الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [6 \ 61] مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [13 \ 11] .
وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ، أَنَّ فِي وَصْفِ الْحَفَظَةِ هُنَا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، مِنْ كَوْنِهِمْ حَافِظِينَ كِرَامًا يَعْلَمُونَ، فَاجْتَمَعَتْ لَهُمْ كُلُّ صِفَاتِ التَّأْهِيلِ، لَا عَلَى دَرَجَاتِ الْكِنَايَةِ مِنْ حِفْظٍ وَعُلُوِّ مَنْزِلَةٍ، وَعِلْمٍ بِمَا يَكْتُبُونَ.
وَكَأَنَّهُ تَوْجِيهٌ لِمَا يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُورِ مُرَاعَاتُهُ فِي اسْتِكْتَابِ الْكُتَّابِ وَالْأُمَنَاءِ.
وَلِذَا قَالُوا: عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَخَيَّرَ كَاتِبًا أَمِينًا حَسَنَ الْخَطِّ فَاهِمًا.
وَمِنْ هَذَا الْوَصْفِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِطُ عَلَيْهِمْ عَمَلٌ يُعْمَلُ، وَكَوْنُهُمْ حَفَظَةً لَا يُضَيِّعُونَ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ مِثْقَالَ الذَّرَّةِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ الْآيَةَ [99 \ 7] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
أَيْ: دَائِمٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [9 \ 21 - 22] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ
دَلِيلٌ مِنْ أَدِلَّةِ خُلُودِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ ; لِقَوْلِهِ: وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ [82 \ 14 -
16]
.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [2 \ 167] .
وَهَكَذَا غَالِبًا أُسْلُوبُ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَمَهْلِهِمَا.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ الدِّينِ وَهُوَ يَوْمُ الْجَزَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ «الْفَاتِحَةِ» : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [1 \ 4] .
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى شِدَّةَ الْهَوْلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ [82 \ 17] .
وَتَقَدَّمَ فِي: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ [101 \ 1 - 2] .
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ [101 \ 1 - 2] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
أَيْ: لِشِدَّةِ هَوْلِهِ وَضَعْفِ الْخَلَائِقِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [80 \ 34 - 35]، وَقَوْلِهِ: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [80 \ 37] .
وَلِحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: " كُلُّ نَبِيٍّ يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي، إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ: " أَنَا لَهَا ".
وَحَدِيثِ فَاطِمَةَ: " اعْمَلِي. . . . ".
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [2 \ 255] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ، ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ تَقْيِيدُ الْأَمْرِ بِالظَّرْفِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقِيلَ ذَلِكَ الْيَوْمُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [30 \ 4] .
وَقَوْلِهِ: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [7 \ 54]، أَيْ: يَتَصَرَّفُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِهِ لَا يُشْرِكُهُ أَحَدٌ، كَمَا لَا يُشْرِكُهُ أَحَدٌ فِي خَلْقِهِ.
وَلِذَا قَالَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [3 \ 154] .
وَقَالَ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [3 \ 128] وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَلَكِنْ جَاءَ الظَّرْفُ هُنَا لِزِيَادَةِ تَأْكِيدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا لِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضُ الْأَوَامِرِ، كَمَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ [20 \ 132] .
وَقَوْلِهِ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [4 \ 59] .
وَقَوْلِهِ: فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [11 \ 97]، وَهِيَ كُلُّهَا فِي الْوَاقِعِ أَوَامِرُ نِسْبِيَّةٌ:" وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ "[76 \ 30] .
وَلَكِنْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَالْمُلْكُ كُلُّهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [40 \ 16] .
فَلَا أَمْرَ مَعَ أَمْرِهِ، وَلَا مُتَقَدِّمَ عَلَيْهِ حَتَّى وَلَا بِكَلِمَةٍ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [25 \ 26] ، مَعَ أَنَّ هُنَا فِي الدُّنْيَا مُلُوكًا، كَمَا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ [12 \ 50] .
وَفِي قِصَّةِ الْخَضِرِ وَمُوسَى: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ [18 \ 79] .
أَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [6 \ 94] .
وَكَقَوْلِهِ: هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [69 \ 29] ، فَقَدْ ذَهَبَ كُلُّ سُلْطَانٍ وَكُلُّ مُلْكٍ، وَالْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.