المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنزلات القرآن الكريم: - الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية - جـ ١

[عبد الله خضر حمد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المنهج في التفسير

- ‌الفصل الأولمهاد عام حول علوم القرآن

- ‌توطئة

- ‌القرآن في اللغة:

- ‌فوائد معرفة علوم القرآن:

- ‌ القرآن لغة واصطلاحا:

- ‌1 - تعريف القرآن لغة

- ‌2 - تعريف القرآن في الاصطلاح:

- ‌شرح محترزات وقيود التعريف:

- ‌أولا: - مفهوم الوحي

- ‌الوحي لغة:

- ‌الوحي في الاصطلاح الشرعي:

- ‌‌‌أنواع الوحيالإلهي:

- ‌أنواع الوحي

- ‌الفرق بين الوحي والإلهام

- ‌النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌شبه الجاحدين للوحي والرد عليها

- ‌ثانيا: - نزول القرآن

- ‌يطلق الإنزال في اللغة على معنيين:

- ‌ إنزال القرآن فيها توجيهان:

- ‌تنزلات القرآن الكريم:

- ‌الحكمة من تنجيم القرآن:

- ‌الحكمة الأولى: تثبيت فؤاد النبي

- ‌الحكمة الثانية: التدرج في التشريع

- ‌الحكمة الثالثة: بيان بلاغة القرآن الكريم فقد نزل مفرقًا في ثلاثة وعشرين عامًا

- ‌الحكمة الرابعة: مسايرة الحوادث والطوارئ في تجددها وتفرقها:

- ‌الحكمة الخامسة: : تنبيه المسلمين من وقت لآخر لأخطائهم التي وقعوا فيها وكيفية تصحيحها

- ‌الحكمة السادسة: توثيق وقائع السيرة النبوية المباركة والتاريخ

- ‌الحكمة السابعة: معرفة الناسخ والمنسوخ:

- ‌الحكمة الثامنة: تفضيل القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية:

- ‌وقت نزول القرآن الكريم:

- ‌1 - الآيات والسور المتفق على نزولها ليلاً:

- ‌أولاً: أواخرُ آلِ عمران:

- ‌ثانياً: آيات الثلاثة الذين خلفوا من سورة التوبة:

- ‌ثالثاً: أول سورة الفتح:

- ‌رابعاً: صدر سورة العلق:

- ‌خامساً وسادساً: المعوذتان:

- ‌2 - الآيات والسور المختلف في نزولها ليلاً:

- ‌أولاً: آيات تحويل القبلة:

- ‌ثانياً: آية {اليوم أكملت لكم دينكم}:

- ‌ثالثاً: {والله يعصمك من الناس} من سورة المائدة:

- ‌رابعاً: سورة الأنعام:

- ‌خامساً: سورة مريم:

- ‌سادساً: أول الحج:

- ‌سابعاً: آية الإذن في خروج النسوة في الأحزاب:

- ‌ثامناً: قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}:

- ‌تاسعاً: سورة المنافقون:

- ‌عاشراً: سورة المرسلات:

- ‌مدة نزول القرآن الكريم:

- ‌يوم إنزال القرآن:

- ‌شهر إنزال القرآن الكريم:

- ‌مقدار التنزيل:

- ‌ثالثا: - مراحل جمع القرآن الكريم وترتيبه

- ‌جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌رابعا: - المكي والمدني

- ‌للعلماء في معنى المكي والمدني ثلاثة اصطلاحات

- ‌الاصطلاح الأول: باعتبار المكان:

- ‌الاصطلاح الثاني: باعتبار المخاطب:

- ‌الاصطلاح الثالث: باعتبار زمن النزول:

- ‌الطريق إلى معرفة المكي والمدني:

- ‌المنهج الأول: السماعي النقلي:

- ‌المنهج الثاني: القياس الاجتهادي:

- ‌أولاً: ضوابط القرآن المكي هي

- ‌ثانياً: مميزات القرآن المكي:

- ‌ثالثاً: ضوابط القرآن المدني:

- ‌رابعا: - مميزان القرآن المدني

- ‌وللسور المدنية مميزات، منها:

- ‌فوائد معرفة المكي والمدني

- ‌خامسا: - أسباب النزول

- ‌طريق معرفة سبب النزول

- ‌أقسام أسباب النزول:

- ‌فوائد معرفة سبب النزول

- ‌1 - الاستعانة على فهم الآية وإزالة الإشكال عنها:

- ‌2 - معرفة الحكمة من تدرج التشريع:

- ‌3 - العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:

- ‌سادسا: - المحكم والمتشابه في القرآن الكريم

- ‌سابعا- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

- ‌أهمية النسخ في التفسير

- ‌ثامنا: - القراءات

- ‌القراءات لغة واصطلاحا

- ‌نشأة القراءات:

- ‌ والأحاديث المتواترة الواردة حول نزول القرآن على سبعة أحرف تدل على ذلك:

- ‌أقسام القراءات وبيان ما يقبل منها ومالا يقبل

- ‌فوائد اختلاف القراءات

- ‌التعريف بالقراء الأربعة عشر ورواتهم

- ‌أولاً: القراء العشرة ورواتهم:

- ‌1 - ابن عامر

- ‌2 - ابن كثير

- ‌3 - عاصم

- ‌4 - أبو عمرو

- ‌5 - حمزة

- ‌6 - نافع

- ‌7 - الكسائى

- ‌8 - أبو جعفر

- ‌9 - يعقوب

- ‌10 - خلف

- ‌السبب الداعى للاقتصار على القراء المشهورين

- ‌ثانياً: القراء الأربعة تتمة الأربعة عشر

- ‌1 - أبو الحسن البصرى

- ‌2 - ابن محيصن

- ‌3 - يحيى اليزيدى

- ‌4 - الأعمش

- ‌حكم ما وراء القراءات العشر

- ‌تاسعا: - الإسرائيليات

- ‌أسباب دخول الإسرائيليات في المجتمع الإسلامي:

- ‌حكم الإسرائيليات:

- ‌عاشرا: تفسير القرآن وشرفه

- ‌المنهج الأمثل في تفسير القرآن

- ‌1 - تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌2 - تفسير القرآن بالسنة:

- ‌3 - الانتفاع بتفسير الصحابة والتابعين:

- ‌4 - الأخذ بمطلق اللغة:

- ‌5 - مراعاة السياق:

- ‌6 - الاهتمام بعلوم القرآن إجمالاً وخاصة سبب النزول:

- ‌7 - اعتبار القرآن أصلاً يرجع إليه:

- ‌حادي عشر: - إعجاز القرآن

- ‌أ- الإعجاز البياني:

- ‌ب- الإعجاز التشريعي:

- ‌ومن نماذج من الإعجاز التشريعي:

- ‌ت- الإعجاز العلمي:

- ‌الثاني عشر: ترجمة القرآن الكريم بغير لغته

- ‌أقسام الترجمة

- ‌أولاً: الترجمة الحرفية:

- ‌ثانياً: الترجمة المعنوية والتفسيرية:

- ‌موقف العلماء من ترجمة القرآن الكريم:

- ‌أولاً: الترجمة الحرفية لا تجوز وذلك:

- ‌ثانياً: الترجمة التفسيرية أو المعنوية:

- ‌شروط الترجمة:

- ‌الثالث عشر: فضائل القرآن

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولا: - أنواع التفسير

- ‌1 - التفسير بالمأثور (بالرواية)، وأقسامه:

- ‌ أقسام التفسير بالرواية

- ‌أ- تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌ب- تفسير القرآن بالسنة:

- ‌ت- تفسير القرآن بقول الصحابي:

- ‌ث- تفسير القرآن بقول التابعي:

- ‌أشهر تفاسير القرن الثالث والرابع

- ‌ومن هذه التفاسير الموسوعية أيضاً:

- ‌2 - التفسير بالدراية:

- ‌3 - التفسير الإشاري

- ‌ آراء العلماء التي نسترشد بها في تحديد شروط قبول التفسير الإشاري

- ‌1 - رأى ابن الصلاح:

- ‌2 - رأى الشاطبى:

- ‌3 - رأى تاج الدين بن عطاء الله:

- ‌4 - رأى حاجى خليفة:

- ‌5 - رأى سعد الدين التفتازانى:

- ‌6 - رأى محى الدين ابن عربي:

- ‌7 - رأي أبي حامد الغزالي:

- ‌8 - رأي الأستاذ محمد عبد العظيم الرزقانى:

- ‌9 - رأي الأستاذ محمد حسين الذهبي:

- ‌10 - رأي الدكتور محمد كمال جعفر:

- ‌أمثلة على التفسير الإشاري:

- ‌ثانيا: - اتجاهات التفسير

- ‌1 - الاتجاه اللغوي:

- ‌2 - الاتجاه العلمي:

- ‌3 - الاتجاه الموضوعي:

- ‌4 - الاتجاه الفقهي:

- ‌5 - الاتجاه البلاغي:

- ‌أهمية التفسير البلاغي:

- ‌1 - الوقوف على معجزة القرآن الكريم البلاغية التي تحدى بها الله تعالى العرب

- ‌2 - توجيه التفسير للألفاظ والجمل القرآنية بما يرفع الإشكال ويوضح المعنى

- ‌3 - فهم المعاني القرآنية من خلال معرفة القرائن وسياق النص ولهجات العرب

- ‌4 - إثراء المعاني للألفاظ والجمل التي ظاهرها التماثل والتشابه

- ‌خاتمة التمهيد

- ‌ أهم النتائج التي توصلنا إليها من هذا التمهيد

- ‌تفسير سورة الفاتحة

- ‌لهذه السورة أسماءٌ متعددةٌ

- ‌أولا: - فاتحةُ الكتابِ

- ‌ثانيا: - أم الكتاب:

- ‌ثالثا: - أمُّ القرآن:

- ‌الرابع: - السبع المثاني:

- ‌الخامس: القرآنُ العظيم:

- ‌السادس: الصَّلاة:

- ‌السابع: - رقية الحقِّ:

- ‌الثامن: - سورة الحمد:

- ‌التاسع: - الشفاء:

- ‌العاشر: - الوافية:

- ‌الحادي عشر: - الأساس:

- ‌الثاني عشر: - الكنز

- ‌الثالثة عشر: - الشكر

- ‌الرابعة عشر: - الثناء:

- ‌الخامسة عشر: -المناجاة:

- ‌السادسة عشر- التفويض:

- ‌السابعة عشر: - الدعاء:

- ‌الثامنة عشر: - النور

- ‌التاسعة عشر: - تعليم المسألة:

- ‌العشرون: - السؤال:

- ‌ اختلف العلماء في مواضع نزولها

- ‌القول الأول: أنَّها نزلت بمكَّة

- ‌القول الثاني: أنها أُنزلت بالمدينة

- ‌القول الثالث: أنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة:

الفصل: ‌تنزلات القرآن الكريم:

‌تنزلات القرآن الكريم:

في هذه المسألة طرفان، أحدهما متفق عليه، والآخر مختلف فيه، أما الطرف المتفق عليه، فهو أن القرآن لم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء جملة واحدة، بل كان ينزل الوحي به من عند الله، مفرقا حسب الحوادث والأحوال.

وقد جاءت الآيات تقرر ذلك بوضوح تام لا لبس فيه، وتقرر حكمة النزول على تلك الصفة:

1 -

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32].

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينةً وثباتاً، وخصوصاً عند ورود أسباب القلق؛ فإن نزول القرآن عند حدوث السبب، يكون له موقع عظيم، وتثبيت كثير، أبلغ مما لو كان نازلاً قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه.

{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} ، أي: مهلناه ودرجناك فيه تدريجاً، وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن، وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، حيث جعل إنزال كتابه جارياً على أحوال الرسول ومصالحه الدينية " (1).

2 -

قال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: " {عَلَى مُكْثٍ} على مهل، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه ويستخرجوا علومه، {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزيلاً}، شيئًا فشيئًا مفرَّقًا في ثلاث وعشرين سنَة"(2).

ومما يؤكد نزول القرآن مفرَّقاً: انقطاع الوحي في حادثة الإفك التي اتهمت فيها عائشة رضي الله عنها بالزنى، وقد انتظر النبي صلى الله عليه وسلم نزول القرآن؛ لعظيم وقع المصيبة بتهمة زوجه حتى نزل قوله {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11].

ومما يؤكد نزول القرآن مفرَّقاً - أيضاً -: الآيات الأولى من سورة " عبس "؛ وذلك عندما أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليم ابن أم مكتوم الأعمى طمعاً في إسلام كبار قريش.

وأما الذي وقع الخلاف فيه، فهو أول وأصل نزول القرآن: هل نزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم مفرقا، أو كان نزوله على صفة واحدة، مفرقا حسب الوقائع، كما سبق.

وسبب ذلك الخلاف هو فهم بعض الآيات التي تدل على نزول القرآن في وقت واحد، مثل قوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، مع تصريح ابن عباس رضي الله عنه بذلك الفهم.

(1) تفسير السعدي: 582.

(2)

تفسير السعدي: 468.

ص: 33

وقد اختلف العلماء في هذا النزول على أقوال:

أولها: أن القرآن قد نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملةً واحدة، ثم نزل بعد ذلك منجَّماً في ثلاث وعشرين سنة. قاله ابن عباس وهو قول الأكثرين. وهو الراجح.

قال عنه الزركشي" إنه أشهر وأصح وإليه ذهب الأكثرون"(1).

ووصفه ابن حجر بأنه: "الصحيح المعتمد"(2). وقال ذلك عنه -أيضا- القسطلاني في لطائف الإشارات (3).

وذكر السيوطي أن القرطبي حكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا (4).

وحكاية الإجماع في ذلك لا تصح لوجود المخالف في ذلك وتعدد المذاهب فيه.

وأدلة هذا القول:

1 -

أنه ظاهر الآيات الثلاث في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان: 3] وقوله جل وعلا: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185].

