الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ المُنَاسَخَاتِ
وهي جمع مناسخة، من النَّسخ، بمعنى: الإزالة، أو التَّغيير، أو النَّقل، يقال: نسخت الشَّمسُ الظِّلَّ، أي: أزالته، ونسخت الرِّيحُ الدِّيارَ: غيَّرتها، ونسختُ الكتابَ: نقلتُ ما فيه.
وهذا الباب نوع من تصحيح المسائل، لكنَّ الَّذي قبله تصحيح إلى ميت واحد، وهذا تصحيح إلى ميتين فأكثرَ.
ومعنى المناسخة في اصطلاح الفقهاء والفَرَضيِّين: أن يموت بعض ورثة الميت قبل قَسْمِ تركته.
سُمِّيت بذلك؛ لزوال حكم الميت الأوَّل ورفعه، وقيل: لأنَّ المال تناسخته الأيدي.
وهذا الباب من عوائص الفرائض، وما أحسنَ الاستعانةَ عليه بمعرفة «رسالة الشباك» لابن الهائم رحمه الله (1)؛ لأنَّها أضبط.
(1) اسم الكتاب: شباك المناسخات؛ مؤلفه: أحمد بن محمد بن عماد بن علي الشهاب القرافي، المصري، المقدسي، الشافعي، المعروف بابن الهائم (ت: 815 هـ)، طُبع بتحقيق يوسف بن سليمان العاصم، عن وزارة الأوقاف القطرية، سنة 1432 هـ / 2011 م.
ص:
101 -
وإِنْ تَرُمْ طَرِيقَةَ المُنَاسَخَهْ
…
فَهْيَ الَّتِي لِكُلِّ أُولَى نَاسِخَهْ
102 -
طَرِيقُهَا بِأَنْ يَمُوتَ ثَانِي
…
مِنْ قَبْلِ قَسْمِ المَالِ] بِالتِّبْيَانِ [(1)
103 -
فَصَحِّحِ الأُولَى ولِلثَّانِي اعْمَلَنْ
…
مَسْأَلَةً أُخْرَى وَسَهْمَهُ اعْلَمَنْ
104 -
وَاقْسِمْ سِهَامَ المَيِّتِ الثَّانِي عَلَى
…
مَسْأَلَتِهِ (2) بَعْدَ تَصْحِيحٍ جَلَا
105 -
فَإِنْ تَوَافَقْ فَاضْرِبِ المُوَافَقَهْ
…
أَوْ كُلَّ مَا بَايَنَها فِي السَّابِقَهْ
106 -
وَكُلَّ سَهْمٍ فِي جَمِيعِ الثَّانِيَهْ
…
أَوْ وَفْقِهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ مُبَايِنَهْ
(1) في المطبوع: (والبيان).
(2)
هكذا في الأصل وفي النظم المطبوع، وهو غير متزن، ولو قيل:(مسألته من بعد تصحيح جلا) لاستقام البيت.
107 -
وَاضْرِبْ سِهامًا كُلَّها مِنْ أُخْرَى
…
أَوْ وَفْقِها فِي أَسْهُمٍ ذَا أَحْرَى
108 -
وَهَكَذا فَافْعَلْ بِمَيْتٍ بَعْدَهُ
…
فَاحْفَظْهُ عِلْمًا كَيْ تَنَالَ سَعْدَهُ
ش: أقول: إذا أردت أن تعرف طريقة المناسخة: فهي ما إذا مات إنسان، ثمَّ مات آخر من ورثة الأوَّل قبل قسم تركته، فصحِّح مسألة الميت الأوَّل، واعرف سهام الميت الثَّاني منها، واعمل للثَّاني مسألة أخرى؛ بأن تصحِّحها وتقسمها كما تقدَّم في تصحيح المسائل، ثمَّ اقسم سهام الميت الثَّاني من مسألة الأوَّل على مسألته هو، فإن انقسمت؛ فواضح لا يحتاج إلى عمل.
مثال ذلك: ماتت امرأة عن زوج وأمٍّ وعمٍّ، ثمَّ مات الزَّوج عن ثلاثة بنين، أو عن أبوين.
فمسألة الميت الأوَّل: تصحُّ من أصلها ستَّة، للزَّوج: ثلاثة، وللأمِّ: اثنان، وللعمِّ: واحد.
ومسألة الثَّاني - وهو الزَّوج في الصُّورتين، أي: فيما إذا خلَّف ثلاثة بنين أو أبوين-: من ثلاثة، وسهامه من المسألة الأولى: ثلاثة، تنقسم على مسألته، فتصحُّ كلُّها من ستَّة.
وإذا لم تنقسم سهام الميت الثَّاني على مسألته: فانظر، هل بين سهام الثَّاني ومسألته موافقة أو لا؟
فإن وافقت مسألته سهامه: فاضرب وفق مسألته في المسألة السَّابقة، وهي مسألة الميت الأول.
وإن لم تكن موافقة، بل كانت مباينة: فاضرب جميع مسألته في السَّابقة، يحصل في الحالين تصحيح المناسخة منه.
والمسألة الأولى بحالها، مات الزَّوج عن ستَّة [بنين](1)، أو عن أمٍّ وأخوين لأمِّ وأخ لأب.
فمسألته في الصُّورتين تصحُّ من أصلها ستَّة، وسهامه في الأولى: ثلاثة، لا تنقسم على مسألته، بل توافقها بالثُّلث؛ فاضرب ثُلث مسألته -وهو سهمان - في مسألة الأولى - وهي ستَّة-، تصحُّ المناسخة من اثني عشرة، للأمِّ في الأولى: أربعة، وللعمِّ: سهمان، ولورثة الزَّوج: ستَّة.
