الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ يَرِثُ السُّدُسَ
ص:
34 -
وَالسُّدْسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ وَهْيَ: الأَبُ
…
والأُمُّ، وَالأُخْتُ لأبٍّ (1) أَوْجَبُوا
35 -
وَبِنْتُ الابْنِ جَدَّةٌ وَالجَدُّ
…
وَوَلَدُ الأُمِّ كَذَاكَ الفَرْدُ
ش: هذا الفرض السَّادس من الفروض المقدَّرة في الكتاب العزيز، وعدد مستحقِّيه سبعة ذكرناهم إجمالاً، ثمَّ نذكرهم على سبيل التَّفصيل فنقول:
ص:
36 -
فَلِلْأَبِ السُّدْسُ وَأُمٌّ كَأَبِ
…
مَعْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنِ النَّسَب
(1) بتشديد الباء، وهي لغة ذكرها الأزهري في تهذيب اللغة (15/ 432)، ونقلها عنه ابن مالك في شرح التسهيل (1/ 45)، وانظر أيضًا: تاج العروس 2/ 6.
37 -
وَهْوَ لِأُمٍّ إِنْ يَكُنْ اِثْنَانِ
…
مِنْ إِخْوَةِ المَيْتِ بِلَا بَيَان
فالأب والأمُّ كلٌّ منهما يستحقُّ السُّدس مع وجود الولد؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} .
وولد الابن في هذا كالولد إجماعاً (1) كما تقدَّم.
والسُّدس للأمِّ أيضاً مع وجود اثنين فأكثر من إخوة الميت مطلقاً، وإليه أشرت بقولي:(بلا بيان) أي: سواء كانا ذكرَيْنِ أو أنثيَيْنِ أو مختلِفَيْنِ، فإنَّ إرثها للسُّدس مع اثنين من الإخوة منحصر في خمس وأربعين صورة ذكرها الشَّنشوري في كتابه «شرح التَّرتيب» (2).
ص:
38 -
وَالجَدُّ مِثْلُ الأَبِ إِنْ أَبٌ عُدِمْ
…
مَعْ] غَيْرِ [(3) إِخْوَةٍ لِمَيْتٍ فَافْتَهِمْ
(1) نقل الاجماع الماوردي في الحاوي الكبير (8/ 103).
(2)
شرح الترتيب (1/ 20).
واسم الكتاب: فتح القريب المجيب بشرح كتاب الترتيب، لبهاء الدين محمد بن عبد الله الشنشوري، الفرضي، الخطيب بالجامع الأزهر، وهو شرح لكتاب: ترتيب المجموع وإظهار السر المودوع، لسبط المارديني (ت 912 هـ).
(3)
سقطت في المطبوع
39 -
وَحُكْمُهُ مَعْ إِخْوَةٍ سَيَظْهَرُ
…
فِي بَابِهِ مُفَصَّلًا لَا يُنْكَرُ
40 -
وَإِنْ يَكُنْ زَوْجٌ مَعَ الجَدِّ وَأُمّْ
…
أَوْ زَوْجَةٌ، فَالثُّلْثُ لِلأُمِّ يُؤَمّْ
ش: أقول: الجدُّ عند فقد الأب مثل الأب في أخذه السُّدس مع وجود الولد أو ولد الابن إجماعاً (1)؛ لظاهر الآية.
وفي أنَّه [يحوز جميع المال إذا انفرد](2).
وفي أنَّه يأخذ ما فَضَلَ من أصحاب الفروض إن لم يكن ولد ولا ولد ابن.
لكن يخالف الأب في مسائل:
منها: إذا كان مع الجدِّ إخوةٌ لأبوين أو لأب؛ فليس حكمُ الجد معهم حكمَ الأب؛ لأنَّ الأب يحجبهم إجماعاً (3)؛ لإدلائهم به، فهو أقرب منهم.
والجدُّ يقاسمهم؛ لكونهم يساوونه في القرب؛ لأنَّ الجدَّ والإخوة يُدْلون إلى الميِّت بالأب، فلذلك يقاسمون الجدَّ، وحكمه
(1) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 73.
(2)
في الأصل: (يجوز جميع المال إذا انفراد)، والصواب المثبت.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 70.
معهم سيظهر في بابه مفصَّلاً موضَّحاً.
وأمَّا الإخوة للأمِّ فيحجبهم الجدُّ كما يحجبهم الأب، كما يأتي في الحجب.
