المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - التفسير الإشاري - الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية - جـ ١

[عبد الله خضر حمد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المنهج في التفسير

- ‌الفصل الأولمهاد عام حول علوم القرآن

- ‌توطئة

- ‌القرآن في اللغة:

- ‌فوائد معرفة علوم القرآن:

- ‌ القرآن لغة واصطلاحا:

- ‌1 - تعريف القرآن لغة

- ‌2 - تعريف القرآن في الاصطلاح:

- ‌شرح محترزات وقيود التعريف:

- ‌أولا: - مفهوم الوحي

- ‌الوحي لغة:

- ‌الوحي في الاصطلاح الشرعي:

- ‌‌‌أنواع الوحيالإلهي:

- ‌أنواع الوحي

- ‌الفرق بين الوحي والإلهام

- ‌النبي والرسول والفرق بينهما

- ‌شبه الجاحدين للوحي والرد عليها

- ‌ثانيا: - نزول القرآن

- ‌يطلق الإنزال في اللغة على معنيين:

- ‌ إنزال القرآن فيها توجيهان:

- ‌تنزلات القرآن الكريم:

- ‌الحكمة من تنجيم القرآن:

- ‌الحكمة الأولى: تثبيت فؤاد النبي

- ‌الحكمة الثانية: التدرج في التشريع

- ‌الحكمة الثالثة: بيان بلاغة القرآن الكريم فقد نزل مفرقًا في ثلاثة وعشرين عامًا

- ‌الحكمة الرابعة: مسايرة الحوادث والطوارئ في تجددها وتفرقها:

- ‌الحكمة الخامسة: : تنبيه المسلمين من وقت لآخر لأخطائهم التي وقعوا فيها وكيفية تصحيحها

- ‌الحكمة السادسة: توثيق وقائع السيرة النبوية المباركة والتاريخ

- ‌الحكمة السابعة: معرفة الناسخ والمنسوخ:

- ‌الحكمة الثامنة: تفضيل القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية:

- ‌وقت نزول القرآن الكريم:

- ‌1 - الآيات والسور المتفق على نزولها ليلاً:

- ‌أولاً: أواخرُ آلِ عمران:

- ‌ثانياً: آيات الثلاثة الذين خلفوا من سورة التوبة:

- ‌ثالثاً: أول سورة الفتح:

- ‌رابعاً: صدر سورة العلق:

- ‌خامساً وسادساً: المعوذتان:

- ‌2 - الآيات والسور المختلف في نزولها ليلاً:

- ‌أولاً: آيات تحويل القبلة:

- ‌ثانياً: آية {اليوم أكملت لكم دينكم}:

- ‌ثالثاً: {والله يعصمك من الناس} من سورة المائدة:

- ‌رابعاً: سورة الأنعام:

- ‌خامساً: سورة مريم:

- ‌سادساً: أول الحج:

- ‌سابعاً: آية الإذن في خروج النسوة في الأحزاب:

- ‌ثامناً: قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}:

- ‌تاسعاً: سورة المنافقون:

- ‌عاشراً: سورة المرسلات:

- ‌مدة نزول القرآن الكريم:

- ‌يوم إنزال القرآن:

- ‌شهر إنزال القرآن الكريم:

- ‌مقدار التنزيل:

- ‌ثالثا: - مراحل جمع القرآن الكريم وترتيبه

- ‌جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌رابعا: - المكي والمدني

- ‌للعلماء في معنى المكي والمدني ثلاثة اصطلاحات

- ‌الاصطلاح الأول: باعتبار المكان:

- ‌الاصطلاح الثاني: باعتبار المخاطب:

- ‌الاصطلاح الثالث: باعتبار زمن النزول:

- ‌الطريق إلى معرفة المكي والمدني:

- ‌المنهج الأول: السماعي النقلي:

- ‌المنهج الثاني: القياس الاجتهادي:

- ‌أولاً: ضوابط القرآن المكي هي

- ‌ثانياً: مميزات القرآن المكي:

- ‌ثالثاً: ضوابط القرآن المدني:

- ‌رابعا: - مميزان القرآن المدني

- ‌وللسور المدنية مميزات، منها:

