المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَقِيلَ: رَاجِعَانِ إِلَى مَنْ أُحْرِقُوا وَأُقْعِدُوا عَلَيْهَا. وَقِيلَ: رَاجِعَانِ إِلَى الْكُفَّارِ. وَعَلَيْهِ - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٨

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌ الْحَشْرِ

- ‌1

- ‌ 4

- ‌[5

- ‌ 7]

- ‌8

- ‌[20

- ‌ 21]

- ‌ الْمُمْتَحَنَةِ

- ‌ 1

- ‌3

- ‌ 4]

- ‌7]

- ‌[8

- ‌ 10]

- ‌ 13]

- ‌ الصَّفِّ

- ‌(2)

- ‌ 5]

- ‌[6

- ‌ 14]

- ‌ الْجُمُعَةِ

- ‌[2

- ‌[4

- ‌[5

- ‌6]

- ‌[7

- ‌9

- ‌ الْمُنَافِقُونَ

- ‌2]

- ‌3

- ‌[9

- ‌ 11]

- ‌2

- ‌[3

- ‌[6

- ‌8

- ‌9

- ‌ 16]

- ‌ الطَّلَاقِ

- ‌6

- ‌8

- ‌ التَّحْرِيمِ

- ‌ 1]

- ‌ 4]

- ‌[5

- ‌[7

- ‌ 2

- ‌[الملك:

- ‌3]

- ‌7

- ‌ 10] :

- ‌ 13]

- ‌ 15]

- ‌ الْقَلَمِ

- ‌ 1

- ‌[2

- ‌ الْحَاقَّةِ

- ‌ 4]

- ‌9

- ‌[18

- ‌ الْمَعَارِجِ

- ‌ 1

- ‌[2

- ‌ 4

- ‌[10

- ‌[22

- ‌ 40

- ‌ نُوحٍ

- ‌5]

- ‌ 14]

- ‌ الْجِنِّ

- ‌[4

- ‌ 10]

- ‌[18

- ‌ الْمُزَّمِّلِ

- ‌[1

- ‌ 5

- ‌6]

- ‌ الْمُدَّثِّرِ

- ‌[8

- ‌ الْقِيَامَةِ

- ‌ 7

- ‌ الْإِنْسَانِ

- ‌ 5

- ‌ 29]

- ‌ الْمُرْسَلَاتِ

- ‌[1

- ‌ 43]

- ‌ النَّبَأِ

- ‌ 40]

- ‌ النَّازِعَاتِ

- ‌ 1

- ‌3]

- ‌6

- ‌25]

- ‌ عَبَسَ

- ‌ 1

- ‌[11

- ‌ 17]

- ‌ التَّكْوِيرِ

- ‌1

- ‌[8

- ‌[26

- ‌ الِانْفِطَارِ

- ‌5

- ‌ 16]

- ‌ الْمُطَفِّفِينَ

- ‌ 4

- ‌ الِانْشِقَاقِ

- ‌[3

- ‌[7

- ‌ الْبُرُوجِ

- ‌[2

- ‌3

- ‌ 4]

- ‌[8

- ‌ 19

- ‌ الطَّارِقِ

- ‌2

- ‌[5

- ‌8

- ‌[10

- ‌ 15]

- ‌ الْأَعْلَى

- ‌ 1

- ‌2

- ‌[6

- ‌ الْغَاشِيَةِ

- ‌[1

- ‌ الْفَجْرِ

- ‌1

- ‌[6

- ‌[21

- ‌ الْبَلَدِ

- ‌ 2]

- ‌ 6]

- ‌[17

- ‌ الشَّمْسِ

- ‌ اللَّيْلِ

- ‌ 3

- ‌ الضُّحَى

- ‌ 5]

- ‌[7

- ‌[9

- ‌ الشَّرْحِ

- ‌ 1

- ‌[7

الفصل: فَقِيلَ: رَاجِعَانِ إِلَى مَنْ أُحْرِقُوا وَأُقْعِدُوا عَلَيْهَا. وَقِيلَ: رَاجِعَانِ إِلَى الْكُفَّارِ. وَعَلَيْهِ

فَقِيلَ: رَاجِعَانِ إِلَى مَنْ أُحْرِقُوا وَأُقْعِدُوا عَلَيْهَا.

