الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى:
حكم الجهر بالقنوت
اختلف العلماء في حكم الجهر بالقنوت على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
لا يستحب الجهر بالقنوت.
وهو مذهب الحنفية والمالكية، ووجه عند الشافعية (1)، وقول سعيد بن المسيب، والأوزاعي (2).
القول الثاني:
يستحب الجهر بالقنوت للإمام.
وهو قول لبعض الحنفية (3)، ووجه عند الشافعية والمذهب عندهم (4)، ورواية عن أحمد (5).
(1) ينظر: المرغيناني، الهداية (1/ 438)، والعدوي، الشرح الكبير (1/ 398)، وذلك على القول بمشروعية القنوت في الوتر عند المالكية. والنووي، المجموع (3/ 442).
(2)
ينظر: محمد بن نصر، قيام الليل (150)، والوتر (138، 141).
(3)
ابن الهمام، فتح القدير (1/ 438) رواية عن أبي يوسف.
(4)
ينظر: النووي، المجموع (3/ 442)، والأذكار (120).
(5)
رواية مهنا. ينظر: بدائع الفوائد لابن القيم (4/ 1503).
القول الثالث:
يستحب الجهر بالقنوت للإمام والمنفرد.
وهو قول لمالك (1)، ورواية عن أحمد (2) والصحيح من المذهب (3)، وقول إسحاق (4).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].
وجه الاستدلال:
أن الله تعالى أمر بإخفاء الدعاء، وهو عام في القنوت وغيره (5).
(1) ينظر: مالك المدونة (1/ 103)، ومحمد بن نصر، قيام الليل (150).
(2)
رواية أبي داود، المسائل (96).
(3)
ينظر: المرداوي، الإنصاف (4/ 131).
(4)
ينظر: محمد بن نصر، قيام الليل (150) وقال: هو الذي اختار.
(5)
ينظر: البابرتي، العناية (1/ 438)، والعدوي، الشرح الكبير (1/ 398).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن ذكر الله في ملأ خير من ذكره في النفس (1).
وأجيب: بأن هذا في شأن الذكر لا في الدعاء، وفي غير الصلاة.
الوجه الثاني: بأنه إذا كان الأصل في الدعاء الإخفاء، إلا أنه يستحب الجهر به في بعض المواطن ومنها القنوت (2).
وأجيب: بأنه لا دليل معتبر على استثناء القنوت.
الدليل الثاني: حديث أبي موسى الأشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا
(1) كما في حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قال الله تعالى: إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» . أخرجه البخاري في الصحيح (7405)، ومسلم في الصحيح (2675)، وأحمد في المسند (2/ 251).
(2)
ومن ذلك الجهر بالدعاء في الحج، أخرجه أحمد في المسند (1/ 417)، وابن خزيمة في الصحيح (2806)، والحاكم في المستدرك (1/ 461) وصححه ووافقه الذهبي من حديث ابن مسعود، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود في السنن (1933).
غائبا» (1).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخفاء الدعاء، وهو عام في القنوت وغيره.
الدليل الثالث: حديث سعد بن أبي وقاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الذكر الخفي» (2).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل إخفاء الدعاء خيرًا من إظهاره، والقنوت دعاء.
الدليل الرابع: القياس على التشهد والدعاء في آخر الصلاة (3).
(1) أخرجه البخاري في الصحيح (4205، 6884)، ومسلم في الصحيح (2704)، وأحمد في المسند (4/ 392، 402، 418).
(2)
أخرجه أحمد في المسند (1/ 172، 180)، والطبراني في الدعاء (883)، وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 375، 13/ 240)، وابن حبان في الصحيح (809)، وأبو يعلى في المسند (731).
(3)
وقد اتفق العلماء على أنه لا يشرع الجهرية. ينظر: ابن تيمية، جامع المسائل (6/ 283). وينظر: القرافي، الذخيرة (2/ 231)، والنووي، المجموع (3/ 442)، والأذكار 120.
ونوقش: بأن القياس في العبادات غير معتبر.
الدليل الخامس: أن الجهر بالدعاء مظنة الرياء (1).
ونوقش: بأن كل عبادة ظاهرة مظنة لذلك.
وأجيب: بأنه كلما أمكن تجنب ذلك فهو أولى.
الدليل السادس: حديث عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنما قنت بكم لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم» (2).
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسر في قنوته ليسأل الناس حوائجهم.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول
وجه الاستدلال: أن الأصل في الدعاء الإخفاء، فلا يستحب الجهر إلا للإمام ليؤمن من خلفه (3).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا دليل على التفريق بين الإمام والمنفرد.
