الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
اعلم أنه قد صنَّف في عمل اليوم والليلة جماعة من الأئمة كتباً نفيسة، رووا فيها ما ذكروه بأسانيدهم المتصلة وطرقوها من طرق كثيرة، ومن أحسنها:"عمل اليوم والليلة" للإمام أبي عبد الرحمن النسائي، وأحسن منه وأنفس وأكثر فوائد كتاب:"عمل اليوم والليلة" لصاحبه الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السنّي رضي الله عنهم. وقد سمعت أنا
جميع كتاب ابن السني على شيخنا الإمام الحافظ أبي البقاء خالد بن يوسف بن سعد بن الحسن رضي الله عنه، قال: أخبرنا الإمام العلامة أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن الكندي سنة اثنتين وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري، قال:
ــ
فصل
قوله: (في عمل اليوم والليلة) أي فيما يعمل فيها من أقوال وأفعال. قوله: (وطرقوها) بتشديد الراء أي جعلوا لها طرقاً متعددة لتعدد طرقهم في تلك الأحاديث. قوله: (كثيرة) وصف الكثرة باعتبار المجموع وإلا فبعضها ليس له إلا طريقان أو طريق وأحد. قوله: (وأنفس) من النفاسة والنفيس الخيار المرغوب فيه وحذف قوله منه اكتفاء بدلالة ذكره فيما قبله اختصاراً. قوله: (لصاحبه الإمام أبي بكر بن محمد بن إسحاق السني) بضم السين المهملة وتشديد النون بعدها ياء النسبة وهو الإمام الجليل أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط بن بديح بصيغة التصغير البديحي بالموحدة فالدال المهملة فالمثناة التحتية فالحاء المهملة منسوب إلى جده بديح القرشي الهاشمي مولاهم الدينوري المعروف بابن السني الحافظ، وبديح جده مولى عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب، يكنى أبا بكر أحد الحفاظ المشهورين الثقات المأمونين ولي قضاء القضاة بالري ثم انفصل وتركه ونفذ حكمه إلى العراف والحجاز ومصر وفي
أخبرنا الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الدوني، قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين بن محمد بن الكسار الدينوري، قال: أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني رضي الله عنه.
وإنما ذكرت هذا الإسناد هنا لأني سأنقل من كتاب ابن السني إن شاء الله تعالى جُملاً، فأحببت تقديم إسناد الكتاب، وهذا مستحسن عند أئمة الحديث وغيرهم، وإنما خصصت ذكر إسناد هذا الكتاب لكونه أجمع
ــ
شيوخه كثرة منهم أبو يعلى الموصلي البغوي وأبو الحسين بن جوصا وأبو عبد الرحمن وأبو عرفة الكراني وجماعة روى عنه القاضي أحمد بن عبيد الله ابن علي بن شاذان وأبو نصر أحمد بن الحسين بن الكسار الدينوريان وجماعة غيرهما توفي سنة أربع وستين ثلاثمائة وستين وذكر الخليلي أنه توفي سنة أربع وخمسين وثلاثمائة والقول والأصح والله أعلم مات عن بضع وثمانين سنة قال القاضي أبو زرعة روح بن محمد سبط ابن السني سمعت عمي علي بن أحمد يقول كان أبي يكتب الحديث فوضع القلم في أنبوبة المحبرة ورفع يديه يدعو الله فمات كذا في تاريخ اليافعي وغيره. قوله: (أبو محمد عبد الرحمن بن حمد) أي بفتح الحاء وسكون الميم: (ابن الحسن الرومي) كذا في نسخة وفي نسخة صحيحة "الدوني" قال الصديق الأهدل نسبة إلى دون بلدة بعراق العجم اهـ، وفي لب اللباب مختصر مختصر كتاب السمعاني الدوني أي بضم الدال المشددة وسكون الواو وكسر النون بعدها ياء النسب نسبة إلى دون من قرى دينور اهـ، وكذا رأيته في أصل صحيح مضبوط عندي من كتاب ابن السني وفي ظهره رواية أبي محمد عبد الرحمن بن حمد بن الحسن الدوني رواية أبي نصر أحمد بن الحسين الدينوري وكذلك هو في طبقات السماع المكتوبة بآخره من الأشياخ. قوله:(الكسار) بفتح الكاف وتشديد السين وبالراء المهملتين. قوله: (الدينوري) هو في الأصول
الكتب في هذا الفن، وإلا فجميع ما أذكره فيه لي به روايات صحيحة بسماعات متصلة بحمد الله تعالى إلا الشاذّ النادر، فمن ذلك ما أنقله من الكتب
الخمسة التي هي أصول الإسلام، وهي:"الصحيحان" للبخاري ومسلم، و"سنن أبي داود" و"الترمذي" و"النسائي".
