الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطالِع هذا الكتاب.
فصل:
اعلم أنه كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله، وقد
ــ
المدلول عليه بقوله النص إلخ، وأتى باسم الإشارة الموضوع للبعيد مع قرب المشار إليه لأنه غير مرئي فأشبه البعيد إذ هو كذلك فاستعمل فيه ما
يشار به للبعيد وفي نسخة لذهول عنها أو غيره والتأنيث باعتار تضمن النص المذكور مرتبة الخير. قوله: (مطالع هذا الكتاب) مطالع بوزن اسم الفاعل ولو قرئ بفتح الميم جمع مطلع لاستقام بل كان فيه استعارة مكنية يتبعها استعارة تخييلية شبه الكتاب بالقمر بجامع الاهتداء بكل فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات لازمه من المطالع استعارة تخييلية.
فصل
قوله: (حِلَق أهله إلخ) بكسر الخاء وفتح اللام جمع حلقة بإسكان اللام مثل قصعة وقصع وبدرة وبدر وهي الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمدوا ذلك وقال الجوهري جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس وحكي عن أبي عمر وأن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بفتح الحاء وقال ثعلب كلهم يجيزه على ضعفه كذا في النهاية وفي المشارق للقاضي عياض قال الحريري فيه الحلق والحلقة بالسكون مثل تمر وتمرة اهـ. وفي الحرز الثمين نقلا عن الكشاف والحلق بفتح الحاء في الدرع ونحوها وبكسرها في الناس قال صاحب الكشاف ذكر الجوهري وابن الحاجب جواز الوجهين في كل من المعنيين ويمكن أن يكون تخصيص كل بما ذكر فيه لكونه فيه أشهر وأكثر منه في المعنى الآخر فتدبر، قيل ويجوز تنوين حلق ومد ألف آهلة وتنوينه بمعنى عامرة والمعنى في حلق عامرة يقال للقرية الكبيرة الآهل كما في
تظاهرت الأدلة على ذلك، وسترد في مواضعها إن شاء الله تعالى، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما
ــ
غريب أعيبد ويجوز قراءته بإضافة حلق إلى أهله بإسكان الهاء اهـ. وظاهر أن صحة الوجه الأول على تقدير الظرف المتعلق به وهو به والمعنى حضور حلق آهلة به أي عامرة بالذكر وحذف المتعلق لدلالة السباق والسياق عليه. قوله: (تظاهرت) بالهاء من الظهور أي كسى بعضها بعضاً قوة في الظهور وفي نسخة بالفاء. قوله: (ابن عمر) هو علم بالغلبة على عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وكان من فقهاء الصحابة ومفتيهم وزهادهم ولد قبل البعثة بسنة أسلم مع أبيه بمكة وهو صغير وقيل قبله ولم يشهد بدراً وكان عمره عام أحد أربع عشرة سنة فاستصغره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجزه ثم في عام الخندق بلغ خمس عشرة سنة فأجازه ولم يتخلف بعده عن سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم لشقيقته حفصة لما أخبرته بما رآه عبد الله في المنام وهو مشهور في البخاري وغيره إن أخاك رجل صالح لو أنه يقوم الليل فما ترك قيام الليل بعد. وقال ابن مسعود إن من أملك قريش لنفسه ابن عمر، وقال جابر رضي الله عنه ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها إلا ابن عمر وقال ابن المسيب مات يعني ابن عمر وما مات من الأرض أحد أحب إليّ أن ألقى الله بعمله منه، واعتزل الفتنة فلم يقاتل مع علي ولا معاوية بل ولع بالحج يومئذٍ وبعده وكان من أعلم الناس بالمناسك كثير الصدقة لا سيما بما استحسنه من ماله ولما عرفت إرقاؤه منه ذلك كانوا يقبلون على الطاعة ويلازمون المسجد فيعتقهم فقيل له إنهم
