المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يقول إذا دخل بيته - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: ‌باب ما يقول إذا دخل بيته

وروينا في كتابَي "ابن ماجة، وابن السني" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من منزله قال:"بِسْمِ اللهِ، التُّكْلان على اللهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قوةَ إلا باللَّهِ".

‌باب ما يقول إذا دخل بيته

ــ

النعوت اللطاف وقال ابن حجر أي برجل قد استجيب له ما دعا له من تلك الثلاثة فحينئذِ قد هدي وكفي ووقي اهـ. وفيه ما عرفت إلَاّ أن يقال لما كان الإتيان بذلك الذكر سبباً لحصول هذه الأمور صار الإتيان به كالدعاء بها نظير ما قيل في إطلاق الدعا على نحو قول لا إله إلَاّ الله إلخ، في الحديث الآتي في دعاء الكرب ودعاء عرفة إن شاء الله تعالى والله أعلم.

قوله: (وروينا فِي كتَابَي ابن ماجة وابن السني) زاد في الجامع الصغير والحاكم في المستدرك وقال السخاوي في "الابتهاج بأذكار المسافر والحاج " أخرجه البخاري في الأدب المفرد والحاكم وصححه مع إن في سنده من ضعف والصواب أنه حسن لشواهده اهـ. قوله: (التّكْلانُ) قال المصنف في التهذيب التوكل الاعتماد يقال توكلت على الله أو على فلان توكلًا أي اعتمدت عليه والاسم التكلان بضم التاء وإسكان الكاف اهـ. وفي شرح مسلم قبيل كتاب الإيمان التكلان بضم التاء المثناة وإسكان الكاف أي الاتكال ثم ظاهر حصول المطلوب بكل من اللفظين لتعدد الرواية والراوي وليس من نحو ظلماً كثيراً بالمثلثة أو الموحدة لأن ذاك حصل الشك في لفظ الراوي فطلب فيه الاحتياط الآتي ولا كذلك ما نحن فيه والله أعلم.

باب ما يقول إذا دخل بيته

ص: 337

يستحب أن يقول: بسم الله، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، وأن يسلم سواء كان في البيت آدمي أم لا، لقول الله تعالى:{فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبة} [النور: 61].

وروينا في "كتاب الترمذي" عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

قوله: (قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} [النور: 61] قال ابن الجوزي في "زاد المسير" فيها ثلاثة أقوال أحدها بيوت أنفسكم سلموا على أنفسكم وعيالكم قاله جابر بن عبد الله وطاوس وقتادة، والثاني أنها المساجد فسلموا على من فيها قاله ابن عباس، والثالث بيوت الغير فالمعنى إذا دخلتم

بيوت غيركم فسلموا عليهم قاله الحسين. قوله: (تحِيَّةً) قال الزجاج هي منصوبة على المصدر لأن قوله: ({فَسَلِّمُوْا}) بمعنى فحيوا أي يحيي بعضكم بعضاً ({تحيَّة مِنْ عِندِ اللهِ})[النور: 61] قال مقاتل مباركة بالأجر طيبة أي حسنة اهـ. قال القرطبي ووصفها بالبركة لأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم عليه ووصفها أيضاً بالطيب لأن من سمعها يستطيبها اهـ، ولا يخفى نجعد القول الثالث الأخير وإن اقتصر عليه العلامة الكبير البيضاوي في التفسير عن سياق الآية ومناسبة ({فَسَلِّمُوْا عَلى أَنفُسِكُم} [النور: 61] لكن قربه بقوله فسلموا على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة اهـ، ومثله في النهر واقتصر الإمام الواحدي على نقل القولين الأولين وأشار إلى اعتماد القول الأول لأن عليه المعول وعبارته {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] هذا في دخول الرجل بيت نفسه والسلام على أهله ومن في بيته قال قتادة إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهم أحق من سلمت عليه فإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين حدثنا إن الملائكة ترد عليه، وقال ابن عباس هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا

ص: 338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلى عباد الله الصالحين قلت في النهر لأبي حيان قال ابن عباس المساجد إذا دخلتموها فسلموا على من فيها وإن لم يكن فيها أحد قال السلام على رسول الله وقيل يقول السلام عليكم يعني الملائكة ثم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اهـ. قال الحافظ أخرجه عنه ابن المبارك في كتاب الاستئذان بسند صحيح قال وأخرج البيهقي مثله في الشعب بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي ومجاهد والحسن والحكم بن عيينة اهـ، روى الواحدي بإسناده إلى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهلها وإذا طعم أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله على طعامه فإن الشيطان إذا سلم أحدكم لم يدخل بيته وإذا ذكر اسم الله على طعام قال لا مبيت لكم ولا عشاء وإن لم يسلم حين يدخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال أدركتم العشاء والمبيت وقوله:{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} قال ابن عباس هذه تحية حياكم الله بها وقال الفراء أي إن الله أمركم إن تفعلوا طاعة له وقوله: ({مُبَارَكَةً}) قال ابن عباس حسنة جميلة وقال الزجاج أعلم الله إن السلام مبارك طيب لما فيه من الأجر والثواب اهـ. كلام الواحدي وقوله عن ابن عباس أي هذه تحية تقرير لبيان المعنى لا للإعراب فلا يخالف النصب في ذلك والله أعلم.