ومن ذلك ما هو من كتب "المسانيد" و"السنن""كموطأ الإمام مالك"،
ــ
المصححة مضبوط بكسر المهملة وإسكان التحتية وفتح النون والواو وكسر الراء المهملة بعدها ياء النسب. قوله: (إلا الشاذ النادر) يحتمل أن يكون مستثنى من قوله سماعات فيكون اتصاله فيها بغير السماع من طرق التحمل من إجازة أو نحوها ويحتمل أن يكون مستثنى من قوله "لي به روايات صحيحة" فيكون الشاذ النادر خارجاً من ذلك فيكون دليلاً على جواز رواية ما لم يكن للراوي فيه تحمل وقال الحافظ ابن جبير يمتنع ذلك ونقل فيه الإجماع سواء أكان النقل للرواية أم للعمل للاحتجاج وضعف، والعمل على خلافه من جواز النقل من الكتب المعتمدة التي صحت واشتهرت نسبتها لمصنفها إذا نقل من أصل صحيح مأمون من تغييره وتبديله.
قوله: (كموطأ الإمام مالك إلخ) في العبارة لف ونشر مشوش إذا الموطأ من كتب السنن كسنن ابن ماجه والدارقطني فلو روعي اللف والنشر المرتب لقيل كمسند أحمد وأبي عوانة وموطأ مالك لكن ترك ذلك نظراً لتقدم الإمام مالك في السن والرتبة وشرف الدرجة وعادة المحدثين تقديم ما كان كذلك، وفي تنوير الحوالك للسيوطي عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الأصبهاني "قلت" لأبي حاتم الرازي موطأ مالك بن أنس لم سمي موطأ، فقال شيء صنفه ووطأه للناس حتى قيل موطأ مالك كما قيل جامع سفيان، وفيه عن مالك عرضت كتابي هذا على ستين فقيهاً من فقهاء الأمصار فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ قال ابن فهر لم يسبق مالكاً أحد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى هذه التسمية فإن من ألف في زمانه بعضهم سمي الجامع وبعضهم بالمصنف وبعضهم بألمؤلف ولفظة الموطأ بمعنى المنقح "قلت" وفي القاموس وطأه هيأه ودمثه وسهله ورجل موطأ الأكناف سهل دمث كريم مضياف أو يتمكن في ناحيته صاحبه غير مؤذي ولا ناب به موضعه وموطأ العقب سلطان يتبع وهذه المعاني كلها تصلح لهذا الاسم على طريق الاستعارة، وجملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثاً المسند منها ستمائة والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثاً والموقوف ستمائة وثلاثة عشر والمقطوع أي الوارد عن التابعين مائتان وخمسة وثمانون وقيل غير ذلك، وعن الشافعي أصح الكتب بعد كتاب الله موطأ مالك وروي بغير هذا اللفظ وحمل على أنه قبل ظهور الصحيحين فلما ظهرا تقدما عليه وأول من ضم الموطأ إلى الكتب الخمسة فجعل أصول الإسلام ستة الإمام الشهير المجد أبو السعادات ابن الأثير في كتابه جامع الأصول وتبعه عليه رزين السرقسطي وغيرهما واستمر كذلك حتى أخرجه منها وأبدله بسنن ابن ماجه الحافظ أبو الفضل بن طاهر وعليه طريق معظم المتأخرين كما سبق بيان ذلك "والإمام مالك" هو الإمام الكبير نجم السنة الشهير مالك ابن أنس بن أبي عامر بن عمرو أبو الحارث ينتهي نسبه إلى يعرب بن يشجب بن قحطان الأصبحي، جده أبو عامر صحابي جليل شهد المغازي كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بدراً وابنه أنس من كبار التابعين وعلمائهم وهو أحد الأربعة الذين حملوا عثمان ليلاً إلى قبره وأما مالك الإمام فذكره ابن سعد في طبقاته في الطبقة السادسة من تابعي أهل المدينة أي من تابعي التابعين كما صرح به الأئمة وذكر بعضهم أنه من التابعين وأنه لقي من الصحابة أبا الطفيل وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص وصحبتها ثابتة، نقله العامري في شرح الموطأ من رواية محمد بن الحسن ولد سنة ثلاث وسبعين وقيل سنة سبعين وقيل غير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك.