يخدعونك فقال من يخدعنا بالله انخدعنا له وفي الإصابة للحافظ ابن حجر خرج يعني ابن عمر يوماً إلى بعضه متنزهات المدينة فحضر الغداء فمر عبد أسود راع فدعاه للطعام فقال إني صائم فقال أفي هذا اليوم الشديد الحر صيام وذلك منه على سبيل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاعتبار فقال يوم القيامة أشد حراً. فقال هل لك إن تبيعنا من هذه الشياه ما نجعله عشاء نحضره معنا فقال إنها ليست لي وإنما أنا راع لها فقال ابن عمر وما يمنعك أن تبيعنا وتقول لسيدها أنها ماتت فذهب العبد وهو يقول فأين الله فأينَ الله فرجع ابن عمر إلى المدينة وسأل عن سيد العبد فشراه منه وشرى الغنم وأعتقه ووهبه إياه اهـ. قال نافع أعتق ألف رقبة أو أزيد، وحج ستين حجة واعتمر ألف عمرة وحمل على ألف فرس في سبيل الله وأفتى في الإسلام ستين سنة وتوفي بمكة عن ست وثمانين سنة شهيداً بتسليط من الحجاج عليه سنة ثلاث وسبعين وأوصى أن يدفن في الحل فلم تنفذ وصيته ودفن بذي طوى مقبرة المهاجرين وقيل بفخ وقيل بسرف وقيل بالمحصب وما اشتهر عند العوام بل وبعض الخواص من كونه مدفوناً بالمعلى بالجبل المقابل للحجون الثاني لا أصل له، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف وستمائة وثمانون حديثاً اتفقا منها على مائة وسبعين وانفرد البخاري بثمانين ومسلم بأحد وثلاثين وأشار المصنف بتثنية الضمير في قوله رضي الله عنهما إلى ما سيذكره في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أنه إذا ذكر صحابي ابن صحابي يثنى الضمير في الترضي ليعمهما هذا وقد عزا الخطيب التبريزي في المشكاة وابن همام في سلاح المؤمن وابن الجوزي في الحصين والسيوطي في الجامع الصغير والكبير تخريج هذا الحديث باللفظ الذي أورده المصنف إلى قوله فإن لله سيارات من الملائكة إلخ إلى ما أخرجه الترمذي من حديث أنس زاد صاحب السلاح وقال يعني الترمذي غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس اهـ، قال في الحرز الثمين ورواه عنه أحمد والبيهقي وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قلت وما رياض الجنة قال المساجد قلت وما الرتع يا رسول الله. قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلَاّ الله والله أكبر قال الترمذي حديث غريب قال المنذري في الترغيب وهو مع غرابته حسن الإسناد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأخرجه الطبراني عن ابن عباس بلفظ وما رياض الجنة قال مجالس العلم اهـ، ومثله في الجامع الصغير وأخرجه في الكشاف والبيضاوي عنه صلى الله عليه وسلم ولفظهما من أحب أن يرتع في رياض من الجنة فليكثر من ذكر الله. قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف رواه ابن أبي شيبة وإسحاق والطبراني من حديث معاذ وفي إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وأخرجه الثعلبي في تفسير العنكبوت وابن مردويه في تفسير الواقعة اهـ، وأخرجه القشيري في الرسالة من حديث جابر بسنده إليه ولفظه عن جابر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس ارتعوا في رياض الجنة قلنا وما رياض الجنة قال مجالس الذكر الحديث وسيأتي تخريجه عنه من حديث الحاكم لكن بلفظ يا أيها الناس إلخ وتتفق الروايتان على قوله اغدوا وروحوا إلى آخر الخبر. أما قوله إن لله سيارات إلخ فعزا صاحب السلاح وصاحب الحصين تخريجه إلى البخاري ومسلم والترمذي من حديث أبي هريرة قال في الحرز الثمين ولفظ البخاري إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عر وجل تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى
السماء الدنيا. الحديث بطوله ولفظ مسلم إن لله سيارة فضلا يبتغون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا ولفظ الترمذي إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن الناس اهـ، وبه يعلم إن عزوهما الحديث للثلاثة المراد به الاتحاد في المعنى لا في اللفظ وهذه عادتهم كثيراً وفي سلاح المؤمن: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال يأيها الناس إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض فارتعوا في رياض الجنة قالوا وأين رياض الجنة يا رسول الله قال مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله وذكروه أنفسكم من كان يحب أن يعلم منزلته من الله فلينظر كيف منزلة الله
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مَرَرْتُمْ بِرياضِ الجَنةِ
ــ