وفي تفسير القاضي البيضاوي وعن أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال متى لقيت أحداً من أمتي فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين الأبرار اهـ، وقضية كلام الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف ضعف الخبر والله أعلم وقد سئل عن حاله أيضاً فصنف فيه جزءاً أورده السخاوي فيما جمعه من فتاوى الحافظ ابن حجر وسيأتي كلام الترمذي في حديث أنس الذي أورده المصنف وهو قريب من الحديث الذي أورده القاضي. قوله:

ص: 339

"يا بُنَي إِذا دَخَلْتَ على أهْلِكَ، فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيكَ وعلى أهْلِ بيتك" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

ــ

(يا بُنَيَّ) تصغير ابن لأن أصله بنو فحذفت لامه اعتباطاً وعوض منها الألف فإذا صغر صار بنيو فيعل كإعلال سيد وهو إذا لم يضف يضم أوله إن أريد به معين وإلا فينصب لفظاً كسائر

المفردات النكرات في النداء وإن أضيف إلى ياء المتكلم فقال المرادي في شرح الألفية إذا كان في آخر المضاف إلى ياء المتكلم ياء مشددة كبني قيل يا بني أو يا بني أي بالكسر والفتح لا غير على التزام حذف ياء المتكلم فراراً من توالي الياآت مع أن الثالثة كان يختار حذفها قبل وجود اثنتين وليس بعد اختيار الشيء إلا لزومه والفتح على وجهين أحدهما أن يكون ياء المتكلم أبدلت ألفاً ثم التزم حذفها لأنه بدل مستثقل والثاني أن يقال ثانية يائي يا بني حذفت ثم أدغمت أولاهما في ياء المتكلم ففتحت لأن أصلها الفتح اهـ. وقال المصنف في آخر كتاب الأدب من شرح مسلم وبالوجهين قرئ في السبع وقرأ بعضهم بإسكانها، وفي هذين الحديثين جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر منه سناً يا ابني أو يا بني مصغراً ويا ولدي ومعناه التلطف وإنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة وكذا يقال لمن هو في مثل سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه وإذا قصد التلطف كان مستحباً كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. قوله:(يَكُبنْ بركةً) اسم يكن ضمير عائد إلى السلام المفهوم من سلم نظير قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أي العدل المفهوم من أعدلوا أقرب للتقوى والسلام على الأهل إذا دخل سنة مؤكدة كما دل عليه هذا الخبر وما في معناه وفيه الفائدة الجليلة والثمرة الجميلة فينبغي المداومة على ذلك وفي الخبر اقتباس من الآية السابقة. قوله: (قال الترمذي حديث حسن صحيح) وكذا في الترغيب للمنذري وعبارته رواه عن زيد عن سعيد بن المسيب وقال حديث حسن صحيح

ص: 340

وروينا في "سنن أبي داود" عن أبي

ــ

لكن في السلاح حسن صحيح غريب ثم راجعت أصلي من الترمذي وفيه كما في السلاح زيادة غريب وسبق الجواب بأن مثل هذا محمول على اختلاف الأصول في ذلك أو الاكتفاء بالمقصود من الأوصاف فإن الذي أشار إليه المصنف التزام بيان حاله من الصحة والحسن والضعف، والغرابة لا تنافي الأولين ففي الصحيح كثير من الإفراد المطلقة والله أعلم ثم رأيت الحافظ حمله على ذلك فقال هكذا أخرجه الترمذي وقال حديث غريب كذا في كثير من النسخ المعتمدة منها بخط الحافظ على الصدفي ووقع بخط الكروجي حسن صحيح وعليه اعتمد في الأذكار وفيه نظر فإن علي بن زيد أي الراوي عن سعيد بن المسيب عن أنس وإن كان صدوقاً لكنه سيئ الحفظ وأطلق عليه جماعة الضعف بسبب ذلك وقد تكلم الترمذي على هذا في موضع آخر فأخرج في كتاب العلم بهذا السند حديثاً آخر وقال حديث غريب لا نعرف لسعيد عن أنس غير هذا وسألت عن هذا الحديث محمد بن إسماعيل البخاري فلم يرفه قال وقد روى عباد المنقري عن علي بن زيد عن أنس هذا الحديث بطوله وأخرج الترمذي في كتاب الصلاة بهذا الإسناد حديثاً آخر والأحاديث الثلاثة مختصرة من حديث طويل في نحو ورقة وقد أخرجه أبو يعلى في مسنده من طريق المنقري عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس قال الحافظ وقع لنا بعضه من وجه صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني ووقع لنا مقصود الباب من وجه فذكر سنده إلى سعيد بن زون قال كنت عند أنس فقال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه وإذا دخلت منزلك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك قال وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر قال وسعيد المذكور في روايتنا ضعيف عندهم قال العقيلي لا يثبت في هذا شيء عن أنس والله أعلم.

