المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يقول إذا استيقظ من منامه - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: ‌باب ما يقول إذا استيقظ من منامه

‌باب ما يقول إذا استيقظ من منامه

روينا في صحيحي إمامي المحدثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري رضي الله عنهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

ــ

نسخ الأذكار مكرراً ثلاثاً ولا أدري من أين أتى به اهـ. أقول لعله مكرر ثلاثاً في أصل المصنف من الترمذي والله أعلم وقد خرج الحافظ الحديث من طريق أبي نعيم في المستخرج عن أبي ذر وكرره مرتين فقط كما قال الأهدل ولم ينبه الحافظ في هذا المقام على ذلك وسيأتي في باب كيفية لباس النعل والثوب الكلام على الجمع بين وصفي الصحة والحسن في حديث واحد.

باب ما يقول إذا ستيقظ من منامه

ما فيه إما موصول اسمي والعائد ضمير منصوب محذوف أي يقوله أو موصول حرفي وهي وصلتها في تأويل مصدر بمعنى اسم المفعول أي مقوله وقت استيقاظه والأول أقرب والمنام مصدر ميمي وتقدم في الفصول تعريف النوم وعلم مما سبق إن كل ذكر ورد عن الشارع في حال مخصوص فالاشتغال به أفضل من الاشتغال بقراءة القرآن. قوله: (وينافي صحيح البخاري ومسلم) وكذا أورده مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وقال فيصبح نشيطاً طيب النفس قد أصاب خيراً وإن لم يفعل أصبح كسلاناً خبيث النفس لم يصب خيراً وروى ابن خزيمة في صحيحه نحره وزاد في آخره فحلوا عقدة ولو بركعتين، ورواه أيضاً من حديث جابر ما من ذكر ولا أنثى إلَاّ على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة وإذا قام فتوضأ

ص: 277

"يَعْقِدُ الشَّيطانُ على قافيةِ رأسِ أحَدِكمْ إذا هُوَ نامَ

ــ

وصلى انحلت العقد فأصبح خفيفاً طيب النفس قد أصاب خيراً رواه ابن حبان في صحيحه والجرير الحبل كذا في الترغيب للمنذري. قوله: (يَعقِدُ الشيْطَانُ) أي إبليس أو بعض جنده. قوله: (على قافِيةِ رَأْسِ أحَدِكم) قال زين العرب في شرح المصابيح لعل تخصيص القافية بالعقد لأنها محل الواهمة وهي أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته بل لا يدخل الشيطان على الإنسان إلاّ بواسطة ما سولته له تلك القوة فلذا خصت بالذكر وقال العاقولي، في تخصيصها بالذكر إشعار بإذلال النائم عن قيام الليل وإهانته لأن الضرب عليه غاية الإهانة وفي شرح مسلم للمصنف اختلف العلماء في هذا العقد فقيل عقد حقيقي بمعنى السحر للإنسان ومنعه من القيام قال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] فعلى هذا هو قول يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر وقيل يحتمل أن يكون فعلاً يفعله كفعل النفاثات في العقد وقيل هو من عقد القلب وتصممه فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليه ليلاً طويلاً فيتأخر عن القيام وقيل هو مجاز كني به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل اهـ. قال العارف ابن أبي جمرة وهل العقد في القافية نفسها أو هو في شيء يجعله الشيطان على القافية الظاهر أنه في شيء آخر بدليل قوله على ولو كان فيها نفسها لقال في وزاد ذلك بياناً بقوله يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل لأن هذه الصفة صفة ما يفعله السحرة إذا سحروا شخصاً بما يفعلون من السحر في شيء ويعقدون فيه العقد ويسمون ما يشاؤون من أنواع سحرهم ولاحتمال آخر لأن من النائمين من ليس لهم شعر فبم يربطون وهو الغالب من الناس اهـ، وفي سنن ابن ماجة من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد الحديث وهو يؤيد ما قاله العارف، ثم هل هذا العقد عام لكل من نام

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو لا، قال المازري والحافظ ابن حجر يخص منه من صلى العشاء كما نقله السيوطي في التوشيح عنهما ويخالفه ما في شرح مسلم للمصنف. أعلم إن البخاري بوّب لهذا الحديث باب عقد الشيطان

على رأس من لم يصل فأنكره عليه المازري وقال الذي في الحديث أنه يعقد على قافية رأسه وإن صلى وإنما تنحل عقده بالذكر والوضوء والصلاة وجعل من صلى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره اهـ. وقال الحافظ يمكن أن يخص منه من قرأ آية الكرسي فقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان وقال العارف ابن أبي جمرة وأما الجواب عن الثاني وهو هل ذاك في عمومه في أهل الخصوص وغيرهم فاللفظ يعطي العموم لكن يخصصه الآيات والأحاديث كقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وكقوله صلى الله عليه وسلم من قرأ عند النوم سورة من القرآن كانت له حرزاً من الشيطان حتى يصبح، ومن قرأ آية الكرسي عند مسائه كانت له حرزاً من الشيطان أو كما قال ومن قال كلما أصبح أو أمسى لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي وليلته حين يصبح أو كما قال والأحاديث في ذلك كثيرة وقد نبه الشارع على مكائده كلها وجميع وجوه تسلطه علينا وبين المخرج منها والتحذر منه فجزاه الله خيرًا فهذا يخصص عموم الحديث ومما يوضح ما ذكرناه أن بعض العباد جاء يدخل مسجداً في البرية وكان ممن أعطى شيئاً من المكاشفات فرأى شيطانين على باب المسجد فقال أحدهما للآخر ادخل أعوذ لك المصلي فقال له لا أقدر ذلك النائم يحرقني بنفسه فتعجب العابد كيف يخاف الشيطان من النائم ولا يخاف من المصلى فلما دخل أبصر النائم إبراهيم بن أدهم فانظر هل يعقد الشيطان على قافية مثل هذا السيد شيئاً وهو لا يقدر إن يقرب إليه، وكما قال صلى الله عليه وسلم في حق عمر رضي الله عنه ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك فإذا كان لا يقدر إن يخطر في طريقه فكيف يعقد على ناصيته، هذا محال قال العارف ابن أبي جمرة والظاهر أنه إذا استيقظ وذكر وتوضأ وصلى ثم نام لا