وَقِيلَ: رَاجِعَانِ إِلَى الْكُفَّارِ.

وَعَلَيْهِ فَفِي قَوْلِهِ: «عَلَيْهَا قُعُودٌ» إِشْكَالٌ، وَهُوَ: كَيْفَ يَتَمَكَّنُ لَهُمُ الْقُعُودُ عَلَى النَّارِ.

فَقِيلَ: إِنَّهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِمْ فَأَحْرَقَتْهُمْ، فَقُعُودُهُمْ عَلَيْهَا حَقِيقَةٌ.

وَقِيلَ: قُعُودٌ عَلَى حَافَّتِهَا، كَمَا تَقُولُ: قُعُودٌ عَلَى النَّهْرِ، أَوْ عَلَى الْبِئْرِ، أَوْ عَلَى حَافَّتِهِ وَحَوْلِهِ، كَمَا يُقَالُ: نَزَلَ فُلَانٌ عَلَى مَاءِ كَذَا، أَيْ: عِنْدَهُ.

وَأَنْشَدَ أَبُو حَيَّانَ بَيْتَ الْأَعْشَى:

تُشَبُّ لِمَقْرُورَيْنِ يَصْطَلِيَانِهَا

وَبَاتَ عَلَى النَّارِ النَّدَى وَالْمُحَلِّقُ

وَقَدِ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي: فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ‌

‌[8

5 \ 10] فَقَالَ: الْحَرِيقُ فِي الدُّنْيَا، وَجَهَنَّمُ فِي الْآخِرَةِ.

وَلَكِنْ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الضَّمَائِرَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ وَأَحْرَقُوهُمْ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ [85 \ 10] حَيْثُ رَتَّبَ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ، وَجَاءَ بِثُمَّ الَّتِي هِيَ لِلتَّرَاخِي، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ تَحْرِقْهُمْ نَارُهُمُ انْتِقَامًا مِنْهُمْ حَالًا، بَلْ أُمْهِلُوا لِيَتُوبُوا مِنْ فِعْلَتِهِمُ الشَّنِيعَةِ، وَإِلَّا فَلَهُمُ الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْآخِرَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ

بِمَعْنَى حُضُورٌ، يَتَّفِقُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ [85 \ 6]، أَيْ: حُضُورٌ يُشَاهِدُونَ إِحْرَاقَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي التَّبْكِيتِ بِهِمْ، إِذْ يَرَوْنَ هَذَا الْمَظْهَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَلَمْ يُشْفِقُوا بِهِمْ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِثَبَاتِهِمْ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

هَذَا مَا يُسَمَّى أُسْلُوبُ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، وَنَظِيرُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ

بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

ص: 485

وَذَكَرَ أَبُو حَيَّانَ قَوْلَ الشَّاعِرِ - وَهُوَ قَيْسُ الرُّقَيَّاتِ -:

مَا نَقَمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَّا

أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا

وَقَوْلَ الْآخَرِ:

وَلَا عَيْبَ فِيهَا غَيْرَ شُكْلَةِ عَيْنِهَا

كَذَاكَ عِنَاقُ الطَّيْرِ شُكْلًا عُيُونُهَا

يُقَالُ عَيْنٌ شَكْلَاءُ: إِذَا كَانَ فِي بَيَاضِهَا حُمْرَةٌ قَلِيلَةٌ يَسِيرَةٌ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّ نِقْمَتَهُمْ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ، لَا عَلَى الْمَاضِي إِلَّا أَنْ آمَنُوا ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَهُمْ: إِمَّا أَنْ تَرْجِعُوا عَنْ دِينِكُمْ، وَإِمَّا أَنْ تُلْقَوْا فِي النَّارِ، وَلَمْ يَحْرِقُوهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمُ السَّابِقِ، بَلْ عَلَى إِصْرَارِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ لِلْمُسْتَقْبَلِ.