فقد دل ظاهر هذه الآيات الثلاث أن القرآن الكريم أنزل جملة في ليلة واحدة توصف بأنها مباركة من شهر رمضان. وهذا وصف مغاير لصفة نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إنه من المعلوم المقطوع به أن القرآن نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما مفرقا في نحو ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث.

فتعين أن يكون هذا النزول الذي دل عليه ظاهر الآيات نزولا آخر غير النزول المباشر على النبي صلى الله عليه وسلم.

2 -

أنه صريح الآثار الواردة عن ابن عباس، والتي لها حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن الأخبار التي استند إليها أصحاب هذا المذهب:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة". ثم قرأ: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33]، {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] " (5).

(1) البرهان: 1/ 228.

(2)

فتح الباي: 9/ 4.

(3)

انظر: لطائف الإشارات: 22.

(4)

الإتقان (1/ 148)، ومناهل العرفان (1/ 39)، تفسير القرطبي (2/ 297).

(5)

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (368)، وانظر طبعة المغرب بتحقيق أحمد الخياطي (2/ 202) وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 222) و (2/ 368) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 368) وشعب الإيمان (2/ 415) رقم 2249، والنسائي في التفسير (2/ 131) رقم 392 وقال المحقق صحيح. وأخرجه ابن جرير في تفسيره (15/ 178) و (30/ 258). وانظر: فضائل القرآن للنسائي (59)، وابن الضريس (72). والمرشد الوجيز (14 - ) وذكره ابن كثير في فضائل القرآن (6) عن أبي عبيد ثم قال: هذا إسناد صحيح.

وقال أبو عبيد: ولا أدري كيف قرأ يزيد في حديثه "فرقناه" مشددة أم لا؟ إلا أنه لا ينبغي أن تكون على هذا التفسير إلا بالتشديد "فرقناه".

وقراءة الجمهور بالتخفيف، وقرأ بالتشديد أبي، وعبد الله بن مسعود وعلي وابن عباس، وأبو رجاء وغيرهم. انظر تفسير ابن جرير (15/ 178)، والبحر المحيط (6/ 87). ومعجم القراءات القرآنية (3/ 342).

ص: 34

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلا "(1).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم"(2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] " (3).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً، ثُمَّ أُنْزِلَ نُجُومًا"(4).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أنزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه أو أن يحدث منه شيئا أحدثه"(5).

وعن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأله عطيه بن الأسود فقال: إنه وقع في قلبي الشك في قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185] وقوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] وقوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [الدخان: 3] وقد أنزل في شوال، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، وشهر ربيع الأول؟ فقال ابن عباس -

(1) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 368)، والطبراني في الكبير (12/ 26) رقم 12381، والحاكم في المستدرك (2/ 223) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن (59 - 60) وزاد في آخره: قال سفيان: خمس آيات، ونحوها. وانظر المرشد الوجيز لأبي شامة (20). وذكره السيوطي في الدر المنثور بنحوه (1/ 457) وزاد نسبته للفريابي وابن جرير ومحمد بن نصر وابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 157) وقال: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 26) رقم (12382)، والهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 140) وقال عنه: رواه الطبراني والبزار باختصار ورجال البزار رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني عمرو بن عبد الغفار وهو ضعيف. وذكره السيوطي في الدر المنثور (8/ 567) وزاد نسبته لابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل.

(3)

أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 367) وفي شعب الإيمان (3/ 320) رقم (3659)، والحاكم في المستدرك (2/ 222) وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وابن الضريس في فضائل القرآن (72). وذكره أبو شامة في المرشد الوجيز (17) وذكر السيوطي -نحوه- في الدر المنثور وزاد نسبته لابن جرير وابن مردويه ومحمد بن نصر والطبراني وأخرجه النسائي في تفسيره (2/ 539) رقم (709) وقال المحقق: صحيح

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 247) رقم (11839) والهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 140) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

(5)

أخرجه النسائي في فضائل القرآن (59)، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/ 368). والحاكم في المستدرك (2/ 222) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وأخرجه ابن الضريس بنحوه في فضائل القرآن (71 - ).

ص: 35

رضي الله عنهما-: إنه أنزل في رمضان، وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة؛ جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلا (1) في الشهور والأيام" (2).

وعن سعيد بن جبير قال: "نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان فجعل في بيت العزة، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة جواب كلام الناس"(3).

وعن سعيد بن جبير أيضا قال: "نزل القرآن جملة من السماء العليا إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم نزل مفصلا"(4).

وعن الربيع بن أنس في قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} قال: "أنزل الله القرآن جملة في ليلة القدر كله"(5).

وعن إبراهيم النخعي في قوله عز وجل: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} قال: "أنزل جملة على جبريل عليه السلام، وكان جبريل يجيء بعد إلى محمد صلى الله عليه وسلم"(6).

ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث والآثار التي أخرجها الأئمة وصححوا بعضها، والتي يعضد بعضها بعضا أنها وإن كانت موقوفة في جملتها على ابن عباس رضي الله عنهما فإن لها حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن قول الصحابي الذي لا يأخذ عن الإسرائيليات، فيما لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس لن يقول ما قال من هذا التفصيل والتحديد بمحض رأيه ومن عند نفسه فهو إذا محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه منه من الصحابة والصحابة كلهم عدول.

3 -

عدم معارضته للقول الثاني مع توجيه أدلة هذا القول والرد عليها.

4 -

ضعف الأقوال الأخرى.

5 -

انتفاء المحذور العقدي بالتصريح بسماع جبريل للقرآن من الله عز وجل دون واسطة.

6 -

شهرة القول وكثرة القائلين به، والمصححين له، حتى حكى القرطبي (7) الإجماع عليه.

القول الثاني: أنه ابتُدئ إنزال القرآن في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجَّما في أوقات مختلفة حسب الحوادث والوقائع وحاجات الناس، وهذ قول التابعي الجليل الشعبي (8)، ومحمد ابن إسحاق (9)، واختاره النسفي (10).

(1) رسلا: قطعة قطعة وفرقة فرقة. انظر: حاشية تفسير الطبري (3/ 446).

(2)

أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/ 369 - ) وأخرجه الطبري في تفسيره بسنده (3/ 448) ولم يسم فيه السائل. وأخرجه الطبراني في الكبير (11/ 309) رقم (12095) والهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 316) وقال عنه: وفيه سعد بن طريف وهو متروك. وذكره السيوطي في الدر المنثور (1/ 456) وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وابن مردويه، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة.

(3)

أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (72). وذكره السيوطي في الدر المنثور (1/ 457) ولم ينسبه لغير ابن الضريس.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه بسنده (2/ 294) رقم (79) وفيه حكيم بن جبير ضعيف. وذكره السيوطي في الدر المنثور (7/ 399) ولم ينسبه لغير سعيد بن منصور.

(5)

أخرجه عبد بن حميد كما ذكر السيوطي في الدر المنثور (8/ 567).

(6)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه بسنده (2/ 292) رقم (78) وذكره السيوطي في الدر المنثور (7/ 399) ولم ينسبه لغير سعيد بن منصور.

(7)

الإتقان (1/ 148)، ومناهل العرفان (1/ 39)، تفسير القرطبي (2/ 297).

(8)

انظر: تفسير الطبري: 24/ 531.

(9)

نسبه له الفخر الرازي في تفسيره: 5/ 85.

(10)

انظر تفسيره: 1/ 94، حيث قال:" {الذي أنزل فيه القرآن}: أي ابتدئ فيه إنزاله وكان في ليلة القدر .. "، وأشار إلى الإنزال جملة بصيغة التضعيف في تفسير سورة القدر (4/ 370) فقال:"روي أنه أنزل جملة".

ص: 36

وأدلتهم (1):

1 -

الواقع الفعلي لنزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه نزل منجما مفرقا حسب الحوادث والوقائع على نحو من ثلاث وعشرين سنة.

2 -

قوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106]، فصريح القرآن، وواقع نزوله يدل على تنجيمه وتفريقه.

3 -

أن الآيات الثلاث الواردة في وصف نزول القرآن المراد بها ابتداء نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ابتدأ نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة وفي هذا جمع بين هذه الآيات وقوله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].

4 -

أن ما جاء من الآثار الدالة على نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا وإن كانت صحيحة الإسناد فهي موقوفة على ابن عباس وغير متواترة. وهذه مسألة غيبية عقدية ولا يؤخذ في الغيبيات إلا بما تواتر يقينا في الكتاب والسنة فصحة الإسناد لا تكفي وحدها لوجوب اعتقاده. فكيف وقد نطق القرآن بخلافه.

وهذا القول قول قويّ، إلاّ أنّه يُردّ من أوجه ثلاثة:

الأوّل: أنّ أثر الشّعبي رحمه الله رواه عنه الطّبري (2)، بإسناد ضعيف، ففيه:

أ- عمران أبو العوّام، وهو صدوق يهم (3).

ب- وفيه عمرو بن عاصم الكلابي، فهو صدوق في حفظه شيء (4).

الثّاني: أنّ الثّابت عن الشّعبي هو ما يوافق الجمهور، رواه عنه الطّبري بإسناد صحيح (5).

الثّالث: أنّه مخالف لما ذكره ابن عبّاس رضي الله عنه، وأقوال الصّحابة هي الحجّة في كلّ باب عند انعدام النّصوص.

الرابع: كما يجاب على أدلة القول الثاني - على سبيل الإيجاز - بما يأتي:

1 -

أن صفة نزول القرآن المباشر على الرسول صلى الله عليه وسلم وكونه نزل عليه مفرقا، وكونه صريح قوله تعالى:{وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} هو محل إجماع ولا خلاف حوله ولا يعارض النزول جملة.

