الحديث الحسن يرتقي بالعاضد من الحسن إلى الصحة للغير وما هنا من ذلك لتعدد طرقه ورواته وحينئذٍ فيكون الحديث حسنًا لذاته وهو مراد الترمذي وصحيحًا لغيره وهو مراد المصنف والله أعلم وفي الجامع الصغير روى حديث عائشة أحمد والأربعة وابن حبان والحاكم في المستدرك اهـ. قال في السلاح ولفظ الترمذي وابن حبان كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال

ص: 400

"غفْرَانك"

ــ

غفرانك وسيأتي لهذا المقام مزيد. قوله: (غفرانَكَ) قال السيوطي في مرقاة الصعود وقع في بعض نسخ ابن خزيمة غفرانك ربنا وإليك المصير قال البيهقي وهي مدرجة ألحقت في حاشية الكتاب من غير علمه، نعم وقعت هذه الزيادة في حديث علي وبريدة كما سيأتي بيانه عند قول الشيخ وروى النسائي وابن ماجة باقيه، قال الخطابي الغفران مصدر كالمغفرة ونصب بإضمار أسألك ونحوه "قلت" قال في المجموع وهو المختار، أي ويجوز كونه منصوبًا على المفعولية المطلقة أي اغفر غفرانك وفي مناسبته هنا قولان: قيل من ترك الذكر أي باللسان مدة لبثه في الخلاء وكان لا يترك ذكر الله إلَّا في تلك الحالة وقيل خوفًا من تقصيره في أداء شكر هذه النعمة الجليلة إن أطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حق هذه النعمة فتداركه بالاستغفار اهـ. ولذا رأى الشيخ نصر المقدسي تكرار ذلك مرتين ونقله السمهودي في حاشية الروضة عن القاضي الحسين والمحاملي والجرجاني وغيرهم، والمحب الطبري تكراره ثلاثًا واستغربه السمهودي، لكن ضعفا بأن الأخبار ساكتة عن طلب التكرار، وفي شرح المنهاج الصغير لابن شهبة الغفران مأخوذ من الغفر وهو الستر فكأنه يسأل من الله تمام المنة بتسهيل الأذى وعدم حبسه لئلا يفضي إلى شهرته وانكشافه وقيل أنه لما خلص من النجو المثقل للبدن سأل التخليص مما يثقل القلب وهو الذنب لتكمل الراحة اهـ. وفي شرح العباب قال بعضهم وأصح هذه الوجوه هو الثاني دون الأول لأن ترك الذكر حينئذٍ هو المشروع فكيف يكون تركه تقصيرًا ويرد بأن فيه تقصيرًا من حيث أنه تعاطى لأجل شهرته ما اقتضى ترك الذكر فكان في شهود التقصير حينئذٍ من إجلال الله والاعتراف بعدم الوفاء بشكر نعمته ما لا يخفى عظم وقعه اهـ، قوله يسأل تمام المنة إلخ، أي دوام ذلك عند الحاجة إليه لا التي ذكر بعدها لأنها تمت وخرج منها، قوله وهو الذنب، أي بالنسبة لسائر الأمة أما بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم فأتى به خضوعًا لربه وتعليمًا لأمته ثم يجوز أن يكون غفرانك منصوبًا على

ص: 401

وروى النسائي وابن ماجة باقيه.

وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال:

ــ

أنه مصدر جعل بدلًا من اللفظ نحو ضربًا زيدا أو على أنه مفعول مطلق كما تقدم فعلى الأول يجب حذف عامله دون الثاني فافهم وقيل معناه أستغفرك فهو مصدر موضوع موضع الخبر قاله أبو حيان في النهر والله أعلم. قوله: (وروى النسائي وابن ماجة باقيه) فرواه ابن ماجة من حديث أنس والنسائي من حديث أبي ذر يرفعه قال ابن حجر في

