المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَمِنْهَا: الشَّفَاعَةُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ صلى - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - ط الفكر - جـ ٨

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌ الْحَشْرِ

- ‌1

- ‌ 4

- ‌[5

- ‌ 7]

- ‌8

- ‌[20

- ‌ 21]

- ‌ الْمُمْتَحَنَةِ

- ‌ 1

- ‌3

- ‌ 4]

- ‌7]

- ‌[8

- ‌ 10]

- ‌ 13]

- ‌ الصَّفِّ

- ‌(2)

- ‌ 5]

- ‌[6

- ‌ 14]

- ‌ الْجُمُعَةِ

- ‌[2

- ‌[4

- ‌[5

- ‌6]

- ‌[7

- ‌9

- ‌ الْمُنَافِقُونَ

- ‌2]

- ‌3

- ‌[9

- ‌ 11]

- ‌2

- ‌[3

- ‌[6

- ‌8

- ‌9

- ‌ 16]

- ‌ الطَّلَاقِ

- ‌6

- ‌8

- ‌ التَّحْرِيمِ

- ‌ 1]

- ‌ 4]

- ‌[5

- ‌[7

- ‌ 2

- ‌[الملك:

- ‌3]

- ‌7

- ‌ 10] :

- ‌ 13]

- ‌ 15]

- ‌ الْقَلَمِ

- ‌ 1

- ‌[2

- ‌ الْحَاقَّةِ

- ‌ 4]

- ‌9

- ‌[18

- ‌ الْمَعَارِجِ

- ‌ 1

- ‌[2

- ‌ 4

- ‌[10

- ‌[22

- ‌ 40

- ‌ نُوحٍ

- ‌5]

- ‌ 14]

- ‌ الْجِنِّ

- ‌[4

- ‌ 10]

- ‌[18

- ‌ الْمُزَّمِّلِ

- ‌[1

- ‌ 5

- ‌6]

- ‌ الْمُدَّثِّرِ

- ‌[8

- ‌ الْقِيَامَةِ

- ‌ 7

- ‌ الْإِنْسَانِ

- ‌ 5

- ‌ 29]

- ‌ الْمُرْسَلَاتِ

- ‌[1

- ‌ 43]

- ‌ النَّبَأِ

- ‌ 40]

- ‌ النَّازِعَاتِ

- ‌ 1

- ‌3]

- ‌6

- ‌25]

- ‌ عَبَسَ

- ‌ 1

- ‌[11

- ‌ 17]

- ‌ التَّكْوِيرِ

- ‌1

- ‌[8

- ‌[26

- ‌ الِانْفِطَارِ

- ‌5

- ‌ 16]

- ‌ الْمُطَفِّفِينَ

- ‌ 4

- ‌ الِانْشِقَاقِ

- ‌[3

- ‌[7

- ‌ الْبُرُوجِ

- ‌[2

- ‌3

- ‌ 4]

- ‌[8

- ‌ 19

- ‌ الطَّارِقِ

- ‌2

- ‌[5

- ‌8

- ‌[10

- ‌ 15]

- ‌ الْأَعْلَى

- ‌ 1

- ‌2

- ‌[6

- ‌ الْغَاشِيَةِ

- ‌[1

- ‌ الْفَجْرِ

- ‌1

- ‌[6

- ‌[21

- ‌ الْبَلَدِ

- ‌ 2]

- ‌ 6]

- ‌[17

- ‌ الشَّمْسِ

- ‌ اللَّيْلِ

- ‌ 3

- ‌ الضُّحَى

- ‌ 5]

- ‌[7

- ‌[9

- ‌ الشَّرْحِ

- ‌ 1

- ‌[7

الفصل: وَمِنْهَا: الشَّفَاعَةُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ صلى

وَمِنْهَا: الشَّفَاعَةُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ مَنْ تُفْتَحُ لَهُ الْجَنَّةُ، وَأَنَّ رِضْوَانَ خَازِنَ الْجَنَّةِ يَقُولُ لَهُ: أُمِرْتُ أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ» .

وَمِنْهَا: الشَّفَاعَةُ الْمُتَعَدِّدَةُ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِهِ فِي النَّارِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ:«لَا أَرْضَى وَأَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّارِ» أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنَا شَفَاعَتَهُ، وَيُورِدَنَا حَوْضَهُ. آمِينَ.