وفي شرح المشكاة لابن حجر ولد سنة ثلاث ومائة على الأشهر أو إحدى أو اثنتين أو أربع أو خمس أو ست أو سبع أو سنة تسع وثمانين وهو أغربها أو سنة تسعين مكث حملا في بطن أمه ثلاث سنين وقيل أكثر وقيل سنتين اهـ، أخذ عن ثلاثمائة تابعي وأربعمائة من تابعيهم كذا في شرح المشكاة لابن حجر وفي التهذيب للمصنف أخذ عن تسعمائة شيخ -بتقديم التاء- منهم ثلاثمائة من التابعين
وستمائة من تابعيهم ممن رضيه ووثق بدينه نقله عن الدولعي وأخذ عنه أئمة لا يحصون ولا يعرف عن أحد من الأئمة رواة في الكثرة كرواته وأجلهم الشافعي على الإطلاق بإجماع أهل الحديث وإنما لم يخرج أصحاب الأصول حديث مالك من جهة الشافعي لطلبهم العلو المقدم عند المحدثين على ما عداه من الإعراض وإكثار أحمد من إخراج حديث مالك من غير طريق الشافعي حمل على احتمال أنه جمع المسند قبل اجتماعه به وقد اجتمع طوائف الأئمة العلماء على جلالة الإمام مالك وعظم سيادته والإذعان له في الحفظ والتثبت وتعظيم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال البخاري إمام الصنعة أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر وفي هذه المسألة خلاف منتشر جمع منه الحافظ ستة عشر قولاً ورتب الأحاديث المروية بها وسماه تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد وعلى مذهب البخاري المذكور فأصحها عن مالك الشافعي لما سبق قال أحمد سمعت الموطأ على سبعة عشر رجلاً من حفاظ أصحاب مالك ثم على الشافعي لأني وجدته أقومهم به وأصحها عن الشافعي أحمد قال الشافعي خرجت من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه ولاجتماع الأئمة الثلاثة في هذه السلسلة قيل لها سلسلة الذهب وقال الشافعي إذا جاء الحديث فمالك النجم وما أحد آمن علي من مالك وقال: مالك وابن عيينة القرينان لولاهما لذهب علم الحجاز ومالك معلمي وعنه أخذت العلم وقال وهب بن خالد ما بين المشرق والمغرب رجل آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من مالك وفي الحديث الصحيح
و"مسند الإمام
أحمد بن حنبل"،
ــ
يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل وفي رواية آباط المطي يطلبون العلم فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة خرجه أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم في المستدرك وصححه من حديث أبي هريرة مرفوعاً قال سفيان بن عيينة هو مالك بن أنس وكذا قال عبد الرزاق وكان مبالغاً في تعظيم الحديث النبوي ولذا قال ما قال وكان يرى النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة ذكره أبو نعيم في الحلية ورؤيت له مراء تدل على شرف مقداره ذكر المصنف منها جملة في التهذيب ومرض يوم الأحد فأقام مريضاً اثنين وعشرين يوماً وتوفي بالمدينة يوم الأحد لعشر خلون وقيل لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة سبع وسبعين ومائة وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس وهو يومئذٍ والٍ على المدينة ودفن بالبقيع ومدفنه بهامشور، بجانبه في بيت آخر نافع شيخ القراء وعن عبد الله بن نافع قال توفي مالك وهو ابن سبع وثمانين سنة وأقام مفتياً بالمدينة بين أظهرهم ستين سنة وترك من الأولاد يحيى ومحمداً وحماداً وأم أبيها قال القاضي عياض في المدارك رأى عمر بن سعد الأنصاري ليلة مات مالك قائلاً يقول:
لقد أصبح الإسلام زعزع ركنه
…
عداة ثوى الهادي لدي ملحد القبر
إمام الهدى ما زال للعلم صائناً
…
عليه سلام الله في آخر الدهر