ص: 279

ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كلّ عُقْدَ مكانها، عليك ليل طويل فارقد، فإنْ اسْتَيقَظَ وَذَكَرَ

ــ

يعود العقد إليه يؤخذ ذلك من قوله أصبح نشيطاً طيب النفس. قوله: (ثلاث عقَدٍ) وتكرار العقد ليثقل النوم فيطول أو ليكسل وبالعقد وتكرره يصير كالمربوط الذي لا حركة له وحكمة خصوص الثلاث إنه يثبطه على الذكر فالوضوء فالصلاة قال القرطبي حكمة ذلك إن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر فإن اتفق له إن يرجع إلى النوم ثلاثاً لم تنقض النومة الثالثة إلَاّ وقد ذهب الليل و"على كل عقدة" مفعول "يضرب" وضربه بيده على العقدة تأكيداً وأحكاماً لها. قوله: (عَلَيكَ لَيلٌ طَوِيلٌ) الجملة مفعول لقول محذوف أي يلقي على كل عقدة يعقدها قوله الذي يبثه في القلب بالوسوسة التي أقدره الله عليها أو بغير ذلك مما سبق ليظهر المتمثل من غيره عند وقوع هذه الفتنة "عليك ليل طويل" وهو بالرفع في جميع طرق البخاري ورفعه على الابتداء والظرف قبله متعلق الخبر، أو على إضمار فعل أي بقي عليك ليل، قال ابن حجر الهيتمي أو عليك خبر مقدم أو أغراه أي الزم النوم فإن أمامك ليل طويل فالكلام حينئذٍ في قوة جملتين والثالثة كالتعليل للأولى وأما رواية مسلم فقال القاضي عياض رواية الأكثر عنه بالنصب وهو على الإغراء قال القرطبي والزركشي والرفع أولى من جهة المعنى لأنه أمكن في الغرور من حيث إنه يخبره بطول الليل ثم يأمره بالرقاد بقوله فارقد وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلَاّ الأمر بملازمة طول الرقاد وحينئذٍ يكون قوله فارقد ضائعاً اهـ، وهو في النسخ التي وقفت عليها من الأذكار بالرفع لأن لفظ حديث الكتاب للبخاري كما ذكره المصنف قيل

وذكر الليل ظاهره اختصاص ما ذكر بنومه ولا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار كالنوم حال الإبراد اهـ. قوله: (وَذكَرَ

ص: 280

اللهَ تَعالى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضأ أنْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلهَا

ــ

الله) أي بأي ذكر كان لكن المأثور أفضل قاله المصنف في شرح مسلم. قوله: (فإن توضأ) أي إن كان ذا حدث أصغر فتنحل بالوضوء أما ذو الجنابة فلا تنحل إلاّ بالغسل وذكر الوضوء في الخبر جرياً على الغالب في الحدث من كونه الأصغر ووقع في رواية لمسلم "وإن توضأ انحلت عقدتان" قال المصنف في شرحه معناه تمام عقدتين أي انحلت عقدة ثانية وتم بها عقدتان وهو بمعنى قوله عز وجل {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إلى قوله {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت: 10] أي في تمام أربعة أيام ومعناه في يومين آخرين تمت بهما الأيام أربعة ومثله في الحديث الصحيح من صلى على جنازة فله قيراط ومن اتبعها حتى توضع في القبر فقيراطان والمراد أنه قيراطان بالأول ومعناه أن بالصلاة يحصل له قيراط وبالإتباع قيراط آخر تتم به الجملة قيراطين ودليل إن الجملة قيراطان خبر مسلم في صحيحه من خرج مع جنازة من بيتها ومن صلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من الأجر كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر مثل أحد وأورد بمعناه خبر البخاري اهـ. قوله: (فإِن صَلَّى انحَلَّت عُقَدُهُ) هو بلفظ الجمع في البخاري بلا خلاف ورواية المصنف هي رواية البخاري في بدء الخلق وفي التوشيح أقل ما يحصل به حل عقد الشيطان ركعتان لخبر ابن خزيمة فحلوا عقد الشيطان ولو بركعتين قال العراقي ولهذا استحب افتتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين للأمر به في مسلم مبادرة إلى حل عقده اهـ. قال العارف ابن أبي جمرة لفظ الحديث يعطي تناول ذلك لكل مصل على أي حال كان لكن يخصصه قوله صلى الله عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلَاّ بعداً فمن هو بعيد عن الله والعياذ بالله كيف لا يعقد الشيطان عليه ويلعب به كيف شاء بل هو في ذاته