قوله: (عنْ أبي

ص: 341

مالك الأشعري رضي الله عنه، واسمه الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب، وقيل: عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيتَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُم إني أسالُكَ خَيرَ المَوْلَج وَخَيرَ

ــ

مالك إلخ) تقدم ذكر فضائله والخلاف في اسمه في باب فضل الذكر غير مقيد وكان موضع ذكر الخلاف في اسمه ذلك المكان وكأن التأخير للنسيان ولا عيب فيه على الإنسان قال الشاعر:

وما سمى الإنسان إلا لنسيه

ولا القلب إلَاّ أنه يتقلب

قوله: (وَلَجَ الرَّجلُ) أي دخل يقال ولج يلج والوجا وهو من مصادر غير المتعدي على معنى ولجت فيه قال العاقولي والتقييد بالرجل لشرفه والمرأة فيه كذلك وببيت الإنسان نفسه جرياً على الغالب فيقوله الإنسان عند دخول منزل الغير أيضاً. قوله: (المَوْلِج) بكسر اللام وروي فتحها واعترض بأنه خلاف القياس لأن ما كان فاؤه واواً أو ياء ساقط في المستَقبل فالفعل منه مكسور العين في المصدر والاسم وجاءت منه كلمات على خلاف الغالب قال زين العرب في شرح المصابيح ومن فتح هنا فإما أن يكون سها أو قصد مزاوجته للمخرج أي مكان الولوج وإرادة المصدر بهما أتم وأقعد من إرادة الزمان أو المكان لأن المراد الخير الذي يأتي من قبل الولوج والخروج ويقترن بهما ويتوقع منهما وقال ابن حجر في شرح المشكاة ويرد بأن الرواية تفيد إثبات إن هذا من غير الغالب أيضاً اهـ، وهذا فيه الاحتجاج على إثبات القواعد النحوية والصرفية بالأحاديث النبوية وهو ما اختاره ابن مالك ويظهر من صنيع المصنف في شرح مسلم اختياره لكن قال الجلال السيوطي في الاقتراح ما ثبت من الحديث أنه لفظ رسول الله - صلى الله عليه

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسلم - فلا شك في صحة الاستدلال به بل ولا في علو رتبته في الاستدلال لأنه صلى الله عليه وسلم أفصح العرب وذلك نادر جداً إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضاً فإن غالب الأحاديث مروي بالمعنى وقد تداولها المولدون قبل تدوينها فرووها بما أدت إليه عبارتهم فزادوا ونقصوا وقدموا وأخروا وأبدلوا الألفاظ بألفاظ ولهذا تجد الحديث الواحد في القضية الواحدة مروياً على أوجه شتى بعبارات مختلفة قال ومن ثم أنكر علي ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث، ثم نقل عن أبي حيان في شرح التسهيل كلاماً أطنب فيه في الرد على ابن مالك في ذلك، ملخصه إن هذه الطريقة أي إثبات القواعد النحوية بألفاظ الحديث لم يسلكها أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين لأن العلماء جوزوا رواية الحديث بالمعنى، ومن ثم يختلف ألفاظه فالضابط من الرواة إنما يضبط المعنى فقط لا اللفظ ولأن اللحن وقع كثيراً فيما روي من الأحاديث لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعرفون النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون فحينئذِ لا وثوق لنا بما يروي أنه لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصح به الاستدلال، قال أبو حيان ولما أورد البدر بن جماعة ذلك على ابن مالك لم يجب بشيء ونقل السيوطي على ابن الصائغ أيضاً إن السبب في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد بالحديث تجويز العلماء نقله بالمعنى ولولا ذاك لكان الأولى في إثبات اللغة كلامه صلى الله عليه وسلم لأنه أفصح العرب، وقال السيوطي ومما يدل لصحة ما ذهب إليه ابن الصائغ وأبو حيان إن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة يتعاقبون وقد استدل به السهيلي

ثم قال لكني أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولاً مجرداً فقال إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقال ابن

ص: 343

المَخْرَجِ، بِسْم اللهِ وَلَجْنا، وبسْم الله خَرَجْنا، وَعلى اللهِ رَبنا تَوَكَّلْنَا، ثُم ليُسَلمْ على أهْلِهِ"، لم يضعفه أبو داودَ.

وروينا عن أبي أمامة الباهلي، واسمه صُدَيُّ بن عَجْلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

ــ

الأنباري في الإنصاف في منعه في خبر كاد، وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفراً فإنه من تغيير الرواة لأنه صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد اهـ. قال بعض المحققين ولا ينبغي إن يصار إلى هذا الاحتمال وإلا لارتفعت الثقة بسائر الروايات ولم يمكن الاستدلال بحديث نظراً إلى ذلك الاحتمال اهـ. وقد ذكر المصنف في شرح مسلم كلاماً مؤيداً لما ذكره هذا البعض نذكره إن شاء الله تعالى فيما يسن من أذكار الصلاة بعد التشهد.