- ‌فوائد معرفة المكي والمدني

- ‌خامسا: - أسباب النزول

- ‌طريق معرفة سبب النزول

- ‌أقسام أسباب النزول:

- ‌فوائد معرفة سبب النزول

- ‌1 - الاستعانة على فهم الآية وإزالة الإشكال عنها:

- ‌2 - معرفة الحكمة من تدرج التشريع:

- ‌3 - العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:

- ‌سادسا: - المحكم والمتشابه في القرآن الكريم

- ‌سابعا- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم

- ‌أهمية النسخ في التفسير

- ‌ثامنا: - القراءات

- ‌القراءات لغة واصطلاحا

- ‌نشأة القراءات:

- ‌ والأحاديث المتواترة الواردة حول نزول القرآن على سبعة أحرف تدل على ذلك:

- ‌أقسام القراءات وبيان ما يقبل منها ومالا يقبل

- ‌فوائد اختلاف القراءات

- ‌التعريف بالقراء الأربعة عشر ورواتهم

- ‌أولاً: القراء العشرة ورواتهم:

- ‌1 - ابن عامر

- ‌2 - ابن كثير

- ‌3 - عاصم

- ‌4 - أبو عمرو

- ‌5 - حمزة

- ‌6 - نافع

- ‌7 - الكسائى

- ‌8 - أبو جعفر

- ‌9 - يعقوب

- ‌10 - خلف

- ‌السبب الداعى للاقتصار على القراء المشهورين

- ‌ثانياً: القراء الأربعة تتمة الأربعة عشر

- ‌1 - أبو الحسن البصرى

- ‌2 - ابن محيصن

- ‌3 - يحيى اليزيدى

- ‌4 - الأعمش

- ‌حكم ما وراء القراءات العشر

- ‌تاسعا: - الإسرائيليات

- ‌أسباب دخول الإسرائيليات في المجتمع الإسلامي:

- ‌حكم الإسرائيليات:

- ‌عاشرا: تفسير القرآن وشرفه

- ‌المنهج الأمثل في تفسير القرآن

- ‌1 - تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌2 - تفسير القرآن بالسنة:

- ‌3 - الانتفاع بتفسير الصحابة والتابعين:

- ‌4 - الأخذ بمطلق اللغة:

- ‌5 - مراعاة السياق:

- ‌6 - الاهتمام بعلوم القرآن إجمالاً وخاصة سبب النزول:

- ‌7 - اعتبار القرآن أصلاً يرجع إليه:

- ‌حادي عشر: - إعجاز القرآن

- ‌أ- الإعجاز البياني:

- ‌ب- الإعجاز التشريعي:

- ‌ومن نماذج من الإعجاز التشريعي:

- ‌ت- الإعجاز العلمي:

- ‌الثاني عشر: ترجمة القرآن الكريم بغير لغته

- ‌أقسام الترجمة

- ‌أولاً: الترجمة الحرفية:

- ‌ثانياً: الترجمة المعنوية والتفسيرية:

- ‌موقف العلماء من ترجمة القرآن الكريم:

- ‌أولاً: الترجمة الحرفية لا تجوز وذلك:

- ‌ثانياً: الترجمة التفسيرية أو المعنوية:

- ‌شروط الترجمة:

- ‌الثالث عشر: فضائل القرآن

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولا: - أنواع التفسير

- ‌1 - التفسير بالمأثور (بالرواية)، وأقسامه:

- ‌ أقسام التفسير بالرواية

- ‌أ- تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌ب- تفسير القرآن بالسنة:

- ‌ت- تفسير القرآن بقول الصحابي:

- ‌ث- تفسير القرآن بقول التابعي:

- ‌أشهر تفاسير القرن الثالث والرابع

- ‌ومن هذه التفاسير الموسوعية أيضاً:

- ‌2 - التفسير بالدراية:

- ‌3 - التفسير الإشاري

- ‌ آراء العلماء التي نسترشد بها في تحديد شروط قبول التفسير الإشاري

- ‌1 - رأى ابن الصلاح:

- ‌2 - رأى الشاطبى:

- ‌3 - رأى تاج الدين بن عطاء الله:

- ‌4 - رأى حاجى خليفة:

- ‌5 - رأى سعد الدين التفتازانى:

- ‌6 - رأى محى الدين ابن عربي:

- ‌7 - رأي أبي حامد الغزالي:

- ‌8 - رأي الأستاذ محمد عبد العظيم الرزقانى:

- ‌9 - رأي الأستاذ محمد حسين الذهبي:

- ‌10 - رأي الدكتور محمد كمال جعفر:

- ‌أمثلة على التفسير الإشاري:

- ‌ثانيا: - اتجاهات التفسير

- ‌1 - الاتجاه اللغوي:

- ‌2 - الاتجاه العلمي:

- ‌3 - الاتجاه الموضوعي:

- ‌4 - الاتجاه الفقهي:

- ‌5 - الاتجاه البلاغي:

- ‌أهمية التفسير البلاغي:

- ‌1 - الوقوف على معجزة القرآن الكريم البلاغية التي تحدى بها الله تعالى العرب

- ‌2 - توجيه التفسير للألفاظ والجمل القرآنية بما يرفع الإشكال ويوضح المعنى

- ‌3 - فهم المعاني القرآنية من خلال معرفة القرائن وسياق النص ولهجات العرب

- ‌4 - إثراء المعاني للألفاظ والجمل التي ظاهرها التماثل والتشابه

- ‌خاتمة التمهيد

- ‌ أهم النتائج التي توصلنا إليها من هذا التمهيد

- ‌تفسير سورة الفاتحة

- ‌لهذه السورة أسماءٌ متعددةٌ

- ‌أولا: - فاتحةُ الكتابِ

- ‌ثانيا: - أم الكتاب:

- ‌ثالثا: - أمُّ القرآن:

- ‌الرابع: - السبع المثاني:

- ‌الخامس: القرآنُ العظيم:

- ‌السادس: الصَّلاة:

- ‌السابع: - رقية الحقِّ:

- ‌الثامن: - سورة الحمد:

- ‌التاسع: - الشفاء:

- ‌العاشر: - الوافية:

- ‌الحادي عشر: - الأساس:

- ‌الثاني عشر: - الكنز

- ‌الثالثة عشر: - الشكر

- ‌الرابعة عشر: - الثناء:

- ‌الخامسة عشر: -المناجاة:

- ‌السادسة عشر- التفويض:

- ‌السابعة عشر: - الدعاء:

- ‌الثامنة عشر: - النور

- ‌التاسعة عشر: - تعليم المسألة:

- ‌العشرون: - السؤال:

- ‌ اختلف العلماء في مواضع نزولها

- ‌القول الأول: أنَّها نزلت بمكَّة

- ‌القول الثاني: أنها أُنزلت بالمدينة

- ‌القول الثالث: أنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة:

الفصل: ‌3 - التفسير الإشاري

وأما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل، والترجيح يعتمد على الاجتهاد، ويتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ ومدلولاتها في لغة العرب واستنباط المعاني من كل ذلك" (1).

والذي يراه الباحث هو ما رجحه الأكثر (2) أن التفسير مغاير للتأويل، وأن تفسير الدراية "الرأي" هو التأويل؛ وذلك ليحصل التمييز في التفسير بالمأثور، والاجتهاد في التفسير بالرأي، ويكون الاعتماد على التفسير بالمأثور، والنظر في المستنبط، ثم إن التفسير بالمأثور مقدم على التفسير بالرأي عند التعارض، بل يعد التفسير بالرأي في مقابل النص فاسد الاعتبار، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا عرف المعنى، ومن أهم كتب التفسير بالرأي:

أ- أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (3).

ب- مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي (4).

ج- لباب التأويل في معاني التنزيل للعلامة علاء الدين البغدادي الملقب بالخازن (5).

د- البحر المحيط لأبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي.

‌3 - التفسير الإشاري

هو تفسير القرآن بغير ظاهره لإشارة تظهر لأرباب الصفاء، مع عدم إبطال الظاهر، قال الزرقاني:"التفسير الإشاري: هو تأويل القرآن بغيرظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ويمكن الجمع بينها وبين الظاهرالمراد أيضا"(6).