2 -

القول بأن المراد بالآيات الثلاث من سور البقرة، والدخان، والقدر، هو ابتداء النزول؛ هو صرف لها عن ظاهرها بغير صارف ويجعلها تحتاج إلى تقدير محذوف.

(1) انظر: مباحث في علوم القرآن. د. صبحي الصالح. (51) وتفسير جزء «عم» للشيخ محمد عبده ص (122) ط. بولاق.

(2)

انظر: تفسير الطبري: 24/ 531.

(3)

كما في "التّقريب"(2/ 83).

(4)

كما في "التّقريب"(2/ 72).

(5)

انظر: تفسير الطبري (2820): ص 3/ 447، و: ص 24/ 532، ولفظه:" "بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا". كما عد السخاوي في جمال القراء: 1/ 20، الشعبي من القائلين بالقول الأول مع ابن عباس وابن جبير.

ص: 37

فقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} أي ابتدأنا إنزاله. وهو يقتضي حمل القرآن على أن المراد به بعض أجزائه وأقسامه (1) فقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} أي أنزلنا بعضه.

3 -

أن القول بأن المسألة عقدية لا بد لها من أدلة متواترة قطعية الثبوت لإفادة العلم اليقيني ولا يكفي فيها الآثار الموقوفة؛ قول غير مسلم. واستبعاد الاستدلال بأحاديث الآحاد على العقائد غير صحيح فالعبرة بصحة الحديث فمتى صح الحديث احتج به سواء كان آحادا أم متواترا وسواء كان في الأحكام أم العقائد (2).

القول الثالث: أنّه نزل إلى السماء الدّنيا في ثلاث وعشرين ليلةِ قدر، في كلّ ليلة ينزل ما يقدّر الله إنزاله تلك السّنة.

وهذا قول ابن جريج (3)، وأبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي (4)، ومقاتل بن حيان (5)، وقال بنحوه مقاتل بن سليمان (6)، ونسبه السيوطي للفخر الرازي (7)،

كما ينسب هذا القول في كثير من كتب علوم القرآن للماوردي (8).

وهذا القول ضعيف مدفوع أيضا بمذهب الصّحابيّ.

قال عنه ابن حجر: "وهذا أورده ابن الأنباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضا"(9).

وقال عنه القرطبي: "قلت: وقول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الإجماع "أن القرآن أنزل جملة واحدة" (10).

وحكاية القرطبي للإجماع هنا غير مسلمة لما علمته من الأقوال في ذلك.

(1) انظر: مفاتبح الغيب: 5/ 85.

(2)

انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم (52).

(3)

انظر: تفسير الطبري (3/ 447). وتفسير أبي الليث السمرقندي (1/ 563) والدر المنثور للسيوطي (1/ 457).

(4)

قاله في كتابه المنهاج (2/ 234 - )، وانظر: البرهان (1، 229)، ولطائف الإشارات للقسطلاني (1/ 22)، والمرشد الوجيز (19).

(5)

انظر: الإتقان للسيوطي (1/ 148)، والزيادة والإحسان لابن عقيلة المكي (1/ 215) بتحقيق د. محمد صفاء حقي. رسالة ماجستير غير منشورة. قسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين. الرياض.

(6)

انظر: حاشية المرشد الوجيز بتحقيق طيار آلتي قولاج (18). وتفسير مقاتل بن سليمان (1/ 22 خ)، وتفسير أبي الليث السمرقندي (1/ 562).

(7)

انظر: مفاتيح الغيب: 5/ 85. وهي نسبة غير محررة فقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره هذا القول وجعله محتملا، وتوقف في الترجيح بينه وبين القول بنزوله جملة واحدة من اللوح المحفوظ ثم نزوله منجما بعد ذلك. لكنه في موضع آخر وبعد صفحة واحدة رجح القول الثاني. فقال: " .. التنزيل مختص بالنزول على سبيل التدريج والإنزال مختص بما يكون النزول فيه دفعة واحدة، ولهذا قال الله تعالى: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل} إذا ثبت هذا فنقول: لما كان المراد ههنا من قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}. نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. لا جرم ذكره بلفظ الإنزال دون التنزيل وهذا يدل على أن هذا القول راجح على سائر الأقوال".

(8)

انظر: المرشد الوجيز لأبي شامة (18، 19)، والبرهان (1/ 229)، والإتقان (1/ 148)، والزيادة والإحسان لابن عقيلة (1/ 215)، وهي نسبة غير محررة من حيث تحديد القول، وتعيين القائل.

(9)

فتح الباري (9/ 4)، ونقله القسطلاني في لطائف الإشارات (1/ 22).