قوله: (عن أبي مالك إلخ) قال الحافظ قد حكى الشيخ الخلاف في اسمه وبقي منه أنه قيل فيه عامر وقيل عبيد الله بالإضافة ومنهم من سماه كعباً قال بعضهم ابن عاصم وقال بعضهم كعب ابن كعب والتحقيق أن أبا مالك الأشعري ثلاثة الحارث بن الحارث وكعب بن عاصم وهذان مشهوران باسمهما والثالث هو المختلف في اسمه وأكثر ما يرد في الروايات بكنيته وهو راوي هذا الحديث وقد أخرجه الطبراني في مسند الحارث من الحارث فوهم فإنه غيره اهـ. قوله: (والْمَخرَجَ) بفتح الراء مصدر أو اسم مكان والأول كما تقدم أولى (وَلَهُ باسْم الله) أي لا باسم غيره كما يؤذن به تأخير متعلقه وهو قوله ولجنا أي دخلنا وسبق عن شرح مسلمَ للمصنف نقلاً عن الكتاب وجوب إثبات ألف اسم في أمثال هذا المقام وهو في معظم الأصول التي وقفت عليها بحذفه. قوله: (وعَلَى الله ربنَا تَوَكَّلنَا) أي وعلى ربنا الذي ربانا بنعمه ومنها نعمة الإيجاد والإمداد وكان هذه حكمة الإتيان به بعد الاسم الجامع توكلنا فوضنا أمورنا كلها إليه ورضينا بتصرفه كيفما شاء. قوله: (ثم لْيُسَلم عَلَى أهْلِهِ) أي على سبيل الاستحباب المتأكد. قوله: (لَمْ يُضعفهُ أبو دَاودَ) أي فهو عنده حسن أو صحيح.

قوله: (عَنْ أبي أُمَامَة) بضم الهمزة. قوله: (واسمه صُدَيُ بنُ عَجْلانَ)

ص: 344

"ثَلاثةٌ كلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلى اللهِ عز وجل: رَجل خَرَجَ غازِياً فِي سبِيلِ اللهِ عز وجل فَهُوَ ضَامِن على اللهِ عز وجل حتَى يَتَوَفاهُ فَيُدْخِلَهُ الجنة أوْ يَرُدَّهُ بِما نالَ

ــ

صدي مصغراً ويقال الصدي بال كما يقال عباس والعباس وهو اسم أبي أمامة بلا خلاف فما يوجد في بعض النسخ من ابدال الصاد عيناً من تحريف الكتاب وهو صدي بن عجلان الباهلي السهمي، وسهم بطن من باهلة وباهلة بنت سعد العشيرة نسب ولدها إليها وهم بنو مالك بن أعصر الغطفاني، سكن صدي مصر ثم حمص من الشام روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وخمسون حديثاً اتفقا منها على سبعة وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بأربعة وخرج له أصحاب السنن الأربعة مات سنة إحدى أو ست وثمانين عن إحدى وتسعين سنة وقيل مات سنة مائة وست قيل وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. قوله:(ثَلَاثَةٌ) مبتدأ أي ثلاثة رجال أو أصناف ولهذا التخصيص المراد جاز الابتداء به مع كونه نكرة أو هو وصف للمبتدأ المحذوف أي أشخاص ثلاثة وجملة (كلُّهُمْ ضَامِنُ) في محل الخبر والمراد أن هؤلاء

الثلاثة وعدهم الله بما وعدهم به وعداً لا يخلفه فعاد لازمًا لوعده الذي لا يخلف. قوله: (حتى يَتَوَفّاهُ فيُدخِلَه الجنةَ) أي يتوفاه في سبيله فيدخله الجنة مع الناجين أو يدخل روحه فيها حالاً فيكون في أجواف طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت تتنعم بما تتنعم به الأرواح أما الأجساد فنعيمها بنعيم الجنة يوم المعاد كما ذكره المصنف والقرطبي في شرحيهما على مسلم في كتاب الجهاد وقال العارف ابن أبي جمرة ورد "نسمة المؤمن طائر أبيض تعلق في شجر الجنة حتى يمدها الله على أجسادها يوم القيامة" فمن يكون في شجر الجنة كيف يعرض على مقعده بالغداة والعشي.

والجواب أنه يمكن الجمع من وجوه.

منها: إنه - صلى الله

ص: 345

مِنْ أجْر وَغَنِيمَةِ،

ــ

عليه وسلم - أخبر عن الشهداء أنهم سبع ما عدا القتل في سبيل الله وقد وصف الذين قتلوا في سبيل الله بأن أرواحهم في أجواف طير خضر فقد يكون باقي الشهداء السبعة أرواحهم تعلق في شجر الجنة ويكون الفرق بينهم وبين الذين قتلوا في الجهاد الأكل والشرب لا غير وبينهم وبين غيرهم من المؤمنين دوام المقام في الجنة وغيرهم من المؤمنين يعرضون عليها غدوة وعشية لأن هذه الأخبار كلها صحاح والأخبار لا يدخلها نسخ واحتمل إن تعلق الأرواح بشجر الجنة وليس يكون لها تصرف في الجنة إلَاّ غدوة وعشية تنظر لمنازلها ونزلها فيزاد بذلك سرورها والقدرة صالحة والظاهر في المخلط المسكين أنه يكون له نصيب من هذا ونصيب من هذا هـ. وفي التمهيد أن المراد من قوله في هذا الخبر نسمة المؤمن أي من الشهداء وأيده بآيات وأحاديث وعليه فلا إشكال والله أعلم. قوله: (مِن أجْرٍ وغَنيمَةٍ) هذا الخبر مصرح بعدم ذهاب الأجر بحصول الغنيمة ومثله لخبر مسلم أنا ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة بالواو كما رواه بعض رواة مسلم ورواه أكثرهم بأو وهي لأحد الشيئين أو الأشياء واختلف العلماء فمنهم من أخذ بقضية أو وجعلها مانعة جمع، وأن الحاصل للمجاهد أحد الأمرين، إما الأجر من غنيمة أو الغنيمة من غير أجر ومنهم من جعلها مانعة خلو أي لا يخلو من أحدهما وقد يجتمعان له وجرى عليه ابن حجر في شرح المشكاة فقال في حل رواية أو: ما لفظه من أجر أو غنيمة أو هما فأو لمنع الخلو اهـ، لكن قضية تقريره أن المجاهد قد يحصل له الغنيمة من غير أجر مع كونه مجاهداً في سبيل الله وفيه بعد إلَاّ إن يراد من غير أجر كامل فيوافق ما يأتي ومنهم من أخذ بقضية الواو وجعل أو بمعناها وأيده بأنها كذلك من غير شك من الرواة في أبي داود فيفوت على رواية أو لانتفاء الجزم بها، ثم على هذا هل تنقص الغنيمة أجر المجاهد بحيث يكون

