الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ يَرِثُ الثُّلُثُ
ص:
29 -
وَالثُّلْثُ فَرْضُ الأُمِّ إِنْ فَرْعٌ عُدِمْ
…
للْمَيْتِ أَوْ بِالحَجْبِ مِنْ إِرْثٍ حُرِمْ
30 -
أَوْ مَعْ خُلُوِّ مَيِّتٍ عَنْ إِخْوَةِ
…
اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَافْهَمْ صُورَتِي
31 -
وَإِنْ يَكُنْ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَبُ
…
أَوْ زَوْجَةٌ فَصَاعِدًا لَمْ يُحْجَبُوا
32 -
فَوَرِّثَنْ للأُمِّ ثُلْثَ البَاقِي
…
وَاعْلَمْ بِأَنَّ ذَاكَ قَسْمُ البَاقِي
33 -
وَثُلُثَ المالِ لِجَمْعِ الإِخْوَةِ
…
للأُمِّ سَوِّ بَيْنَهُمْ فِي القِسْمَة
ش: أقول: الثُّلث فرض اثنين:
أحدهما: فرض الأمِّ بشرطين عدميَّين:
أحدهما: حيث لا ولد للميِّت، ذكراً كان أو أنثى، واحداً أو متعدِّداً.
فإن كان ولكن قام به مانع؛ فوجوده كالعدم كما تقدَّم.
وحيث لا وَلَدَ ابنٍ أيضاً كذلك، ولو بنت ابن.
والثَّاني: حيث لا عدد من الإخوة والأخوات؛ اثنان فأكثرُ، يستوي فيه الذُّكور والإناث، متَّفقين أو مختلفين؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ، وقوله تعالى:{فَإِنْ له كَانَ إِخْوَةٌ فِلِأُمِّهِ السُّدُسُ} .
والمراد بالإخوة في الآية: اثنان فأكثرُ مطلقاً، أي: لا فرق في الإخوة بين كونهم أشقَّاءَ، أو لأب، أو لأمٍّ، أو مختلِفِينَ، ولا بين كونهم وارثين، أو محجوبين أو بعضهم حَجْبَ شَخْصٍ.
وأمَّا المحجوب بالوصف من الأولاد والإخوة؛ فوجوده كالعدم كما تقدَّم.
ولمَّا كانت الأمُّ قد لا ترث الثُّلث وليس هناك فرع وارث، ولا عدَّة من الإخوة والأخوات في مسألتين تسمَّيان: بالغرَّاوين، وبالعمريَّتين؛ استطردتُ ذكرهما مقدِّماً لهما على الصِّنف الثَّاني ممَّن يرث الثُّلث، فقلت: (وإن يكن زوجٌ وأمٌّ وأبٌ
…
) إلى آخره، أي: فإنَّه يُفرَض فيهما للأمِّ ثلثُ الباقي بعد فرض الزَّوجيَّة في الصُّورتين:
إحداهما: أن يكون للميِّت: زوج وأمٌّ وأب.
فللزَّوج: النِّصف، وللأمِّ: ثلث الباقي بعده، وللأب: الفاضل.
الثَّانية: أن يكون للميِّت: زوجة فأكثر وأمٌّ وأب.
فللزَّوجة فأكثرَ: الرُّبع، وللأمِّ: ثلث الباقي بعدها، وللأب: الباقي.
وثلث الباقي في الحقيقة سدس في الصُّورة الأولى، وربع في الصُّورة الثَّانية، فهو من الفروض السِّتَّة، وراجع إليها، أي: الرُّبع والسُّدس اللَّذان هما ثلث الباقي في مسألتي الغرَّاوَين راجع إلى الفروض السِّتَّة في كتاب الله تعالى المتقدِّم ذكرها، وإنَّما قيل فيه: ثلث الباقي؛ موافقةً للقرآن العظيم تأدُّباً.
وقولي: (فصاعداً) أي: فَذَهَبَ عَدَدُها إلى حالة الصُّعود على الواحدة إلى أربع، فهو منصوب بالحاليَّة من العدد، ولا يجوز فيه غير النَّصب، ولا يستعمل إلَّا بالفاء أو بثمَّ، نقله الشَّيخ زكريَّا عن ابن سِيدَهْ (1)، ذكره الشَّنشوري (2).