ص: 281

فَأصْبَحَ نَشِيطاً طَيبَ النَّفْسِ،

ــ

شيطان كما قال جل جلاله شياطين الإنس والجن كيف حال من بات آكلا للحرا ظالماً للناس مدمناً للخمر كيف لا يعقد الشيطان على هذا ومتى تصبح نفس هذا طيبة بل هذا خبيث النفس في كل حال ولا يقع على مثل هذا مصل حقيقة لأنه في طبقة المبعودين الذين قال صلى الله عليه وسلم فيهم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء إلخ، ومن أجل الجهل بحقيقة هذه الأحاديث أخذها بعض الناس على ظاهرها وعملوا عليها وهم قد ضيعوا الأصول وظنوا أنهم حصل لهم المقصود وهيهات هيهات والحاصل إن جميع الخيرات الواردة في الكتاب والسنة هي لأهل التوفيق، وكما إن صحة البدن البشرى بالحمية والدواء وأجمع الأطباء أن الحمية أنفع من الدواء كذلك الدين حمية ودواء فالحمية فيه أنفع من الدواء ولا ينفع الدواء إلاّ بالحمية أو بأكثرها والحمية في الدين الوقوف مع الأمر والنهي افعل لا تفعل، كما إن حمية الأبدان كل كذا لا تأكل كذا والدواء مثل هذا الحديث وأشباهه فإذا فعله بعد الحمية أي امتثال الأمر واجتناب النهي جاءه ما قيل له وزيادة وإذا فعله دون الحمية المذكورة طلب ذلك فلم يجده فقال له لسان الحال "قل هو من عند أنفسكم" لأنه ترك الأصل وأخذ الفرض وهو طريق غير ناجحة ولا تقول لمن ضيع الحمية لا تأخذ الدواء فلعل أخذ الدواء يجره إلى استعمال الحمية فيحصل المقصود كالذي يكون له مال غير طيب ويريد التصدق منه فتقول له صدقتك لا تقبل ولا تقول له لا تتصدق فلعله يتدرج بالخير الذي هو الصدقة إلى خير

وهو التوبة والإقلاع اهـ. ولنفاسته نقلناه برمته لكن تقدم على غير واحد أن الأولى إجراء الأخبار على عمومها والتخصيص بأرباب الامتثال يحتاج إلى دليل والله أعلم. قوله: (فأَصبَحَ طَيِّب النفْسِ) هو من سر صلاة الليل وإتيانه بالفاء للتنبيه على تفريع هذا الأمر على مجموع الثلاث الخلال فلا يحصل بواحدة فقط منها لكن يختلف ذلك بالقلة فمن ذكر الله كان أحق ممن

ص: 282

وإلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ"

ــ

لم يذكره قال العارف ابن أبي جمرة وفيه دليل على إن بصحة الدين يصح البدن وينشرح الصدر إذ لا يكون نشيطاً طيب النفس إلاّ مع صحة البدن وقال صلى الله عليه وسلم في قيام الليل أنه ينفي الذنوب ويصح البدن اهـ. قوله: (وِإلَّا) أي وإلا يفعل ما ذكر أو شيئاً فلا يصبح كذلك بل أصبح خبيث النفس إلخ، وبه يعلم أن إن شرطية أدغمت نونها في اللام لتقاربهما في المخرج قال ابن هشام في المغني وقد تقترن يعني إن الشرطية بلا النافية فيظن من لا معرفة له أنها إلا الاستثنائية نحو، إلا تنصروه فقد نصره الله، إلا تنفروا يعذبكم، ولقد بلغني إن بعض من يدعي الفضل سأل في قوله تعالى:{إِلَّا تَفْعَلُوهُ} [الأنفال: 73] فقال ما هذا الاستثناء أمتصل أم منقطع اهـ، وبه يعلم أنه يجب أن يرسم إن ثم لا لأن الكلمة تكتب بصورة الابتداء بها والوقوف عليها ويوجد في كثير من الأصول رسمه بصورة إلا الاستثنائية وفيه ما عرفت. قوله:(أَصبَحَ إلخ) دليل الجواب إذ هو محذوف وإنما أصبح خبيث النفس لتمكن الشيطان منه وأسره له بشده عليه تلك العقد استيثاقاً وتثبيطاً عن الخير إلى أن لم يبق فيه قبول له وفيه كما قال العارف ابن أبي جمرة دليل على أن الذنوب تمرض البدن إذ الغالب من خباثة النفس أنها لا تكون إلا مع تألم البدن ونجد ذلك مشاهداً في أهل البطالة والمعاصي غير طيبين في أبدانهم حتى يطلع النهار ويعالجون ما بهم من الكسل اهـ، ولا مخالفة بين هذا الخبر وخبر لا يقل أحدكم خبثت نفسي لأن الممنوع منه إطلاق الشخص ذلك على نفسه فيذم نفسه وأما إذا أضافه إلى غيره مما يصدق عليه فليس بممنوع، وفي الخبر دليل على عظم تسليط الشيطان على بني آدم وما جعل الله له من القدرة على ذلك يؤخذ ذلك من كونه يعقد في شيء ويؤثر عقده في بني آدم وفيه دليل

ص: 283

هذا لفظ رواية البخاري، ورواية مسلم بمعناه، وقافية الرأس: آخره.

وروينا في "صحيح البخاري" عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قالا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

ــ

على حرمة الطاعة وحرمة من أهل للعمل بها فلا يضرهم إنس ولا غيره يؤخذ ذلك من حل العقد والنشاط لمن قام وغيره لمن نام. قوله: (هذا لفظ البخاري) أي في باب بدء الخلق. قوله: (وقافية الرأْسِ إلخ) قال المصنف في شرح مسلم قافية كل شيء آخره ومنه قافية الشجر اهـ. وفي شرح البخاري لابن العز الحجازي قافية الرأس مؤخر العنق اهـ. وقيل وسطه قيل وهو المراد هنا وقال العاقولي القافية القفا وقيل قافية الرأس مؤخره وقيل وسطه اهـ.

