المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لِلْقَسَمِ، وَلَامُ ابْتِدَاءٍ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقِرَاءَةِ قُنْبُلٍ، أَيْ: «لَأُقْسِمُ» مُتَّصِلَةٌ، - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٨

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌ الْحَشْرِ

- ‌1

- ‌ 4

- ‌[5

- ‌ 7]

- ‌8

- ‌[20

- ‌ 21]

- ‌ الْمُمْتَحَنَةِ

- ‌ 1

- ‌3

- ‌ 4]

- ‌7]

- ‌[8

- ‌ 10]

- ‌ 13]

- ‌ الصَّفِّ

- ‌(2)

- ‌ 5]

- ‌[6

- ‌ 14]

- ‌ الْجُمُعَةِ

- ‌[2

- ‌[4

- ‌[5

- ‌6]

- ‌[7

- ‌9

- ‌ الْمُنَافِقُونَ

- ‌2]

- ‌3

- ‌[9

- ‌ 11]

- ‌2

- ‌[3

- ‌[6

- ‌8

- ‌9

- ‌ 16]

- ‌ الطَّلَاقِ

- ‌6

- ‌8

- ‌ التَّحْرِيمِ

- ‌ 1]

- ‌ 4]

- ‌[5

- ‌[7

- ‌ 2

- ‌[الملك:

- ‌3]

- ‌7

- ‌ 10] :

- ‌ 13]

- ‌ 15]

- ‌ الْقَلَمِ

- ‌ 1

- ‌[2

- ‌ الْحَاقَّةِ

- ‌ 4]

- ‌9

- ‌[18

- ‌ الْمَعَارِجِ

- ‌ 1

- ‌[2

- ‌ 4

- ‌[10

- ‌[22

- ‌ 40

- ‌ نُوحٍ

- ‌5]

- ‌ 14]

- ‌ الْجِنِّ

- ‌[4

- ‌ 10]

- ‌[18

- ‌ الْمُزَّمِّلِ

- ‌[1

- ‌ 5

- ‌6]

- ‌ الْمُدَّثِّرِ

- ‌[8

- ‌ الْقِيَامَةِ

- ‌ 7

- ‌ الْإِنْسَانِ

- ‌ 5

- ‌ 29]

- ‌ الْمُرْسَلَاتِ

- ‌[1

- ‌ 43]

- ‌ النَّبَأِ

- ‌ 40]

- ‌ النَّازِعَاتِ

- ‌ 1

- ‌3]

- ‌6

- ‌25]

- ‌ عَبَسَ

- ‌ 1

- ‌[11

- ‌ 17]

- ‌ التَّكْوِيرِ

- ‌1

- ‌[8

- ‌[26

- ‌ الِانْفِطَارِ

- ‌5

- ‌ 16]

- ‌ الْمُطَفِّفِينَ

- ‌ 4

- ‌ الِانْشِقَاقِ

- ‌[3

- ‌[7

- ‌ الْبُرُوجِ

- ‌[2

- ‌3

- ‌ 4]

- ‌[8

- ‌ 19

- ‌ الطَّارِقِ

- ‌2

- ‌[5

- ‌8

- ‌[10

- ‌ 15]

- ‌ الْأَعْلَى

- ‌ 1

- ‌2

- ‌[6

- ‌ الْغَاشِيَةِ

- ‌[1

- ‌ الْفَجْرِ

- ‌1

- ‌[6

- ‌[21

- ‌ الْبَلَدِ

- ‌ 2]

- ‌ 6]

- ‌[17

- ‌ الشَّمْسِ

- ‌ اللَّيْلِ

- ‌ 3

- ‌ الضُّحَى

- ‌ 5]

- ‌[7

- ‌[9

- ‌ الشَّرْحِ

- ‌ 1

- ‌[7

الفصل: لِلْقَسَمِ، وَلَامُ ابْتِدَاءٍ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقِرَاءَةِ قُنْبُلٍ، أَيْ: «لَأُقْسِمُ» مُتَّصِلَةٌ،