وَالْإِتْيَانُ هُنَا بِصِفَتَيِ اللَّهِ تَعَالَى: «الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى نُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالِانْتِقَامِ مِنَ الْكَافِرِينَ، إِذِ الْعَزِيزُ هُوَ الْغَالِبُ، كَمَا يَقُولُونَ: مَنْ عَزَّ بَزَّ، وَلَكِنْ جَاءَ وَصْفُهُ بِالْحَمِيدِ ; لِيُشْعِرَ بِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ آمَنُوا رَغْبَةً وَرَهْبَةً، رَغْبَةً فِي الْحَمِيدِ عَلَى مَا يَأْتِي:«الْغَفُورُ الْوَدُودُ» [85 \ 14]، وَرَهْبَةً مِنَ الْعَزِيزِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، [85 \ 12] وَهَذَا كَمَالُ الْإِيمَانِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَأَحْسَنُ حَالَاتِ الْمُؤْمِنِ.

وَالْأَمْرُ الثَّانِي: حَتَّى لَا يَيْأَسَ أُولَئِكَ الْكُفَّارُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، كَمَا قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [85 \ 10] ; إِذْ أَعْطَاهُمُ الْمُهْلَةَ مِنْ آثَارِ صِفَتِهِ الْحَمِيدِ سُبْحَانَهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

تَأْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِلْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، إِذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ سُلْطَانِهِ أَحَدٌ، فَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْمُدَبِّرُ أَمْرَ مُلْكِهِ سبحانه وتعالى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ رَبْطٌ بِأَوَّلِ السُّورَةِ: «وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» [85 \ 3] ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، وَمِنْ ذَلِكَ فِعْلُ أُولَئِكَ، وَفِيهِ شِدَّةُ تَخْوِيفِ أُولَئِكَ وَتَحْذِيرُهُمْ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ، بِأَنَّ اللَّهَ

ص: 486

تَعَالَى شَهِيدٌ عَلَى أَفْعَالِهِمْ فَلَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.

وَقَدْ جَاءَ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي شَهِيدٍ ; لِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ هَذَا الْمَقَامِ، كَمَا فِيهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْفِعْلِ، كَمَا كَانُوا قُعُودًا عَلَى النَّارِ وَشُهُودًا عَلَى إِحْرَاقِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ سَيُعَامِلُهُمْ بِالْمِثْلِ، إِذْ يَحْرِقُهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ شَهِيدٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا

يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَ «فَتَنُوا» بِمَعْنَى أَحْرَقُوا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي كُلِّ مَنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَيَرُدُّوهُمْ عَنْهُ بِأَيِّ أَنْوَاعِ الْفِتْنَةِ وَالتَّعْذِيبِ.

وَقَدْ رَجَّحَ الْأَخِيرَ أَبُو حَيَّانَ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى ; لِيَشْمَلَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ بِالْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ، وَتَوْجِيهِهِمْ إِلَى التَّوْبَةِ مِمَّا أَوْقَعُوهُ بِضَعَفَةِ الْمُؤْمِنِينَ: كَعَمَّارٍ، وَبِلَالٍ، وَصُهَيْبٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَيُرَجِّحُ هَذَا الْعُمُومَ الْعُمُومُ الْآخَرُ الَّذِي يُقَابِلُهُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [85 \ 11] فَهَذَا عَامٌّ بِلَا خِلَافٍ فِي كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ فِي مَقَامِ الْمَنْطُوقِ بِالْمَفْهُومِ مِنَ «الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» ، كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ

قِيلَ: يُبْدِئُ الْخَلْقَ وَيُعِيدُهُ، كَالزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ وَالْإِنْسَانِ، بِالْمَوْلِدِ وَالْمَوْتِ، ثُمَّ بِالْبَعْثِ.