(1) هو: علي بن إسماعيل، المعروف بابن سيده، أبو الحسن، إمام في اللغة وآدابها، ولد بمرسية في شرق الأندلس سنة 398 هـ، وانتقل إلى دانية فتوفي بها، كان ضريرًا، من مصنفاته: المخصص، والمحكم والمحيط الأعظم، وشرح ما أشكل من شعر المتنبي، وغير ذلك، مات سنة 458 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 330، وسير أعلام النبلاء 18/ 144.
(2)
الفوائد الشنشورية ص 55. وينظر: المحكم والمحيط الأعظم 1/ 423.
وسُمِّيا بالغرَّاوَين؛ تشبيهاً لهما بالكوكب الأغرِّ.
وبالعمريَّتَين؛ لقضاء عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه فيهما بذلك (1)؛ لأنَّنا لو أعطينا الأمَّ الثُّلث كاملاً؛ لزم إمَّا تفضيل الأمِّ على الأب في صورة الزَّوج، وإمَّا أنَّه لا يفضل عليها التفضيل المعهود في صورة الزَّوجة، مع أنَّ الأمَّ والأب في درجة واحدة.
والثَّاني ممَّن فرضه الثُّلث: العدد من أولاد الأمِّ فقط، اثنين -ذكرين أو أنثيين أو مختلفين- فأكثر، يُقسَم على عدد رؤوسهم، يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم إجماعاً (2)؛ لأنَّهم لا يستحقُّون أكثر منه؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ، أجمعوا على أنَّها نزلت في الإخوة للأمِّ (3)، وقرأ ابن مسعود وسعد بن أبي وقَّاص:(وله أخ أو أخت من أمٍّ)(4).
(1) رواه عبد الرزاق (19015)، والدارمي (2914) من طريق منصور والأعمش، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله: «كان عمر إذا سلك طريقاً فتبعناه فيه وجدناه سهلاً، قضى في امرأة وأبوين، فجعلها من أربعة: لامرأته الربع، وللأم ثلث ما بقي، وللأب الفضل» ، ورواه ابن أبي شيبة (31054) من طريق إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله، عن عمر، بمثله، وإسناده صحيح.
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 72، والإقناع في مسائل الإجماع 2/ 96.
(3)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 96.
(4)
أما أثر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فأخرجه ابن أبي شيبة (31604)، والبيهقي (12322)، وصححه الحافظ في الفتح 12/ 4.
وأما أثر ابن مسعود رضي الله عنه فلم نقف عليه، قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 188):(ولم أره عن ابن مسعود).
والكلالة: هي الورثة غير الأبوين والولدين، نصَّ على ذلك الإمام أحمد (1)، وهو قول الصِّدِّيق (2).
وقيل: الميِّت الَّذي لا ولد له ولا والد، وروي ذلك عن عمر (3)، وعلي، وابن مسعود (4).
وقيل: قرابة الأمِّ.
وظاهر قوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} : أنَّ التَّشريك يقتضي التَّسوية، وهذا ممَّا خالف فيه أولاد الأمِّ غيرهم؛ فإنَّهم [خالفوا غيرهم] (5) في أشياء:
(1) ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد ص 355، والمغني 6/ 268.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (31600)، من طريق الشعبي، قال: قال أبوبكر الصديق رضي الله عنه: «رأيت في الكلالة رأيًا، فإن يك صوابًا فمن عند الله، وإن يك خطأ فمن قبلي والشيطان، الكلالة: ما عدا الولدَ والوالدَ» ، قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 191):(رجاله ثقات إلا أنه منقطع).
(3)
رواه البيهقي (12274)، من طريق السميط بن عمير ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«أتى عليَّ زمان ما أدري ما الكلالة، وإذ الكلالة من لا أب له ولا ولد» .
(4)
لم نقف عليهما مسنداً، وأورده عنهما السمعاني في تفسيره (ص 405)، وابن كثير في التفسير (2/ 230)، وأورده السيوطي في الدر المنثور (2/ 765) عن علي رضي الله عنه، وعزاه إلى عبد بن حميد في تفسيره.
(5)
في الأصل: (خالفوهم غيرهم).