وقال الصابوني: "التفسيرالإشاري: هو تأويل القرآن على خلاف ظاهره، لإشارات خفية تظهر لبعض أولي العلم، أوتظهر للعارفين بالله من أرباب السلوك والمجاهدة للنفس، ممن نور الله بصائرهمفأدركوا أسرار القرآن العظيم، أو انقدحت في أذهانهم بعض المعاني الدقيقة، بواسطةالإلهام الإلهي أو الفتح الرباني، مع إمكان الجمع بينهما وبين الظاهر المراد من الآيات الكريمة"(7) ..

(1) التفسير والمفسرون 1/ 16.

(2)

منهم: الحسين بن مسعود البغوي في معالم التنزيل 1/ 46، والزركشي 2/ 149، والأصفهاني في مفردات القرآن 2/ 192، ومحمد الذهبي في التفسير والمفسرون 1/ 16.

(3)

- هو قاضي القضاة أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشافعي، من بلاد فارس صاحب المصنفات وعالم أذربجان، ولي قضاء شيراز، وكان إماماً بارعاً مصنفاً، فريد عصره، ووحيد دهر، أثنى على علمه وفضله غير واحد، من مصنفاته: أنوار التنزيل وأسرار التأويل في التفسير، توفى سنة إحدى وتسعين وستمائة، وقيل: خمس وثمانين، انظر: طبقات المفسرين للسبكي 8/ 155، والمنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي 2/ 83.

(4)

- هو أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي الحنفي أحد الزهاد والأئمة المعتبرين، وصاحب التصانيف المعتبرة في الفقه، والأصول، وغيرهما، منها: مدارك التنزيل في تفسير القرآن، وكنز الدقائق، توفى سنة إحدى وسبعمائة، انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة 1/ 168.

(5)

- هو العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الشيحي البغدادي الشافعي عرف بالخازن، ولد في بغداد سنة ثمان وسبعين وستمائة، سمع من علمائها ثم انتقل إلى دمشق واستقر بها متعلماً ثم معلماً ومات بها سنة إحدى وأربعين وسبعمائة. انظر: الوافي بالوفيات 1/ 34.

(6)

مناهل العرفان للزرقاني 2/ 56

(7)

التبيان في علوم القرآن للصابوني ص 191

ص: 132

وقد عرف التفسير الصوفي بالتفسير الإشاري، ويتمثل على زعمهم في أن يرى المفسر معنى آخر غير المعنى الظاهر، ربما تحتمله الآية الكريمة ولكنه لا يظهر للعامة من الناس، وإنما يظهر لخاصتهم ومن فتح الله قلبه وأنار بصيرته وسلكه ضمن عباده الصالحين، الذين منحهم الله الفهم والإدراك، وهذا النوع من العلم ليس من العلم الكسبى الذي ينال بالبحث والمذاكرة وإنما هو من العلم الوهبى الذي هو أثر التقى والاستقامة والصلاح، كما قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 282].

والتفسير الصوفي يعتمد أساسا على أن للقرآن ظاهرا وباطنا، ويقصد بالظاهر الشريعة وبالباطن الحقيقة، وعلم الشريعة علم المجاهدة، وعلم الحقيقة علم الهداية، وعلم الشريعة علم الآداب وعلم الحقيقة علم الأحوال، وعلم الشريعة يعلمه علماء الشريعة وعلم الحقيقة يعلمه العلماء بالله، يقول السلمى في مقدمة تفسيره عن الباعث لإقدامه على كتابة تفسير القرآن: "لما رأيت المتوسمين بعلوم الظاهر قد سبقوا في أنواع فرائد القرآن، من قراءات وتفاسير ومشكلات وأحكام وإعراب ولغة ومجمل ومفصل وناسخ ومنسوخ، ولم يشتغل أحد منهم بفهم الخطاب على لسان أهل الحقيقة إلا آيات متفرقة، أحببت أن أجمع حروفا أستحسنها من ذلك وأضم أقوال مشايخ أهل الحقيقة إلى ذلك وأرتبه على السور حسب وسعى وطاقتى (1).

ويقول سهل بن عبد الله التسترى في تفسيره، وهو أول ما ظهر للصوفية من تفسير للقرآن:"ما من آية في القرآن إلا ولها أربعة معان، ظاهر وباطن وحد ومطلع، فالظاهر التلاوة، والباطن الفهم والحد حلالها وحرامها والمطلع إشراف القلب على المراد بها فقها من الله عز وجل، فالعلم الظاهر علم عام، والفهم لباطنه والمراد به خاص"(2).