تعالى عنده فإن الله ينزل العبد من حيث أنزله من نفسه رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد اهـ، ولم يعز أحد من هؤلاء الحديث إلى ابن عمر في شيء من الطرق كما رأيت ولم يذكر المصنف من خرجه عن ابن عمر لكنه إمام حافظ ثبت عدل عمدة في الفهم والنقل والله أعلم. ثم رأيت في بهجة المحافل للعامري ما لفظه وروينا في جامع الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة قال حلق الذكر وأقره عليه شارحها الأشجر وهو عجيب فقد قال الحافظ ابن حجر في تخريجه لم أجده يعني الحديث من حديث ابن عمر ولا بعضه لا في الكتب المشهورة ولا في الأجزاء المنثورة ولكن وجدته من حديث أنس بلفظه مفرداً ومجموعاً ثم ساق ذلك بنحو ما أوردته وبه يعلم ما في عزو العامري الحديث إلى كتاب الترمذي فإن الحافظ إذا قال في حديث لا أعرفه أو نحو ذلك كان ذلك آية عدم وروده كما ذكره السيوطي في شرح التقريب وغيره وحينئذٍ فيبقى ما أوردته وأشرف إليه من أنه لم يخرجه عن ابن عمر أحد ممن ذكر ولله الحمد على موافقتي للحافظ في ذلك والله المعين. قوله:(برياض الجنة) قال الجوهري الروضة من البقل والعشب والجمع روض ورياض صارت الواو ياء لكسر ما قبلها اهـ، وسميت حلق الذكر رياض الجنة إطلاقاً للمسبب على السبب كما في شرح المشكاة لابن حجر فيكون مجازاً مرسلاً ويجوز كونه استعارة علاقته التشبيه والجامع حول الكمال في كل ويؤيده ما في "مسالك الحنفا في مشارع الصلاة على المصطفى للقسطلاني" وفي تشبيه حلق الذكر برياض الجن خمسة معانٍ وصف الله أهل الجنة بأنهم يؤتون ما اشتهوا وكذلك حلق الذكر ففي الخبر من شغله ذكري عن مسألتي، الحديث، وتسميته الجنة بالرحمة قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي
فارتَعُوا، قالوا: وَما رِياضُ الجَنةِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: حِلَقُ الذكْرِ، فإنَّ لِلهِ تَعالى
ــ
رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] أي جنته وزيارة الملائكة أهل الجنة قال تعالى {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23، 24] وكذلك حلق الذكر لما في الخبر: وتنزلت عليهم الملائكة وسعادة أهل الجنة قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود: 108] فَى كذلك حلق الذكر ففي الخبر هم السعداء لا يشقى بهم جليسهم وإذا سعد بهم غيرهم فهم أولى بذلك وطيب قلوب أهل الجنة وحياتهم يقرب إلى الله تعالى قال تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: 21]، في جنة عالية وأهل حلق الذكر كذلك قال تعالى:{وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28] ومن طاب قلبه طاب عيشه اهـ. مع اختصار وهو من الحسن بمقدار وأجراه في الحرز الثمين على حقيقته فقال والمعنى إذا مررتم بجماعة
يذكرون فاذكروا موافقة لهم أو اسمعوا أذكارهم فإنهم في رياض الجنة حالاً أو مآلاً قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)} [الرحمن: 46] قيل جنة في الدنيا وجنة في العقبى. قوله: (فارتعوا) الرتع الاتساع في الخصب فشبه الخوض في ذكر الله بالرتع في الخصب كذا في النهاية وعليه فهو استعارة تبعية لأنه مجاز علاقته المشابهة وقيل إن قوله فارتعوا كناية عن الأخذ بالحظ الأوفر من الذكر والمراد إذا فعلوا ما يكون سبباً لحصول الجنة من التسبيح والتحميد ونحوهما وقد جاء إن الجنة قيعان وغراسها اذكاره تعالى وعليه فوضع الرتع موضع القول لأن هذا القول سبب لنيل هذا المرام. قوله: (حلق الذكر) تقدم في أول الفصل ضبطه قال بعض العلماء حديث الباب مطلق في المكان والذكر فيحمل المطلق على المقيد في الحديث أي كما ورد في رواية أبي هريرة السابقة قلت يا رسول الله وما رياض الجنة قال المساجد قلت وما الرتع قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
سَيَّارَاتِ مِنَ المَلَائكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذكْرِ، فإذا أَتَوْا عَليهمْ حَفُّوا بِهِمْ".
