الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد معرفة سبب النزول
(1):
1 - الاستعانة على فهم الآية وإزالة الإشكال عنها:
مثاله:
أنه أشكل على عروة بن الزبير رضي الله عنهما أن يفهم فريضة السعي بين الصفا والمروة من قوله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 185]، وذلك لأن الآية نفت الجُناح، ونفي الجناح لا يدل على الفرضية، حتى سأل خالته السيدة عائشة رضي الله عنها عن ذلك، فأفهمته أن نفي الجُناح ليس نفياً للفرضية، إنما هو نفي لما وقر في أذهان المسلمين يومئذٍ من التحرج والتأثم من السعي بين الصفا والمروة؛ لأنه من عمل الجاهلية (2).
وقد اختلف أهل التفسير في سبب نزول هذه الآية على أقوال (3):
أحدها: قالت: عائشة-رضي الله عنها: "أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية"(4).
الثاني: قال الشعبي: "أن وَثَنًا كان في الجاهلية على الصفا يسمى (إسافًا)، ووثنًا على المرْوة يسمى (نائلة)، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت مَسحوا الوثَنين. فلما جاء الإسلام وكُسرت الأوثان، قال المسلمون: إنّ الصفا والمرْوة إنما كانَ يُطاف بهما من أجل الوَثنين، وليس الطواف بهما من الشعائر! قال: فأنزل الله: إنهما من الشعائر، " فمن حَجّ البيتَ أو اعتمر فلا جُناحَ عليه أن يطوّف بهما " (5).
وروي عن عامر (6)، ويزيد (7)، وأنس بن مالك (8)، وابن عمر (9)، ومجاهد (10)، وابن زيد (11)، نحو ذلك.
(1) انظر بالتفصيل الإتقان - السيوطي - ج 1 ص 29 بتصرف، وانظر المدخل لدراسة القرآن الكريم - أ. د. محمد أبو شهبة - ص 136 - 137.
(2)
مناهل العرفان - الزرقاني - ج 1 ص 109.
(3)
انظر: أسباب النزول للواحدي: 44 - 47، والعجاب: 1/ 406 - 411.
(4)
أسباب النزول للواحدي: 44 - 45. وأخرجه البخاري (فتح الباري: 3/ 614 - ح: 1790 3/ 497 - ح: 1643) ومسلم (2/ 928 - ح: 260 2/ 929 - ح: 261، 2/ 930 - ح: 263) والإمام مالك (الموطأ: 257 - ح: 835 رواية يحيى الليثي) والإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/ 78 - ح: 173، 18/ 79 - ح: 74) وأبو داود (2/ 453 - ح: 1901) والترمذي (5/ 208 - ح: 2965) والنسائي (جامع الأصول: 2/ 18) وابن ماجه (2/ 994 - ح: 2986) وابن جرير (2/ 29، 31) كلهم عن عائشة رضي الله عنها به.
(5)
أخرجه الطبري (2335): ص 3/ 331.
(6)
انظر: تفسير الطبري (2336): ص 3/ 231 - 232.
(7)
انظر: تفسير الطبري (2337): ص 3/ 232.
(8)
انظر: تفسير الطبري (2338)، و (2339): ص 3/ 232.
(9)
انظر: تفسير الطبري (2340): ص 3/ 233.
(10)
انظر: تفسير الطبري (2343)، و (2344): ص 3/ 235.
(11)
انظر: تفسير الطبري (2345): ص 3/ 235.
وقد ذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة أن إسافا ونائلة كانا بشرين، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قُريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عبدا، ثم حولا إلى الصفا والمروة، فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما، ولهذا يقول أبو طالب، في قصيدته المشهورة:
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم
…
بمفضى السيول من إساف ونائل (1)
الثالث: وقال قتادة: "قوله: {إنّ الصفا والمرْوَة من شعائر الله}، الآية، فكان حَيٌّ من تهامة في الجاهلية لا يسعون بينهما، فأخبرهم الله أنّ الصفا والمروة من شعائر الله، وكانَ من سُنة إبراهيم وإسماعيلَ الطواف بينهما"(2).
وروي عن عائشة (3)، نحو ذلك.
الرابع: وقال مقاتل بن سليمان: " وذلك أن الخمس: وهم قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صعصعة، قالوا: ليست الصفا والمروة من شعائر الله، وكان على الصفا صنم يقال له نائلة، وعلى المروة صنم يقال له يساف في الجاهلية. قالوا، إنه حرج علينا في الطواف بينهما، فكانوا لا يطوفون بينهما فأنزل الله- عز وجل {إن الصفا والمروة من شعائر الله} "(4).
الخامس: وقال ابن كثير: "قال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (5).
السادس: قال ابن عباس: " أنه كانَ في الجاهلية شَياطين تعزِفُ الليل أجمعَ بين الصفا والمروة، وكانت بَينهما آلهة، فلما جاء الإسلام وظَهر، قال المسلمون: يا رَسولَ الله، لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شركٌ كنا نفعله في الجاهلية! فأنزل الله: {فلا جُناح عليه أن يطوَّف بهما} "(6).
ومن هذا قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 93]، فهذا اللفظ الكريم يدل بظاهره على أن للإنسان أن يصلي إلى أي جهة شاء، ولا يجب عليه أن يولي وجهه شطر البيت الحرام لا في سفر ولا في حضر، لكن إذا علم أن هذه الآية نازلة في نافلة السفر خاصة، أو فيمن صلى باجتهاده ثم ظهر له خطأ ذلك (7) فلا بد أن يقصرها على هذا السبب ويعلم أنه في صلاة الفرض لا بد من التوجه قِبَل الكعبة المشرفة.
(1) السيرة النبوية لابن إسحاق (رقم النص 4) ط، حميد الله، المغرب.
(2)
أخرجه الطبري (2349): ص 3/ 236، و (2352): ص 3/ 238.
(3)
انظر: تفسير الطبري (2350)، و (2351): ص 3/ 236 - 237.
(4)
تفسير مقاتل بن سليمان: 1/ 152.
(5)
انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 470.
(6)
أخرجه الطبري (2342): ص 3/ 234، وتفسير القرطبي: 2/ 179، وانظر: أسباب النزول للواحدي: 46، حكاه عن السدي.
(7)
الإتقان - السيوطي - ج 1 ص 29، وانظر البرهان - الزركشي - ج 1 ص 52 - 53