الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنفسه عن هذه المزالق وأن يفر بدينه من هذه الشبهات، وأمامه في الكتاب والسنة وشروحهما على قوانين الشريعة واللغة رياض وجنات" (1).
9 - رأي الأستاذ محمد حسين الذهبي:
يقرر الذهبي أن الأدلة مجتمعة تعطينا أن القرآن الكريم له ظهر وبطن، ظهر يفهمه كل من يعرف اللسان العربي، وبطن يفهمه أصحاب الموهبة وأرباب البصائر، غير أن المعاني الباطنية للقرآن، لا تقف عند الحد الذي تصل إليه مداركنا القاصرة بل هي أمر فوق ما نظن وأعظم مما نتصور (2).
يقول: "أما المعنى الباطن فلا يقف على جريانه على اللسان وحده بل لا بد فيه مع ذلك إلى نور يقذفه الله تعالى في قلب الإنسان، يصير به نافذ البصيرة سليم التفكير، ومعنى هذا أن التفسير الباطن ليس أمرا خارجا عن مدلول اللفظ القرآنى"(3)، ويقول أيضا:(أما الصوفية أهل الحقيقة وأصحاب الإشارة فقد اعترفوا بظاهر القرآن ولم يجحدوه كما اعترفوا بباطنه ولكنهم حين فسروا المعاني الباطنية خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فبينما تجد لهم أفهاما مقبولة تجد لهم بجوارها أفهاما لا يمكن أن يقبلها العقل أو يرضى بها الشرع" (4).
والخلاصة في رأي الذهبي أن مثل هذه التفاسير الغريبة للقرآن مزلة قدم لمن يعرف مقاصد القوم، وليتهم احتفظوا بها عند أنفسهم ولم يذيعوها على الناس فيوقعهم في حيرة واختلاف، منهم من يأخذها على ظاهرها ويعتقد أن ذلك هو مراد الله من كلامه، وإذا عارضه ما ينقل في كتب التفسير على خلافها ربما كذب بها أو أشكل عليه ومنهم من يكذبها على الإطلاق ويرى أنها تقول على الله وبهتان، إذن ليتهم ما فعلوا ذلك، إذن لأراحونا من هذه الحيرة وأراحوا أنفسهم من كلام الناس فيهم وقذف البعض لهم بالكفر والإلحاد في آيات الله (5).
10 - رأي الدكتور محمد كمال جعفر:
ويرى الدكتور جعفر أنه يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أنه من الطبيعي أن لا يقف الصوفي عند المعاني التقليدية في أي من القرآن أو السنة قولا وعملا، لأنه ليس كالفقيه أو العالم الذي يعتمد على النظر العقلى فحسب، لأن ذلك لا يشبع رغبته ولا يمد روحه بالزاد الضرورى، بل إنه يتعمق إلى معان وراء المعنى الظاهر المباشر، وإن لم يكن من الضرورى أن تكون هذه المعاني العميقة متناقضة مع تلك المعاني الظاهرية، ويشير الدكتور جعفر إلى نقطة هامة، وهي أن القرآن بالنسبة للصوفى يحمل حقيقتين متساويتين في الأهمية، فهو من جهة وحى تاريخى اتخذ وضعه في الزمان والمكان المحددين، وهو من جهة أخرى النبع الفياض الذي لا تنفد حقائقه الإلهية الصادرة عن الله جل جلاله، وهو لا متناه لأنه كلام الموجود الذي لا يتناهي، والمعاني الباطنية لكلماته غير متناهية كذلك أيضا (6).
كما أن الصوفي المتأمل قد يصل إلى مرحلة يدرك فيها أعمق المعاني الروحية في القرآن، وهذه الفكرة في حد ذاتها بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى قد تثير صعوبات،
(1) مناهل العرفان في علوم القران، الزرقاني، طبعة عيسى البابي، 1953: 1/ 558.
(2)
التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي، دارالكتب الحديثة: 3/ 22.
(3)
التفسير والمفسرون: 3/ 22.
(4)
التفسير والمفسرون: 3/ 22.
(5)
التفسير والمفسرون: 3/ 42.
(6)
التصوف طريقا وتجربة ومذهبا: 157.
بحيث أنها تؤدى إلى أن يكون تفسير القرآن مختلفا باختلاف الذوات المشتركة فيها أي أن يكون الموقف موقفا ذاتيا مما ينتج بدوره تفسيرات متعارضة ويؤدى إلى اضطرار كبير، ولكن الحقيقة أن الصوفية فعلا يرون أن تعدد التفسيرات أمر حتمى، لأن معاني القرآن لا نهائية وتتكشف لكل صوفى حسب طاقته الروحية وحسب فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس في ذلك أي ضير ما دام هذا متصلا بالمعاني الكمالية التي لا تتجاوز حدود المعاني المباشرة المتفق عليها (1).