شرح المشكاة وسنده حسن وكذا رواه من حديثه ابن السني في عمل اليوم والليلة وعبارة ابن حجر في الشرح توهم إن الحديث عبد ابن ماجة من حديث أبي ذر وليس مرادًا فلم يروه ابن ماجة في سننه إلَّا من حديث أنس وقال يقال إن ابا زرعة قال: إسماعيل ضعيف الحديث وهو مكي، وهذا مكي والحديث منكر فإن أبا حاتم قال أصح ما فيه أي الباب حديث عائشة اهـ. وفي الخلاصة للمصنف بعد أن أورده في فضل الضعيف من أحاديث ما لفظه قال الترمذي لا يعرف في الذكر عند الخروج إلَّا حديث عائشة اهـ، وكأن صاحب السلاح لم يذكره فيما يقال عند الخروج من الخلاء لذلك ولعل ابن حجر لم يقف على هذا الكلام أو قام عنده ما يدفع ذلك أو أراد أنه اعتضد بتعدد طرقه فارتفع عن درجة الضعف والنكارة إلى درجة الحسن للغير والاعتبار والله أعلم، والمراد بباقيه هو "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" وقد روى ذلك ابن السني من حديث أبي ذر كما تقدم ثم ظاهر تقرير المصنف نفع الله به إن النسائي وابن ماجة رويا قوله الحمد لله إلخ، دون قوله غفرانك وليس مرادًا فقد رويا ذلك أيضًا من حديث عائشة كما أشرنا إليه في الكلام عليه والأوضح في التعبير المطابق

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لما ذكرناه من التقرير "وثبت في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة أي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول غفرانك وروى النسائي وابن ماجة باقيه " أي في حديث مستقل على ما لا يخفى على المتقين المشتغل فهو عند النسائي من حديث أبي ذر وعند ابن ماجة من حديث أنس ثم رأيت الحافظ ابن حجر أشار إلى بعض ما ذكرته أولًا من قولي أولًا فقد رويا ذلك إلخ، وآخرًا من قولي فهو حديث مستقل، وعبارته كلام الشيخ يوهم إن الحديث واحد اختصره بعضهم وليس كذلك بل قوله غفرانك أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة كلهم عن عائشة والكلام الذي بعده أخرجه النسائي من حديث أبي ذر وابن ماجة من حديث أنس والأسانيد الثلاثة متباينة وحديث عائشة أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد أيضًا قال الحافظ وسنده حسن صحيح ومداره عند جميع رواته على إسرائيل بن يونس قال الدارقطني تفرد به إسرائيل عن يوسف ويوسف عن أبيه وأبوه عن عائشة وقال الترمذي حديث حسن غريب ولا نعرف في الباب إلَّا حديث عائشة قال الحافظ إن أراد هذا اللفظ بخصوصه ورد عليه حديث علي وبريدة وقدمناه في الباب قبله وإن أراد أعم من ذلك. وردت عليه أحاديث أبي ذر وأنس وشواهدها فلعله أراد مما يثبت ووقع في المهذب بلفظ "ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الخلاء إلّا قال غفرانك" قال المصنف في شرحه أخرجه الأربعة عن عائشة ولفظهم كلهم "كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك" وبين اللفظين تعارض قال الحافظ أخرجه الترمذي بلفظ الخلاء والنسائي بلفظ ما خرج إلّا فاندفع الاعتراض وذكر ابن أبي حاتم في العلل إن حديث عائشة أصح شيء في الباب وفيه إشارة إلى أنه ورد فيه غيره وحديث أبي ذر حسن أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة من طريق سفيان الثوري عن أبي ذر موقوفًا أنه كان يقول إذا خرج من الخلاء الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وأخرجه من طريق شعبة عن منصور

ص: 403

"الحَمْدُ لِلهِ الذي أذاقَني لذَّتَهُ، وأبقى فيَّ قوّتَهُ، وَدَفعَ عَني أذاهُ"

ــ

بن المعتمر مرفوعًا وموقوفًا لكن خالف سفيان في اسم شيخ منصور فإن سفيان رواه عن منصور هو ابن المعتمر عن أبي علي الأزدي عن أبي ذر ورواه شعبة عن منصور عن أبي الفيض عن أبي ذر وأبو

الفيض لا يعرف اسمه ولا حاله ورجح أبو حاتم رواية سفيان على رواية شعبة وهذا منفي عنه الاضطراب وقد مشى المصنف في شرح المهذب على ظاهره فقال رواه النسائي بسند مضطرب غير قوي قال الحافظ أبو علي الأزدي ذكره ابن حبان في ثقات التابعين فقوي ويزداد قوة بشاهده ومن طريقة الشيخ تقديم المرفوع على الموقوف إذا تعارضا فليكن ذلك هنا وحديث أنس أخرجه ابن ماجة ورواته ثقات إلّا إسماعيل بن مسلم وجاء عن أنس حديث آخر يأتي في شواهد حديث ابن عمر وله ولحديث أبي ذر شاهد من حديث حذيفة وأبي الدرداء أخرجه ابن أبي شيبة عنهما موقوفًا بلفظ حديث أبي ذر وأخرج البيهقي في حديث عائشة زيادة ولفظ غفرانك ربنا وإليك المصير وأشار إلى أن هذه الزيادة وهم وأخرج الحديث من طريق آخر بدون تلك الزيادة وقد وقعت الزيادة في حديث علي وبريدة ثم سبب الحمد في هذا المقام ترادف الفضل والإنعام على المتبرز بإزالة ضرر ما في جوفه الذي لو بقي منه أدنى شيء لأضر إضرارًا بينًا.

قوله: (الحمدُ لله الذي أذاقَني لَذَّته إلخ) في شرح العباب قلادة إن الطبراني أخرجه أيضًا كذلك ثم قال في رواية "وابقى في قوته ودفع عني أذاء" وفي أخرى "الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأمسك عليّ ما ينفعني" فينبغي الجمع بين ذلك كله اهـ. وفي كتاب ابن السني أيضًا من كتاب أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره وفي شرح العدة وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه إذا خرج من الخلاء مسح بطنه وقال يا لها من نعمة لو نعلم قدرها اهـ.

قوله: (رواه ابن السني) أي من جملة حديث هو "كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس

ص: 404

رواه ابن السني والطبراني.

ــ

الخبيث المخبث الشيطان الرجيم وإذا خرج قال الحمد لله الخ" قال الحافظ بعد تخريج ما ذكره الشيخ من حديث ابن عمر الحديث غريب أخرجه المعمري في اليوم والليلة وابن السني وفي سنده ضعيفان وانقطاع لكن للحديث شواهد منها عن عائشة مرفوعًا إن نوحًا عليه السلام لم يقم عن خلاء قط إلَّا قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى منفعته في جسدي وأخرج عني أذاه حديث غريب أخرجه المعمري والخرائطي في فضيلة الشكر وفي مسنده الحارث بن شبل وهو ضعيف وأخرجه العقيلي وابن عدي فيما أنكره من حديثه وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج عن بعض أهل المدينة قال حدثت أن نوحًا كان يقول فذكر نحوه وأخرجه ابن أبي شيبة عن هشيم عن العوام بن حوشب قال حدثت إن نوحًا فذكره ومنها عن أنس أخرجه ابن السني عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره وعبد الله بن محمد العدوي الذي أخرجه ابن السني من طريقه ضعيف ومنها عن طاوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا في آداب الخلاء وقال فيه ثم ليقل إذا خرج الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني أخرجه الطبراني وقال لم نجد من وصل هذا الحديث قال الحافظ وفيه مع إرساله ضعف رفعه ابن صالح أحد رواته وقد أخرجه عبد الرزاق عن زمعة من وجه آخر اهـ. وفي شرح المنهاج الصغير لابن شهبة وفي مصنف

عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن نوحًا عليه السلام كان يقول الحمد لله الذي أذاقني لذته إلخ. اهـ، وكأنه لم يقف على هذا الخبر المرفوع وإلَّا لما عدل عنه إلى غيره وبه يعتذر أيضًا عما في شرح العدة لابن جمعان وكان بعض السلف يقول الحمد لله إلخ، أو غفل عنه حال التأليف أو شك في كونه من المرفوع ولم يراجعا الأصول والله أعلم.

(تم الجزء الأول ويليه الثاني)

ص: 405