ص: 346

وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى المَسْجدِ فهُوَ ضَامِنٌ على اللهِ تعالى حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلهُ الجَنةَ أو يَرُدهُ بما نالَ من أجْر وَغَنيمَة، وَرَجُل دَخَلَ بَيْتَهُ

ــ

المجاهد بلا غنيمة أكثر ثواباً ممن سلم وغنم أولاً؟ قال المصنف في شرح مسلم في حديث ما من غازية تغزو فيصيبوا ويغنموا إلَّا تعجلوا بثلثي أجورهم ويبقى لهم الثلث: الصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذ أسلموا وغنموا يكون أجرهم أقل ممن لم يسلم أو سلم ولم يغنم وإن الغنيمة في مقابل جزء من أجر غزوهم فإذا حصلت فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المرتب على الغزو فتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المروية عن الصحابة فمنا من لم يأكل من أجره شيئاً ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها ولا تعارض بين هذا وقوله في الخبر الآخر ورجع بما رجع من أجر وغنيمة فإن الذي فيه رجوعه بما نال من الأجر والغنيمة وليس فيه إن

الغنيمة تنقص الأجر أولاً فهو مطلق وهذا مقيد فوجب حمله عليه اهـ. قوله: (ورجلٌ رَاحَ إلَى المسجدِ) سبق أن الرواحِ اسم المسير في آخر النهار ومعلوم أن الفعل المذكور شامل للغدو أيضاً. قوله: (حتى يَتَوَفّاه فَيُدْخلهُ الجنَّة إلخ) أعلم إن صاحب المشكاة عزا هذا الحديث لسنن أبي داود ولم يذكر فيه هنا قوله حتى يتوفاه الله إلخ، ولم يذكره أيضاً في المصابيح ولعل لأبي داود فيه روايتين قال شارحها ابن حجر وسبقه إليه العاقولي في شرح المصابيح وذكر المضمون في الأول دون الأخيرين اكتفاء به عنهما وهذا بعينه هو الجواب عن حذفه في الثالث في الحديث المذكور هنا فكما أن المجاهد طالب إحدى الحسنيين الشهادة أو الغنيمة فكذا من سار إلى المسجد فإنه يبتغي فضل الله تعالى ورضوانه والله ضمن ألا يضل سعيه ولا يضيع أجره وكذا الداخل بيته بسلام والمضمون له أن يبارك الله تعالى له به ولأهل بيته لما في حديث أنس المذكور آنفًا، هذا بناء على إن المراد بسلام في هذا الخبر

ص: 347

بِسلام فهُوَ ضَامِنٌ على اللهِ سبحانه وتعالى" حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد حسن،

ــ

سلام التحتية وسيأتي ما فيه وسمي الرواح للمسجد غنيمة لما فيه من الأجر والثواب ونظيره في التسمية بذلك خبر الترمذي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعصا قبل نجد فغنموا غنائم كثيرة وأسرعوا الرجعة فقال رجل منا لم يخرج ما رأينا بعثاً أسرع رجعة ولا أفضل غنيمة من هذا البعث فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة وأسرع رجعة قوم شهدوا صلاة الصبح ثم جلسوا يذكرون الله حتى طلعت الشمس فأولئك أسرع رجعة وأفضل غنيمة وإنما كانت هذه الغنيمة أفضل لبقاء ثوابها ودوامه وفناء تلك الغنيمة وسرعة انقضائها. قوله: (بسلَامٍ) أي مسلما على أهله أو على نفسه إن كانت البيت خالياً وقيل المراد من رجل دخل بيته بسلام الذي يلزم بيته طلباً للسلامة وهرباً من الفتن واستوجهه الطيبي وأنه على حد قوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] أي من الآفات والعوارض والعذاب اهـ. وقال العاقولي إن هذا وجه ملائم لما قبله لأن الرجل إما مسافر أو حاضر والحاضر إما متردد إلى المسجد أو ملازم لبيته فالسفر ينبغي أن يكون لله تعالى وجهاد أعدائه والرواح إلى المسجد ينبغي أن يكون لله وتعظيم شعائره والقعود في البيت ينبغي أن يكون اتقاء الفتنة وابتغاء السلامة في الدين لأن التاجر الحاذق يجهد عند إعواز المكسب على حفظ رأس المال، ورأس مال المؤمن دينه اهـ. وقال ابن حجر في شرح المشكاة الأول أوجه خلافاً للشارح يعني الطيبي وليس نظير الآية لأن آمنين فيها هو المفيد لذلك وأما سلام فمعناه إن الملائكة تسلم عليهم أو يسلم بعضهم على بعض فهو نظير المعنى الأول فيما مر فيه وأما استفادة لزوم البيت والعزلة من مجرد ادخلوها فبعيد جداً كما لا يخفى وسبق المضمون على الوجه الأول وعلى الثاني المضمون بدله هو رعاية الله تعالى إياه وأمنه من الفتن وحكمة

ص: 348

ورواه آخرون. ومعنى "ضامن على الله تعالى" أي صاحب ضمان، والضمان: الرعاية للشيء، كما يقال: تَامِرٌ، ولابِنٌ: أي: صاحب تمر ولبن. فمعناه: أنه في رعاية الله تعالى، وما أجزل هذه العطية، اللهم ارزقناها.

