المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل: اعلم أن فضيلة الذِّكْر غير منحصرة في التسبيح والتهليل - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ١

[ابن علان]

الفصل: ‌ ‌فصل: اعلم أن فضيلة الذِّكْر غير منحصرة في التسبيح والتهليل

‌فصل:

اعلم أن فضيلة الذِّكْر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكر لله تعالى، كما

ــ

عند الصفا مجازاً ليطابق حديث البخاري أو تعدد جهره بذلك قال في زاد المسير وأما تفسيرها ففي المراد بالصلاة قولان "أحدهما" الصلاة الشرعية وعليه ففي المراد ستة أقوال: لا تجهر بقراءتك ولا تخافت بها فكأنه نهى عن شدة الجهر والمخافتة قاله ابن عباس وعليه فالتعبير عن القراءة بالصلاة إما من باب المجاز المرسل من إطلاق اسم الكل أي الصلاة وإرادة الجزء أي القراءة أو من حذف المضاف أي قراءة صلاتك أو لا تصل مراءاة الناس ولا تدعها مخافة الناس قاله ابن عباس أيضاً قلت وعلى هذا فيكون من خطابه صلى الله عليه وسلم بخطاب غيره كقوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94] الآية إذ لا يتصور منه الرياء حتى ينتهي عنه، أو لا تجهر بالتشهد في صلاتك روي عن عائشة في رواية وبه قال ابن سيرين، أو لا تجهر بفعل صلاتك ظاهراً ولا تخافت بها شديد الاستتار قاله عكرمة، أو لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها قاله الحسن وغيره خاف أن ما سبق على القول الثاني من قولي ابن عباس يجري في هذا المكان، أو لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بجميعها فاجهر في صلاة الليل وخافت في صلاة النهار على ما أمرناك به ذكره أبو يعلى "والقول الثاني" إن المراد بالصلاة الدعاء وهو قول عائشة وأبي هريرة ومجاهد اهـ، باختصار وتغيير يسير والصلاة حقيقتها لغة الدعاء والخلاف المذكور مبني على الخلاف عند أهل الأصول في أن اللفظ إذا ورد من الشارع هل يحمل على معناه اللغوي أو الشرعي والأصح الثاني ولا يلزم من البناء الاتفاق في الترجيح. ويطول المقال في هذا المقام أخرنا ما يتعلق بفضل السيدة عائشة من الكلام.

فصل

قوله: (بل كل عامل لله بطاعته فهو ذاكر) أخرج الواحدي في التفسير

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الوسيط بسنده إلى خالد بن عمران رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وصنعه للخير ومن عصى الله فقد نسيه وإن كثرت صلاته وصومه وتلاوته القرآن وصنعه للخير" وأخرج الحديث الخزرجي في كتابه التذكرة فقال حقيقة الذكر طاعة الله تعالى ودليله قوله صلى الله عليه وسلم من أطاع الله إلخ وذكر نحوه العامري في شرح الشهاب كما رأيته معزواً إليه. ويؤخذ من كلام الخزرجي

أنه مقبول لاستدلاله به إلَاّ أن يقال لا يلزم ذلك بل يكتفي بالضعيف في مثله كما تقدم عن الزركشي وفي شرح الأنوار السنية قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه زاذان من قوله من أطاع الله فقد ذكره وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ومن عصى الله فلم يذكره وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أطاع الله فقد ذكره إلخ لكن روي بدل قوله وتلاوته للقرآن قوله وصنعه للخير ذكره ابن خويز منذاد في أحكام القرآن وقال البخاري الإسكاف في فوائد الأخبار الغفلة نوم القلب والنائم لا يذكر وذكر الله تعالى إن تشهده حافظاً لك رقيباً عليك قائماً بمصالحك فمن غفل عن هذه الأحوال فليس يذكر الله وإن سبح بلسانه وهلل وكبر ومن كان متيقظاً في هذه الأوصاف فهو ذاكر وإن سكت ثم ما أشعر به كلامه من كون الطاعة حقيقة الذكر يوافقه ما فهمه الحنفي في شرح الحصين الحصين حيث قال في مثل عبارة المصنف الظاهر أن يقول وليس الذكر منحصراً في التهليل إلخ وفي شرح المشكاة لابن حجر أصل وضع الذكر ما تعبدنا الشارع بلفظه مما يتعلق بتعظيم الحق أو الثناء عليه ويطلق على كل مطلوب قولي مجازاً شرعياً سببه المشابهة اهـ، مع يسير تغيير وسبق كلامه في انتفاء حصول ثواب الذكر عن القلبي لانتفاء كونه ذكراً وهو يؤذن بأن إطلاق الذكر على ما ذكر من العبادة ليس إطلاقاً حقيقة وإنما

ص: 112

قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه وغيره من العلماء.

ــ

هو مجاز سببه المشابهة لترتب الثواب على كل وفي الحرز الثمين فهو ذاكر أي حكماً فإنه حيث راعى حكمه تعالى في فعله فقد ذكره ولم يغفل أمره والحاصل أن المطيع المذكور له فضيلة الذكر وثوابه لا أنه ذاكر لغة أو اصطلاحاً وبه يندفع قول الحنفي: الظاهر أن يقول وليس الذكر منحصراً في التهليل اهـ، ثم رأيت الحافظ قال في فتح الباري ويطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وكقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة وقال في آخر الكلام على حديث إن لله ملائكة يطوفون في الطرق الحديث يؤخذ من مجموع الطرق إن المراد بمجالس الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وتلاوة كتاب الله والدعاء بخيري الدارين وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر، والأشبه اختصاص ذلك بمجالس نحو التسبيح والتلاوة حسب وإن كان قراءة الحديث ومدارسة العلم ومناظرته في جملة ما يدخل تحت ذكر الله تعالى اهـ، فأفاد أن ما ذكر يطلق عليه ذكر الله لا لفظ الذكر من غير إضافة والله أعلم. قوله:(قال سعيد بن جبير) سعيد كرشيد وجبير بالجيم المضمومة فالموحدة المفتوحة بعدها تحتية ساكنة وهذه المقالة نقلها عن الواحدي أيضاً فقال روي إن عبد الملك كتب إليه يسائله عن مسائل منها الذكر فقال وتسأل عن الذكر فالذكر طاعة الله فمن أطاع الله فقد ذكر الله ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن أكثر التسبيح وتلاوة القرآن. قوله: (وغيره) ولعل مراده ابن عباس فإن الواحدي وابن الجوزي نقلاه عنه أيضاً فقالا قال ابن عباس وسعيد ابن جبير في قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ثم أورد السؤال السابق لكن يبعده أن الأنسب بالتفسير حينئذٍ قال ابن عباس وابن جبير فالظاهر إن المراد غير ابن

ص: 113