وقد ظهر أيضا تفسير ثالث لعبد الكريم القشيرى سلك فيه مسلك الصوفية في إدراك الإشارات التي يراها الصوفي خلف آيات القرآن، وسماه لطائف الإشارات، قال عن الباعث لتأليفه: "وكتابنا هذا يأتى على طرف من إشارات القرآن على لسان أهل المعرفة إما من معاني قولهم أو قضايا أصولهم، سلكنا فيه طريق الإقلال خشية الملال مستمدين من الله تعالى عوائد المنة، متبرئين من الحول والمنة مستعصمين من الخطأ والخلل، مستوثقين لأصوب القول والعمل (3).

ولم يظهر في تاريخ التفسير الإشاري حتى القرن الخامس، أهم من حقائق التفسير للسلمى، ولطائف الإشارات للقشيري وإن كان القشيري قد استفاد من السلمى فائدة كبرى واقتبس منه كثيرا من آرائه (4).

وقد ظهر تفسير القرآن المنسوب لابن عربي، ولكنه في الحقيقة للكاشاني السمرقندي، ويعد هذا التفسير أهم تفسير إشارى بعد اللطائف، قال مؤلفه في مقدمته: "ما نزل من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حرف حد ومطلع، فالظهر هو التفسير، والبطن هو التأويل، والحد

(1) تفسير القران الكريم على الطريقة الصوفية، دراسة وتحقيق حقائق التفسير لأبي عبدالرحمن بن محمد بن الحسين الأزدي السلمي، رسالة ماجستير، سلمان نصيف جاسم التكريتي، مكتبة كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، 1975:22.

(2)

تفسير القران العظيم، سهل بن عبدالله، مطبعة السعادة، 1908:61.

(3)

لطائف الإشارات، القشيري، تحقيق: د. ابراهيم بسيوني، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 3، القاهرة، 1981: 1/ 41.

(4)

تاريخ أدبيات در ايران، ذبيح الله صفا، ط 3، 1339 هـ: 2/ 257.

ص: 133

هو ما تتناهي إليه الفهوم من معنى الكلام، والمطلع ما يصعد إليه منه فيطلع على شهود الملك العلام" (1).

ويمكن القول باستقراء التفسيرات الصوفية السابقة أن السمة الغالبة في التفسير الإشاري لدى الصوفية تتمثل فيما يأتي:

1 -

أن للقرآن ظاهرا وباطنا، وأن الظاهر للعوام والباطن لا يدركه إلا الخواص وإدراك الخواص مستمد من فيض إلهي ينير بصائرهم، ويكشف لهم على زعمهم عن معارف لدنية مباشرة.

2 -

أن العلم بالقرآن على هذا النحو يفترق عن العلوم القرآنية الأخرى في بدايته وفى طرائقه وفي غاياته، فضلا عن أنه يفترق عن سائر العلوم بضرورة العمل، فالعالم لابد أن يكون عاملا وعمله هو جهاده ورياضاته التي تؤدى إلى صقل إرادته وشحذ همته وتنقية مرآته الباطنية من كل شائبة، فالتفسير عموما ليس تفسيرا مباشرا، بل يسلك تزكية النفوس وتطهير القلوب والحث على التحلى بالأخلاق الفاضلة.

3 -

أن التفسير الإشاري وإن كان يعتمد على ما وراء العبارة الظاهرية إلا أنه لم تخل من بعض ما نقل من الآثار على النحو المذكور في التفسير بالمأثور أو التفسير بالرأي بالطريقة الاستنباطية، أو تفسيرات تعتمد على معاني الألفاظ والتفسيرات البلاغية.

4 -

تتعرض هذه التفسيرات لكثير من المعاني والمصطلحات الصوفية التي تكشف عن طريقتهم وتجربتهم، لا سيما أنهم يوجهون الآيات كشواهد لهذه الرموز والمصطلحات.

5 -

ومع ما فيها من معاني تقبل بصعوبة، أو يلتمس لها وجها تحمل عليه بمشقة.