(10)

تفسير القرطبي (2/ 298)، وانظر الإتقان (1/ 148).

ص: 38

القول الرابع: أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة، وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة. حكاه بعض المفسرين عن ابن عباس (1).

قال ابن حجر: " وهذا -أيضا- غريب"(2).

وقال أبو شامة: " وهو قول مردود لأنه ليس بين الله وجبريل واسطة في تلقي القرآن الكريم"(3).

وقال ابن العربي متعقبا هذا القول: "ومن جهلة المفسرين أنهم قالوا: إن السفرة ألقته إلى جبريل في عشرين ليلة وألقاه جبريل إلى محمد عليهما السلام في عشرين سنة وهذا باطل، ليس بين جبريل وبين الله واسطة، ولا بين جبريل ومحمد صلى الله عليهما واسطة"(4).

وقد نقل أبو شامة في المرشد الوجيز عن تفسير علي بن سهل النيسابوري عن جماعة من العلماء أن جبريل هو من أملاه على السفرة. قال: "قال جماعة من العلماء: تنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل عليه السلام، وغشى على أهل السماوات من هيبة كلام الله فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق} [سبأ: 23] يعني القرآن وهو معنى قوله: {حتى إذا فزع عن قلوبهم} [سبأ: 23] فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه جبريل على السفرة الكتبة. يعني الملائكة وهو قوله تعالى: {بأيدي سفرة} {كرام بررة} [عبس: 15 - 16] "(5).

وذهب إلى هذا المعنى من إملاء جبريل القرآن على السفرة علم الدين السخاوي في جمال القرآن في معرض حديثه عن حكمة إنزاله جملة فقال: " .. وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة عليهم السلام وإنساخهم إياه، وتلاوتهم له"(6) فيكون قولا خامسا.

وقد حاول ابن عقيلة المكي الإجابة عما تضمنه ذلك الخبر من عدم أخذ جبريل للقرآن من الله. فقال بعد أن ساق الخبر: "فهذا يقضي أن جبريل ما أخذه إلا عن السفرة. قلت: لا تنافي، لاحتمال أن جبريل عليه السلام سمعه من الله سبحانه وتعالى كما تقدم بصفة التجلي فعلمه جميعه ثم أمره الله أن يأخذه من اللوح المحفوظ فيضعه في بيت العزة عند السفرة، ثم أمر الله سبحانه وتعالى السفرة أن تنجمه على جبريل عليه السلام في عشرين ليلة لكل سنة ليلة وإنما كان التنجيم من السفرة على جبريل لما ذكره الحكيم الترمذي: إن سر وضع القرآن في السماء الدنيا ليدخل في حدها لأنه رحمة لأهلها. فأخذ جبريل عن السفرة إشارة إلى أنه صار مخصوصا بهم فلا يؤخذ إلا عنهم"(7).

(1) انظر: الدر المنثور: 5/ 345، وحكاه الماوردي عن ابن عباس في النكت والعيون (6/ 311)، وابن كثير في تفسيره: 7/ 544، الإتقان: السيوطي: ج 1 ص 54. وأخرجه - بنحوه - ابن أبي حاتم، وانظر الزيادة والإحسان (1/ 172، 218).

(2)

فتح الباري لابن حجر (9/ 4 - )، ونقل القسطلاني كلام ابن حجر في كتابه لطائف الإشارات (1/ 22).

(3)

المرشد الوجيز: 19.

(4)

أحكام القرآن لابن العربي (4/ 1961 - ) وانظر تفسير القرطبي (20/ 130).

(5)

? المرشد الوجيز (23)، وانظر تفسير القرطبي (20/ 130).

(6)

جمال القراء وكمال الإقراء للسخاوي (1/ 20).

(7)

? الزيادة والإحسان لابن عقيلة (1/ 172) بتحقيق: د. محمد صفاء حقي

ص: 39

ولا يخفى ما في هذا القول الأخير من ضعف، في كون جبريل عليه السلام يأخذ القرآن إلى السفرة ثم يأخذه منهم؛ ، دون إنكار صلة السفرة بالقرآن، قال تعالى:{فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)} [عبس: 13 - 16].

والاتفاق حاصل والإجماع قائم على صفة نزول القرآن الكريم المباشر على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه نزل منجما مفرقا من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قرب وفاته ينزل أحيانا ابتداء بغير سبب وهو أكثر القرآن الكريم وأحيانا أخرى ينزل مرتبطا بالأحداث والوقائع والأسباب.

