الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبةً كانت أو مستحبة، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به
ــ
لم يأت بهذا المهم بل يحافظ على حالته لأنه يراعي بعبادته وحالته المخلوقين فيخاف من التغيير ذهاب محبتهم إياه فيحافظ على بقائها والصادق يريد بعبادته وجه الله تعالى فحيث رجح الشرع حالاً صار إليه ولا يعرج على المخلوقين اهـ، وقريب من عبارة الجنيد هذه في وصف العارف ما جاء عنه أنه سئل عن العارف فقال لون الماء لون الإناء أي إن يكون في كل حال بما هو أولى به فيختلف حاله باختلاف الأحوال كاختلاف لون الماء لاختلاف لون الإناء وقد بسط ذلك القونوي في شرح التعرف.
(الأذكار المشروعة) أي الأذكار التي طلب الشارع من الإنسان الإتيان بها باللسان من التكبير والتحميد وقراءة القرآن. قوله: (واجبة كانت) كقراءة الفاتحة في الصلاة ومنها البسملة عندنا والتشهد. قوله: (أو مستحبة) وسواء كانت مؤكدة أي واظب عليها صلى الله عليه وسلم في معظم الأوقات حضراً وسفراً كقراءة السورة في الركعتين الأولتين أو غير مؤكدة. قوله: (ولا يعتد به) عطف على لا يحسب عطف تفسير وهما مبنيان للمفعول أي لا يعتبر شيء من ذلك إلاّ بالتلفظ به مع السماع والمراد لا يعتد به ذكراً أي لا يخرج به عن عهدة المأمور به من الذكر باللسان فلا ينافي إثباته على الذكر القلبي لأنه من جهة أخرى كما سبق وليس المراد أن من ذكر بقلبه من غير تلفظ بلسانه لا يكون معتداً به شرعاً لأن مداومة الذكر لا تتصور بدون اعتباره بل هو أفضل أنواعه، أخرج
بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له.
ــ
أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة رضي الله عنها
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفضل الذكر الخفي الذي لا يسمعه الحفظة سبعون ضعفاً إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق لحسابهم وجاءت الحفظة بما حفظوا وكتبوا قال لهم انظروا هل بقي له من شيء فيقولون ما تركنا شيئاً مما علمناه وحفظناه إلَّا وقد أحصيناه وكتبناه فيقول الله إن لك عندي حسناً لا تعلمه وأنا أجزيك به وهو الذكر الخفي أورده السيوطي في "البدور السافرة في أحوال الآخرة" وفي الجامع الصغير له خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي رواه أحمد وابن حبان والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. قوله: (بحيث يُسمع نفسه) الظرف في محل المفعول المطلق صفة للمصدر المحذوف أي حتى يتلفظ به تلفظاً بحيث إلخ ثم هذا الإسماع أقل الإخفاء عند الجمهور قال في الحرز وفي مذهبنا هو القول المشهور وهو عندنا حد السر وأقل الجهر أن يسمع من بجانبه ومن هنا استشكل التوسط بينهما في قولهم يتوسط بين الجهر والإسرار في نفل الليل المطلق ثم حملوه على إن المراد الجهر تارة والإسرار أخرى وحمله ابن الملقن على أدنى درجات الجهر قال وبه يرتفع الخلاف نقله عنه ابن المزجد في التجريد وقيل أقل الإخفاء تصحيح الحروف وهو مجرد التلفظ من غير أن يكون هناك صوت يسمع ويسمى بالهمس قال أصحابنا ولا يحرم على الجنب تحريك لسانه بالقرآن وهمسه بحيث لا يسمع نفسه لأنها ليست بقراءة قرآن، لكن قال الراغب في مفرداته الخمس الصوت الخفي وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوتها قال تعالى:{فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 108] اهـ، وهو يقتضي إن الهمس فيه صوت مسموع إلاّ أنه في غاية الخفاء ويجمع بين الكلامين بأن مراد الفقهاء لا يسمع نفسه أي السماع المعتد به بأن يسمع مع الصوت الحروف أما لو سمع الصوت من غير سماعه للحرف فلا اعتبار به.