قوله: (وروينا في صحيح البخاري) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجة كما قال الحافظ كلهم من حديث حذيفة زاد في الحصين ابن أبي شيبة فيمن خرجه من حديث حذيفة قال في الحرز ويفهم من الأذكار أي فيما سيأتي فيما يقوله عند النوم أن البخاري ورواه من حديث أبي ذر أيضاً اهـ. قلت وكذا رواه من حديث أبي ذر النسائي في الكبير كما قاله الحافظ ورواه

مسلم والنسائي من حديث البراء بن عازب وأبدل قوله إذا أوى إلى فراشه بقوله إذا دخل مضجعه من الليل قال الحافظ بعد أن أورده من حديث حذيفة وأبي ذر والبراء وذكر من خرجه عن كل ما لفظه وحاصل ما سقته إن هذا المتن متفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه البخاري من حديث حذيفة وأبي ذر ولم يخرج حديث البراء إلا مسلم فقط ففات الشيخ التنبيه على تخريج مسلم له اهـ. قوله: (عن حذيفة بن اليمانِ إلخ) الأخصر في التعبير عن حذيفة بن اليمان وأبي ذر رضي الله عنهم وأما العبارة ففيها مع التطويل إيهام أن الحديث عن حذيفة وحده والترضي عن المذكورين وكون المقام ووضوح الكلام

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يدفع هذا الإيهام لا ينافي احتماله وحذيفة يكنى أبا عبد الله واسم أبيه حسيل بن جابر واليمان لقبه ولقب به لأنه أصاب في قومه دما فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليمان لأنه حالف اليمانية وهو من بني عبس بمهملتين الأولى مفتوحة بينهما موحدة ساكنة حليف بني عبد الأشهل أسلم هو وأبوه وأمه الريان بنت كعب بن عدي وهاجروا وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين وأحد المهاجرين الأولين وأحد الأربعة عشر النجباء شهد المشاهد كلها إلاّ غزوة بدر صده المشركون وحضر أحداً هو وأخوه صفوان وأبوه وقتل أبوه يومئذٍ شهيدًا قتله بعض المسلمين يحسبه مشركاً فوهب له ولده حذيفة ديته وفي تفسير عبد بن حميد إن الذي قتله عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب سرية وحده ليأتيه بخبر القوم ودعا له يوم الخندق فقال اللهم احفظ حذيفة من بين يديه ومن خلفه وكان كثير السؤال عن الفتن ليجتنبها وفي صحيح مسلم عنه أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكون إلى أن تقوم الساعة واني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة واستعمله عمر على المدائن وقال عمر لأصحابه يوماً تمنوا فتمنوا ملء البيت الذي هم فيه جوهراً لينفقوه في سبيل الله فقال عمر لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان استعملهم في طاعة الله عز وجل وكان عمر إذا مات أحد فإن صلى عليه حذيفة صلى عليه وإلاّ فلا، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث ونيف اتفقا منها على اثني عشر وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بسبعة عشر ومن كلام حذيفة لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقها وشهد نهاوند مع النعمان بن مقرن فلما قتل النعمان أخذ الراية ففتح الله على يديه نهاوند والري والدينور وما شد عنوة وذلك سنة اثنتين وعشرين ومناقبه كثيرة مات بالمدائن في المحرم سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان بأربعين ليلة وقيل عن خمس وثلاثين.

ص: 285

أوى إلى فراشه قال:

ــ

قوله: (أَوَى إلى فِراشِهِ) قال المصنف في آخر باب الحج من شرح مسلم نقلا عن القاضي عياض يقال آوى وأوى بالمد والقصر في الفعل اللازم والمتعدي جميعاً لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح والمد في المتعدي أشهر وأفصح "قلت" وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين قال تعالى {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: 63] وقال تعالى في المتعدي {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50]، والله أعلم.

وفي النهاية يقال أوى وآوى بمعنى واحد والمقصور منه لازم متعد اهـ. قال في الحرز يعني والممدود لا يكون إلَاّ متعدياً ويحتاج إلى تقدير مفعول في الحديث بأن يقدر ما آوى أحد نفسه إلى فراشه لم يذكر الله فيه إلَّا كان عليه ترة ولهذا اقتصر العسقلاني على القصر في إذا أوى اهـ. "قلت"

وكذا اقتصر عليه هنا الكرماني قبله والسيوطي بعده والمصنف في شرح مسلم وكأن العصر على القصر لكونه الرواية فنقتصر عليه أو لكونه فيه أرجح كما صرح المصنف به في التهذيب ولا يلزم من قول النهاية والمقصور إلخ. ما قاله في الحرز أما أولاً فإنه مفهوم مخالفة وهو خلاف مذهب صاحب الحرز قال ابن السبكي في جمع الجوامع وأنكر أبو حنيفة الكل مطلقاً قال الجلال المحلي في شرحه أي لم يقل بشيء من مفاهيم المخالفة وإن كان في المسكوت بخلاف حكم المنطوق فلأمر آخر اهـ. وأما ثانياً فإن صاحب النهاية صرح بعد قوله المذكور بنحو سطرين بأن الممدود قد يكون لازماً وعبارته ومن المقصور اللازم حديث أما أحدهم فأوى إلى الله أي رجع إليه ومن الممدود المتعدي حديث الدعاء الحمد لله الذي كفانا وآوانا أي ردنا إلى مأوى لنا ولم يجعلنا منتثرين كالبهائم والمأوى المنزل، ومن أسباب الدخل على المؤلفين الأخذ بأوائل الكلام والغفلة عن سوابقه ولواحقه بما يندفع به ذلك المأخوذ وحينئذٍ فتبين أن اقتصار من ذكر على القصر في أوى في هذا المقام إما

ص: 286

باسْمِكَ اللَّهُمَّ أحْيَا وأمُوتُ، وَإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الّذِي أَحْيَانَا بَعْدَما أَمَاتَنَا وَإلَيهِ النُّشورُ".