الوجه الثاني: أنه استدلال بمحل الخلاف فلا اعتبار له.
(1) ينظر: الدسوقي، الحاشية (1/ 398). وينظر فوائد إخفاء الدعاء ابن القيم، بدائع الفوائد (3/ 842).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
ينظر: ابن القيم، بدائع الفوائد (4/ 1503) عن الإمام أحمد.
الدليل الثاني: أنه لم يرد دليل على استحباب جهر المنفرد بالقنوت.
الدليل الثالث: القياس على التشهد في آخر الصلاة (1).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه قياس مع الفارق.
الوجه الثاني: أن القياس في العبادات غير معتبر.
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: أن عمر، وأبي بن كعب: كانا يجهران بالقنوت في الوتر (2).
وجه الاستدلال:
أنه فعل عمر وأبي بن كعب ولم يعرف لهما مخالف، فكان إجماعا (3).
(1) ينظر: النووي، المجموع (3/ 442). واستدل بعض الحنفية بأن قنوت عمر سورتان في مصحف ابن مسعود، فله شُبهة القرآن فيجهر به. ينظر: البابرتي، العناية (1/ 438).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه، وجاء عن الأعرج (ت117هـ) قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان. أخرجه مالك في الموطأ (255)، والبيهقي في السنن (2/ 497). ونوقش بأنه لا يلزم من لعنهم الجهر به.
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يصح عنهما (1).
الوجه الثاني: أنه محمول على الجواز لا على الاستحباب.
الدليل الثاني: القياس على القنوت في النوازل (2).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أنه قياس مع الفارق.
الوجه الثاني: أن القياس في العبادات غير معتبر.
الدليل الثالث: القياس على التأمين بعد تلاوة الفاتحة (3).
ونوقش: بما نوقش به الدليل الثاني.
الدليل الرابع: القياس على سؤال الرحمة والاستعاذة من
(1) تقدم بيان ذلك.
(2)
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويؤمن من خلفه، عن ابن عباس: أخرجه أبو داود في السنن (1443)، وأحمد في المسند (1/ 301)، وابن ماجة في الصحيح (618)، والحاكم في المستدرك (1/ 225) وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن (2/ 200).
(3)
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا آمين يجبكم الله» . أخرجه مسلم في الصحيح (404)، وأحمد في المسند (4/ 401)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
النار عند قراءة القرآن في الصلاة (1).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: بأنه قياس على مسألة خلافية (2).
الوجه الثاني: أن القياس في العبادات غير معتبر.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول؛ وذلك لقوة أدلته وورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
(1) فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل: إذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ. عن حُذيفة: أخرجه مسلم في الصحيح (772). وينظر: النووي، المجموع (3/ 442).
(2)
ينظر: القرافي، الذخيرة (2/ 143)، والنووي، المجموع (4/ 521).
المسألة الثانية:
حكم الجهر بالتأمين (1) على القنوت
لا يخلو التأمين على القنوت - من المأموم - من حالتين:
الحالة الأولى: أن يسمع المأموم قنوت الإمام.
الحالة الثانية: أن لا يسمع المأموم قنوت الإمام.
الحالة الأولى: أن يسمع المأموم قنوت الإمام.
وقد اتفق القائلون باستحباب الجهر بالقنوت على مشروعية الإسرار بالتأمين (2).
واختلفوا في حُكم تأمين المأموم جهرا على القنوت، على قولين:
(1) التأمين: قول آمين، أي: اللهم استجب. ينظر: الفيومي، المصباح (31).
(2)
ينظر: ابن أبي عمر، الشرح الكبير (4/ 130) وقال: لا نعلم فيه خلافا. اهـ. يعني: عند القائلين بذلك. إلا أنه نقل عن أحمد أنه يقنت ولا يؤمن. ينظر: المرداوي، الإنصاف (4/ 131). والمشروع أن يكون دعاء الإمام بلفظ الجمع لا بلفظ الإفراد؛ لعموم حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم» أخرجه أبو داود في السنن (90) والترمذي في الجامع (357) وقال حديث حسن، وأحمد في المسند (5/ 280) قال ابن تيمية: هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه. ينظر: ابن القيم، زاد المعاد (1/ 264)، وينظر: النووي، الأذكار (119).
القول الأول:
يستحب تأمين المأموم جهرا على القنوت.
وقال به بعض الحنفية (1)، وأحمد في رواية (2) وهي الصحيح من المذهب (3).