قوله: (ومسند الإمام أحمد بن حنبل) قال المصنف في الإرشاد كتب المسانيد كمسند أبي داود الطيالسي وعبيد الله بن موسى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأشباهها لا تلتحق بالكتب الخمسة وهي الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما فيها لأن عادتهم في هذه المسانيد أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من
حديثه صحيحاً كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو ضعيفاً ولا يعتنون فيها بالصحيح بخلاف أصحاب الكتب المصنفة على الأبواب اهـ، وهو تابع ذلك لابن الصلاح وقد انتقد تفضيله السنن على مسند أحمد بأنه ليس كما ذكر فإنه أكبر المسانيد وأحسنها ولم يدخل إلَاّ ما يحتج به مع كونه انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف حديث وقال ما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا فيه إلى المسند فإن وجدتموه وإلَّا فليس بحجة ومن ثم بالغ بعضهم فأطلق الصحة على كل ما فيه والحق إن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة وبعضها أشد في الضعف من بعض حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيراً منها في الموضوعات لكن تعقبه في بعضها بعضهم وفي سائرها شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر وحقق في الوضع عن جميع أحاديثه وأنه أحسن انتقاءً وتحريراً من الكتب التي لم يلتزم مؤلفوها الصحة في جميعها كالسنن الأربعة قال وليست الأحاديث الزائدة فيها على الصحيحين بأكثر ضعفاً من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي عليهما وبالجملة فالسبيل واحد لمن أراد الاحتجاج بحديث من السنن لا سيما سنن ابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة مما الأمر فيه أشد أو حديث من المسانيد لأن الجميع لم يشترط مؤلفوها الصحة ولا الحسن وتلك السبيل إن كان المحتج أهلاً للتصحيح والنقد فليس له أن يحتج بشيء من القسمين حتى يحيط به وإن لم يكن أهلا لذلك فإن وجد أهلا لتصحيح أو تحسين قلده وإلَاّ فلا يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر قال الزركشي قال الحافظ عبد القادر الرهاوي فيه أربعون ألف حديث إلَاّ أربعين أو ثلاثين وعن ابن المنادي فيه ثلاثون ألف حديث ولعله أراد بإسقاط المكرر أو خالياً عن زيادة ابنه وقد ذكر ابن دحية فيه أربعين ألفاً بزيادة ابنه وهو يجمعّ الأقوال اهـ. والإمام أحمد هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي الإمام البارع المجمع على إمامته وجلالته وورعه وزهادته وحفظه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ووفور علمه وسيادته أخذ عن ابن عيينة وأقرانه وروى عنه جماعة من شيوخه وخلائق آخرون لا يحصون منهم البخاري فروى عنه حديثاً واحداً في آخر كتاب الصدقات تعليقاً وروى عن أحمد بن الحسين الترمذي عنه حديثًا آخر وروى عنه مسلم وأبو داود وأبو زرعة الرازي وقال كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث فقيل له وما يدريك به فقال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب وإبراهيم الحربي وقال رأيت ثلاثة لم ير مثلهم أبداً وذكره منهم ثم قال كان الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء وقال إسحاق بن راهويه هو حجة بين الله وبين عبيده قال قتيبة وأبو حاتم إذا رأيت الرجل يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة وقال إمامنا الشافعي رضي الله عنه خرجت من بغداد وما خلفت بها أتقى ولا أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم منه وقال ميمون بن