ــ
وكما في رواية ابن عباس السابقة في مجالس العلم وقال في الحرز: الأظهر أن المطلق محمول على عمومه والمقيد محمول على الفرد الأكمل أو أريد به المثال فتأمل اهـ، وعليهما فيكون من باب قولهم ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه: . قوله: (سيارات) بالسين المهملة والتحتية المشددة وبعد الألف تاء قال في شرح مسلم أو سياحين وأخذ من وصفهم بما ذكر أنهم غير الحفظة لأنهم لا يفارقون الإنسان وهؤلاء السيارون ليس لهم وظيفة وإنما قصدهم حلق الذكر قال ابن الجزري في مفتاح الحصين وغيره وفي كتاب السلوة لابن الجوزي أما أعمال الملائكة فأكثرهم مشغول بالتعبد كما قال سبحانه: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] ومنهم موكل بعمل كحملة العرش وجبريل للوحي وإسرافيل صاحب اللوح والصور وعزرائيل قابض الأرواح ومنهم موكل بالشمس ومنهم موكل بالقطر ومنهم موكل بالرياح والأشجار ومنهم كتاب على بني آدم ومنهم سياحون في الأرض يتبعون أهل الذكر ومنهم من يغرس الجنة ومنهم من يصيغ حليها اهـ، وما ذكره من أن اسم قابض الأرواح عزرائيل توقف فيه غير واحد من الحفاظ منهم الجلال في الحبائك وقال لم يرد به خبر مقبول اهـ. قوله:(حفوا بهم) بتشديد الفاء أي أحاطوا بهم وفي مفردات الراغب {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] أي مطيفين بحفافيه أي جانبيه ومنه تحفه الملائكة بأجنحتها اهـ، وفي الخبر على هذه الرواية إدخال الباء على المفعول الأول لحف ومثله حديث الترمذي وابن ماجة ما من قوم يذكرون الله إلَّا حفت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده أورده في الجامع الصغير ورمز لمخرجيه برمز الترمذي وابن ماجة وبجانبه علامة الصحة وفي معظم الروايات والأحاديث يصل الفعل إلى مفعوله الأول بنفسه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فمنه الخبر الآتي وحفتهم الملائكة ولفظ أبي هريرة في روايته هذا الخبر في صحيح البخاري: إن لله تعالى ملائكة يطوفون بالأرض يلتمسون أهل الذكر إلى أن قال فيحفونهم بأجنحتهم وحديثه أيضاً وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلَاّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وفي حاشية الحصن الحصين للحنفي هو من الحف من باب طلب وتعدى إلى المفعول الثاني بالباء اهـ، وقضيته بل صريحه أنه تعدى إلى الأول بنفسه وهو كذلك
وفي البيضاوي كما سيأتي وتزيده الباء مفعولاً ثانياً قال تعالى: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ (32)} [الكهف: 32] وتقدمت الروايات بمثل ذلك وحينئذٍ فحديث الباب ونحوه إما يكون فيه حذف المفعول الأول والتقدير حفوا أنفسهم بهم أو حفوهم بهم كما جاء كذلك عند البخاري فيحفونهم بأجنحتهم. قال الحافظ في الفتح والباء للتعدية وقيل للاستعانة أو الباء فيه زائدة أو ضمن فعلاً قاصراً أي حفوا محتافين بهم أو أن هذا العمل جاء قاصراً ومنه قوله تعالى: {حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] وما ذكر من الحديث ومتعدياً ومنه ما في باقي الآيات والأحاديث ولعل هذا أقرب الوجوه وجعلها للتعدية وأن معنى حف طاف وهو فعل قاصر يتعدى بالباء يأباه ما يأتي من تفسير حفه المتعدي لنصبه هاء المفعول به بطاف به ولا يلزم من كون الفعلين بمعنى اتحادهما تعدياً وقصوراً بل كثيراً ما يخص أحد الرديفين عن رديفه في الاستعمال بشيء كالدعاء المرادف للصلاة إذا استعمل بعلى كان للشر وهي كذلك للخير وفي النهر لأبي حيان في الكلام على قوله تعالى: {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ (32)} لفظه حفه طاف به من جوانبه وحففته به جعلته مطيفاً به اهـ. ومثله في تفسير البيضاوي وزاد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً كقولك غشيته وغشيته به اهـ، وفي الكشاف هو متعد إلى واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً. وقال البيضاوي في قوله تعالى:{حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] ومن مزيدة أو لابتداء الحفوف اهـ، وفي النهر أي حافين حول العرش اهـ، فاقتصر على كونها زائدة وهو مبني على جواز زيادتها في الإيجاب والمعارف وهو
وروينا في "صحيح مسلم" عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ــ
مذهب الأخفش.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم إلخ) هو من رواية أبي سعيد الخدري عن معاوية وكذا رواه الترمذي والنسائي كما في سلاح المؤمن قال وزاد الترمذي فيه بعد قوله ما أجلسكم إلَاّ ذلك "قالوا والله ما أجلسنا إلَاّ ذاك" وبه يعلم أن ما يوجد في بعض النسخ من إثبات الزيادة المذكورة غير جيد لأن المصنف إنما عزا الحديث لتخريج مسلم وليست فيه هذه الزيادة ولذا كانت محذوفة من الأصول المعتمدة وقد وقع لصاحب المشكاة أنه عزا الحديث لتخريج مسلم وأورد هذه الزيادة وليست في صحيح مسلم كما قاله ابن همام وهو كما قال فيما رأيت. قوله: (عن معاوية رضي الله عنه هو معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب القرشي العبشمي الأموي أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند في فتح مكة وكان يقول أنه أسلم يوم الحديبية وكتم إسلامه من أبيه وأمه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً فأعطاه من غنائم هوازن مائة بعير وأربعين أوقية وكان هو وأبوه من المؤلفة ثم حسن إسلامهما وكان أحد الكتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلفه الصديق على عمل دمشق الشأم بعد موت أخيه يزيد فأقره عمر ثم عثمان وأسلم إليه الحسن بن علي الخلافة سنة إحدى وأربعين قال ابن سعد بقي معاوية أميراً عشرين سنة وخليفة كذلك تقريبًا روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وثلاثة وستون حديثاً اتفقا منها على أربعة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة اتفقوا على أنه توفي بدمشق والمشهور إنه يوم خميس لثمان بقين من رجب وقيل لنصفه سنة ستين من الهجرة وهو ابن اثنتين وثمانين وقيل ست وثمانين وقيل ثمان وسبعين واقتصر عليه الذهبي في الكاشف وأوصى أن يكفن في قميص كان رسول الله كساه أياه وأن يجعل مما
حَلْقة من أصحابه فقال: ما أجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمَده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا،
ــ
يلي جسده وكان عنده قلامة أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصى أن تجعل في عينيه وفمه وقال افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين. ولما نزل به الموت قال يا ليتني كنت رجلاً
من قريش بذي طوى ولم آل من هذا الأمر شيئاً. قوله: (حلقة) هو بإسكان اللام وفي التهذيب للمصنف حلقة العلم ونحو ما بإسكان اللام هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة ويقال بفتحهما في لغة قليلة حكاها ثعلب والجوهري، وجمعها على هذه اللغة حلق وحلقات وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق بفتح الحاء وكسرها مع فتح اللام كما في شرح مسلم للمصنف. قوله:(نذكر الله تعالى) قال الراغب في مفرداته العلي هو الرفيع القدر وإذا وصف به تعالى نحو أنه هو العلي الكبير فالمراد أنه يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين وعلى ذلك يقال تعالى نحو: {وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)} [يونس: 18]. وتخصيص لفظ التعالي لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التكلف كما يكون من البشر اهـ. قوله: (ونحمده) معطوف على نذكر من عطف الخاص على العام للاهتمام. قوله: (على ما هدانا) أي لأجل هدايته إيانا ومنه علينا فعلى فيه للتعليل بمعنى اللام قال في المغني "الرابع" أي من معاني على التعليل نحو {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أي لهدايته إياكم اهـ، وتعقبه الدماميني بأنه يحتمل التضمين كما صرح به الزمخشري أي ولتكبروا الله حامدين على ما هداكم واعترضه المصنف يعني ابن هشام في حواشي التسهيل بأن هذا التقدير يبعده قول الداعي على الصفا والمروة الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا فيأتي بالحمد بعد تعديته التكبير بعلى اهـ، وإيضاحه أنه لو كان وقوع على في الآية لتضمين التكبير معنى الحمد لكان في الدعاء المذكور كذلك ولو كان كذلك لعطف الجار والمجرور على مثله ولم يذكر الحمد لله في البين قال الدماميني
قال: آللهِ ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ؟ أما إني لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ
ــ
وفيه أي الاعتراض نظر لأن المستفاد من الأول غير المستفاد من الثاني، قيل كأن مراده أن ذكر الحمد ليس لتعلق الظرف به بل لتحصيل الثواب لأنه باللفظ قال في حواشي التسهيل وأيضاً فعلى الثانية ظاهرة في التعليل فكذا نظيرتها الأولى ونازعه الدماميني بمنع ظهور شيء منها في التعليل اهـ. قال أبو حيان ثم ما قدره الزمخشري تفسير معنى لا إعراب إذ لو كان إعراباّ لم تكن متعلقة بتكبروا بل بحامدين التي قدرها قال والتقدير الإعرابي أن تقول ولتحمدوا الله بالتكبير على ما هداكم اهـ، وما أشار إليه هو الأشيع في تقدير التضمين وما فعله الكشاف شائع. قال السعد التفتازاني في حواشي الكشاف في تقدير التضمين طرق أشيعها جعل الفعل المذكور حالاً مثل لتحمدوا الله مكبرين ليكون متعلق الجار والمجرور مذكوراً قصداً وعكسه مثل ولتكبروا الله حامدين وآثره يعني صاحب الكشاف لأن التعليل بالتعظيم حال الحمد وجعله مقصودًا من التعظيم أنسب من العكس لأن الحمد إنما يستحسن ويطلب لما فيه من التعظيم اهـ، قال البيضاوي وما تحتمل المصدر أو الخبر قال القاضي زكريا أي والخبر بمعنى الموصول وهو تعبير غريب والمعنى عليه ولتكبروا الله على إيتاء الذي هداكم إليه اهـ. قال السفاقسي وتجويز كونها بمعنى الذي فيه بعد للزوم حذف عائد ما أي على ما هداكموه وقدر منصوباً لا مجرورًا لأن حذفه أسهل وحذف مضاف يصح به الكلام قلت كما أشار إليه شيخ الإسلام زكريا والهداية هنا بمعنى الدلالة على طريق الإيمان والإيصال إليه بالفضل والإحسان. قوله:(آلله ما أجلسكم إلخ) آلله الأول بهمزة ممدودة للاستفهام والثاني أي قولهم كما في رواية الترمذي الله
