الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْأَحَادِيثُ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْيَتِيمِ مُتَضَافِرَةٌ، وَيَكْفِي قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَذَيْنِ» أَيِ: السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ
قِيلَ: الْمِسْكِينُ مِنَ السُّكُونِ وَقِلَّةِ الْحَرَكَةِ، وَالْمَتْرَبَةُ: اللُّصُوقُ بِالتُّرَابِ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ: أَيُّهُمَا أَشَدُّ احْتِيَاجًا وَمَا حَدُّ كُلٍّ مِنْهُمَا؟ فَاتَّفَقُوا أَوَّلًا: عَلَى أَنَّهُ إِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا، وَإِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَإِذَا ذُكِرَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، فَيَشْمَلُ الثَّانِيَ مَعَهُ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ جَامِعًا لَهُمَا كَمَا هُوَ هُنَا، فَالْإِطْعَامُ يَشْمَلُ الِاثْنَيْنِ مَعًا، وَإِذَا اجْتَمَعَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالتَّعْرِيفِ.
فَالْمِسْكِينُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْفَقِيرُ، قَالُوا: مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَقْرَةِ وَهِيَ: الْحُفْرَةُ تُحْفَرُ لِلنَّخْلَةِ وَنَحْوِهَا لِلْغَرْسِ، فَكَأَنَّهُ نَزَلَ إِلَى حُفْرَةٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا.
وَقِيلَ: مِنْ فَقَارِ الظَّهْرِ، وَإِذَا أُخِذَتْ فَقَارٌ مِنْهَا عَجَزَ عَنِ الْحَرَكَةِ، فَقِيلَ: عَلَى هَذَا الْفَقِيرُ أَشَدُّ حَاجَةً، وَيُرَجِّحُهُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [18 \ 79] ، فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ وُجُودِ سَفِينَةٍ لَهُمْ يَتَسَبَّبُونَ عَلَيْهَا لِلْمَعِيشَةِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» الْحَدِيثَ. مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ» ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، خِلَافًا لِمَالِكٍ.
وَقَدْ قَالُوا فِي تَعْرِيفِ كُلٍّ مِنْهُمَا: الْمِسْكِينُ مَنْ يَجِدُ أَقَلَّ مَا يَكْفِيهِ، وَالْفَقِيرُ: مَنْ لَا يَجِدُ شَيْئًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
هَذَا قَيْدٌ فِي اقْتِحَامِ الْعَقَبَةِ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ مِنْ عِتْقٍ، أَوْ إِطْعَامٍ ; لِأَنَّ عَمَلَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ لَا يَجْعَلُهُ يَقْتَحِمُ الْعَقَبَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; لِإِحْبَاطِ عَمَلِهِ وَلِاسْتِيفَائِهِ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا، وَ " ثُمَّ " هُنَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ لَا الزَّمَنِيِّ ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَشْرُوطٌ وُجُودُهُ عِنْدَ الْعَمَلِ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُ شُرُوطِ قَبُولِ الْعَمَلِ وَصِحَّتِهِ فِي سُورَةِ " الْإِسْرَاءِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ [20 \ 112]، وَكَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
[17
\ 19] ، وَقَوْلِهِ:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [16 \ 97] ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ الْأَسَاسِيُّ فِي حَمْلِ الْعَبْدِ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ يَبْتَغِي بِهِ الثَّوَابَ، وَخَاصَّةً الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ بَذْلٌ بِدُونِ عِوَضٍ عَاجِلٍ.
وَقَدْ بَحَثَ الْعُلَمَاءُ مَوْضُوعَ عَمَلِ الْكَافِرِ الَّذِي عَمِلَهُ حَالَةَ كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ، هَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ أَمْ لَا؟
وَالرَّاجِحُ: أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ، كَمَا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ: أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَنَّثُ بِأَعْمَالٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ; فَهَلْ لَنَا مِنْهَا شَيْءٌ؟ فَقَالَ عليه السلام:" أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنَ الْخَيْرِ "، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ، قَالَتْ:" يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيَفُكُّ الْعَانِيَ، وَيُعْتِقُ الرِّقَابَ، وَيَحْمِلُ عَلَى إِبِلِهِ لِلَّهِ - فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: " لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ".
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَهَا، أَيْ: لَوْ أَسْلَمَ فَقَالَهَا كَانَ يَنْفَعُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ
تَتِمَّةٌ لِصِفَاتِهِمْ، وَالصَّبْرُ عَامٌّ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمَرْحَمَةُ زِيَادَةٌ فِي الرَّحْمَةِ، وَالْحَدِيثُ:" الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ".
وَذِكْرُ الْمَرْحَمَةِ هُنَا يَتَنَاسَبُ مَعَ الْعَطْفِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْمِسْكِينِ وَالْيَتِيمِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.