الأصبع كنت ببغداد فسمعت ضجة امتحان أحمد فدخلت فلما ضرب سوطًا قال بسم الله فلما ضرب الثاني قال لا حول ولا قوة إلَاّ بالله فضرب الثالث فقال القرآن كلام الله غير مخلوق فضرب الرابع فقال قل لن يصيبنا إلَاّ ما كتب الله لنا فضرب عشرين سوطاً وكانت تكة لباسه حاشية ثوب فانقطعت فنزل السروال إلى عانته فدعا فعاد ولم ينزل ودخلت عليه بعد سبعة أيام فقلت يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك فأي شيء قلت قال قلت اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش إن كنت تعلم أني على الصواب فلا
تهتك لي ستراً وروي أنه كان كلما ضرب سوطاً أبرأ ذمة المعتصم فسئل فقال كرهت إن آتي يوم القيامة فيقال هذا غريم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أو رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقيل لبشر الحافي لما ضرب أحمد في محنة القول بخلق القرآن لو قمت وتكلمت بمثل ما تكلم فقال لا أقوى عليه إن أحمد قام مقام الأنبياء قال ابن حجر في شرح المشكاة ومن ثمة أرسل إليه الشافعي إلى بغداد يطلب قميصه الذي ضرب فيه فأرسله إليه فغسله وشرب ماءه وهذه من أجل مناقبه اهـ. وتبعه عليه القاري في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المرقاة على المشكاة لكن في شرح حاشية العقائد للشيخ ابن أبي شريف امتحن المأمون الناس بالقول بخلق القرآن سنة مائتين واثني عشر بعد وفاة الشافعي بنحو سبع سنين فأجاب أكثر من دعي إلى ذلك كرهاً وأبى بعضهم ثم لما ولي أخوه المعتصم وهو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد اشتدت المحنة وقرب الإمام أحمد ثم ولي بعده ابنه الواثق هارون فبالغ في المحنة بإشارة القاضي أحمد بن دؤاد بهمزة مفتوحة ممدودة بعد الدال المهملة المضمومة ويقال إن الواثق تاب في آخر عمره عن ذلك ثم لما ولي المتوكل جعفر بن المعتصم أواخر سنة اثنين وثلاثين ومائتين رفع المحنة وقمع البدعة وأكرم الإمام أحمد رضي الله عنه، وهو لا يلائم ما نقله الشيخ ابن حجر من طلب الشافعي قميص أحمد الذي ضرب فيه لأنه وقع بعده وفي طبقات السبكي إن ابتداء دعاء المأمون إلى القول بخلق القرآن سنة ثنتي عشرة وقوة ذلك في سنة ثمان عشرة وضرب أحمد إنما كان بعد موت المأمون في خلافة المعتصم وفي تاريخ اليافعي ودعي يعني ابن حنبل بعد وفاة الشافعي بست عشرة سنة إلى القول بخلق القرآن فلم يجب وضرب فصبر مصراً على الامتناع وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين اهـ، ثم رأيت الشيخ ابن حجر تنبه لذلك فضرب على هذه المقالة في نسخته المسودة التي بخطه والله أعلم ومناقب أحمد كثيرة ولد في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة ومرض تسعة أيام وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين على الصحيح ليلة الجمعة وصلى عليه بعد العصر ثاني عشر ربيع الآخر أو لثلاث عشرة بقين منه وقيل غير ذلك وقبره ظاهر ببغداد يزار ويتبرك به قال أبو زرعة بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه للصلاة على الإمام أحمد فبلغ مقام ألفي ألف وخمسمائة ألف وأسلم يوم وفاته عشرون ألفاً وكشف قبره بعد موته بمائتين وثلاثين سنة لموت بعض الأشراف ودفنه بجانبه فوجد كفنه صحيحاً لم يبل
و"أبي عوانة"، و"سنن ابن ماجه"، و"الدارقطني"،
ــ