وإذا أردت تقسم المناسخة: فاضرب سهام كلِّ وارث من المسألة الأولى في جميع المسألة الثَّانية عند مباينتها لسهام صاحبها، وفي وفق الثَّانية عند التَّوافق.
ففي صورة زوج وأمٍّ وعمٍّ: مات الزَّوج عن ستَّة بنين، تقدَّم أنَّها تصحُّ من اثني عشر؛ لموافقة مسألة الثَّاني سهامه بالثُّلث:
لأمِّ الميت الأولى من مسألتهما سهمان مضروبان في وفق
(1) في الأصل: (بين).
الثَّانية - وهو سهمان-، فلها: أربعة.
ولعمِّها سهم مضروب في سهمين، يحصل له سهمان.
ولكلِّ واحد من أولاد الزَّوج من الثَّانية: سهم مضروب في وفق سهام مورِّثه، وهو سهم، يحصل له سهم.
فهذه طريقة المناسخة، فاعمل هكذا بكلِّ ميت بعده.
وقولي: (أحرى) بحاء مهملة، أي: أحقُّ.
وقولي: (فاحفظه
…
) إلى آخره، فإنَّه علم نفيس جدير بعظم القدر، ووافر الأجر، ولا يخفى ما ورد في فضله من كثير الأخبار، وما فيه من جزيل الثَّواب والاستبشار.
فمن ذلك: ما ورد في فضل العلم في الصَّحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الخَيْرِ، - وفي رواية: فِي الْحَقِّ -، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا النَّاسَ» (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ [خَيْرًا] (2) يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» ، رواه
(1) رواه البخاري (73)، ومسلم (816).
تنبيه: لفظ: (هلكته في الخير) غير موجودة في الصحيحين، بل ولا غيرها من كتب الحديث التي بين أيدينا، وقد ذكرها الغزالي في إحياء علوم الدين (1/ 11)، واللفظ الذي في الصحيحين وغيرهما:«هلكته في الحق» .
(2)
سقطت من الأصل.
الإمام أحمد والشَّيخان (1)، وفي رواية:«يُلْهِمْهُ رُشْدَهُ» رواه أبو نعيم في «الحلية» (2).
ومنها: ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ؛ فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَهُوَ يُنْسَى، وَهُوَ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» رواه الحاكم عن أبي هريرة (3).
وتقدَّم نحو هذا في آخر باب أصحاب السُّدس، وكفى بهذه الأحاديث الشَّريفة شرفاً وفضلاً، فاعْلَم وعلِّم، وفَّقنا الله وإيَّاك للعلم والعمل به، وأوفر لنا ولك الأجر والثَّواب، والجزاء الأوفى يوم المآب.
(1) رواه أحمد (16846)، والبخاري (71)، ومسلم (1037)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
(2)
رواه أبو نعيم في الحلية (4/ 107)، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد (885)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا:«مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَيُلْهِمْهُ رُشْدَهُ» ، وقد عده الذهبي من مناكير أحمد بن محمد بن أيوب - أحد رواة الحديث -، وساقه ابن عدي في جملة أحاديثه في كتاب الضعفاء، وضعف الألباني الحديث به. ينظر: الكامل في الضعفاء 1/ 286، ميزان الاعتدال 1/ 133، السلسلة الضعيفة 5/ 149.
(3)
تقدم تخريجه ص
…
، الفقرة ....
هذا ولم يذكر صاحب الأصل: كيفيَّة التَّركات، مع أنَّها هي المقصودة بالذَّات، وها أنا أذكرها تكميلاً للفائدة، وتحصيلاً للحسنات الزَّائدة، فأقول:
إذا كانت التَّركة معلومة، وأمكن نسبة سهم كلِّ وارث من المسألة بجزء؛ كربع وسدس وثمن ونحو ذلك، فلذلك الوارث من التَّركات مثل نسبة سهمه إلى المسألة.
فلو ماتت امرأة عن مائة دينار مثلاً، وعن زوج وأبوين وابنتين، فالمسألة عائلة إلى خمسة عشر، للزَّوج: ثلاثة، وهي خُمُس المسألة، فله خُمُس التَّركة: عشرون ديناراً، ولكلِّ واحد من الأبوين: اثنان من خمسة عشر، وهما ثُلُثا خُمُسها، فلكل واحد منهما ثُلُثا خُمُس التَّركة: ثلاثة عشر ديناراً وثُلُث دينار، ولكلِّ واحدة من البنتين: أربعة من المسألة، ونسبتها إلى الخمسة عشر: خُمُس وثُلُث خمس، فأعطِ كلَّ واحدة منهما: ستَّة وعشرين ديناراً وثُلُثي دينار، فهي ضعف ما لكلِّ واحد من الأبوين.
وإن شئت ضربت سهام كلِّ وارث في التَّركة، وقسمت الحاصل على المسألة، فما خرج فهو نصيبه.
فسهام الزَّوج: ثلاثة، اضربها في مائة، واقسم الثلاثمائة على المسألة خمسة عشر، يحصل كما سبق.
واضرب لكلٍّ من الأبوين اثنين في مائة، واقسم المائتين على
الخمسة عشر، يخرج كما سبق.
واضرب لكلٍّ من البنتين أربعة في مائة، واقسم الأربعمائة على الخمسة عشر، يحصل كما سبق.
وإن شئت قسمت على غير ذلك من الطُّرق.