الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموجود بين عدة سور كالأنفال، وبراءة، والتناسب الموجود بين الطلاق، والتحريم، والضحى، والشرح
…
مما لا يتوقف في وضوحه من له أدنى نظر، كما نقل عن أبي محمد بن عطية (1) قوله بتفصيل في المسألة، وساق له ابن الزبير في كتابه البرهان بعض ما يؤيد هذا الرأي، منه قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم:"إقرأوا الزهروان البقرة، وآل عمران"(2)، وحديث يؤتى بالقرآن يوم القيامة تقدمه سورة البقرة (3)، وحديث: صلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة (4)، وحديث كان يجمع المفصل في ركعة (5)، وحديث رواه البخاري من طريق عائشة:"أن النبي كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة قرأ المعوذتين .. "(6)، وكأنه يؤيد الرأي القائل بأن ترتيب السور، إن لم يكن رسول الله-صلى الله عليه وسلم، قد أمر به بلسان المقال، فإنه قد أشار إليه بلسان الحال، وهو ما كان عليه أكثر عمله، وأن العبرة بما ورد على الأكثر والإجمال، لا على القلة والتفصيل، وقليل بقي فيه الخلاف.
ثانيا: - أم الكتاب:
جاء في "المسند" و"سنن ابن ماجه" عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ صَلَّى صلاةً لم يَقْرَأ فيها بأمِّ الكتابِ فهي خِدَاجٌ"(7).
وفي "سنن أبي داود" من حديث أبي هريرة: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أمُّ القرآن، وأمُّ الكتاب، والسَّبعُ المثاني"(8).
وفي هذا الغسم خلاف، جوّزه الجمهور (9)، وقد سمَّاها ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه: أمَّ الكتاب.
وكرهه أنس والحسن، وابن سيرين (10)، قل الحسن:"أمُّ الكتاب الحلال والحرام"(11).
(1) هو عبد الحق بن غالب ابن عبد الرحمن ابن عطية الأندلسي المحاربي الغرناطي، كان فقيها نبيها مفسرا أديبا شاعرا ذكره صاحب الصلة، وقال: كان مولده سنة: 481 هـ، وتوفي في 25 رمضان، سنة 541 هـ، بمدينة يورقة، من أشهر مصنفاته:"المحرر الوجيز" أنظر: تاريخ قضاة الأندلس، ص:109. و- الأعلام، ج 3، ص: 282.
(2)
رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، وقصرها، باب: فضل قرآءة القرآن، وسورة البقرة، برقم:(804) من حديث معاوية بن سلام عن أخيه زيد، ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب: فضائل القرآن، أخبار في فضل سورة البقرة، برقم:(2071)، ورواه أحمد في المسند من حديث أبي أمامة البهلي، برقم:(21710/ 21642/21653)، و- في شعب الإيمان فصل في إدمان تلاوة القرآن برقم:(1980).
(3)
رواه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة المسافرين باب فضل قرآءة القرآن الكريم، برقم:(805)، ورواه أحمد في المسند من حديث النواس بن سمعان، برقم:(17185)، ورواه في الشعب، الكتاب: التاسع عشر، باب: تعظيم القرآن برقم: (2373).
(4)
المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، تحقيق: عامر العمري الأعظمي، الدار السلفية بندي بازار بومباي، الهند، في كتاب: الصلوات في الرجل يقرن السورة في الركعة: 1/ 367.
(5)
المصدر نفسه: 1/ 368.
(6)
أخرجه البخاري، ج 9، ص: 62، وأبو داود في سننه برقم:(5056)، والترمذي في الجامع ج 4، ص: 231، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم:(788)، وابن ماجة برقم:(3875)، وأخرجه الإمام أحمد ج 6، ص: 116 - 154، وابن حبان برقم:(5543 - 5544).
(7)
المسند: (6/ 143)، وسنن ابن ماجه:(840).
(8)
سنن أبي داود: (1452).