ما أجلسنا إلخ بلا مد ذكره المصنف في مثله من رياض الصالحين وغيره ورأيت معزواً إلى الكاشف
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الله بالنصب فيهما أي أتقسمون بالله فحذف الجار ثم الفعل وقولهم الله إلخ تقديره نعم نقسم بالله فوقعت الهمزة موقعها مشاكلة وتقريراً لذلك اهـ، وأعربه كذلك الطيبي وابن حجر في المشكاة وقال ابن حجر إنهم زادوا همزة الاستفهام في قولهم جواباً له ألله ما أقعدنا إلَاّ ذلك مشاكلة لذكره لها لا غير إذ حملها في كلامهم على الاستفهام لا يتأتى اهـ، فجعل الهمزة استفهامية في الموضعين في الأول حقيقة وفي الثاني مشاكلة وقضية كلام المصنف أنها في الثانية همزة الجلالة لكنها قطعت أي لما سيأتي فليس في الجواب همزة استفهام وفيما ذكروه من الإعراب نظر فإنه إذا حذف حرف القسم وعوض عنه همزة الاستفهام أو نحوها مما يأتي تعين الجر قال الرضي إذا حذف حرف القسم الأصلي أي الباء قلب قال الدماميني في المنهل الصافي وظاهر كلامهم أي النحاة أن الواو كالباء في جواز الحذف اهـ، فإن لم يبدل منها فالمختار النصب بفعل القسم وتختص لفظة الله بجواز الجر مع حذف الجار بلا عوض والكوفيون يجوزون الجر في جميع ما يحذف فيه الجار من المقسم به وإن كان بلا عوض ويختص لفظة الله بتعويض ها التنبيه وهمزة الاستفهام وكذا يعوض منه قطعِ الهمزة منه في الدرج فكأنها حذفت ثم ردت عوضاً من الحذف، وجار الله على هذه الأحرف عوضا من الواو ولعل ذلك لاختصاصها بلفظ الله كالباء ودليل كون هذه الثلاثة إبدالا معاقبتها حرف القسم ولزوم الجر معها دون النصب مع أن النصب بلا عوض أكثر كما تقدم ثم قال بعدما يتعلق بها التنبيه أما همزة الاستفهام فإما أن تكون للإنكار كقول الحجاج في الحسن البصري آلله ليقومن عبيد من عبيدي فيقولون كذا وكذا أو للاستفهام كما قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود لما قال هذا رأس أبي جهل آلله الذي لا إله غيره فإذا دخلت همزة الاستفهام على الله فإما أن تبدل همزة الله ألفا صريحة وهو الأكثر وتسهل وهو القياس في آلرجل ونحوه ولا تحذف للبس ولا تبقى للاستثقال وأمّا قطع همزة الله إذا كان قبله فاء قبلها همزة استفهام
تُهْمَةَ لَكُمْ، ولكنَّهُ
ــ
نحو أفالله لقد كان كذا وكذا وهمزة الاستفهام ليست عوضًا من حرف القسم للفصل بينها وبينه بفاء العطف اهـ، وبوجوب الجر بعد التعويض صرح غير واحد قال أبو حيان في الارتشاف ولا تستعمل هذه الأعواض إلَاّ في اسم الله تعالى ولا يجوز معها إلاّ الجر فلو جئت بشيء من هذه الأعواض الثلاثة فيما يقسم به من غير لفظ الله وحذف حرف الجر الموضوع للقسم لم يكن إلاّ النصب تقول آلتعزيز لأفعلن اهـ، فعلم بما نقل ما في تجويز الكاشف وابن حجر النصب فضلاً عن الاقتصار عليه من النظر لتعين الجر في مثله إلَاّ إن صحت به الرواية فيخرج على خروجه عنها سماعاً والقاعدة فيما يقاس عليه وكأن ما خرجوه عليه وجهه ما قاله النحاة والعبارة للخلاصة "وإن حذف فالنصب للمنجر حتماً" أي إذا حذف الجار وجب نصب المجرور لكن محل ذلك في غير ما ذكر لما ذكرنا ثم رأيت المصنف نقل في الكلام على حديث أبي البشر الذي قبيل كتاب التفسير من شرح مسلم قوله قلت آلله قال ألله الأول بهمزة ممدودة على الاستفهام والثاني بلا مد والهاء فيهما مكسورة هذا هو المشهور قال القاضي روينا بكسرها وفتحها معاً وأكمل أهل العربية لا يجيزون غير كسره اهـ. وعليه فإن صحت الرواية بالفتح فيخرج على أنه شاذ أي خارج عن قانون هذه القاعدة ويوجه بما أشار إليه في الكاشف والله أعلم. قوله:(تهمة لكم) قال الجلال السيوطي في الديباج بفتح الهاء وسكونها
اهـ، وكلاهما من الوهم فالتاء بدل الواو كما في النهاية وفيها تهمة كفعلة وقد تفتح الهاء ولما كان التحليف في الغالب إنما يكون عند التهمة إذ من لا يتهم لا يحلف وقد يحلف من لا يتهم للتقرير والتأكيد فأرشد صلى الله عليه وسلم بنفيه الاتهام عنهم بقوله ولكن أتاني جبريل إلخ أي أن تحليفهم تتأكد عندهم ما دل عليه حالهم ومباهاة الملائكة بهم من مزيد إخلاصهم وقوة يقينهم وشدة حرصهم على العبادة فهم
أتانِي جِبريلُ فأخْبَرني أنّ اللهَ تَعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ".