لِلْقَسَمِ، وَلَامُ ابْتِدَاءٍ. وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقِرَاءَةِ قُنْبُلٍ، أَيْ:«لَأُقْسِمُ» مُتَّصِلَةٌ، أَمَّا كَوْنُهَا لَامَ ابْتِدَاءٍ لِقِرَاءَةِ قُنْبُلٍ وَالْحَسَنِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ لَا يَسْتَجِيزُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَتِهَا مَفْصُولَةً: لَا أُقْسِمُ.

وَلَعَلَّ أَرْجَحَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا أَنَّهَا لِتَوْكِيدِ الْقَسَمِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ

هَذَا الْحُسْبَانُ قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [36 \‌

‌ 7

8] .

وَجَاءَهُ الْجَوَابُ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [36 \ 79] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ

كُلُّ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى نَجْعَلُ بَنَانَهُ مُتَسَاوِيَةً مُلْتَحِمَةً كَخُفِّ الْبَعِيرِ، أَيْ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَنَاوَلَ بِهَا شَيْئًا وَلَا يُحْسِنُ بِهَا عَمَلًا.

وَهَذَا فِي الْوَاقِعِ لَمْ نَفْهَمْ لَهُ وَجْهًا مَعَ السِّيَاقِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَجْزِ الْعَبْدِ. وَلَكِنَّ السِّيَاقَ فِي إِنْكَارِ الْبَعْثِ وَاسْتِبْعَادِهِ وَمَجِيءِ نَظِيرِ ذَلِكَ فِي سُورَةِ «يس» ، يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ وَتَلَاشِيهِ فِي التُّرَابِ وَتَحَوُّلِ عِظَامِهِ رَمِيمًا، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَهُ تَمَامًا، كَمَا أَنْشَأَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَمِنْ ضِمْنِ تِلْكَ الْإِعَادَةِ أَنْ يُسَوِّيَ بَنَانَهُ، أَيْ: يَعْدِلُهَا وَيُنَشِّؤُهَا كَمَا كَانَتْ أَوَّلَ مَرَّةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَيُرْشِدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [36 \ 79] ، وَمِنَ الْخَلْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ خَلْقُ هَذَا الْإِنْسَانِ الْمُكَذِّبِ الْمُعْتَرِضِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُعِيدُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ تَمَامًا، وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْقُدْرَةِ وَأَبْلَغُ فِي الْإِلْزَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ

قُرِئَ «بَرِقَ» بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا ; فَبِالْكَسْرِ: فَزِعَ وَدَهِشَ، أَصْلُهُ مِنْ بَرِقَ الرَّجُلُ، إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَرْقِ فَدُهِشَ بَصَرُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

ص: 372

لَوْ أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ تَعَرَّضَتْ

لِعَيْنَيْهِ مَيُّ سَافِرًا كَادَ يُبْرَقُ

وَقَوْلُ الْأَعْشَى:

وَكُنْتُ أَرَى فِي وَجْهِ مَيَّةَ

لَمْحَةً فَأُبْرَقُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ مَكَانِيَا

وَ «بَرَقَ» بِالْفَتْحِ: شُقَّ بَصَرُهُ، وَهُوَ مِنَ الْبَرِيقِ، أَيْ: لَمَعَ بَصَرُهُ مِنْ شِدَّةِ شُخُوصِهِ.

قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ مَا دَامَتِ الْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ، وَقَدْ يَشْهَدُ لِهَذَا النَّصِّ فِي سُورَةِ «إِبْرَاهِيمَ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [14 \ 42 - 43] .

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: يَنْظُرُونَ مِنَ الْفَزَعِ هَكَذَا وَهَكَذَا، لَا يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بَصَرٌ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ.