(9)
انظر: تفسير القرطبي: 1/ 111.
(10)
انظر: النكت والعيون: 1/ 46، وتفسير القرطبي: 1/ 111.
(11)
انظر: النكت والعيون: 1/ 46، وتفسير القرطبي: 1/ 111.
قال القرطبي: "يشيرُ إلى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}] آل عمران: 7]، وربما وجه بأنَّ أمَّ الكتاب هو اللوحُ المحفوظ، كما في قوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}] الرعد: 39]، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}] الزخرف: 4] "(1).
وقال أنس وابن سيرين: "أم الكتاب: اسم اللوح المحفوظ. قال الله تعالى: {وإنه في أم الكتاب} [الزخرف: 4] "(2).
وهذا لا يدلُّ على مَنْعِ تسمية الفاتحة بذلك. والله أعلم.
وقد اختلف في معنى تسميتها بأمِّ الكتاب، على ثلاثة أقوال (3):
أحدهما: أنها سميت بذلك، لأنَّها تتقدم على بقيَّة سُورِ الكتاب في الخطِّ، فهي تؤمُّ السور بتقدمها عليها، فالكتاب كله راجع إلى معانيها، فهي كالأصل له، كما سُمِّيت مكَّة أمّ القرى، لأن البلدان دُحِيت من تحتها.
والقرآن سمّيت بذلك لأنها أوّل القرآن والكتب المنزلة، فجميع ما أودعها من العلوم مجموع في هذه السورة فهي أصل لها كالأم للطفل.
والثاني: أنها سمّيت بذلك، لأنها أفضل سور القرآن كما أن مكة سميت أم القرى لأنها أشرف البلدان.
والثالث: أنها سمّيت بذلك، لأنها مجمع العلوم والخيرات، كما أن الدماغ يسمى أمّ الرأس لأنها مجمع الحواس والمنافع.
يقول أبو بكر البريدي: "الأم في كلام العرب: الراية ينصبها العسكر، قال قيس بن الخطيم:
نصبنا أمّنا حتى ابذعرّوا
…
وصاروا بعد إلفتهم شلالا
فسمّيت أم القرآن لأن مفزع أهل الإيمان إليها كمفزع العسكر إلى الراية.
ومنه قول ذي الرمة (4):
وَأَسَمْرَ، قَوَّامٍ إذَا نَام صُحْبَتِي،
…
خَفِيفِ الثِّيابِ لا تُوَارِي لَهُ أَزْرَا
عَلَى رَأْسِه أمٌّ لنا نَقْتَدِي بِهَا،
…
جِماعُ أمورٍ لا نُعاصِي لَهَا أمْرَا
إذَا نزلتْ قِيلَ: انزلُوا، وإذا غدَتْ
…
غَدَتْ ذاتَ بِرْزيقٍ نَنَال بِهَا فَخْرَا
يعني بقوله: على رأسه أمٌّ لنا، أي على رأس الرمح رايةٌ يجتمعون لها في النزول والرحيل وعند لقاء العدوّ (5).
والعرب تسمي الأرض: أمّا، لأنّ معاد الخلق إليها في حياتهم وبعد مماتهم، قال أمية بن أبي الصلت (6):
(1) تفسير القرطبي: 1/ 111.
(2)
تفسير القرطبي: 1/ 111.
(3)
انظر: النكت والعيون: 1/ 45 - 46، وتفسير الطبري: 1/ 107.
(4)
ديوانه: 183.
(5)
انظر: تفسير الطبري: 1/ 107 - 108.
(6)
ديوان أمية بن أبي الصلت 356، والأول في اللسان والتاج (سفد)، والثاني في المخصص 13/ 180، وبلا نسبة في المذكر والمؤنث للأنباري 187، في ديوانه:(نوّخها: أبركها. والطروقة: أنثى الفحل، شبه الماء والأرض بالأنثى والفحل) والبيت الثاني ذكره القرطبي في تفسيره، انظر: تفسير القرطبي: 1/ 112.