وروينا

ــ

لكونه رواية أو أفصح لا لمنع القصر في الممدود فلا يحتاج إلى قوله آوى أحدكم نفسه إلخ. والله أعلم. قوله: (باسمك اللهُم أحْيَا وأموتُ) هذه الجملة فيها فوائد "الأولى" قال العلماء حكمه الذي والدعاء عند النوم إن يكون خاتمة أعماله وعند الاستيقاظ منه أن يكون أول عمله ذكر التوحيد والكلم الطيب كما قيل:

وآخر شيء أنت أول هجعة

وأول شيء أنت عند هبوبي

فكتبت الحفظة في أول صحيفته عملاً وتختمها بمثل ذلك فيرجى له مغفرة ما بينهما وقد روى الطبراني من حديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل اذكرني أول النهار ساعة ومن آخره ساعة أكفك ما بينهما وكان الصالحون من السوقة يجعلون أول نهارهم وآخره إلى الليل لأمر الآخرة ووسطه لمعيشة الدنيا وفي الحديث يقول الله عز وجل ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات أول النهار أكفك آخره "الثانية" قوله باسمك اللهم أحيا بفتح الهمزة قال المصنف في شرح مسلم قيل معناه بذكر اسمك أحيا ما حييت وعليه أموت "قلت" أي على ذكري اسمك مع اعتقادي لعظمة مدلوله وتفرده بالألوهية والملك وقيل معناه بك أحيا وبك أموت فالاسم هنا بمعنى المسمى اهـ، ويحتمل عليه إن يكون اسم مقحماً وأعرض عنه المصنف لأن مذهب البصريين وهو المختار منع زيادة الأسماء قال الكرماني بعد ذكره الوجه الأول "فإن قلت" فيه دلالة على إن الاسم غير المسمى "قلت" لا ولا سيما من حيث إن الاسم يحتمل أن يكون مقحماً كقوله:

*إلى الحول ثم اسم السلام عليكما*

اهـ فأشار إلى وجه ثالث وقال القرطبي بعد ذكر الوجه الثاني مما نقله المصنف وهذا

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قول الشارحين، وقد استفدت من بعض مشايخنا معنى آخر هو أنه يحتمل أنه يعني باسمك المحيي المميت من أسمائه تعالى ومعنى ذلك إن الله تعالى إنما سمى نفسه بأسمائه الحسنى لأن معانيها ثابتة في حقه وواجبة إذ كل ما ظهر في الوجود من الآثار إنما هو صادر عن تلك المقضيات فكل إحياء في

الدنيا والآخرة إنما هو صادر عن قدرته على الإحياء وكذا القول في الإماتة وكذا غيره في المعاني التي تدل عليها أسماؤه فكأنه قال باسمك المحيي أحيا وباسمك المميت أموت وكذا القول في سائر الأسماء الدالة على المعاني اهـ. وقيل معناه ما دلت عليه أسماؤك العلية من تنزهك عن كل صفة لم يبلغ غاية الكمال المطلق وتجليك بكل صفة من الصفات البالغة لذلك الكمال أموت وأحيا "الثالثة" حكمة عدم الإتيان بأن شاء الله في هذا الذكر ونحوه قال الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات وجدت بخط الشيخ يعني والده فكرت عند الاضطجاع في قول المضطجع باسمك اللهم وضعت جنبي وبك ارفعه فأردت أن أقول إن شاء الله في أرفعه لقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ] [الكهف: 23، 24] ثم قلت في نفسي إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر المقول عند النوم ولو كان مشروعاً لذكره النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع العلم، فتطالت فرقاً بينه وبين كل ما يخبر به الإنسان من الأمور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة ولا يقال إن أرفعه حال ليس بمستقبل لأمرين "أحدهما" إن لفظه وإن كان كذلك لكنا نعلم إن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه "والثاني" إن استحباب المشيئة عام فيما ليس معلوم الحال أو المعنى وظهر لي أن الأولى الاقتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم بغير زيادة وإن ذلك مبني على قاعدة يفرق فيها بين تقدم الفعل على الجار والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت ارفع جنبي باسم الله كان المعنى الإخبار بالرفع وهو عمدة الكلام وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا قلت باسم الله ارفع جنبي كان المعنى الإخبار بأن الرفع كائن باسم الله فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العرب تجد ما يظهر لك به شرف كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم وملازمة المحافظة على الأذكار المأثورة عنه عليه أفضل الصلاة والسلام وإياك أن تنظر إلى إطلاق أن الجار والمجرور فضلة في الكلام وتأخذه على الإطلاق بل تأمل موارد تقدمه وتأخره في الكتاب العزيز والسنة وكلام العرب الفصحاء وتفهم هذه القاعدة الجليلة التي يفهم بها اللفظ والمعنى واعلم أنه لا بد من المحافظة على قواعد العربية وعلى فهم كلام العرب ومقاصدها وقواعد العربية تقتضي إن الجار والمجرور فضلة في الكلام لا عمدة له وإن الفعل هو المخبر به والاسم هو المخبر عنه فهذا أصل الكلام ووضعه ثم قد يكون ذلك مقصود المتكلم وقد لا يكون على هذه الصورة فإنه قد يكون المخبر عنه والمخبر به معلومين أو كالمعلومين ويكون محط الفائدة في كونه على الصفة المستفادة من الجار والمجرور كما نحن فيه فإن المضطجع وضع جنبه معلوم ورفعه كالمعلوم ولم يقل معلوم لأنه قد يموت اهـ، ومثله ما نحن فيه فإن موته معلوم وحياته كالمعلوم لأنه قد يموت حالاً والله أعلم "الرابعة" قوله أحيا وأموت يحتمل الموت الحقيقي ويحتمل المجازي وهو النوم كما أطلقت عليه الوفاة في قوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42] الآية وأطلق عليه ذلك على سبيل التشبيه والتمثيل ففيه استعارة مصرحة تبعية ووجه الشبه زوال الشعور والحركة الاختيارية مع كل منهما قال الطيبي وأشير بالتشبيه والتمثيل إلى أن المقصود من الحياة اكتساب رضا الله تعالى والأمن من عقابه وبالنوم يزول ذلك ويفوت فائدة الحياة فكان كالميت وقال القرطبي النوم والموت يجمعهما انقطاع تعلق الروح

بالبدن وذلك قد يكون ظاهراً وهو النوم ولذا قيل النوم أخو الموت وظاهراً وباطناً وهو الموت فإطلاق الموت على النوم مجاز لاشتراكهما في انقطاع تعلق الروح بالبدن وقيل الموت يطلق على السكون وعلى ما بإزاء القوة النامية في الحيوان والنابت والقوة العاقلة والجهالة ومنه {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا

ص: 289

في كتاب

ــ

فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] وقد يستعار للحالة الشاقة كالفقر والذل، والحياة تحتمل الحقيقة التي بعد البرزخ والمجازية التي بعد النوم فإن الحقيقة لم تزل بالنوم وحياة البرزخ يصح إن يقال أنها مجازية لأنه لا يوجد فيه كمال الإحياء بل نوع منه بحيث يفهم الخطاب ويرد الجواب وإن يقال أنها حقيقية والمفقود كمال حركة البدن قال تعالى:{وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: 17] كذا يؤخذ من فتح الإله "الخامسة" قوله أحيانا بعد ما أماتنا أي أحياناً بالاستيقاظ من النوم لنكتسب ثمرة الحياة من الحمل النافع في الآخرة وذلك أفضل النوم فإذا حمد عليها لا سيما مع تصور ما في قوله بعدما أماتنا أي الموت المجازي وهو النوم يقال النوم الموت الخفيف، والموت الثقيل قال الكرماني "فإن قلت" ليس هنا إحياء ولا إماتة بل إيقاظ وإنامة "قلت" الموت عبارة عن انقطاع تعلق الروح من البدن وذلك قد يكون ظاهراً فقط وهو النوم ولهذا يقال أنه أخو الموت وظاهراً وباطناً وهو الموت المتعارف اهـ، والنشور الحياة بعد الموت يقال نشر الميت ينشر نشوراً وقوله تعالى:{وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} [الملك: 15] أي الذهاب إلى دار جزائه ليجازي كل واحد بما يقتضيه ما سبقه علمه من خير أو شر ويقتضيه عمله من ذلك كما يشهد به "الناس مجزيون بأعمالهم" وقولنا في تفسير النشور أيضاً أنه الذهاب إلى دار جزائه لمناسبة المقام فلا ينافي إن معناه لغة ما سبق من البعث بعد الموت وحكمة ذكره ذلك إن من استحضر هذه الأمور حمله ذلك على أن يكون حاضر القلب في النوم واليقظة فلا يفضي به نومه إلى التكاسل ولا إلى تباطؤ عما طلب منه ولا تيقظه إلى غفلة عما طلب منه من دوام المراقبة والحضور قيل ونبه بإعادة الإحياء بعد الإماتة أي اليقظة بعد النوم على إثبات البعث بعد الموت في ذكره ما في ذكر {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} من الحكمة السابقة.

قوله: (فِي كِتَاب

ص: 290

ابن السني بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا اسْتَيقَظَ أحدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلهِ الّذِي رَدَّ عَليَّ رُوحِي،

ــ

ابنِ السني) هو من جملة حديث أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ إذا جاء أحدكم إلى فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرات الحديث وهذا ما رواه الستة وسيأتي إن شاء الله تعالى فيما يقال عند النوم معزواً روايته للصحيحين قال في السلاح زاد فيه الترمذي فإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني ورد على روحي وأذن لي بذكره وقال حديث حسن وأخرج هذه الزيادة وحدها النسائي وابن حبان من طريق أخرى قال الحافظ وما أدري لما أغفل الشيخ عزو هذا الترمذي والنسائي وأما قوله أنه صحيح الإسناد ففيه نظر فإن الشطر الثاني الذي اقتصر عليه من أفراد محمد بن عجلان وهو صدوق لكن في حفظه شيء خصوصاً عن المقبري فالذي ينفرد به من قبيل الحسن وإنما يصحح له من يدرج الحسن في الصحيح وليس ذلك من رأي الشيخ وشطره الأول مخرج في الصحيحين من طريق عبد الله العمري عن المقبري واختلف هل بينه وبين أبي هريرة فيه أبوه أو لا وقد بين البخاري ذلك وعلقه لابن عجلان وقد أورده المصنف بعد أبواب كثيرة مقتصراً على لفظ الترمذي وعزاه له ولابن ماجة ولم يذكر شطره الآخر ولا نبه على إن شطره الأول مخرج في

الصحيحين بتغيير يسير اهـ. قوله: (الذي رَدَّ عَلَى رُوحي) المراد بالروح هنا روح اليقظة وهي الروح التي أجرى الله تعالى العادة

ص: 291

وَعافانِي في جَسَدِي، وأذِنَ لي بِذِكْرِهِ".

وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِن عَبْدِ يَقُولُ عِنْدَ رَدّ اللهِ تَعالى رُوحَهُ: لا إلهَ إلا اللهُ

ــ

أنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان مستيقظاً وإذا خرجت نام الجسد ورأت الروح المنامات. قوله: (وعَافاني فِي جَسَدِي إلخ) المراد من المفاعلة هنا أصل الفعل أي جعل جسدي ذا عافية فهو من باب المفاعلة على قصد المبالغة لعدم صحة إرادة المغالبة قال في القاموس والعافية دفاع الله عن العبد وعافاه عن المكروه معافاة وعافية وهب له العافية من العلل والبلاء كأعفاه من المكروه معافاة وعافية اهـ، ويصح حمل المفاعلة على بابها ففي النهاية المعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف آذاهم عنك وأذاك عنهم وقيل هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفو عن الناس ويعفوا هم عنه اهـ، غير أنه بهذا المعنى لا يستقيم عند ذكر العضو المعافى كقوله اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري الحديث وسيأتي قال المصنف في شرح مسلم والعافية من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن في الدنيا والآخرة وفي القاموس الجسد محركة جسم الإنسان وذكر له معاني أخر لا حاجة بنا إلى ذكرها.