6 -

لم تسلم هذه التفسيرات من الإسرائيليات، والاستشهاد بغير القرآن والسنة، ولم تتبع الدقة في تحري ثبوت الحديث، أو مراعاة التعليق على الأسانيد، وكذلك لم تخل من فكر باطني (2).

وقد استدل الصوفية بكثير من الآيات القرآنية العامة، التي تدعو إلى التدبر وفهم كتاب الله بالتأمل وحسن الاستماع، كقوله تعالى:{الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 1 - 3]، وكقوله:{فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]، والمعنى لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، ولم يرد أنهم لا يفهمون نفس الكلام وكقوله تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، حيث دل على أن ظاهر المعنى شيء وهم عارفون به لأنهم عرب، والمراد هو شيء آخر وهو الذي لا شك فيه أنه من عند الله، والتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد، وذلك ظاهر في أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن، فلم يحصل منهم تدبر، وكقوله تعالى:[إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37]، وقال أبو سعيد الخراز:"أول الفهم لكتاب الله عز وجل العمل به، لأن فيه العلم والفهم والاستنباط، وأول الفهم إلقاء السمع والمشاهدة لقوله عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] "(3).

(1) تفسير ابن عربي: 4/ 1، وانظر تحقيق نسبته في: تفسير المنار: 1/ 18، ومحي الدين بن عربي مفسرا، حامد محمود الزفري، رسالة دكتوراه بمكتبة كلية أصول الدين جامعة الأزهر، القاهرة، سنة 1972: ص 174.

(2)

انظر: الموافقات: 3/ 403.

(3)

اللمع في التصوغ، سراج الطوسي:113.

ص: 134

ويواصل السراج الطوسي استدلاله على التفسير الإشاري فيقول: "وقال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]، فالقرآن كله حسن ومعنى اتباع الأحسن، ما يكشف للقلوب من العجائب عند الاستماع وإلقاء السمع من طريق الفهم والاستنباط"(1).

ومن السنة يستدلون بقوله: " لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ومطلع"(2)، فلفظ الظاهر والباطن على زعمهم قرآنيان، ولا يمكن الاعتراض على الفكرة القائلة بأن في القرآن ناحية واضحة تدرك في ضوء الاشتقاق، وأن به ناحية أخرى ربما كانت أخفق وأعمق بالنسبة للأولى، لأن هذه الفكرة يمكن أن تطبق في الواقع على أي نص فكل نص له ناحية قريبة مباشرة تدرك بلا عناء، وناحية أخرى تحتاج إلى عمل وجهد في استيعابها وفهمها، كما لا يمكننا أن ننكر أن الحقيقة الإنسانية الثابتة تشير إلى عدم تساوي الناس في الفهم والإدراك، وقد ظهرت تلك الحقيقة في حياة الرسول وصحابته رضي الله عنهم الذين تفاوتت أقدارهم في سرعة ومدى فهمهم للقرآن، وهذا يفسر ما أثر عنهم من تفسيرات مختلفة (3).

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما أريته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2 - 1]، حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا، فقال لي: يا ابن عباس أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله أعلمه الله له: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، فتح مكة، فذاك علامة أجلك: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 4 - 3]، قال عمر رضي الله عنه: ما أعلم منها إلا ما تعلم "(4).

والشاهد هنا أن ابن عباس رضي الله عنه فهم من خطاب الله معنى خفيا وراء ظاهر الألفاظ لم يدركه عامة الصحابة في مجلسهم، وهذا يشبه عمل الصوفية في التفسير الإشاري.

ومثله أيضا ما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله جلس على المنبر فقال: " إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر"(5).

(1) اللمع في التصوف، سراج الطوسي:113.

(2)

لا أصل له ولم أجده في كتب السنة مرفوعا إلى النبي، ولكنه أثر موقوف على عبدالله بن مسعود، ولفظه:"إن القرآن ليس منه حرف إلا له حد، ولكل حد مطلع". انظر: معجم الطبراني الكبير: رقم (8667) (9/ 136.

(3)

انظر: التصوف طريقا وتجربة ومذهبا، محمد كمال جعفر:157.

(4)

رواه البخاري (4294).

(5)

رواه البخاري (3904)، ومسلم (2382).

ص: 135