وَشَفَاعَتُهُ الْخَاصَّةُ فِي الْخَاصِّ فِي عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَيُخَفَّفُ عَنْهُ بِهَا مَا كَانَ فِيهِ.

وَمِنْهَا: شَهَادَتُةُ عَلَى الرُّسُلِ، وَشَهَادَةُ أُمَّتِهِ عَلَى الْأُمَمِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ بِلَا شَكٍّ عَطَايَا مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِحَبِيبِهِ وَصَفِيِّهِ الْكَرِيمِ، - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبَهُ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.

تَنْبِيهٌ.

اللَّامُ فِي وَلَلْآخِرَةُ وَفِي وَلَسَوْفَ لِلتَّأْكِيدِ وَلَيْسَتْ لِلْقَسَمِ، وَهِيَ فِي الْأَوَّلِ دَخَلَتْ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَأَنْتَ سَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى. قَالَهُ أَبُو حَيَّانَ وَأَبُو السُّعُودِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى

تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى الْيَتِيمِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ‌

‌[7

6 \ 8] .

وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مَاتَ أَبُوهُ، وَهُوَ حَمْلٌ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَمَاتَتْ أُمُّهُ وَهِيَ عَائِدَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ بِالْأَبْوَاءِ وَعُمْرُهُ صلى الله عليه وسلم.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ يُتْمَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ حَقٌّ عَلَيْهِ، نَقَلَهُ أَبُو حَيَّانَ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ يُتْمَهُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ، أَيْ: لِيَتَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهُ مِنْ صِغَرِهِ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى إِيوَاءِ اللَّهِ لَهُ، فَكَانَ يُتْمُهُ لِإِبْرَازِ فَضْلِهِ ; لِأَنَّ يَتِيمَ الْأَمْسِ أَصْبَحَ سَيِّدَ الْغَدِ، وَكَافِلَ الْيَتَامَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى

ص: 559

الضَّلَالُ: يَكُونُ حِسًّا وَمَعْنًى، فَالْأَوَّلُ: كَمَنْ تَاهَ فِي طَرِيقٍ يَسْلُكُهُ، وَالثَّانِي: كَمَنْ تَرَكَ الْحَقَّ فَلَمْ يَتَّبِعْهُ.

فَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ، كَأَنْ قَدْ ضَلَّ فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ مَكَّةَ، أَوْ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الشَّامِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّعْلِيمِ أَوَّلًا، ثُمَّ مَنْحِهِ مِنَ الْعِلْمِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، كَقَوْلِهِ: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [42 \ 52] .

وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَحْثُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ:

أَوَّلًا: فِي سُورَةِ «يُوسُفَ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [12 \ 8] ، وَسَاقَ شَوَاهِدَ الضَّلَالِ لُغَةً هُنَاكَ.

وَثَانِيًا: فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [18 \ 104] .

وَثَالِثًا: فِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [26 \ 20] .

وَفِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ يُغْنِي عَنْ أَيِّ بَحْثٍ آخَرَ.

وَمِنَ الطَّرِيفِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ، أَنِّي أُفَكِّرُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، فَأَقُولُ عَلَى الْفَوْرِ:«وَوَجَدَكَ» : أَيْ: وَجَدَ رَهْطَكَ «ضَالًّا» فَهَدَاهُ بِكَ، ثُمَّ أَقُولُ: عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، نَحْوُ:«وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ» [12 \ 82] . اهـ.

وَقَدْ أَوْرَدَ النَّيْسَابُورِيُّ هَذَا وَجْهًا فِي الْآيَةِ.

وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ أَذْكُرُ مَنَامَيْنِ كُنْتُ رَأَيْتُهُمَا وَلَمْ أُرِدْ ذِكْرَهُمَا حَتَّى رَأَيْتُ هَذَا لِأَبِي حَيَّانَ، فَاسْتَأْنَسْتُ بِهِ لِذِكْرِهِمَا، وَهُمَا: الْأَوَّلُ: عِنْدَمَا وَصَلْتُ إِلَى سُورَةِ «ن» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [68 \ 4] ، وَمِنْ مَنْهَجِ الْأَضْوَاءِ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، وَهَذَا وَصْفٌ مُجْمَلٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ:«كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» فَأَخَذْتُ فِي التَّفْكِيرِ، كَيْفَ أُفَصِّلُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْقُرْآنِ، وَأُبَيِّنُ حُكْمَهُ وَصَفْحَهُ وَصَبْرَهُ وَكَرَمَهُ وَعَطْفَهُ وَرَحْمَتَهُ

ص: 560

وَرَأْفَتَهُ وَجِهَادَهُ وَعِبَادَتَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلَنِي أَقِفُ حَائِرًا وَأَمْكُثُ عَنِ الْكِتَابَةِ عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَرَأَيْتُ الشَّيْخَ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي النَّوْمِ، كَأَنَّنَا فِي الْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، وَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَشَاطِهِ الْعَادِيِّ، فَسَأَلْتُهُ مَاذَا عِنْدَكَ الْيَوْمَ؟

فَقَالَ: عِنْدِي تَفْسِيرٌ. فَقُلْتُ: أَتُدَرِّسُ الْيَوْمَ؟ قَالَ: لَا، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا الَّذِي بِيَدِكَ؟ - لِدَفْتَرٍ فِي يَدِهِ -، فَقَالَ: مُذَكِّرَةُ تَفْسِيرٍ، أَيْ: الَّتِي كَانَ سَيُفَسِّرُهَا - وَهِيَ مَخْطُوطَةٌ -، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: مِنْ أَوَّلِ «ن» إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، فَحَرَصْتُ عَلَى أَخْذِهَا لِأَكْتُبَ مِنْهَا، وَلَمْ أَتَجَرَّأْ عَلَى طَلَبِهَا صَرَاحَةً، وَلَكِنْ قُلْتُ لَهُ: إِذَا كُنْتَ لَمْ تُدَرِّسِ الْيَوْمَ فَأَعْطِنِيهَا أُبَيِّضُهَا وَأُجَلِّدُهَا لَكَ، وَآتِيكَ بِهَا غَدًا، فَأَعْطَانِيهَا فَانْتَبَهْتُ فَرَحًا بِذَلِكَ وَبَدَأْتُ فِي الْكِتَابَةِ.

وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِي سُورَةِ «الْمُطَفِّفِينَ» ، لَمَّا كَتَبْتُ عَلَى مَعْنَى التَّطْفِيفِ، ثُمَّ فَكَّرْتُ فِي التَّوَعُّدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ مَعَ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ مِنْ شَيْءٍ طَفِيفٍ، حَتَّى فَكَّرْتُ فِي أَنَّ لَهُ صِلَةً بِالرِّبَا، إِذَا مَا بِيعَ جِنْسٌ بِجِنْسِهِ، فَحَصَلَتْ مُغَايِرَةٌ فِي الْكَيْلِ وَوَقَعَ تَفَاضُلٌ، وَلَكِنِّي لَمْ أَجِدْ مَنْ قَالَ بِهِ، فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، أَنِّي مَعَ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ -، وَلَكِنْ لَمْ يَتَحَدَّثْ مَعِي فِي شَيْءٍ مِنَ التَّفْسِيرِ.

وَبَعْدَ أَنْ رَاحَ عَنِّي، فَإِذَا بِشَخْصٍ لَا أَعْرِفُهُ يَقُولُ وَأَنَا أَسْمَعُ دُونَ أَنْ يُوَجِّهَ الْحَدِيثَ إِلَيَّ: إِنَّ فِي التَّطْفِيفِ رِبًا، إِذَا بِيعَ الْحَدِيدُ بِحَدِيدٍ، وَكَلِمَةً أُخْرَى فِي مَعْنَاهَا نَسِيتُهَا بَعْدَ أَنِ انْتَبَهْتُ.

وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ تَأَسِّيًا بِأَبِي حَيَّانَ، لِمَا أَجِدُ فِيهِ مِنْ إِينَاسٍ، وَاللَّهُ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَعَلَى مَا جَاءَ فِي الرُّؤْيَا مِنْ مُبَشِّرَاتٍ. وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوَفِيقُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى

الْعَائِلُ: صَاحِبُ الْعِيَالِ، وَقِيلَ: الْعَائِلُ الْفَقِيرُ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ لَازِمِ الْعِيَالِ الْحَاجَةُ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمُقَابَلَةُ «عَائِلًا» بِأَغْنَى، تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى «عَائِلًا» أَيْ: فَقِيرًا، وَلِذَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ

وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ

وَمَا تَدْرِي وَإِنْ ذَمَّرْتَ سَقْبًا

لِغَيْرِكَ أَمْ يَكُونُ لَكَ الْفَصِيل

ص: 561

وَهَذَا مِمَّا يَذْكُرُهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَعْدَادِ النِّعَمِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُوَدِّعْهُ وَمَا قَلَاهُ، لَقَدْ كَانَ فَقِيرًا مِنَ الْمَالِ فَأَغْنَاهُ اللَّهُ بِمَالِ عَمِّهِ.

وَقَدْ قَالَ عَمُّهُ فِي خُطْبَةِ نِكَاحِهِ بِخَدِيجَةَ: وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ قَلَّ فَمَا أَحْبَبْتُمْ مِنَ الصَّدَاقِ فَعَلَيَّ، ثُمَّ أَغْنَاهُ اللَّهُ بِمَالِ خَدِيجَةَ، حَيْثُ جَعَلَتْ مَالَهَا تَحْتَ يَدِهِ.

قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ مَا نَصُّهُ: يُرْوَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ وَهُوَ مَغْمُومٌ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: «الزَّمَانُ زَمَانُ قَحْطٍ، فَإِنْ أَنَا بَذَلْتُ الْمَالَ يَنْفَدُ مَالُكِ، فَأَسْتَحْيِي مِنْكِ، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَبْذُلْ أَخَافُ اللَّهَ» ، فَدَعَتْ قُرَيْشًا وَفِيهِمُ الصِّدِّيقُ، قَالَ الصِّدِّيقُ: فَأَخْرَجَتْ دَنَانِيرَ حَتَّى وَضَعَتْهَا، بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَمْ يَقَعْ بَصَرِي عَلَى مَنْ كَانَ جَالِسًا قُدَّامِي، ثُمَّ قَالَتِ: اشْهَدُوا أَنَّ هَذَا الْمَالَ مَالُهُ، إِنْ شَاءَ فَرَقَّهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ.

فَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ سَنَدُهَا، فَلَيْسَ بِغَرِيبٍ عَلَى خَدِيجَةِ رضي الله عنها أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ لَهُ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ فَعَلَتْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، حِينَ دَخَلَتْ مَعَهُ الشِّعْبَ فَتَرَكَتْ مَالَهَا، وَاخْتَارَتْ مُشَارَكَتَهُ صلى الله عليه وسلم لِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ، حَتَّى أَكَلُوا وَرَقَ الشَّجَرِ، وَأَمْوَالُهَا طَائِلَةٌ فِي بَيْتِهَا.

ثُمَّ كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَكَانَتْ مُوَاسَاةُ الْأَنْصَارِ، لَقَدْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ تَارِكًا مَالَهُ وَمَالَ خَدِيجَةَ، حَتَّى إِنَّ الصِّدِّيقَ لَيَدْفَعُ ثَمَنَ الْمِرْبَدِ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيْءُ بَنِي النَّضِيرِ، وَكَانَ يَقْضِي الْهِلَالَ، ثُمَّ الْهِلَالَ، ثُمَّ الْهِلَالَ، لَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ، إِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ: التَّمْرُ وَالْمَاءُ.

ثُمَّ جَاءَتْ غَنَائِمُ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ، وَرَجَعَ بِدُونِ شَيْءٍ، وَجَاءَ مَالُ الْبَحْرِينِ فَأَخَذَ الْعَبَّاسُ مَا يُطِيقُ حَمْلَهُ، وَأَخِيرًا تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي آصُعٍ مِنْ شَعِيرٍ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى، يُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ; لِأَنَّ «أَغْنَى» تَعْبِيرٌ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَيْثُ الْمَالِ حَالًا فَحَالًا، وَالْوَاقِعُ أَنَّ غِنَاهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، هُوَ غِنَى النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنِ النَّاسِ، وَيَكْفِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ النَّاسِ.

وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ وَدَارَسَهُ الْقُرْآنَ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، فَكَانَ صلى الله عليه وسلم الْقُدْوَةَ فِي

ص: 562