وروينا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دَخَلَ الرَّجُل بَيْتهُ فَذَكَرَ اللهَ تعالى عِنْدَ دُخُولِهِ وعِنْدَ طَعامِهِ

ــ

جمع الثلاثة أن الجهاد فيه القيام بنصرة الدين وإصلاح الدارين فلذا قدم والرواح إلى المساجد فيه القيام بمصالح الدين وفي أداء السلام القيام بمصالح الدنيا من التلطف والتواضع ولذا وقع ترتيبها كذلك فقدم ما فيه المصلحتان لكونه أهم وجامعاً ثم ما فيه المحصلحة الأخروية لأنه كذلك بالنسبة لما بعده. قوله: (ورواهُ آخَرُون) قال الحافظ أخرجه البخاري

في الأدب المفرد وأبو داود وابن حبان في صحيحه وللحديث طرق ثلاثة في الجامع الصغير ورواه ابن حبان والحاكم في المستدرك. قوله: (أي صاحِبُ ضَمانٍ إلخ) هو أحد وجهين حكاهما المصنف في شرح مسلم ثانيهما أنه بمعنى مضمون كماء دافق أي مدفوق وقيل معنى ضامن على الله واجب عليه سبحانه أن يكلأه من فتن الدارين والوجوب من جهة وعده الذي لا يخلف لا من جهة أنه يجب لأحد عليه شيء تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

وقال العارف بن أبي جمرة والضمان من الله ضمان إمكان لا ضمان وجوب فإن معناه تأكيد التصديق بحصول الأجر الذي تفضل به لأن الوجوب في حقه تعالى مستحيل اهـ. وقال العاقولي في قوله كلهم ضامن إلخ، معناه اللزوم لأن الضمان في عرف الشرع ملزم اهـ، أي أنه أتى بهذا اللفظ إيماء إلى لزوم حصول الثواب الموعود وذلك لوعده الذي لا يخلف وبمحض كرمه والجود. قوله:(والضمانُ الرِّعايةُ) أي والحفظ. قوله: (فَذكرَ الله تعالى عِن دخوله) يحصل

ص: 349

قال الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ تَعالى عِنْدَ دُخولِهِ، قالَ الشَّيطانُ: أدْرَكْتمُ المَبِيتَ، وإذا لم يَذْكُرِ اللهَ تَعالى عِنْدَ طعامِهِ قال: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاءَ"

ــ

الذكر الدافع للشيطان عن الدخول بالسلام عند الدخول كما سبق في حديث جابر أول الباب. قوله: (قالَ الشَّيطْانُ إلخ) قال ابن الجوزي في "زاد المسير إلى علم التفسير" في قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} [الكهف 50] قال مجاهد ذريته الشياطين ومن ذريته "زلنبور" صاحب راية إبليس بكل سوق "بتر" وهو صاحب المصائب و"الأعور" صاحب الزنا و"مسوط" صاحب الأخبار يأتي فيطرحها على أفواه الناس فلا يوجد لها أصل و"داسم" صاحب الإنسان إذا دخل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله فهو يأكل معه إذا أكل اهـ، ومثله في التفسير الوسيط للواحدي قال وداسم الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره من المتاع ما لم يعرف ويحسن موضعه، وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه اهـ. وفي تفسير البغوي عن مجاهد من ذرية إبليس لاقيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة والهفاف ومرة وبه يكنى، وزلنبور صاحب الأسواق يضع رايته بكل سوق يزين اللغو والحلف الكاذبة ومدح السلعة وبتر وهو صاحب الزنى ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة ومطون صاحب الأخبار الكاذبة وداسم وذكر ما سبق فيه ثم قال قال الأعمش ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم فرأيت مظهره فقلت ارفعوا وخاصمتهم ثم أذكر فأقول داسم داسم.