قوله: (وروينا فيه) أي في كتاب ابن السني قال الحافظ الحديث ضعيف جداً أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن عبد الوهاب بن الضحاك وعبد الوهاب المذكور كذبه أبو حاتم الرازي وأبو داود وغيرهما وإسماعيل بن عياش شيخه مختلف فيه لكن اتفقوا على أن روايته عن الشاميين ضعيفة وهذا منها ومحمد بن إسحاق شيخ إسماعيل في هذا الحديث مدني تحول إلى العراق وقد وجدت هذا الحديث في مسند الحارث بن أبي أسامة من طريق الليث بن سعد

ص: 292

وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كلّ شَيءٍ قَدِيرٌ، إلَاّ غَفَرَ اللهُ تَعالى لهُ ذُنُوبَهُ وَلوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ".

وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منْ رَجُلٍ يَنْتَبهُ مِنْ نَوْمِهِ فَيَقُولُ: الحَمْدُ لِلَهِ الّذِي خَلَقَ النوْمَ واليَقَظَةَ، الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي بَعَثَنِي سَالِماً

ــ

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن موسى بن وردان عن نايل صاحب العباء عن عائشة وإسحاق ضعيف جداً ولعل إسماعيل سمع منه فظنه عن أبي إسحاق وموسى وشيخه نايل مختلف في كل منهما اهـ. قوله: (وحدَه) أي لا ضد ولا ند له بل هو منفرد بالذات والصفات والأفعال ونقل الحنفي أنه مخصوب عند الكوفيين على الظرف وعند البصريين على الحال ورده في الحرز بأن الفريقين اتفقا أنه على الحال لكن اختلفوا في التأويل وعدمه فقال بالأول البصريون أي منفرداً وقال بالثاني الكوفيون وسبق عن الشيخ زكريا جواز كونه مفعولاً مطلقاً. وقوله: (لا شريك له) في كمال الصفات (له الملك) أي السلطنة العظمى (وله الحمد) في الآخرة والأولى (وهو على كل شي قدير) أي على كل شيء من الممكنات لما تقدم تقريره ثم حديث عائشة لم يذكره صاحب الترغيب عن الكتب الستة وغيرها من المسانيد المشهورة وبقيد المشهورة علم الجواب عن أنه وجد في مسند الحسن بن سفيان ومسند الحارث بن أبي أسامة كما تقدم في كلام الحافظ والله أعلم. وكذا حديث أبي هريرة الذي بعده.

قوله: (واليَقَظَةَ) في القاموس اليقظة محركة نقيض النوم وقد يقظ ككرم وفرح يقاظة يقظاً محركة وقد استيقظ اهـ. وفي النهاية قد تكرر في الحديث ذكر اليقظة والاستيقاظ وهو الانتباه من النوم ورجل يقظ ويقظ ويقظان إذا كان فيه معرفة وفطنة اهـ، والحمد عليهما لكونهما نعمتين عظيمتين إذ باليقظة يحصل المعاش ويحسن المعاد

ص: 293

سَوِياً، أشْهَدُ أَنَّ اللهَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ على كُل شَيء قَدِيرٌ، إلا قال اللهُ تَعالى: صَدَقَ عَبْدِي".

وروينا في "سنن أبي داود" عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هَبَّ منَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْراً، وحَمِدَ عَشْراً، وَقالَ: سُبْحَانَ اللهِ وبحَمْدِهِ عَشْراً، وَقالَ: سُبْحَانَ القُدُّوسِ عَشْراً، وَاسْتَغْفَرَ عَشْراً،

ــ

وبالنوم تستريح مطيته من ألم الجد والاجتهاد. قوله: (سوياً) في المشارق للقاضي عياض السوي المعتدل الخلق المستوي التام وهو ضد المعوج والناقص اهـ. وفي مفردات الراغب رجل سوي استوى أخلاقه وخلقته على الإفراط والتفريط ومكان سوي وسواء وسط اهـ، في القاموس مكان سوي كغني وسي كزي مستو اهـ.

قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال في السلاح عن عاصم بن حميد قال سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل فقالت لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك كان إذا قام كبر عشراً وحمد عشراً إلى قوله ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة وليس فيه قوله عشراً وما بعده ثم قال رواه أبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وعنده قال اللهم اغفر لي واهدني وارزقني عشراً وتعوذ بالله من ضيق يوم القيامة عشرا اهـ. قوله: (سبحان الله الملِكِ القُدُّوسِ) الملك صاحب الملك والملكوت واختير على المالك لأنه أبلغ منه كما سيأتي إن شاء الله تعالى والقدوس فعول للمبالغة من القدس النزاهة عما يوجب نقصاناً وقرئ بالفتح وهو لغة فيه وإنما أطلقت في التكبير والحمد لأن الجملة التي تستعمل في ذلك شهيرة ولو أطلقت التسبيح لربما توهم إن القصد به قال سبحان الله فقط فأفادت بما ذكر من قوله سبحان الله إلخ، كيفية التسبيح الصادر منه صلى الله عليه وسلم ولمناسبة المقام للتسبيح لما فيه من تنزيه الباري عما لا يليق

ص: 294

وَهَلَّلَ عَشْراً، ثُمَّ قالَ: اللهُم إني أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدنْيا وضِيقِ يَومِ القِيَامَةِ عَشْراً ثُم يَفْتَتِحُ الصلاة" وقولها هبَّ: أي استيقظ.