ومنها: إذا كان هناك أبوان وزوج، فللأمِّ فيها ثلث الباقي بعد نصف الزَّوج، ليأخذ الأب مثليها.
فلو كان بَدَلَ الأب فيها جدٌّ؛ كان للأمِّ معه ثلث جميع المال، وهذه المسألة إحدى المسألتين الغرَّاوَين.
ومنها: إذا كان أبوان وزوجة فأكثر؛ فللأمِّ فيها ثُلث الباقي بعد ربع الزَّوجة.
ولو كان فيها بَدَلَ الأب جدٌّ؛ كان للأمِّ معه ثلث الجميع، وهذه هي المسألة الثَّانية من الغرَّاوَين المتقدِّم ذكرهما في الباب قبله.
فهذه الثَّلاث مسائل ليس الجدُّ شبيهاً بالأب فيها.
ومعنى (يُؤَمُّ) أي: يُتَّبَعُ.
ص:
41 -
وَبِنْتُ الابْنِ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ
…
تَأْخُذُ سُدْسًا خَصَّها للقُرْب
42 -
وَمِثْلُهَا الأُخْتُ لأبٍّ وُجِدَتْ
…
مَعَ الشَّقِيقَةِ لِسُدْسٍ أَخَذَتْ
43 -
وَهْوَ كَذَاكَ لأَخٍ لأُمِّ
…
مُنْفَرِدًا فَاحْذَرْ تَؤُمَّ الأُمِّي
ش: أقول: بنت الابن أو بنات الابن المتحاذيات وإن نزل أبوها أو أبوهنَّ، تأخذ أو يأخذن السُّدس، إذا كانت أو كنَّ مع البنت الواحدة تكملة الثُّلثين إجماعاً (1)؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه [وقد] (2) سئل عن بنت وبنت ابن وأخت: لأقضينَّ فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِلبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ لِلْأُخْتِ» رواه الإمام أحمد والبخاري (3).
وممَّن يستحقُّ السُّدس أيضاً (4):
ولد الأمِّ، ذكراً كان أو أنثى
(1) الإقناع لابن المنذر ص 70.
(2)
في الأصل: (قد).
(3)
رواه أحمد (3691)، والبخاري (6736)، من حديث هُزيل بن شرحبيل عنه.
(4)
لم يذكر في الشرح: الأخت لأب وأنها ترث السدس، وإن كان قد ذكرها في النظم، ولعل ذلك من الناسخ، فنقول:
وممن يستحق السدس أيضاً: الأخت لأب أو الأخوات لأب، تأخذ أو يأخذن السدس إذا كانت أو كن مع الأخت لأبوين، تكملة الثلثين بالإجماع، قياساً على بنت الابن فأكثر مع بنت الصلب.
أو خنثى، بشرط أن يكون منفرداً إجماعاً (1)؛ لأنَّه إذا تعدَّد صار فرضه مع غيره الثُّلث؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} .
وقولي: (فاحذر
…
) إلى آخره؛ أي: فاتبع العلم واعمل بما فيه تهتدِ.
و(احذر تَؤُمَّ الأمِّي) أي: تتبعِ الجاهل وتقتدِ بأفعاله فتضلَّ، والأمي: هو من لم يُحسن الفاتحة ولا غيرها، ولا يكتب، أو هو الباقي على جبلَّته، أو هو الغبيُّ الجلف الغليظ.
ص:
44 -
وَافْرِضْهُ لِلْجَدَّةِ وَالجَدَّاتِ
…
حَيْثُ تَسَاوَيْنَ مِنَ الجِهَات
45 -
وَالجَدَّةُ القُرْبَى لأُمٍّ تَمْنَعُ
…
أُمَّ أَبٍ [بُعْدَى](2)، وَسُدْسًا تَجْمَعُ
(1) الإقناع لابن المنذر ص 72.
(2)
في الأصل (بعد). والمثبت موافق للمطبوع.
46 -
وَالعَكْسُ فِيهِ جَاءَ قَوْلٌ آخَرُ
…
لَكِنَّهُ فِيهِ الخِلَافُ ظَاهِرُ
ش: أقول: السُّدس فرض جدَّة واحدة صحيحة في النَّسب، لا في الولاء، ولا أمِّ أبي الأمِّ؛ فإنَّها من ذوي الأرحام، سواء كانت من جهة الأمِّ، أو من جهة الأب.
وهو للجدَّات أيضاً: إذا كنَّ وارثات متساويات في الدَّرجة من الجهات الثَّلاث، وهي:
أمُّ أمِّ أمٍّ.
