الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حمل من المدينة إلى مكة، وما حمل من المدينة إلى الحبشة، وما نزل مجملا، وما نزل مفسرا، وما اختلف فيه فقال بعضهم: مدني، وقال بعضهم: مكي، فهذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها، ويميز بينها، لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى" (1).
وقد فسرت وفصلت هذه الأنواع مع التمثيل لها بما وردت به الروايات في البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي، والزيادة والإحسان لابن عقيلة المكي مما لا حاجة معه لزيادة الكلام في بسطه ونقله" (2).
وما ذكره النيسابوري هنا من وجوب معرفة هذه الأنواع والتمييز بينها وجعل ذلك شرطا للتفسير لا يسلم له وفيه نظر. فليس كله مما له أثر في التفسير.
مدة نزول القرآن الكريم:
اختلف العلماء في تحديد? مدة نزول القرآن الكريم? على الرسول صلى الله عليه وسلم على أقوال:
أحدها: أنها ثماني عشرة سنة. روي هذا القول غير المشتهر عن الحسن. وأنه كان يقول ذكر لنا أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة، وأنه أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ثماني سنين في مكة قبل الهجرة وعشر سنين بعدها (3).
وهو قول ضعيف ينتج عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي عن ثمان وخمسين سنة وهو ما لم يقل به أحد.
قال ابن عطية: "وهذا قول مختل لا يصح عن الحسن والله أعلم"(4).
والثاني: أنها عشرون سنة: روي عن ابن عباس، وعكرمة، والشعبي وقتادة، واختاره ابن جزي الكلبي (5).
والثالث: أنها ثلاث وعشرون سنة. وهو قول الجمهور (6).
والرابع: أنها خمس وعشرون سنة. وهو قول من يذهب إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاش خمسا وستين سنة خلافا للمشهور (7).
وتجدر الإشارة بأن منشأ هذا الاختلاف يعود إلى عدة أسباب:
أحدها: الخلاف في مدة إقامته-عليه الصلاة والسلام بمكة بعد البعثة، فقيل: ثمان، وقيل عشر، وقيل ثلاث عشرة، وقيل خمس عشرة سنة. بناء على اختلاف الروايات في ذلك. فإذا أضيف إليها عشر سنين وهي مدة إقامته-عليه الصلاة والسلام-بالمدينة بعد الهجرة المتفق عليها كما
(1) التنبيه على فضل علوم القرآن. لأبي القاسم النيسابوري. منشور في مجلة المورد العراقية. بتحقيق محمد عبد الكريم كاظم. عدد (4)، مجلد (17)، عام 1409 هـ. الصفحات (305 - 322).
(2)
? انظر البرهان للزركشي (1/ 192)، والإتقان للسيوطي (1/ 36 - ) والزيادة والإحسان لابن عقيلة المكي (1/ 263).
(3)
انظر: تفسير الطبري: (15/ 179 - 180)، والمحرر الوجيز:(10/ 375)، وزاد المسير:(1/ 5)، والبحر المحيط:(6/ 87)، وفضائل القرآن، لابن الضريس:(74).
(4)
المحرر الوجيز: 10/ 357.
(5)
تفسير ابن جزي الكلبي (1/ 6، 4/ 210).
(6)
انظر البرهان (1/ 228)، والإتقان 1/ 146 وانظر علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير، رسالة دكتوراه، د. محمد صفاء حقي، 2/ 412.
(7)
انظر البرهان (1/ 228)، والإتقان 1/ 146 وانظر علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير، رسالة دكتوراه، د. محمد صفاء حقي، 2/ 412.
نص على ذلك ابن كثير حيث قال: "أما إقامته بالمدينة عشرا فهذا مما لا خلاف فيه .. "(1)، فينتج عن ذلك الأقوال السابقة.
والثاني: ومن الأسباب كذلك: اختلاف الاعتبار الذي يبدأ منه حساب تلك المدة، هل هو من بداية الرؤيا الصادقة، أو من البعثة التي تلاها فتور في نزول الوحي، أو من الرسالة وتتابع الوحي بعد ذلك.
والثالث: ومنها ايضا: التسامح والتساهل في تحديد الوقت، وجبر الكسور في حساب السنوات اختصارا وعادة، يقول ابن كثير:"إن العرب كثيرا ما يحذفون الكسور من كلامهم"(2).
والرابع: ومنها: الخلاف في عمره عليه الصلاة والسلام. حيث قيل إنه ستون سنة، وقيل ثلاث وستون، وقيل خمس وستون.
والمعتمد كما يقول ابن حجر أنه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين سنة وأن ما ورد مما يخالف ذلك فهو محمول إما على إلغاء الكسر في السنين أو جبر الكسر في الشهور (3).
وأضاف ابن كثير معنى جديدا في الجمع وهو: اعتبار قرن جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم في نزول الوحي حيث روي أنه قرن به عليه السلام ميكائيل في ابتداء الأمر. يلقي إليه الكلمة والشيء ثم قرن به جبريل (4).
كما أنه بعث صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة. كما قال النووي: "واتفقوا أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة. والصحيح أنها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثا وستين وهذا الذي ذكرناه أنه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء"(5).