وَقَوْلُهُ: يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ، تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي سُورَةِ «ص» عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ [38 \ 3] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ

الْمُرَادُ: «بِمَا قَدَّمَ» هُنَا هُوَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ عَمَلٍ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [89 \ 23 - 24] ، وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا [39 \ 48] مِنْ سُورَةِ «الزُّمَرِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [17 \ 14] .

وَقَوْلُهُ: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [18 \ 49] ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ

أَيْ: أَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ آنَذَاكَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ [40 \ 52] .

ص: 373

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى بَعْضَ مَعَاذِيرِهِمْ تِلْكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ [28 \ 63] .

وَقَوْلِهِ: فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ [37 \ 32] .

وَقَوْلِهِ: قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [23 \ 106 - 108] .

وَقَوْلِهِ: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [67 \ 10 - 11] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ

فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَحْرِيكِ لِسَانِهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَيَانُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ جَمْعُهُ وَقُرْآنُهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى اسْتِيعَابِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ، يُحَرِّكُ لِسَانَهُ عِنْدَ الْوَحْيِ فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى مَدَى هَذَا النَّهْيِ وَمُدَّةَ هَذِهِ الْعَجَلَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [20 \ 114] ، وَفِيهِ الْإِيمَاءُ إِلَى حُسْنِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِصْغَاءُ عِنْدَ الْإِيحَاءِ بِهِ، كَمَا فِي آدَابِ الِاسْتِمَاعِ: فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [7 \ 204] .

وَقَوْلُهُ: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [75 \ 17]، قَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ جَمْعَهُ وَقِرَاءَتَهُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [15 \ 9] .

تَنْبِيهٌ.

إِنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ نَزَلَ مُفَرَّقًا، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَمْعَهُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الْمَوْجُودِ بِرِعَايَةٍ وَعِنَايَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْقِيقًا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ الْمَوْجُودَ مِنْ وَسَائِلِ حِفْظِهِ، كَمَا تَعَهَّدَ تَعَالَى بِذَلِكَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 374

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ فِي صَدْرِكَ. «وَقُرْآنَهُ» ، أَيْ: تَقْرَؤُهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ

تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [53 \ 5] ، مِنْ سُورَةِ «النَّجْمِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ

قَدْ نَبَّهَ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ الْأَضْوَاءِ أَنَّهُ مَا مِنْ مُجْمَلٍ إِلَّا وَجَاءَ تَفْصِيلُهُ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى هَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ [41 \ 3] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ -، بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ «فُصِّلَتْ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ

تَقَدَّمَ بَيَانُهُ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ -، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي [7 \ 143] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ

لَمْ يُبَيِّنْ مَا هِيَ الَّتِي بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهَا الرُّوحُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ إِلَى قَوْلِهِ تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [56 \ 83 - 87] ، فَهَذِهِ حَالَاتُ النَّزْعِ، وَالرُّوحُ تَبْلُغُ الْحُلْقُومَ وَتَبْلُغُ التَّرَاقِيَ. وَقَدْ يُتْرَكُ التَّصْرِيحُ لِلْعِلْمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ [38 \ 32]، أَيِ: الشَّمْسُ، وَهَكَذَا هُنَا فَلِمَعْرِفَتِهَا بِالْقَرَائِنِ تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِالرُّوحِ أَوِ النَّفْسِ، وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ الْآيَةَ [6 \ 93] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ

اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى رَاقٍ هَذِهِ، فَقِيلَ مِنَ الرُّقْيَةِ أَيْ: قَالَ مَنْ حَوْلَهُ: مَنْ يَرْتَقِيهِ هَلْ مِنْ طَبِيبٍ يَرْقِيهِ؟ أَيْ حَالَةَ اشْتِدَادِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ رَجَاءً لِشِفَائِهِ أَوِ اسْتِبْعَادًا بِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ، وَقِيلَ: مِنَ الرُّقِيِّ أَيْ تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: مَنِ الَّذِي سَيَرْقَى بِرُوحِهِ

