الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
في فضل الوتر وما ورد في قيام الليل
الوتر من العبادات العظيمة والطاعات الجليلة التي اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها وحافظ عليها وحرص على أدائها وأولاها أشد عناية، فكان صلى الله عليه وسلم لا يدع الوتر أبدا سفرا ولا حضرا (1).
وقد أكد على أهمية المحافظة على الوتر والاعتناء به وعدم التفريط فيه؛ فقال: «إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر» (2).
وقال: «إن الله قد أمدكم بصلاة وهي خير لكم من حمُر النعم وهي الوتر» (3).
(1) أخرجه البخاري في الصحيح (999)، ومسلم في الصحيح (700) عن ابن عمر.
(2)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 180، 206، 208) وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 198) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وله شاهد من حديث أبي بصرة، أخرجه أحمد في المسند (6/ 7، 397) وشاهد من حديث معاذ رضي الله عنه أخرجه أحمد في المسند (5/ 242).
(3)
أخرجه أبو داود في السنن، رقم 1413، والترمذي في الجامع، رقم (452) وقال: حديث غريب، وابن ماجة في السنن (1168) من حديث خارجة بن حذافة رضي الله عنه، قال ابن الصلاح: حسن الإسناد. ينظر: البدر المنير (4/ 212) وله شاهد من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، أخرجه الطبراني في الأوسط (7975). وحمر النعم: الإبل الحمُر. ينظر: الأزهري، التهذيب (3/ 13).
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة أن لا ينام حتى يُوتر (1).
وقال: «إن الله وتر يحب الوتر» (2).
وحذر من إهماله أو التهاون فيه، فقال:«من لم يوتر فليس منا» (3).
ولهذا أوجبه بعض أهل العلم، وعدَّه الجمهور من السنن
(1) أخرجه البخاري في الصحيح (1178)، ومسلم في الصحيح (721) وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا الدرداء رضي الله عنه، أخرجه مسلم في الصحيح (722) وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بذلك أيضا. أخرجه أحمد في المسند (5/ 173).
(2)
أخرجه البخاري في الصحيح، رقم (6410)، ومسلم في الصحيح (6) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه من حديث علي رضي الله عنه: أبو داود في السنن (1416)، والترمذي في الجامع (453) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في المجتبى (3/ 228)، وابن ماجة في السنن (1157)، وأحمد في المسند (2/ 223).
(3)
أخرجه أبو داود في السنن (1414)، وأحمد في المسند (5/ 375) من حديث بُريدة رضي الله عنه، وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه أحمد في المسند (2/ 443).
المؤكدة (1).
وقال الإمام أحمد: في رجل يترك الوتر متعمدا: هذا رجل سوء يترك سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: هذا ساقط العدالة إذا ترك الوتر متعمدا (2).
أما قيام الليل بعامة فمن أفضل الطاعات وأزكى القربات، قال تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان: 25 - 26].
وقال سبحانه في مدح الصالحين والثناء عليهم: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].
(1) ذهب أبو حنيفة إلى أن الوتر واجب، وذهب عامة أهل العلم إلى أنه سنة مؤكدة. ينظر: ابن الهمام، فتح القدير (1/ 423)، والعدوي في الشرح (1/ 503)، وابن عبد البر في التمهيد (5/ 189)، والشربيني في مغني المحتاج (1/ 414)، وابن أبي عمر في الشرح الكبير (4/ 106)، والمذهب عند الحنابلة: أنه أفضل من سنة الفجر وغيرها من الرواتب. ينظر: المرداوي في الإنصاف (4/ 106)، واختار ابن تيمية وجوبه على من يتهجد في الليل. ينظر: المرداوي في الإنصاف (4/ 407).
(2)
رواية معاذ بن المثنى (ت288هـ) كما في طبقات الحنابلة (2/ 418)، وفي رواية أبي بكر الأحول (ت223هـ) قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يترك الوتر، فقال: لا يكون عدلا. ابن يعلى في الطبقات (2/ 573). وانظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى (23/ 88).
وقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16].
وقال: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل» (1).
وقال: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه» (2).
وفي الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه (3).
ولذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم الرجل على إيقاظ زوجه لأدائها، فقال:«رحم الله رجلا قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح (4) في وجهها من الماء» .
(1) أخرجه مسلم في الصحيح (1663) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري في الصحيح (3420)، ومسلم في الصحيح (1159) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم في الصحيح (757) من حديث جابر رضي الله عنه.
(4)
النضح: رش الماء. ينظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (5/ 438).
كما حث المرأة أيضا فقال: «ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء» (1).
ومن ثمار هذه العبادة العظيمة ما تعود به على فاعلها من طيب النفس وانشراح الصدر ودفع الكسل والخمول، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم (2) إذا هو نام ثلاث عُقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان» (3).
وهي منهاة عن الإثم ومن مكفرات الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى
(1) أخرج أبو داود في السنن (1308، 1450)، والنسائي في المجتبى (3/ 205)، وابن ماجة في السنن (1336)، وأحمد في المسند (2/ 247، 250، 436) وابن حبان في الصحيح (2567)، والحاكم في المستدرك (1/ 309) وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
القفا: مؤخرة الرأس والعنق. ينظر: ابن فارس، مقاييس اللغة (5/ 112).
(3)
أخرجه البخاري في الصحيح (1142)، ومسلم في الصحيح (776) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ربكم ومكفر للسيئات ومنهاة عن الإثم» (1).
فما أعظمهما من منافع، وما أجملها من فضائل ومناقب.
أما من أعرض عن ذلك ونام حتى يُصبح، فذاك رجل بال الشيطان في أذنيه (2).
ولذلك اهتم السلف بالتأليف في ذلك، فكتبوا مؤلفات عديدة وتناولوا الموضوع من جوانب مختلفة، وإن كان أكثرها في بيان فضله، وما ورد في الحث عليه والدعوة إليه (3).
(1) أخرجه الترمذي في الجامع (3549) وقال: وهذا أصح، وابن خزيمة في الصحيح (2/ 176)، والطبراني في الكبير (8/ 109) والأوسط (3277)، وابن جرير وصححه كما في إتحاف المهرة (6/ 236)، والحاكم في المستدرك (1/ 308) وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم في الصحيح، رقم (774) من حديث ابن مسعود.
(3)
ينظر: كتاب التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا (ت281هـ) مطبوع، وكتاب قيام الليل وقيام رمضان، وكتاب الوتر لمحمد بن نصر المروزي (ت294هـ)(مختصر المقريزي) مطبوعة، وكتاب قيام الليل ابن المنذر (ت 318هـ) وأشار إليه في كتاب الأوسط (5/ 251) وغيرها.