وروينا
ــ
مبرؤون من كون تحليفهم على سبيل الاتهام لهم فيما ذكره. قوله: (أتاني جبريل) في جبريل ثلاثة عشر لغة نظم منها ابن مالك سبع لغات فقال:
جبريل جبريل جبراءيل جبريل
…
وجبرئيل وجبرال وجبرين
وذيل عليه السيوطي بالستة الباقية فقال:
وجبرئل وجبراءيل مع بدل
…
جبرائل وبياء ثم جبرين
وأشار بقوله مع إبدال إلى جبرايين بإبدال الهمزة ياء واللام نونا وذكر ابن الجوزي في زاد المسير في التفسير من لغاته جبرئل بوزن جبرعل بفتح أوله وسكون ثانيه وبالهمزة بعدها لام وبها تتم اللغات أربعة عشر وقد نظمتها كذلك فقلت:
في جبرئيل أتي عشر وأربعة
…
من اللغات بها شرح وتبين
جبريل جبريل جبرال وجبرئل
…
وجبرئل وجبراءيل جبرين
جبرايل ثم جبرايين جبريل
…
جبرائل ثم جبراءيل جبرين
قال الكسائي جبريل وميكائيل اسمان لم تكن العرب تعرفهما فلما جاءا عربتهما قال ابن عباس جبريل وميكائيل كقولك عبد الله وعبد الرحمن ذهب إلى إن إيل اسم الله واسم الملك جبر وميكا وفي تفسير الشيخ أبي الحسن البكري أخرج الديلمي عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم جبريل عبد الله واسم ميكائيل عبد الرحمن. قوله: (يباهي بكم الملائكة) أي يظهر لهم فضلكم ويريهم حسن عملكم ويثني عليكم عندهم وأصل البهاء الحسن والكمال وفلان يباهي بكذا يفخر به ويتجمل على غيره ووجه المفاخرة أنهم لم يمنعهم من ذكر الله تعالى وطاعته ما قام بهم من العلائق والعوائق والدواعي
في "صحيح مسلم" أيضاً عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما:
أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَقْعُدُ
ــ
القوية إلى البطالة والفتور بل أقبلوا معها إلى الطاعة وإن شقت فاستحقوا المدح لذلك إذ الطاعة وإن وقعت من الملك إلَاّ أنها لكونها له كالنفس للإنسان يرتاح بها إذ لا تعب عليه ولا مشقة فيها أصلاً بخلاف النوع الإنساني فإنه لما سلط عليه من العلائق والعوائق المذكورة يشق عليه مشقة شديدة فلذا باهى بعمل الإنسان الملائكة وقال ابن الجوزي في كشف المشكل المباهاة المفاخرة ومعناها من الله عز وجل التفضيل لهؤلاء على الملائكة اهـ، والمشار إليه بهؤلاء عوام البشر أي الصلحاء المطيعون أرباب الفلاح فهم أفضل من عوام الملك كما تقرر في علم الكلام.