وروينا في "سنن أبي داود" عن عائشة أيضاً "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: لا إلهَ إلا أنْتَ

ــ

به من وصف الحادث من النوم ونحوه كرر صلى الله عليه وسلم التسبيح وأتى بجملتين يدل عليه واكتفى في التكبير بالمبالغة المفهومة من أفعل التفضيل وإنما قدم الحمد هنا على التسبيح نظرًا إلى إن المقام له على هذه النعمة أي الإيقاظ بعد النوم الذي به يتأهل الإنسان لاجتناء ثمرة الحياة من المعارف الإلهية والإتيان بالاستغفار طلباً لغفران التقصير في شكر هذه النعمة العظيمة التي من بها الباري تعالى بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص: 72] فلعظم نعمة المنام وخوف التقصير في أداء حق هذا المقام أتى بالاستغفار نظير ما قالوه في حكمة الإتيان به عند الخروج من الخلاء ولعظيم نعمة النوم إذ يختل بفقدها العقل والبدن كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر وكرر الاستغفار هنا عشراً. قوله: (وهلل) قال ابن حجر في شرح المشكاة أي رفع صوته بتوحيده وكأن استفادة الرفع من خارج الكلام. قوله: (ضِيق الدنيا إلخ) الإضافة فيها بمعنى في قاله

العاقولي والمراد شدائدهما ومحنهما التي تجعل الفضاء ضيقاً والرحب الواسع ضيقاً. قوله: (هب أي استيقظ) هب بفتح الهاء وتشديد الموحدة في القاموس الهب والهبوب ثوران الريح كالهبيب والانتباه من النوم ونشاط كل سائر وسرعته اهـ، ثم قوله أي استيقظ مراده تفسير لفظ هب لا بقيد كونه في هذا الكلام أما فيه فيفسر بأنه استيقظ من منام الليل وفي الخبر مضاف أي هب من نوم الليل والله أعلم.

قوله: (وروينا في سُنن أبي داود إلخ) الأخصر

ص: 295

سُبْحَانَكَ اللهُم أسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وأسأَلُكَ رَحمَتَكَ، اللهُم زِدني عِلماً

ــ

وروينا فيه على ما يفعل في نظائره والحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين وابن حبان في صحيحه لكن اقتصر المصنف على عزوه لأبي داود لأن اللفظ له. قوله: (سبحانك اللهم) أي تنزهت عن كل ما لا يليق بجلالك وكبريائك وباهر عظمتك ولما تناسب مضمون معنى سبحانك وأستغفرك بالتضاد إذ الأولى تدل على تنزه الله من كل نقص والثانية تدل على ثبوته للعبد، عقب قوله سبحانك بقوله أستغفرك، وفيه التنبيه على إن وصف الإنسان طلب الاستغفار لما قام به من النقصان كل وقت وأوان وإن الكمال المطلق للحق وفي قوله صلى الله عليه وسلم أستغفرك إلخ، التنبيه للأمة على طلب ذلك وإلا فهو وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من كل ذنب وأراد به التواضع وأداء حق مقام العبودية من السؤال والافتقاد إلى المولى العزيز أو سمي مخالفة الأفضل ذنبًا لأن اللائق بمرتبته الكاملة إلا يصد عنه إلاّ ما هو الأفضل أو أنه لما ترقى إلى ما رقي من المقام ولاحظ ما قبله عد ذلك السابق كأنه ذنب فاستغفر منه وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم أنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة. قوله:(وأسألُك رحمَتك) أي زيادة تفضلك وإنعامك. قوله: (اللهم زِدْني علماً) أي اطلاعًا على الغيوب والمعارف وتخلقًا بآداب نصرتك وما أنزلته من الآيات إذ لا علم لي إلَاّ ما علمتني فأنا مفتقر دائماً إلى تعليمك قادم على ذلك في كل لحظة ونفس، في تفسير الواحدي كان ابن مسعود إذا قرأ الآية يقول اللهم زدني إيماناً ويقيناً وقد اختلف في المراد بالعلم في الآية فقيل القرآن وقيل الحفظ ولا مانع من إرادة الجمع خصوصاً وعلماً نكرة في سياق الدعاء وعموم الدعاء تمامه ثم فيه إيماء إلى ما ورد في الحديث على ما رواه في الحلية وغيره عن عائشة مرفوعاً كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى الله تعالى فلا بورك لي في شمس

ص: 296

ولا تُزِغْ قلبي بَعْدَ إذْ هَدَيْتَني، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحمَةً إنكَ أَنْتَ الوَهابُ".

ــ

ذلك اليوم. قوله: (ولا تُزغ قلبي) بإظهار الغين عند القاف باتفاق عند جميع القراء أي لا تمله عن الحق وفي النهر في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] أي لا تجعلنا من الذين في قلوبهم زيغ أي ميل عن الحق بعد الهداية أي إلى الحق والمراد ثبت قلوبنا على دينك وأقدامنا على أداء حق عبوديتك ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ثم رأيت الواحدي قال روت أم سلمة إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ثم يقول: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} إلخ اهـ، وأصله في الترمذي وفيه فقلت يا رسول الله ما لأكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قال يا أم سلمة أنه ليس آدمي إلاّ وقلبه بين

إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ فتلا معاذ أي أحد رواته: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] اهـ، والمراد لا تزغ قلوبنا كما أزغت قلوب اليهود والنصارى ومن في قلوبهم الزيغ بعد إذ هديتنا للإيمان بحكم الكتاب ومتشابهه وفيه الإشارة على أنه لا يأمن مكر الله إلَاّ القوم الخاسرون ولدن بمعنى عند والمراد بالعندية كما تقدم عندية الشرف والمكانة والمطلوب رحمة تليق بذلك و. قوله:(إنك أنت الوهاب) كالتعليل لحصول المطلوب ويجوز فيه من حيث الإعراب الفتح على تقدير لام التعليل والكسر على الاستئناف وتقدر قبلها الفاء وقد قرئ بهما إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم وهذان الوجهان يجريان في إن الواقعة بعد كلام تام معلل بمضمون ما صدر بها والوهاب صيغة مبالغة إذ هو الواهب لجلائل النعم ودقائقها فما في الكون شيء جل أو قل إلا وهو من فضله ونعمته قال صلى الله عليه وسلم من قال في الصباح "اللهم ما أصبح بي أو بأحد من خلقك من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فقد أدى شكر ذلك اليوم".

ص: 297