الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ثُمَّ ذَكَرَ الهِلالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمْ الهِلالَ؟ فَقُلتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلتُ: أَوَلا تَكْتَفِي بِرُؤْيةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ، فَقَالَ: لا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم " (1). فلم يعمل ابن عباس برؤية أهل الشام.
واختار هذا القول شيخ الإِسلام ابن تيمية (2) فقال: "تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة، فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا".
وبذلك أخذ المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإِسلامي في قراره السابع في دورته الرابعة.
وقد رأى مجلس هيئة كبار العلماء في السعودية في الدورة الثانية المنعقدة عام 1392 هـ أن الأرجح في هذه المسألة التوسعة في هذا الأمر، وذلك بجواز الأخذ بأحد القولين على حسب ما يراه علماء البلاد.
قال الشيخ ابن باز (3) رحمه الله: "وهذا قول وسط وفيه جمع بين الأدلة وأقوال أهل العلم".
حكم إثبات الأهلة بالحساب الفلكي:
1 -
يرى عامة الفقهاء (4) أنه لا يجوز إثبات الأهلة بالحساب الفلكي وإنما
(1) صحيح مسلم: كتاب الصيام، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم (1819).
(2)
مجموع الفتاوى (15/ 74).
(3)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/ 74).
(4)
انظر في ذلك: رسائل ابن عابدين (224، 225)، حاشية ابن عابدين (2/ 411)، الفروق، للقرافي (2/ 178)، روضة الطالبين (2/ 330)، الشرح الكبير على المقنع، لابن قدامة (7/ 332)، كشاف القناع، للبهوتي (2/ 302).
بالرؤية، وقد أخذ بذلك المجمع الفقهي التابع للرابطة بقراره رقم (1) في الدورة (الرابعة)، وهو ما ذهب إليه مجلس هيئة كبار علماء السعودية، وأيده الشيخ عبد العزيز بن باز (1) رحمه الله حيث لا يجوز عنده الاعتماد على الحساب في إثبات الأهلة. وذلك لما يأتي:
أ- جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلا تُفْطِرُوا حَتَّى ترَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيكُمْ فَاقْدِرُوا
لَه" (2).
ومعنى اقدروا له أي أكملوا عدته ثلاثين يومًا، كما جاء ذلك في حديث ابن عمر عند البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاثِينَ"(3).
وقد فسره ابن عمر بفعله "إذا لم يَرَ الهلال والسماء صافية فإنه يصبح صائمًا ويكمل ثلاثين"(4)، يؤيد ذلك قوله تعالى:{قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (5)، أي تمامًا. ويمكن اعتبار الحساب في القبلة والوقت.
وقيل في معنى: "اقدروا له": "أي ضيقوا له العدد، من قوله تعالى:{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (6)، أي ضيق، والتضييق أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يومًا.
قال ابن حجر (7): المراد بالحساب في قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمَّيَّةٌ لا نَكْتُبُ
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/ 74).
(2)
أخرجه مسلمٌ: كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (1797).
(3)
أخرجه البخاريُّ: كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم
…
" (1774).
(4)
فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية (10/ 104).
(5)
سورة الطلاق: 3.
(6)
سورة الطلاق: 7.
(7)
فتح الباري، لابن حجر (4/ 127).
وَلا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا" (1) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين.
المراد به حساب النجوم وتسييرها، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لدفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا.
2 -
يرى بعض الفقهاء من الحنفية (2) والمالكية (3) والشافعية (4) وغيرهم ومنهم مطرِّف بن عبد الله بن الشخير، وابن شرمج، وابن قتيبة، أنه يجوز اعتماد الحساب في إثبات الهلال؛ وذلك لأن معنى:"اقدروا له"، أي: قدروه بحساب المنازل، يعني: منازل القمر، ونقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (5).
وقال أبو عمر في الاستذكار: "وقد كان بعض كبار التابعين يذهب في هذا إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب، والعد بالحساب أمر قطعي والرؤية أمر ظني، فالأخذ بالقطعي أولى"(6).
وقد أخذ بذلك بعض الفقهاء المعاصرين ومنهم مصطفى الزرقاء، وقد أخذ بذلك المجمع الفقهي لمنظمة المؤتمر الإِسلامي بقراره رقم (18)(16/ 3).
(1) أخرجه البخاريُّ: كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب
…
" (1780)، مسلم: كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال (1806).
(2)
حاشية ابن عابدين (2/ 411).
(3)
الفروق، للقرافي (2/ 178).
(4)
المجموع (6/ 276).
(5)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، للعيني (10/ 271) دار الفكر.
(6)
حاشية ابن عابدين (2/ 411)، الفروق، للقرافي (2/ 178) دار المعرفة لبنان، روضة الطالبين للنووي، (ص: 330)، الشرح الكبير، لابن قدامة (7/ 332)، كشاف القناع، للبهوتي (2/ 302)، وانظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، كلمة (رؤية الهلال).
ونص القرار: "يجب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد؛ مراعاة للأحاديث النبوية والحقائق العلمية ..
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة في السعودية رقم (319): "يجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال ولا يجوز الاعتماد على العلوم الفلكية في إثبات بدء شهر رمضان المبارك أو الفطر".
الراجح: لا ريب أن الأخذ بالقول باعتماد الرؤية الشرعية هو الصحيح وهو ما أخذ به عامة الفقهاء، بل نقل شيخ الإِسلام الإجماع على ذلك حيث قال: "وقد أجمع المسلمون على ذلك ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلًا، ولا خلاف حديث، إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غمَّ الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام، وإلا فلا. وهذا القول وإن كان مقيدًا بالإغمام ومختصًا بالحاسب نفسه فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه، وأما اتباع ذلك -يعني: الحساب- في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به، فما قاله مسلم
…
" (1) إلى آخر ما قاله رحمه الله.
ويمكن أن يستفاد مما يقوم به الفلكيون من مراصد وغيرها شريطة ألا يتعارض مع الرؤية الشرعية، ذلك أن علم الفلك في الوقت المعاصر أصبح من الدقة والتنظيم مما يدعو إلى الاستفادة منه كما في أوقات الصلاة والقبلة ونحوها.
(1) مجموع الفتاوى (3/ 132، 133).