وجثته لم تتغير. قوله: (وأبي عوانة) هو بفتح العين المهملة وتخفيف الواو والنون بعد الألف وآخره هاء غير منصرف لما تقرر في وجه منع أبي هريرة، وأبو عوانة هو الاسفراييني وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد النيسابوري الحافظ الكبير الجليل صاحب المسند الصحيح المخرج على كتاب مسلم سمع بخراسان والعراق والحجاز واليمن والشام والثغور وبجزيرة فارس وأصبهان ومصر وهو أول من أدخل مذهب الشافعي إلى اسفراين أخذه عن المزني والربيع سمع محمد بن يحيى ومسلم بن الحجاج ويونس بن عبد الأعلى وخلفا سواهم روى عنه أحمد بن علي الرازي الحافظ وأبو يعلى النيسابوري والطبراني وخلق آخرهم ابن ابن أخيه أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني قال الحاكم أبو عوانة من علماء الحديث وأنباتهم ومن الرجال في أقطار الأرض لطلب الحديث سمعت محمد ابنه يقول أنه
توفي سنة ست عشرة قال السبكي في طبقاته وذكر عبد الغافر بن إسماعيل أنه توفي سنة ثلاث عشرة والصحيح الأول وعلى قبر أبي عوانة مشهد بإسفراين يزار قيل وهو بداخل البلد اهـ، وفي تاريخ اليافعي وحج خمس حجج وقال كتب إلى أخي محمد بن إسحاق.
فإن نحن التقينا قبل موت
…
شفينا النفس من مضض العتاب
وإن سبقت بنا أيدي المنايا
…
فكم من عاتب تحت التراب
قوله: (والدارقطني) بفتح الراء وإسكانها وضم القاف وإسكان الطاء المهملة لعدها نون نسبة لدار القطن محلة كانت كبيرة ببغداد وهو الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني البغدادي الشافعي الإمام الجليل الحافظ إمام عصره وحافظ دهره صاحب السنن والعلل وغيرهما إليه انتهى علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة والثقة والعدالة وصحة
و"البيهقي"
ــ
الاعتقاد والتضلع بعلوم شتى سمع أبا القاسم البغوي وآخرين وروى عنه أئمة كأبي نعيم والحاكم أبي عبد الله والشيخ أبي حامد الاسفراييني والقاضي أبي الطيب الطبري وخلق كثير قال رجاء بن محمد العدل قلت للدارقطني رأيت مثل نفسك فقال قال الله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] فألححت عليه فقال لم أو من جمع ما جمعت وقال أبو ذر عبد بن أحمد قلت للحاكم بن البيع هل رأيت مثل الدارقطني فقال هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا وقال القاضي أبو الطيب الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث ومن عجيب حفظه ما ذكره ابن السبكي وغيره أنه حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزءًا والصفار يملي فقال رجل لا يصح سماعك وأنت تكتب فقال الدارقطني فهمي للإملاء خلاف فهمك تحفظ كم أملى الشيخ قال لا قال أملى ثمانية عشر حديثاً الحديث الأول عن فلان ومتنه كذا ثم مر في ذلك حتى أتى على الأحاديث كلها فعجب الناس منه وقال الحافظ عبد الغني أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة علي ابن المديني في وقته وموسى بن هارون في وقته وعلي بن عمر الدارقطني في وقته ولد في ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة وتوفي في ثامن ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة قال أبو نصر بن ماكولا رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة فقيل لي ذاك يدعى في الجنة الإمام ذكره السبكي في طبقاته. قوله: (وَالبيهقيّ) هو بفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الهاء بعدها قاف ثم ياء نسبة لبيهق وهي قرى مجتمعة بنواحي نيسابور على عشرين فرسخاً منها وكان قصبتها خسروجرد بضم الخاء المعجمة وسكون السين وفَتح الراء المهملتين في آخرها الدال المهملة وهو الإمام الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي النيسابوري الحافظ أحد أئمة المسلمين وهداة المؤمنين والداعي إلى حبل