الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْآتِي.
أَمَّا فِرْعَوْنُ، فَقَدْ كَانَ يَقُولُ: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [43 \ 51] ، فَلَمَّا كَانَ يَتَطَاوَلُ بِهَا جَعَلَ اللَّهُ هَلَاكَهُ فِيهَا، أَيْ: فِي جِنْسِهَا.
وَأَمَّا قَوْمُ نُوحٍ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنْهُمْ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَأَصْبَحُوا لَا يَلِدُونَ إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا، فَلَزِمَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ مِنْهُمْ، وَلَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ إِلَّا الطُّوفَانُ.
وَأَمَّا ثَمُودُ، فَأُخِذُوا بِالصَّيْحَةِ الطَّاغِيَةِ، لِأَنَّهُمْ نَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، فَلَمَّا كَانَ نِدَاؤُهُمْ صَاحِبَهُمْ سَبَبًا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ، كَانَ هَلَاكُهُمْ بِالصَّيْحَةِ الطَّاغِيَةِ.
وَأَمَّا عَادٌ، فَلِطُغْيَانِهِمْ بِقُوَّتِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [89 \ 6 - 8] ، وَسَوَاءٌ عِمَادُ بُيُوتِهِمْ وَقُصُورِهِمْ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ طُولِ أَجْسَامِهِمْ، وَوَفْرَةِ أَمْوَالِهِمْ، وَتَوَافُرِ الْقُوَّةِ عِنْدَهُمْ، فَأُخِذُوا بِالرِّيحِ، وَهُوَ أَرَقُّ وَأَلْطَفُ مَا يَكُونُ، مِمَّا لَمْ يَكُونُوا يَتَوَقَّعُونَ مِنْهُ أَيَّةَ مَضَرَّةٍ وَلَا شِدَّةٍ.
وَكَذَلِكَ جَيْشُ أَبَرْهَةَ، لَمَّا جَاءَ مُدْلٍ بِعَدَدِهِ وَعُدَّتِهِ، وَجَاءَ مَعَهُ بِالْفِيلِ أَقْوَى الْحَيَوَانَاتِ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَضْعَفَ الْمَخْلُوقَاتِ: الطُّيُورَ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [105 \ 3 - 4] .
أَمَّا قَوْمُ لُوطٍ، فَلِكَوْنِهِمْ قَلَبُوا الْأَوْضَاعَ بِإِتْيَانِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَكَانَ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، قَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُرَاهُمْ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَخْوِيفًا لِقُرَيْشٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ لِلشَّيْخِ رحمه الله فِي سُورَةِ (الْكَهْفِ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ
[18
\ 47] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ لِلشَّيْخِ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا [18 \ 49] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رحمه الله بَيَانُ قَضِيَّةِ أَخْذِ الْكُتُبِ وَحَقِيقَتِهَا، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ [18 \ 49] فِي سُورَةِ (الْكَهْفِ) .
وَكَذَلِكَ بَحَثَهَا فِي كِتَابِهِ دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ، وَبَيَانُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَفِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي حَقِّ الْكِتَابِ وَالْكِتَابَةِ وَتَسْجِيلِ الْأَعْمَالِ وَإِيتَائِهَا بِنُصُوصٍ صَرِيحَةٍ وَاضِحَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ [18 \ 49] .
وَقَوْلِهِمْ صَرَاحَةً: يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [18 \ 49] .
وَقَوْلِهِ: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [50 \ 18] .
وَقَوْلِهِ: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [17 \ 14] ، فَهُوَ كِتَابٌ مَكْتُوبٌ يُنْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقْرَؤُهُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِنَفْسِهِ، مِمَّا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ يَجْعَلُ أَخْذَ الْكِتَابِ بِالْيَمِينِ أَوِ الشِّمَالِ كِنَايَةً عَنِ الْيُمْنِ وَالشُّؤْمِ. وَهَذَا فِي الْوَاقِعِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ شُؤْمِ التَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ، وَبِدُونِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَالْمُسَمَّى عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِاللَّعِبِ. نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّى ظَنَنْتُ أَنَّى مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ
وَالظَّنُّ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الشَّكِّ وَالْعِلْمِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ إِذَا وُجِدَتِ الْقَرَائِنُ، وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [18 \ 53]، أَيْ: عَلِمُوا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [18 \ 53] ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ ; لِأَنَّ الْعَقَائِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا الظَّنُّ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْجَزْمِ.
وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [49 \ 12] ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّ بَعْضَهُ لَيْسَ إِثْمًا، فَيَكُونُ حَقًّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ [2 \ 46] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ.
قِيلَ فِي (مَا) : إِنَّهَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ ; بِمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، وَالْجَوَابُ: لَا شَيْءَ، وَقِيلَ: نَافِيَةٌ، أَيْ: لَمْ يُغْنِ عَنِّي مَالِيَهْ شَيْئًا فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ [26 \ 88] .
وَقَوْلُهُ: مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ [111 \ 2] .
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي سُورَةِ (الْكَهْفِ) عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي [18 \ 36] .
وَفِي سُورَةِ (الزُّخْرُفِ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا الْآيَةَ [43 \ 36] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلَكَ عَنَّي سُلْطَانِيَهْ
أَيْ: لَا سُلْطَانَ وَلَا جَاهَ وَلَا سُلْطَةَ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [18 \ 48] : حُفَاةً عُرَاةً.
وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [6 \ 94] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ
فِيهِ عَطْفُ عَدَمِ الْحَضِّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، مِمَّا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُعَذَّبُ عَلَى الْفُرُوعِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مَبْحَثُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ (فُصِّلَتْ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [41 \ 6 - 7]، وَكُنْتُ سَمِعْتُ مِنْهُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - قَوْلَهُ: كَمَا أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَالْمُؤْمِنُ يُثَابُ عَلَى إِيمَانِهِ وَعَلَى طَاعَتِهِ، فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ يَزْدَادُ بِالْمَعَاصِي. وَيُجَازَى الْكَافِرُ عَلَى كُفْرِهِ وَعَلَى عِصْيَانِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [16 \ 88] .
فَعَذَابٌ عَلَى الْكُفْرِ وَعَذَابٌ عَلَى الْإِفْسَادِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لِزِيَادَةِ الْكُفْرِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ [3 \ 90] ، وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رحمه الله مَبْحَثُ زِيَادَةِ الْعَذَابِ عِنْدَ آيَةِ (النَّحْلِ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
إِضَافَةُ الْقَوْلِ إِلَى الرَّسُولِ الْكَرِيمِ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ، كَمَا جَاءَ بَعْدَهَا، قَوْلُهُ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [69 \ 43] وَالرَّسُولُ يَحْتَمِلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَيَحْتَمِلُ جِبْرِيلَ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَقِّ جِبْرِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [81 \ 19 - 21] .
وَهُنَا الْمُرَادُ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ [69 \ 41] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ مَنِ اتُّهِمَ بِذَلِكَ هُوَ الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَنَفَاهُ ذَلِكَ عَنْهُ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِثْبَاتُ الصِّفَةِ الْكَرِيمَةِ لِسَنَدِ الْقُرْآنِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَنْ جِبْرِيلَ عَنِ اللَّهِ، وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ: مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [81 \ 21 - 22] .
فَأَثْبَتَ السَّلَامَةَ وَالْعَدَالَةَ لِرُسُلِ اللَّهِ فِي تَبْلِيغِ كَلَامِ اللَّهِ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى قُرَيْشٍ مَا اتَّهَمَتْ بِهِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم. وَفِيهِ أَيْضًا الرَّدُّ عَلَى الرَّافِضَةِ دَعْوَاهُمُ التَّغْيِيرَ أَوِ النَّقْصَ فِي الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا الْآيَةَ [46 \ 8] ، وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الِافْتِرَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدِ اسْتَبْعَدَ أَبُو حَيَّانَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِي (تَقَوَّلَ) رَاجِعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ: إِنَّهَا قُرِئَتْ بِالْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ وَرَفْعِ (بَعْضٍ)، وَقَالَ: وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ يَكُونُ فَاعِلُ (تَقَوَّلَ) مُقَدَّرًا تَقْدِيرُهُ: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا مُتَقَوِّلٌ، وَقَدْ ذَكَرَ تِلْكَ الْقِرَاءَةَ كُلٌّ مِنَ الْقُرْطُبِيِّ وَالْكَشَّافِ، وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ كَثِيرٍ وَلَا الطَّبَرِيُّ وَلَا النَّيْسَابُورِيُّ مِمَّنْ يُعْنَوْنَ بِالْقِرَاءَاتِ، مِمَّا يَجْعَلُ فِي صِحَّتِهَا نَظَرًا، فَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُوَجَّهَةً وَلَكِنْ مَا اسْتَبْعَدَهُ أَبُو
حَيَّانَ، وَمَنَعَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ فِي الْوَاقِعِ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الِافْتِرَاضِ فَلَيْسَ مَمْنُوعًا، وَقَدْ جَاءَ الِافْتِرَاضُ فِي الْقُرْآنِ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ.
كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [43 \ 81]، وَقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [21 \ 22]، وَالنَّصُّ الصَّرِيحُ فِي الْمَوْضُوعِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [46 \ 8] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ
فِي هَذَا نَفْيُ كُلِّ بَاطِلٍ: مِنْ شِعْرٍ أَوْ كِهَانَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلِكُلِّ نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُ إِضَافَةِ الْحَقِّ لِلْيَقِينِ، وَمَعْنَى التَّسْبِيحِ بِاسْمِ رَبِّكَ عِنْدَ آخِرِ سُورَةِ (الْوَاقِعَةِ) ، وَحَقُّ الْيَقِينِ هُوَ مُنْتَهَى الْعِلْمِ، إِذِ الْيَقِينُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ:
الْأُولَى: عِلْمُ الْيَقِينِ.
وَالثَّانِيَةُ: عَيْنُ الْيَقِينِ.
وَالثَّالِثَةُ: حَقُّ الْيَقِينِ، كَمَا فِي التَّكَاثُرِ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [102 \ 5 - 7] فَهَاتَانِ دَرَجَتَانِ، وَالثَّالِثَةُ إِذَا دَخَلُوهَا كَانَ حَقَّ الْيَقِينِ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّنْيَا: الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْكَعْبَةِ وَالتَّوَجُّهُ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ رُؤْيَتُهَا عَيْنُ الْيَقِينِ، ثُمَّ بِالدُّخُولِ فِيهَا يَكُونُ حَقَّ الْيَقِينِ، وَكَمَا نُسَبِّحُ اللَّهَ وَهُوَ تَنْزِيهُهُ، فَكَذَلِكَ نُنَزِّهُ كَلَامَهُ ; لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ.