الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث عشر: فضائل القرآن
إن قراءة القرآن وتلاوته عبادة من العبادات مثلها مثل سائر العبادات، وهي من الذكر يؤجر القارئ على قرأته له، ولذلك حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلاوته ودلنا على عظيم أجره، وكثرة القراءة للقرآن تولد عند المسلم الذي يَستمتع بقراءته لذة بتلاوته، وراحة نفسية واطمئنان في القلب، قال تعالى:{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وبتكرار القراءة بتلذذ فإن القارئ سوف يحاول أن يفهم ما يقرأ من القرآن بوعي وبصيرة .. فإذا فهم ما يقرؤه بوعي وبصيرة فإنه لاشك سوف يدخل إلى محراب التفكر والتدبر، ويبدأ بالتدبر لآيات الله في القرآن وعندها يكون عمل بمقتضاها عن علم ووعي وبصيرة.
وللقرآن صفات عظيمة يعجز البشر عن حصرها، ولكن منها الصفات الآتية (1):
1 -
كتاب عام للعالمين: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
2 -
المعجزة العظمى، الذي تحدَّى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو سورة واحدة، فعجزوا مجتمعين ومتفرقين عن الإتيان بشيء من ذلك، قال الله {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، وقوله تعالى {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)} [الطور: 33 - 34]، وبعد هذا التحدّي عجزوا أن يأتوا بمثله، فمدَّ لهم في الحبل وتحدَّاهم بعشر سور مثله:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13]، فعجزوا، فأرخى لهم في الحبل، وتحدّاهم بسورة مثله، قال الله تعالى:{{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 38].
وقد سمع هذا التحدِّي من سمع القرآن وعرفه الخاص والعام، ولم يتقدم أحد على أن يأتي بسورة مثله من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا اليوم (2) وإلى قيام الساعة، والقرآن يشتمل على آلاف المعجزات؛ لأنه مائة وأربع عشرة سورة، وقد وقع التحدي بسورة واحدة، وأقصر سورة في القرآن سورة الكوثر، وهي ثلاث آيات قصار، والقرآن يزيد بالاتفاق على ستة آلاف آية ومائتي آية، ومقدار سورة الكوثر من آيات أو آية طويلة على ترتيب كلماتها له حكم السورة الواحدة، ويقع بذلك التحدي والإعجاز؛ ولهذا كان القرآن يُغني عن جميع المعجزات الحسِّية والمعنوية؛ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإعجازه في وجوه كثيرة: الإعجاز البلاغي والبياني، والإخبار عن الغيوب بأنواعها، والإعجاز التشريعي، والإعجاز العلمي الحديث؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات على ما مثله آمن البشر،
(1) ينظر: عظمة القرآن وتعظيمه وأثره في النفوس في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني (كتاب منشور في الشبكة الالكترونية). (بتصرف بسيط).
(2)
انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، 4/ 71 - 77، والبداية والنهاية لابن كثير، 6/ 95.
وإنما كان الذي أُتيته وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" (1).
3 -
هدى للمتقين: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة: 1 - 2].
4 -
5 -
يهدي للتي هي أقوم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)} [الإسراء: 9 - 10].
6 -
روحٌ وحياةٌ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
7 -
نور: يهدي به الله من يشاء من عباده: {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)} [النساء: 174 - 175].
8 -
فرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
9 -
شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين} [يونس: 57]، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلَاّ خَسَارًا} [الإسراء: 82]، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد} [فصلت: 44].
10 -
القرآن تبيانٌ لكل شيء: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} [النحل: 89].
11 -
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد} [فصلت: 1].
12 -
تكفَّل الله بحفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحجر: 9].
13 -
كتابٌ واضحٌ مبين: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين * يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} [المائدة: 16].
14 -
أُحْكِمَتْ آياته: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} (2).
15 -
فُصِّلت آياته: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون} [فصلت: 2 - 4].
16 -
تذكرةٌ لمن يخشى: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَاّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى * تَنزِيلاً مِّمَّنْ
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي، برقم 4981، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، برقم 152.
(2)
سورة هود، الآية:1.
خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى} [طه: 2 - 4].
17 -
ما تَنَزَّلت به الشياطين: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُون * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُون} [الشعراء: 209 - 212].
18 -
آياتٌ بيِّناتٌ في صدور أهل العلم: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49].
19 -
ذِكْرٌ وقرآنٌ مبين: {إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِين * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِين} [يس: 69 - 70].
20 -
21 -
عليٌّ حكيم: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيم} [الزخرف: 4].
22 -
بصائرُ للناس: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُون} [الجاثية: 20].
23 -
قرآنٌ مجيدٌ: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} [ق: 2].
24 -
قرآنٌ كريمٌ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيم*فِي كِتَابٍ مَّكْنُون * لَاّ يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُون*تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين} [الواقعة: 77 - 80].
25 -
لو أنزله الله على الجبال لخشعت، وتصدَّعت من خشيته تعالى:{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الحشر: 21].
26 -
يهدي إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مستقيم، ومصدِّقٌ لما بين يديه:{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم} [الأحقاف: 30].
27 -
يهدي إلى الرُّشد: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} الجن: 1 - 2].
28 -
في لوحٍ محفوظ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظ} [البروج: 21 - 22].
29 -
القرآن وصيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أوصى به في عدة أحاديث منها الأحاديث الآتية:
الحديث الأول: حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، فقد سُئل: هل أوصى رسول لله صلى الله عليه وسلم؛ قال: "أوصى بكتاب الله عز وجل "(1).
والمراد بالوصية بكتاب الله: حفظه حِسَّاً ومعنىً، فيُكرم، ويُصان، ويُتّبع ما فيه، فَيُعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته، وتعلُّمه، وتعليمه، ونحو ذلك (2).
الحديث الثاني: حديث جابر رضي الله عنهما في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في عرفات: "
…
وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت ونصحت، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم 2740، ومسلم، كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، برقم 1634.
(2)
فتح الباري، لابن حجر، 9/ 67.
السماء وينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد
…
" (1).
الحديث الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلُّوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه
…
" (2).
الحديث الرابع: حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في غدير خم [بين مكة والمدينة](3)، وفيه: "
…
وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور [هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة] فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به"، فحث على كتاب الله، ورغَّب فيه
…
" (4).
الحديث الخامس: حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله أوصني قال: "أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمر كلِّه"، "قلت: يا رسول الله زدني، قال:"عليك بتلاوة القرآن وذكر الله؛ فإنه نورٌ لك في الأرض وذخرٌ لك في السماء"(5).
فقد جاءت هذه الأحاديث تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله تعالى في عِدَّةِ مواقف: في خطبة عرفات، وفي خطبة أيام منى، وفي خطبته في غدير خم بين مكة والمدينة، وعند موته صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أهمية كتاب الله عز وجل.
30 -
والقرآن العظيم: من ابتغى الهُدى من غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعَّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه، من عَلِم علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم (6).
31 -
وقد وردت أحاديث كثيرة تبين فضل القرآن على سائر كلام البشر، وهو كلام الله فمنها:
من فضائل القرآن أنه يشفع يوم القيامة لمن قرأه وعمل به في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه"(7).
وقال صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا"(8).
وخير الناس هم الذين تعلموا القرآن وعلموه لوجه الله قال صلى الله عليه وسلم: " خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"(9).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء القرآن يوم القيامة يقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارق فيزاد بكل آية حسنة"(10).
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه؛ أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار» (11).
عن سهل بن معاذ الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه تاجا يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا فما ظنكم بالذي عمل بهذا» (12).
وروى البخاري عَنْ عَائِشَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ"(13).
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران"(14).
وروى النسائي وابن ماجة والحاكم بإسناد صحيح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"(15).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحْسَنُ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ؟ قَالَ: "مَنْ إِذَا سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ رَأَيْتَ أَنَّهُ يَخْشَ
(1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1218.
(2)
الحاكم، 1/ 93، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 124، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم 472.
(3)
اسم لفيضة على ثلاثة أميال من الجحفة، غدير يقال له: غدير خم. [شرح النووي على صحيح مسلم].
(4)
مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، برقم 2408.
(5)
ابن حبان في صحيحه مطولاً، برقم 361، 2/ 78، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 164، برقم 1422.
(6)
انظر: الترمذي، برقم 2906، وكل ما جاء في هذا الأثر فمعناه صحيح حتى ولو لم يأتِ في حديث، لكن المعنى تدل عليه عموم الأدلة من الكتاب والسنة.
(7)
صحيح مسلم (1/ 553) برقم (804)
(8)
رَوَاه مُسْلِم (1/ 805)، والتِّرمِذِي (5/ 2883)
(9)
رَوَاه البُخَارِي (6/ 5027)، وأَبُو دَاوُد (2/ 1452).
(10)
صحيح الجامع (8030)(حديث حسن).
(11)
أخرجه الترمذي، ومعنى استظهره، حفظه عن ظهر قلب.
(12)
أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح الإسناد.
(13)
البخاري، 4/ 1882 رقم 4653.
(14)
مسلم 1/ 549 رقم 798.
(15)
ابن ماجة 1/ 78 رقم 215. قال عنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح. المستدرك 1/ 743 رقم 2046.