وأمُّ أُمِّ أبٍ.
وأمُّ أبي الأب.
فيُقسَم السُّدس بينهنَّ على عدد رؤوسهنَّ بالسَّويَّة.
وكلُّ جدَّة قربى تحجب الجدَّة البعدى - لقربها- مطلقاً؛ أي: سواء كانتا من جهة واحدة، أو واحدة من قبل الأمِّ وواحدة من قبل الأب، وسواء كانت القربى من جهة الأمِّ إجماعاً (1)، أو بالعكس عندنا (2)، وعند أبي حنيفة كذلك (3).
(1) الإقناع لابن المنذر ص 73.
(2)
ينظر: الإنصاف (18/ 60)، المبدع (5/ 335)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (4/ 550).
(3)
ينظر: المبسوط للسرخسي (29/ 168)، حاشية ابن عابدين (6/ 782)، تبيين الحقائق للزيلعي (6/ 232).
وأمَّا عند الشَّافعيِّ ففي المسألة قولان، والصَّحيح: لا تسقط البعدى من جهة الأمِّ بالقربى من جهة الأب عنده، بل يشتركان في السُّدس (1)، وبه قال مالك رحمه الله تعالى (2)؛ لأنَّ الَّتي من جهة الأمِّ وإن كانت أبعد فهي أقوى؛ لكون الأمِّ أصلاً في إرث الجدَّات، فَعَدَل قُرْبُ الَّتي مِن قِبَل الأب قوَّةَ الَّتي من قبل الأمِّ، فاعتدلا.
وإلى هذا أشرت بقولي: (والعكس فيه جاء قولٌ آخرُ
…
) إلى آخره.
ص:
47 -
وَكُلُّ مَنْ أَدْلَى بِشَخْصٍ (3) لَمْ يَرِثْ
…
فَامْنَعْهُ مِنْ إِرْثٍ وَقُلْ: ذَا مَا وَرِثْ
ش: كأبي أبي الأمِّ، فإنَّ أبا الأمِّ غيرُ وارث، فكذلك أبوه وأمُّه غير وارثَيْنِ.
وأبو الأمِّ: هو الجدُّ الفاسد، وأمُّه: هي المعبَّر عنها بالَّتي تدلي بذكر بين أنثيين، وهم كلُّهم من ذوي الأرحام.
(1) ينظر: البيان للعمراني (9/ 46)، مغني المحتاج (4/ 21)، تحفة المحتاج (6/ 400).
(2)
ينظر: الشرح الكبير للدردير (4/ 462)، التاج والإكليل (8/ 588)، الفواكه الدواني (2/ 259).
(3)
في الأصل: (لشخص).
ص:
48 -
وَتَمَّ تَقْسِيمُ الفُرُوضِ كَافِيَا
…
فَاعْلَمْ وَعَلِّمْ تُعْطَ أَجْرًا وَافِيَا
ش: قد انتهى تقسيم الفروض السِّتَّة، وذكر مستحقِّيها، (كافياً) أي: مفصَّلاً موضَّحاً من غير غموض ولا لَبْسٍ.
وقولي: (فاعلم وعلِّم تُعطَ أجراً وافياً)، فيه حثٌّ على تعلُّم علم الفرائض وتعليمه؛ فإنَّه من أجلِّ العلوم وأعظمه نفعاً، وقد تظاهرت فيه الآيات، وتكاثرت الأحاديث في الحثِّ على تعلُّمه وتعليمه، ولا سيَّما علم الفرائض، فقد قال الله تعالى:{يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} .
وفي الحديث: ما روى أبو هريرة مرفوعاً: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ، فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» (1).
وقيل: إنَّه نصف باعتبار الثَّواب؛ لأنَّه يستحقُّ بتعليم مسألة واحدة في الفرائض مائة حسنة، وبغيرها من العلوم عشر حسنات.
(1) رواه ابن ماجه (2719)، والدارقطني (4059)، والحاكم (7948)، والبيهقي (12175)، والحديث أعله البيهقي، وقال فيه ابن حجر:(مداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف، وهو متروك)، وضعفه به الذهبي والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 172، الإرواء 6/ 105.
ولمَّا أنهيت (1) الكلام على بيان أحكام الفروض وبيان مستحقِّيها؛ شرعت في بيان أحكام العصبات، فأقول:
(1) في الأصل: (نهيت).