وقد حاول الشيخ محمد الخضري اختيار تحديد دقيق للمدة فذكر أن مدة مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة هي اثنتا عشرة سنة، وخمسة أشهر، وثلاثة عشر يوما من يوم 17 رمضان سنة 41 من ميلاده الشريف إلى أول ربيع الأول سنة 54 منه.
ومدة إقامته بالمدينة بعد الهجرة هي تسع سنوات، وتسعة أشهر، وتسعة أيام من أول ربيع الأول سنة 45 إلى تاسع ذي الحجة سنة 63 من ميلاده الشريف، وهي سنة عشر من هجرته صلى الله عليه وسلم (6).
فصارت المدة بين مبتدأ التنزيل ومختتمه اثنتان وعشرون سنة وشهران واثنان وعشرون يوما (7).
وهذا التحديد هو ما أشار إليه الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه مناهل العرفان حيث ذكره وتعقبه فقال: "لكن هذا التحقيق لا يزال في حاجة إلى تحقيقات ثلاث: ذلك لأنه أهمل
(1) فضائل القرآن لابن كثير. بتحقيق: ابن إسحاق الحويني الأثري: 36.
(2)
فضائل القرآن لابن كثير: 36.
(3)
انظر: فتح الباري: 9/ 4.
(4)
فضائل القرآن الكريم لابن كثير: 36
(5)
شرح صحيح مسلم للنووي (15/ 99)، وانظر الزيادة والإحسان (1/ 252).
(6)
انظر تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد الخضري بك. ص 8 وتاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني ص 71. فقد ذكر تحديد الفترة المكية كما هنا.
(7)
انظر: تاريخ التشريع: 5.
من حسابه باكورة الوحي إليه صلى الله عليه وسلم عن طريق الرؤيا الصادقة ستة أشهر على أنها ثابتة في الصحيح. ثم جرى فيه على أنه ابتداء نزول القرآن كان ليلة السابع عشر من رمضان وهي ليلة القدر على بعض الآراء، غير أنه يخالف المشهور الذي يؤيده الصحيح.
ثم ذهب فيه مذهب القائلين بأن آخر ما نزل من القرآن هو آية: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وذلك في تاسع ذي الحجة سنة عشر من الهجرة، وسترى في مبحث آخر ما نزل من القرآن أن هذا المذهب غير صحيح (1) " (2).
ومما يعترض به على هذا التحديد أن يوم الفرقان 17 رمضان هو يوم الجمعة يقول الخضري عن يوم الفرقان، ويوم ابتداء إنزال القرآن الكريم: "
…
فهما متحدان في الوصف، وهو أنهما جميعا يوافقان الجمعة 17 رمضان وإن لم يكونا في سنة واحدة" (3).
والقول بأن يوم ابتداء إنزال القرآن يوافق يوم الجمعة معارض لما ثبت في صحيح مسلم عن يوم الاثنين وقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عنه: " ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت - أو أنزل علي فيه "(4).
كما حدد الشيخ محمد محمد أبو شهبة مدة نزول القرآن الكريم بأنها اثنتان وعشرون سنة وخمسة أشهر، ونصف الشهر. راعى في هذا التحديد ما ذهب إليه الجمهور من أنه صلى الله عليه وسلم ولد في الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، وتوفي في الثاني عشر أيضا من ربيع الأول عام إحدى عشرة من الهجرة.
وبين ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نبئ على رأس الأربعين من ميلاده الشريف وذلك من الثاني عشر من ربيع الأول وقد بدئ الوحي إليه بالرؤيا الصادقة ومكث على ذلك إلى السابع عشر من رمضان وجملة ذلك ستة أشهر وخمسة أيام حين نزل عليه صدر سورة اقرأ. وآخر آية نزلت عليه من القرآن هي قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية [البقرة: 281]، وقد روي أن ذلك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بتسعة أيام، وقيل بأحد عشر يوما، وقيل بواحد وعشرين يوما فلو أخذنا بالمتوسط تكون جملة المدة التي لم ينزل فيها القرآن ستة أشهر وستة عشر يوما. وجملة عمر صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون عاما، ومدة نبوته ثلاث وعشرون سنة فإذا أنقصنا منها ستة أشهر وستة عشر يوما يكون الباقي اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما.
ثم قال أبو شهبة بعد هذا معبرا عن فرحه به: "والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ثم انتقد حساب الخضري السابق بأنه بني على أن آخر آية نزلت هي قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية [المائدة: 3 ["(5).
وما ذكره أبو شهبة رحمه الله من تحديد فيه نظر كذلك. إذ جعل يوم السابع عشر من رمضان بداية إنزال القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تقدم أنه يوافق يوم الجمعة - على قول الخضري - وأنه بهذا يعارض ما ثبت في الصحيح?
(1) الصواب في آخر ما نزل، قوله تعالى:{واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} [البقرة / 281]
(2)
مناهل العرفان: 1/ 45.
(3)
تاريخ التشريع ص: 6، 7
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه من حديث طويل (2/ 819) رقم (1162). وراجع ص (49).
(5)
? المدخل لدراسة القرآن الكريم: 55، 56.