وعن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن للوضوء شيطاناً يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء. وأخرج مسلم عن أبي العلاء إن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي يلبسها علي فقال رسول الله

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وأخرج مسلم أيضاً عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث

سراياه فيفتنون الناس فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئاً قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت قال الأعمش آراء قال فيلتزمه اهـ. أما في تفسير البغوي مع نوع تغيير واختصار يسير وفيه زيادة على ما فيهما ومخالفة في اسم صاحب الأخبار والله أعلم بالصواب وكلام مجاهد صريح في إن صاحب الإنسان القائل ما ذكر عند فقد التسمية اسمه داسم وأنه من ذرية إبليس ونقله من ذكر وسكت عنه لكن قال المصنف في شرح مسلم معنا، قال الشيطان لإخوانه وأعوانه ورفقته وظاهره إن إبليس يقول ذلك لذويه ومثله عبارة الحرز والحاصل أنه قال الشيطان لأولاده وأعوانه لا يحمل لكم مسكن ولا طعام في هذا البيت لأن صاحبه سمى الله عليه اهـ، وذكر بعضهم إن لإبليس تسعة من الولد لكل منهم اسم وعمل فمنهم خنزب في الصلاة والولهان الموسوس في الطهارة والثلث زلنبور بزاي مفتوحة ولام مشددة بعدها نون فموحدة آخره راء وهو الذي في الأسواق ويزين للباعة اللغو والحلف الكاذب ومدح السلعة وتطفيف الكيل والميزان، والرابع الأعور وهو شيطان الزنى يفعل بالرجل والمرأة ما سبق من التهييج، الخامس الوسنان بواو مفتوحة وسين مهملة ساكنة ثم نونين بينهما ألف وهو شيطان النوم يثقل الرأس والأجفان عن القيام إلى الصلاة ونحوها ويوقظ إلى القبيح من زنى ونحوه، والسادس تبر بفوقية وموحدة فراء اسم شيطان المصيبة يزين الصياح ولطم الخد ونحوه، والسابع داسم بدال وسين مهملتين بينهما ألف اسم شيطان الطعام يأكل مع الإنسان ويدخل المنزل إن لم يسم الله عند طعامه ودخوله وينام على الفرش ويلبس الثوب إذا لم يكن مطوياً وذكر اسم الله عليه وقيل أنه يسعى في إثارة الخصام بين الزوجين ليفرق بينهما، الثامن

ص: 351

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مطون بميم مفتوحة فطاء مهملة آخره نون ويقال مسوط بسين مهملة مضمومة آخره طاء مهملة وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها على ألسنة الناس فتشيع ثم لا يوجد لها أصل، التاسع الأبيض بموحدة فتحتية فضاد معجمة موكل بالأنبياء والأولياء فسلموا منه وأما الأولياء فهم مجاهدون له فمن سلمه الله سلم ومن أغواه غوى كبرصيصا العابد وقصته مشهورة وزاد البغوي في تفسيره كما علم مما سبق "مرة" وبه يكنى إبليس أبا مرة وهو صاحب المزامير، والهفاف بفاءين هو صاحب الشرور، ولاقيس صاحب المجوس ويقال أنه له ولداً يدعى وتين بفوقية بعد الواو فتحتية فنون وهو صاحب السلاطين ويقال أنه يولد لإبليس ألف ولد، واختلف هل له زوجة أم لا وسئل الشعبي عن ذلك فقال أنه عرس ما شهدته وقال بعضهم إن له زوجة هي الحية التي أدخلته الجنة فمنها ذريته وقيل ليس له زوجة إنما يدخل ذكر في دبره فيبيض فينفلق البيض عن جماعة من الشياطين ونقل القرطبي إن له في فخذه اليمنى ذكراً وفي فخذه اليسرى فرجاً فيطأ بإحداهما الأخرى فيخرج له كل يوم عشر بيضات يخرج من كل سبعون شيطاناً وشيطانة فهو يدرج ويطير اهـ. قال المصنف وفي الخبر استحباب ذكر الله تعالى عند دخول البيت وعند الطعام اهـ. وفي شرح الأنوار السنية قال القاضي عياض ذكر الله واستعمال العبد ما ندب إليه منه في مواطن يمنع الشيطان من الاستقرار والأكل من عشائه ولم يحصل له قدرة عليه هذا إذا جعل الحديث على وجهه وظاهره، وإن صرف إلى المجاز كان معناه لا منفعة لكم بالمبيت إذ كفاه الله بذكره إغواءكم له

وضركم إياه ومنعكم رغبتكم من نقص طعامه ورفع البركة منه وقلة الانتفاع به بمعاقبة الله إياه بذلك إذا لم يسمه ولا امتثل أمر الله في ذلك اهـ. قال التوربشتي قوله لا مبيت لكم ولا عشاء يحتمل أن يكون الخطاب لأهل البيت على سبيل الدعاء عليهم أي

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جعلكم الله محرومين كما جعلتموني محرومًا من الطعام والمسكن بأن ذكرتم اسم الله ولكن ({وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلا فِي ضَلَالٍ} [غافر: 50] قال الطيبي وهذا بعيد لقوله بعده قال الشيطان أدركتم المبيت والعشاء والمخاطبون أعوانه قال ميرك ويحتمل أن يكون الخطاب هنا أيضًا لأهل البيت والجملة دعاء عليهم قلت هذا بعيد جدًّا على أنه تحصيل الحاصل وفي كتاب الأذان من شرح مسلم للأبي في حديث "إذا سمع الشيطان النداء أدبر وله ضراط الخ" فيه عوده عند أخذه في الصلاة بعد هروبه عند سماعه الأذان كما قال "فإذا سكت عاد" وقال في كتاب الأطعمة إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء فظاهره أنه يذهب ولا يرجع والفرق إن هروبه في الأذان لئلا يسمع موجب هروبه فإذا انقضى رجع وذكر الله عند دخوله جعل مانعا له من الكون في البيت فإذا ذهب فلا يرجع وأجاب غير الأبي بأن المبيت في البيت أخص من مطلق الكون فيها ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فقد يرجع إلى الوسوسة ولا يثبت فيستوي الحديثان اهـ، ولك إن تقول مؤيدًا لما أجاب به ذلك الغير نفس الخبر مصرح بأن الممنوع بالذكر عند الدخول المبيت إذ لو ذكر عند الدخول ولم يذكر عند الطعام أكل معه وإن منع من المبيت والمانع منهما الذكر عندهما على أنه غير مانع من الوصول لغير المبيت والأكل من وسوسة ونحو هذا والله أعلم وفي الحديث إن الشيطان يأكل وقد ورد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله قال ابن عبد البر في التمهيد فيه دليل على أن الشياطين يأكلون ويشربون وقال آخرون هذا الحديث وما كان مثله على المجاز والمراد هنا إن الأكل باليسار يحبه الشيطان قال وليس هذا عندي بشيء ولا معنى للحمل على المجاز إذا أمكنت الحقيقة وقال آخرون أكل الشيطان صحيح لكنه