قوله: (في صحيح مسلم) وكذا رواه الترمذي وابن ماجة كما في السلاح والحصن وغيرهما
وأخرجه النسائي وأبو عوانة وابن حبان كما أشار إليه الحافظ قال وله طرف أخرى عن أبي هريرة أخرجها مسلم أثناء حديث مرفوع هو من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة يوم القيامة فذكر الحديث وفيه ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلَاّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده. قوله: (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه هو سعد بن مالك بن سنان جده الأبجر بالموحدة فالجيم هو خدرة المنسوب إليه أبو سعيد هذا من الخزرج وأبو سعيد خدري بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وقيل إن خدرة أم الأبجر والصحيح أنه هو الأبجر استصغر يوم أحد فرد وغزا بعده مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة وهو وأبوه صحابيان استشهد أبوه يوم أحد، روى لأبي سعيد عن صلى الله عليه وسلم ألف ومائة وسبعون حديثاً اتفقا منها على ستة وأربعين وانفرد البخاري بستة عشر ومسلم باثنين وخمسين وعن
قَوم يَذكُرُونَ اللهَ تعالى إلا حفتْهُمُ المَلائكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ
ــ
حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أشياخه قالوا لم يكن أحد من أحداث الصحابة أفقه من أبي سعيد وفي رواية أعلم ومناقبه كثيرة توفي بالمدينة يوم الجمعة سنة أربع وستين وقيل أربع وسبعين ودفن بالبقيع. قوله: (قوم) في مفردات الراغبين قوم جماعة الرجال في الأصل دون النساء قال تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] الآية وقال الشاعر:
* أقوم آل حصن أم نساء *
وفي عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعاً وحقيقته للرجال اهـ. وتعميمه للنساء إما من باب التغليب أو عموم المجاز أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لكن قضية قول ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين والقوم هم الرجال فقط أو مع النساء على ما فيه من الخلاف إن إطلاقه على النساء عند من يقول بأنه لا يعمها حقيقة ويومئ إلى ذلك قوله في شرح المشكاة قوم اسم جمع يصدق بثلاثة فأكثر يستوي فيه الذكور والإناث اهـ، وبالجملة فالمراد هنا ما يعم الفريقين لاشتراكهما في التكليف فيحصل لهن الجزاء باجتماعهن لذكر مشروع لهن من قراءة وتسبيح ونحوه لا كأذان بل يحرم رفع صوتها به بحضرة أجنبي وجاء في رواية أخرى عند مسلم "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده" ولا يقيد إطلاق الخبر السابق في المكان والذكر بما في هذا الخبر بناء على إن المراد ببيت من بيوت الله فيه المسجد لما تقدم أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصصه بل ما في هذا الخبر لبيان الأكمل وما في خبر الباب لبيان الأعم الأشمل على أن التقييد بالمسجد بناء على ما ذكر لكونه جرياً على الغالب أنه محل الذكر لا مفهوم له. قوله:(حفتهم الملائكة) أل فيه للعهد أي الملائكة الملتمسون لذلك قاله صاحب الحرز. قوله: (وغشيتهم الرحمة) بكسر الشين المعجمة أي غطتهم من كل جهة إذ الغشيان لغة إنما يستعمل فيما يشمل المغشي من جميع
ونَزلَتْ عَليهِمُ السكِينَةُ
ــ
أجزائه وجوانبه فتجوز به عما ذكر مبالغة فيه والرحمة صفة نفسانية يستحيل قيامها بالباري والمراد بها بالنسبة إليه تعالى غايتها من إرادة الإنعام فتكون صفة ذات أو نفس الإنعام فتكون صفة فعل والمراد هنا الأثر المرتب عليه إذ هو الموصوف بالغشيان فهي
إحسان نشأ عن إحسان الذاكر بذكره: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] ويتسبب عن هذا الغشيان تنزل السكينة على الذاكرين. قوله: (ونزلت عليهم السكينة) قال في شرح المشكاة أي المذكورة في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح: 4] وهي فعيلة من السكون "قلت" وقيل إنه بتشديد الكاف للمبالغة والمراد بها هنا الحالة التي يطمئن بها القلب فلا يزعج لطارق من طوارق الدنيا لعلمه بإحاطة قدرة المذكور فيسكن ويطمئن القلب بموعود الأجر لقوة رجائه بحصوله لما وفقه للاشتغال به عن كل ما سواه ويصح أن يراد بها ما جاء في خبر مرسل أنه صلى الله عليه وسلم كان في مجلس فرفع بصره إلى السماء ثم طأطأ بصره ثم رفعه فسئل فقال إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله يعني عند مجلس إمامه فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة فلما دنت منهم تكلم رجل بباطل فرفعت عنهم وقيل السكينة اسم ملك ينزل في قلب المؤمن يأمره بالخير وقال ابن الجوزي في مفتاح الحصين السكينة أي الرحمة والوقار والسكون والخشية وقيل غير ذلك والمراد السكون تحت جري المقادير لا ضد الحركة وتفسيره لها بالرحمة تبع فيه اختيار القاضي عياض وضعف بعطفها عليه المقتضي للمغايرة بل قال ابن حجر في شرح الأربعين إنه مردود والرد منقود لأنه يحتمل أن يكون جعله من باب الإطناب تعديداً لذكر الجزاء المستطاب نعم هو ضعيف لكون التأسيس خيرًا منه واختار المصنف كونها بمعنى الطمأنينة قال في الحرز ثم