الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة:
حكم البكاء ونحوه في القنوت
اختلف العلماء في حكم البكاء ونحوه كالأنين والتأوه في القنوت (1)، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
لا يُفسد الصلاة إذا كان مغلوبا عليه، أو كان من خشية الله.
وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة (2).
القول الثاني:
يُفسد الصلاة إذا ظهر منه حرفان فأكثر.
وهو مذهب الشافعية (3).
القول الثالث:
لا يُفسد الصلاة إلا أن يكون تأوّها.
(1) قال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 503): أجمع العلماء على كراهية الأنين والتأوّه في الصلاة. والتأوه: كلمة تقال للتوجع أو الإشفاق، والأنين بمعناه. ينظر: الفيومي، المصباح (36) والفيروز آبادي، القاموس (الترتيب)(1/ 190).
(2)
ينظر: ابن الهمام، فتح القدير (1/ 397)، والعدوي، الشرح الكبير (1/ 454)، والقرافي، الذخيرة (2/ 140)، والمرداوي، الإنصاف (4/ 45).
(3)
ينظر: النووي، المجموع (4/ 9، 20).
وهو قول بعض الحنفية (1).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قوله تعالى: {قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107 - 109].
واستدل به من وجهين:
الوجه الأول: أن الله تعالى أثنى على البكائين في الصلاة من خشية الله، والثناء دليل المشروعية.
الوجه الثاني: أن البكاء من خشية الله يزيد الخشوع (2).
الدليل الثاني: حديث عبد الله بن الشِّخِّير (3)، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من
(1) قول أبي يوسف. ينظر: ابن الهمام، فتح القدير (1/ 397).
(2)
وقد أثنى الله تعالى على الخاشعين في الصلاة فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [سورة المؤمنون: 1 - 2).
(3)
عبد الله بن الشخير بن عوف العامري، أبو مطرِّف صحابي من مسلمة الفتح. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب (6/ 239)، وابن حجر، التقريب (514).
البكاء (1).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبكي في صلاته ولم يفسدها ذلك. والتأوه والأنين من خشية الله في معناه.
الدليل الثالث: حديث عائشة قالت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. فقال:«مروا أبا بكر فليصل بالناس» (2).
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر بالإمامة مع علمه أنه كان يبكي في صلاته.
الدليل الرابع: أن البكاء دليل على زيادة الخشوع فلا يفسد
(1) أخرجه أبو داود في السنن (904)، والنسائي في المجتبى (3/ 12)، وأحمد في المسند (4/ 25، 26)، وابن حبان في الصحيح (753)، والحاكم في المستدرك (1/ 264) وصححه ووافقه الذهبي. والأزيز: من الأزّ، وهو الدفع والإزعاج. ينظر: الأزهري، التهذيب (13/ 280)، والمزهر (203)، والمِرجل: قِدر من نحاس: ينظر: الفيومي، المصباح (185).
(2)
أخرجه البخاري في الصحيح (679، 682)، ومسلم في الصحيح (418)، وأحمد في المسند (6/ 34، 96، 229، 270).
الصلاة (1).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن البكاء ونحوه إذا ظهر منه حرفان فأكثر كلام، والصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس (2).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن البكاء ونحوه لا يسمى كلاما؛ لأن الكلام هو الجمل المركبة المفيدة (3).
الوجه الثاني: أن البكاء ونحوه من خشية الله لا يدخل في عموم الكلام المفسد للصلاة؛ لما تقدم في أدلة القول الأول.
الدليل الثاني: أن في البكاء ونحوه إيذاء للمصلين وإشغالا عن ذكر الله تعالى.
(1) ينظر: ابن الهمام، فتح القدير (1/ 397).
(2)
حديث معاوية بن الحكم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» أخرجه مسلم في الصحيح (537)، وأحمد في المسند (5/ 447)، وحديث زيد بن أرقم، قال: كنا نتكلم في الصلاة فأمرنا بالسكوت أخرجه البخاري في الصحيح (4535)، ومسلم في الصحيح (539)، وأحمد في المسند (1/ 463)، وينظر: النووي، المجموع (4/ 9، 20).
(3)
ينظر: ابن جني، الخصائص (1/ 17، 26)، وابن أبي عمر، الشرح الكبير (28/ 86).
ونوقش: بأن في البكاء من خشية الله ترقيقا للقلوب واستجلاء للخشوع لا إيذاء وإشغالا.
أدلة القول الثالث:
استدلوا بأن التأوه كلام (1) والصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس (2).
ونوقش: بما نوقش به الدليل الأول للقول الثاني.
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول؛ وذلك لقوة أدلته وورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
(1) لأنه زائد على حرفين، والكلام عند العرب: ثلاثة أحرف فأكثر. ينظر: البابرتي، العناية (1/ 397).
(2)
تقدم تخريجه. وينظر: ابن الهمام، فتح القدير (1/ 397).