ص: 353

رواه مسلم في "صحيحه".

وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من النهار إلى بيته يقول: "الحَمْدُ للهِ الذي كَفَانِي

ــ

تشمم وتروح لا مضع وبلع إنما المضغ والبلع لذوي الحنث ويكون استرواحه وشمه من جهة شماله اهـ. قوله: (رواه مسلم في صحيحه) ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان وابن السني كلهم عن جابر قال الحافظ وله شاهد من سلمان أخرجه الطبراني ولفظه من سره إلا يجد الشيطان عنده طعامًا ولا مقيلًا ولا مبيتًا فليسلم إذا دخل بيته ويسم الله على طعامه وهذا إذا ثبت كان مفسرًا للذكر الماضي في حديث جابر لكن سنده ضعيف اهـ، وسبق في الفصل أول الكتاب الخلاف في أنه هل يفسر نحو مبهم الحديث الصحيح بما يأتي في الحديث الضعيف. قوله:(عَنْ عبدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ العاص) سبقت ترجمته في باب فضل الذكر وكتبت الواو بعد عمرو لما سبق من الفرق بينه وبين عمر وقد جعلوا ذلك كالمثل فيمن يلحق بمن ليس متصلًا به قال الشاعر:

أيها المدعي سليمى سفاها

لست منها ولا قلامة ظفر

إنما أنت في الحقيقة واو

ألحقت في الهجاء ظلما بعمرو

والعاص اختلف فيه هل يكتب بالياء أو لا قال المصنف في أوائل شرح مسلم العاصي أكثر ما يأتي في كتب الحديث والفقه بحذف الياء وهي لغة والصحيح الفصيح العاصي بإثبات الياء وكذا ابن الهادي وابن أبي الموالي فالفصيح الصحيح في كل ذلك وما أشبه إثبات الياء ولا اغترار بوجوده في كتب الحديث أو أكثرها بحذفها اهـ. وقال في باب الإيمان من المرقاة الأصح عدم ثبوت الياء إما تخفيفا أو بناء على أنه

ص: 354

وَآوانِي، وَالْحَمْدُ للهِ الذي أطْعَمَني وَسقانِي، وَالحَمْدُ لِلَهِ الذي مَنَّ عَلَي، أسألكَ أنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ" إسناده ضعيف.

وروينا في موطأ مالك أنه بلغه، أنه يستحبُّ إذا دخل بيتًا غير مسكون أنْ يقول: "السلامُ عَلَيْنا وعلى

ــ

أجوف ويدل عليه ما في القاموس الأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص فعلى هذا لا يجوز كتابة العاص بالياء ولا قراءته بها لا وقفًا ولا وصلًا فإنه معتل العين بخلاف ما يتوهمه بعض الناس أنه اسم فاعل عن عصي فحينئذٍ يجوز إثبات الياء وحذفها وقفا ووصلا بناء على أنه معتل اللام اهـ. قوله: (وآواني) بالمد كما هو الأفصح وسبق جواز القصر في مثله. قوله: (وسقَاني) قال ابن حجر في شرح الشمائل يقال سقاه وأسقاه بمعنى في الأصل ولكن جعلوا سقى للخير نحو {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] وأسقى لضده قال تعالى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] وفيه نظر من وجهين "الأول" كون سقى للخير يمنعه قوله تعالى: ({وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15] "والثاني" تمثيله لا سقى في الشر بقوله: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16]، أي كثيرًا مع أنها إنما استعملت في الخير لا في الشر وقال تعالى: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] ولعل وجه الإتيان بالثلاثي كون أسقى مع ما فيه من المبالغة يوهم إرادة غير هذا المعنى إذ له معانٍ آخر على ما في القاموس. قوله: (منَّ عَلي) مأخوذ من المنة وهي النعمة مطلقًا أو بقيد كونها ثقيلة مبتدأة من غير مقابل بوجهيها ونعمه تعالى من محض فضله إذ لا يجب عليه شيء لأحد من خلقه خلافًا لزعم المعتزلة وجوب الأصلح عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرًا. قوله: (وروينا إلخ) سبق نقل مثله عن قتادة في كلام الواحدي وأن الملائكة ترد عليه وسبق إن إسناده ضعيف قال الحافظ ضعفه الشيخ وليس في روايته من ينظر في حاله إلَّا الرجل

ص: 355