القول الثاني:
يستحب الجهر بالتأمين عند الدعاء والقنوت عند الثناء سرا.
وهو المذهب عند الشافعية (4)، ورواية عن أحمد (5).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: القياس على التأمين في قنوت النوازل (6).
الدليل الثاني: القياس على التأمين بعد تلاوة الفاتحة (7).
(1) ينظر: البابرتي، العناية (1/ 438).
(2)
رواية عبد الله، وأبي داود، وإسحاق، والمروذي، ينظر: مسائل عبد الله (97)، ومسائل أبي داود (96) ومسائل إسحاق (1/ 194)، وابن القيم، بدائع الفوائد (4/ 1503).
(3)
ينظر: المرداوي، الإنصاف (4/ 131).
(4)
ينظر: النووي، المجموع (3/ 443).
(5)
رواية أبي داود. ينظر: المسائل (96).
(6)
تقدم الدليل عليه ومناقشته.
(7)
تقدم الدليل عليه ومناقشته.
الدليل الثالث: أن التأمين دعاء، فيستحب الجهر به كما يستحب في حق الإمام.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن أبا حليمة معاذ القارئ: جهر بالقنوت حتى كانوا مما يسمعونه، يقول: اللهم قحط المطر، فيقولون آمين. فيقول: ما أسرع ما تقولون: آمين، دعوني حتى أدعو (1).
وجه الاستدلال:
أن معاذ القارئ نهى من خلفه عن التأمين وقت الثناء، ولم يُعرف له مخالف.
ونوقش: بأنه ضعيف (2).
الدليل الثاني: أن التأمين طلب فلا يكون إلا عند الدعاء.
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: بأن الدعاء والثناء قنوت فيستحب للمأموم كما يستحب للإمام.
الوجه الثاني: أن في القنوت عند الثناء مخالفة للإمام في
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/ 259)، وأبو داود، المسائل (99)، ومحمد بن نصر، الوتر (141).
(2)
فيه انقطاع، بين ابن سيرين وأبي حليمة.
الصلاة (1).
الترجيح:
الراجح -والله أعلم، على القول باستحباب الجهر- القول الأول، وذلك لقوة ما استدلوا به، وورود المناقشة على أدلة القول الآخر.
الحالة الثانية: أن لا يسمع المأموم قنوت الإمام.
وقد اختلف القائلون باستحباب الجهر بالقنوت في حكم قنوت المأموم إذا لم يسمع قنوت الإمام، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يستحب أن يقنت المأموم وحده.
وهو المذهب عند الشافعية (2)، ورواية عن أحمد وهي المذهب (3).
(1) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» أخرجه البخاري في الصحيح (688)، ومسلم في الصحيح (412)، وأحمد في المسند (6/ 51، 148) من حديث عائشة.
(2)
ينظر: النووي، المجموع (3/ 443).
(3)
رواية أبي داود. ينظر: أبو داود، المسائل (102) والمرداوي، الإنصاف (4/ 131)، والحجاوي، الإقناع (1/ 223).
القول الثاني:
يستحب تأمين المأموم.
وهو وجه عند الشافعية (1).
القول الثالث:
يخيَّر المأموم بين القنوت والتأمين.
وهو رواية عن أحمد (2).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: القياس على ما لا يُجهر به من الدعاء في الصلاة.
الدليل الثاني: القياس على ما لا يجهر به من التلاوة في الصلاة.
الدليل الثالث: القياس على المنفرد.
الدليل الرابع: أن تأمين من لم يسمع القنوت لا فائدة منه.
(1) ينظر: النووي، المجموع (3/ 443).
(2)
ينظر: المرداوي، الإنصاف (4/ 131).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن التأمين دعاء فلا حاجة إلى سماع الإمام.
ونوقش: بأن التأمين وإن كان دعاء إلا أنه دعاء معطوف على دعاء الإمام.
الدليل الثاني: أن انفراد المأموم بالقنوت عدول عن المتابعة للإمام (1).
ونوقش: بأن العدول عن المتابعة للإمام لا يكون إلا عند إمكان الاقتداء.
أدلة القول الثالث:
استدلوا بأن من لم يسمع القنوت مأموم من وجه ومنفرد من وجه، فله الخيار في التأمين أو القنوت.
ونوقش: بأن تأمين من لم يسمع القنوت لا معنى له.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم على القول باستحباب الجهر- هو القول الأول؛ وذلك لقوة أدلته وورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
(1) تقدم الدليل على وجوب المتابعة للإمام.