الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني: أنها أُنزلت بالمدينة
.
قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري (1)، روى منصور عن مجاهد قال:"إن إبليس رنَّ أربعَ رنَّاتٍ: حين لُعِنَ، وحين أُهبط من الجنَّة، وحين بُعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وحين أُنزلت فاتحة الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة"(2).
قال الحسين بن الفضل: "هذه هفوة من مجاهد، لأنّ العلماء على خلاف قوله"(3).
وروى الطَّبرانيُّ في "الأوسط": "حدثنا عُبيد بن غنَّام ثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ ثنا أبو الأَحْوَصِ عن منصورٍ عن مجاهدٍ عن أبي هريرة: أنَّ إبليسَ رنَّ حين أُنزلت فاتحةُ الكتابِ، وأُنزلت بالمدينة، وقال: لم يروه عن منصور إلا أبو الأحوص، تفرّد به أبو بكر بن أبي شيبة"(4)، ورواه سفيان وغيره عن منصور ووقفُوه على مجاهدٍ.
واستدلوا على هذا بحديث مشهور في صحيح مسلم: "بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك، فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة"(5).
فإن قيل: هذا كان في المدينة، فكيف جاء بفاتحة الكتاب وهي نزلت بمكة؟
يقال: هو لم يأتِ بها أصلاً، وإنما بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والبشارة يمكن أن تكون أيضاً على أمرٍ قد مضى، فبين له المزية لسورة الفاتحة وآخر آيتين أوتيهما صلى الله عليه وسلم من سورة البقرة، فالبشارة يمكن أن تكون عن شيء كان في الماضي، وهو كذلك، فلا يفهم منه أنه هو الذي نزل بها كما قال بعض المعاصرين: إن بعض القرآن قد ينزل به غير جبريل، فالأمر واضح أن جبريل هو الذي نزل به كما قال تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193]، فالقول بأن هذا في الجملة ولا يؤثر على ذلك أن ينزل غيره بآيةٍ أو نحو هذا، فهذا قول غير صحيح.
ومعروف قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة، وكان يقرأ الفاتحة، وآية الحجر تدل على نزولها بمكة.
القول الثالث: أنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة:
أراد بعض أهل العلم أن يوفق وأن يجمع فقال: نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة.
قال الشوكاني: "وقيل: إنّها نزلت مرّتين مرّةً بمكّة ومرّةً بالمدينة جمعًا بين هذه الرّوايات"(6).
(1) انظر: تفسير ابن كثير: 1/ 101، ومجمع البيان: 1/ 17.
(2)
انظر: الدر المنثور، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911 هـ)، ار الفكر - بيروت: 1/ 11.
(3)
الإتقان: 1/ 12.
(4)
المعجم الأوسط: (5/ 100 - رقم: 4788).
(5)
أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها - باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة (806)(ج 1 / ص 554).
(6)
فتح القدير: 1/ 73 - 74.