وَقِيلَ: يَبْدَأُ الْكُفَّارَ بِالْعَذَابِ وَيُعِيدُهُ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَدَلَّ لِهَذَا بِقَوْلِهِ: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [4 \ 56] .

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، ثُمَّ يُؤْتَى بِهَا أَوْفَرَ مَا تَكُونُ سِمَنًا، فَتَطَؤُهُ بِخِفَافِهَا، فَتَسْتَنُّ عَلَيْهِ، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا أُعِيدَ عَلَيْهِ أَوَّلُهَا، حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ فَيَرَى مَصِيرَهُ إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ»

ص: 487

إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فِي صَاحِبِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ.

وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - هُوَ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [10 \ 4] . وَقَوْلِهِ: قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [10 \ 34] .

وَجَعَلَهُ آيَةً عَلَى قُدْرَتِهِ، وَدَلِيلًا عَلَى عَجْزِ وَنَقْصِ الشُّرَكَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْآيَةِ: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَقَوْلِهِ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [21 \ 104] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ

بَعْدَ عَرْضِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ ; تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَثْبِيتًا لَهُمْ، وَزَجْرًا لِلْمُشْرِكِينَ وَرَدْعًا لَهُمْ، جَاءَ بِأَخْبَارٍ لِبَعْضِ مَنْ سَبَقَ مِنَ الْأُمَمِ وَفِرْعَوْنَ وَثَمُودَ، بَدَلٌ مِنَ الْجُنُودِ، وَهُمْ جَمْعُ جُنْدٍ، وَهُمُ الْكَثْرَةُ وَأَصْحَابُ الْقُوَّةِ، وَحَدِيثُهُ مَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ خَبَرِهِ مَعَ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.

وَفِي اخْتِيَارِ فِرْعَوْنَ هُنَا بَعْدَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ ; لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُشَابَهَةِ، إِذْ فِرْعَوْنُ طَغَى وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، كَمَلِكِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ الَّذِي قَالَ لِجَلِيسِهِ: أَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ وَلِتَعْذِيبِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَقْتِيلِ الْأَوْلَادِ وَاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ، وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، وَلِتَقْدِيمِ الْآيَاتِ وَالْبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ الدَّاعِيَةِ، إِذْ مُوسَى عليه السلام قَدَّمَ لِفِرْعَوْنَ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى، فَكَذَّبَ وَعَصَى، وَالْغُلَامُ قَدَّمَ لِهَذَا الْمَلِكِ الْآيَاتِ الْكُبْرَى: إِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَعَجَزَ فِرْعَوْنُ عَنْ مُوسَى وَإِدْرَاكِهِ، وَعَجَزَ الْمَلِكُ عَنْ قَتْلِ الْغُلَامِ ; إِذْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ الْإِغْرَاقِ وَالدَّهْدَهَةِ مِنْ قِمَّةِ الْجَبَلِ، فَكَانَ لِهَذَا أَنْ يَرْعَوِيَ عَنْ ذَلِكَ وَيَتَفَطَّنَ لِلْحَقِيقَةِ، وَلَكِنَّ سُلْطَانَهُ أَعْمَاهُ كَمَا أَعْمَى فِرْعَوْنَ.

وَكَذَلِكَ آمَنَ السَّحَرَةُ ; لَمَّا رَأَوْا آيَةَ مُوسَى، وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا.

وَهَكَذَا هُنَا آمَنَ النَّاسُ بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَوَقَعَ الْمَلِكُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ فِرْعَوْنُ، إِذْ جَمَعَ فِرْعَوْنُ السَّحَرَةَ ; لِيَشْهَدَ النَّاسُ عَجْزَ مُوسَى وَقُدْرَتَهُ، فَانْقَلَبَ الْمَوْقِفُ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلُ

ص: 488