وأما نزوله جملة فهو ظاهر القرآن في قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} وقوله: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فهو أنزل في ليلة اسمها ليلة القدر، وصفتها أنها مباركة، وشهرها شهر رمضان. وهو صريح الأخبار الواردة عن ابن عباس، والتي لها حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

وما دام أن النزول جملة لا يعارض صراحة النزول السابق، ولا يرتبط به من خلال تلك النصوص. بل هو نزول خاص، ووجود معين حيث القرآن الكريم كلام الله ومنزل من عند الله يتلقاه جبريل عليه السلام من الله بلا واسطة عند نزوله به على الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة.

وإن كان قد نزل به إلى بيت العزة فذلك نزول خاص. وأحد وجودات القرآن الكريم المتعددة. حيث يوجد القرآن الكريم في اللوح المحفوظ (1).

ويوجد - أيضا - في الصحف المطهرة الموجودة في أيدي الكرام البررة من الملائكة كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)} [عبس: 11 - 16].

ويوجد - كذلك - في بيت العزة من السماء الدنيا كما دلت على ذلك الأخبار عن ابن عباس. وجائز أن يكون الوجودان الأخيران مختلفين متغايرين وجائز أن يكونا وجودا واحدا بأن يكون القرآن الكريم في تلك الصحف في بيت العزة وبأيدي أولئك الملائكة الكرام كما يوجد في الأرض بنزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم والنزول مقترن بما عدا الأول من الوجودات المذكورة.

يقول البيهقي رحمه الله: "وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} يريد به والله أعلم إنا أسمعناه الملك، وأفهمناه إياه، وأنزلناه بما سمع فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل"(2).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد عرض قرر فيه أن القرآن الكريم كلام الله منزل من عند الله كما هو صريح القرآن، قال: "فعلم أن القرآن العربي منزل من الله لا من الهواء، ولا من اللوح، ولا من جسم آخر، ولا من جبريل، ولا من محمد، ولا غيرهما، وإذا كان

(1) عد الشيخ عبد العظيم الزرقاني هذا الوجود تنزلا. وجعله التنزل الأول والصواب أنه وجود إذ لم يرد لفظ النزول مقترنا به فلا يصح أن يعد نزولا أو تنزلا. وانظر: المدخل لدراسة القرآن للشيخ محمد أبو شهبة (47).

(2)

كتاب الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 362).

ص: 40

أهل الكتاب يعلمون ذلك (1) فمن لم يقر بذلك من هذه الأمة كان أهل الكتاب المقرون بذلك خيرا منه من هذا الوجه.

ثم قال: "وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك منجما مفرقا بحسب الحوادث. ولا يتنافى أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى:{بل هو قرآن مجيد} {في لوح محفوظ} وقال تعالى: {إنه لقرآن كريم} {في كتاب مكنون} {لا يمسه إلا المطهرون} وقال تعالى: {كلا إنها تذكرة} {فمن شاء ذكره} {في صحف مكرمة} {مرفوعة مطهرة} {بأيدي سفرة} {كرام بررة} . وقال تعالى: {وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم} . فإن كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك وإذ كان قد أنزله مكتوبا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أن ينزله

" (2).

فعلى هذا الوجه لا إشكال في القول بأن للقرآن تنزلين: نزول جملة، ونزول مفرق، ولا يترتب عليه محذور. وإنما يقع المحذور ويحصل الإشكال في القول بأن جبريل يأخذ القرآن من الكتاب أو من بيت العزة عند نزوله به على الرسول صلى الله عليه وسلم من دون سماع من الله تعالى. كما نقل أبو شامة عن الحكيم الترمذي - في معرض حديثه عن حكمة نزول القرآن جملة - قوله:"ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب .. "(3).

وكما قد يفهم من ظاهر بعض الآثار فمثل هذا القول، ومثل هذا الفهم للقول بأن للقرآن تنزلين؛ لا يصح. فهو أولا لم يرد في تلك النصوص المفسرة والمفصلة لنزول القرآن جملة. وثانيا أنه يلزم منه أن جبريل عليه السلام لم يسمع القرآن من الله عز وجل وأن القرآن نزل من مخلوق لا من الله وهذا باطل.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، وهو الذي نزل عليه به، وجبريل سمعه من الله تعالى، كما نص على ذلك أحمد وغيره من الأئمة. قال تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} فأخبر سبحانه أنه نزله روح القدس وهو الروح الأمين، وهو جبريل من الله بالحق .. "(4).

وذكر ابن تيمية عن أبي حامد الإسفرائيني قوله: "مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال: مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعا من الله، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا، وفيما بين الدفتين، وما في صدورنا: مسموعا، ومكتوبا، ومحفوظا .. "(5).

(1) إشارة إلى قوله تعالى: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين الأنعام، من الآية / 114.

(2)

الفتاوى لابن تيمية (12/ 126 - )

(3)

? المرشد الوجيز (26).

(4)

الفتاوى (12/ 298) باختصار.

(5)

الفتاوى (12/ 306).

ص: 41