ص: 375

أَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ أَمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ؟

وَلَكِنْ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ ; لِأَنَّ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ يَكُونُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُتَرَدَّدِ فِي أَمْرِهِ، وَهَذَا هُنَا لَيْسَ مَوْضِعَ تَرَدُّدٍ ; لِأَنَّ نِهَايَةَ السِّيَاقِ فِيهِ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [75 \ 31، 32] ، إِلَى مَا بَعْدَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: عَلَى أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ مَنْ يَرْقَى بِرُوحِهِ، يَكُونُ ذَلِكَ كَرَاهِيَةً مِنْهُمْ أَنْ يَصْعَدُوا بِهَا، وَفِي هَذَا نَظَرٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مَلَائِكَةً لِلْمُشْرِكِينَ وَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، وَمَلَائِكَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وَلَا يَسْتَكْرِهُ فَرِيقٌ مِنْهُمَا أَنْ يَصْعَدَ بِمَا تَخَصَّصَ لَهُ، بَلْ قَدْ لَا يَسْمَحُ لِلْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ.

كَمَا فِي حَدِيثِ الَّذِي قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ، وَأَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ فِي مُنْتَصَفِ الطَّرِيقِ، فَحَضَرَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ يَخْتَصِمُونَ أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِرُوحِهِ، كُلٌّ يُرِيدُ أَنْ يَتَوَلَّى قَبْضَ رُوحِهِ، أُولَئِكَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ وَلَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَأُولَئِكَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ خَرَجَ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِمَا بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ ; لِوُجُودِ قَرِينَةٍ فِي الْآيَةِ. وَقَدْ وُجِدَتِ الْقَرِينَةُ وَهِيَ مَا فِي آخِرِ الْآيَةِ وَالسِّيَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَرَدُّدٍ: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى الْآيَةَ [75 \ 31] . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى

رَدٌّ عَلَى زَعْمِ أَنَّهُ خُلِقَ سُدًى وَهَمَلًا، وَأَنَّهُ لَا يُحَاسَبُ وَلَا يُسْأَلُ وَبِالتَّالِي لَا يُبْعَثُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [23 \ 115 - 116]، أَيْ: تَعَالَى اللَّهُ عَنِ الْعَبَثِ، وَقَدْ سَاقَ الشَّيْخُ الْأَدِلَّةَ الْوَافِيَةَ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى

ص: 376

بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَجِيءُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ أَوِ التَّقْرِيرِيِّ، بَعْدَ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، وَسَوْقُ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَظِيمَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ، فِيهِ رَدٌّ عَلَى إِنْكَارٍ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ وُجُودَهُ سُدًى، وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ إِلَّا مَنِ اسْتَبْعَدَ الْبَعْثَ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِالْبَعْثِ لَآمَنَ بِالْجَزَاءِ وَاعْتَرَفَ بِالسُّؤَالِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ عَبَثًا، وَلَنْ يُتْرَكَ سُدًى. وَلَكِنْ لَمَّا أَنْكَرَ الْبَعْثَ ظَنَّ وَحَسِبَ أَنَّهُ يُتْرَكُ سُدًى، فَجَاءَ تَذْكِيرُهُ بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ وَتَطَوُّرِهِ لِيَسْتَخْلِصَ مِنْهُ اعْتِرَافَهُ ; لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْقِهِ مِنْ مَنِيِّ يُمْنَى، وَتَطْوِيرِهِ إِلَى عَلَقَةٍ ثُمَّ إِلَى خَلْقٍ سَوِيٍّ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى بَعْثِهِ مَرَّةً أُخْرَى.

وَقَدْ بَيَّنَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - هَذِهِ الْأَطْوَارَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ، وَأَحَالَ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى [53 \ 45 - 47] فِي سُورَةِ «النَّجْمِ» .

ص: 377