وقبل النظر والتعقيب على الآراء السابقة في التفسير الإشار لنستخلص منها ما يمكن أن نصل إليه في تقرير شروط التفسير الإشاري، تجدر الإشارة إلى رأي بعض المستشرقين الغربيين من قبيل المقارنة المؤثرة في توجيه الآراء إلى الأفضل، فنرى المستشرق نكلسون أستاذ مدرسة كمبردج الاستشراقية يصرح بأن التفسير الصوفي يشابه التفسير الشيعي وكلاهما عنده من التأويلات المغرضة التي تتلاعب بالنصوص، فيقول:"استطاع الصوفية متبعين في ذلك الشيعة، أن يبرهنوا بطريقة تأويل نصوص الكتاب والسنة تأويلا يلائم أغراضهم على أن كل آية بل كل كلمة من القرآن تخفى وراءها معنى باطنيا لا يكشفه الله إلا لخاصة العباد، الذين تشرق هذه المعاني في قلوبهم وفى أوقات وجدهم، واعتبروا أنفسهم خاصة أهل الله الذين منحهم الله أسرار علم الباطن المودعة في القرآن والحديث، وأنهم استعملوا في التعبير عن هذا العلم لغة الرمز والإشارة، التي لا يقوى على فهمها غيرهم من المسلمين"(2)، وربما كان هذا الموقف للمستشرق نيكلسون بسبب ما أشارت إليه الباحثة صلى الله عليه وسلم أن المستشرقين في القرن التاسع عشر قد عرفوا المصادر الصوفية المتأخرة والتي لا تصور التصوف في مراحله الأولى.
فحكم نيكلسون على جميع الصوفية في تفسيرهم للقرآن بما رآه من الغلو في التفسير الإشاري عند المتأخرين، ولذا أدرك نيكلسون بعد ذلك استحالة وضع حكم منصف للتصوف قبل أن تعد مصادره الأولى إعدادا علميا دقيقا، وقد تولى هو زمام المبادرة في نشر المخطوطات وتحقيقها والتعليق عليها وترجمتها وتحليل مادتها (3).
ويرى المستشرق جولد تسهير أن العمل بما روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من أراد علم الأولين والآخرين فليتثور القرآن" لا يحصل بمجرد تفسيره الظاهر، فالأمور كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفى القرآن إشارة إلى مجامعها، وفيه رموز ودلالات لكل ما أشكل من ذلك على النظار، ومهمة التفسير هي استخراج كل ذلك العلم من الكتاب والتعمق في تفصيله، ووراء هذه المعاني الظاهرة يحتجب المعنى الباطن وتسكن أسرار القرآن التي ينبغى البحث عنها بتغلغل ونفاذ أعمق من ذلك، ولن يترتب على ذلك القضاء على ظاهر التفسير بل هو استكمال له ووصول إلى لبابه، وإذا كان التفسير الصوفي فيه تجاوز للتفسير المنقول المحدود في حرية لا توقفها قيود، ومع استخدام أمثلة بعيدة المدرك والمورد في الغالب في الكشف عن أفكار الورى إلا أن أثرت في
(1) من التراث الصوفي، سهل بن عبدالله التستري:109.
(2)
التصوف الاسلامي وتاريخه: 76.
(3)
الإتجاهات الحديثة في دراسة التصوف الاسلامي، محمد عبدالله الشرقاوي: 19 وما بعدها.
التغلغل إلى ما وراء المسموع والمنقول من المعاني المقصودة في كلام الله والمكنونة في حجبها والتي لا يعقلها إلا العالمون (1).
ويرى المستشرق هنرى كوربان أن المستمع للكلام الإلهي يحق له أن يفهم منه كل شيء، وفى أي حقل من المعرفة وفى أي درجة من العمق والخفاء شرط ألا يتجاوز فهم السامع، ولا يتعدى التفسير من محتوى الكلام ودلالاته الوصفية حقيقة ومجازا وكناية حيث أن علم الله عين ذاته ولا حد له وسع كل شيء علما (2).
ويرى الدكتور محمد كمال جعفر أنه لا بد قبل تقرير شروط قبول التفسير الصوفي التنبه إلى أن التفسير الصوفي يرتبط بنوعية اعتقاد المفسر، ويمكن إجمال تفسيراتهم في نوعين (3):
أ- التفسير النظرى: وهو التفسير المبنى على نزعة فلسفية حيث تتوجه الآيات القرانية لديهم وفق نظرياتهم وتتفق مع تعاليمهم.
ب- التفسير الإشاري: هو تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك ولا يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة.
والفرق بين التفسير النظرى والتفسير الإشاري في أثرهما على تفسير القرآن أن التفسير النظرى يبنى على مقدمة علمية تنقدح في ذهن الصوفي أولا ثم ينزل القرآن عليها بعد ذلك، أما التفسير الإشاري فلا يرتكز على مقدمات علمية بل يرتكز على مجاهدات رياضية، يأخذ الصوفي نفسه بها حتى يصل إلى درجة إيمانية تنكشف له فيها من سبل العبارات هذه الإشارات، وتتوالى على قلبه تحليل الآيات من المعاني الربانية.
كما أن التفسير الصوفي النظرى يرى صاحبه أنه كل ما تحتمله الآية من معاني وليس وراءه معنى آخر يمكن أن تحمل عليه إلا هذا، على حسب طاقته أما التفسير الإشاري فلا يرى الصوفي أن كل ما يراد من الآية بل يرى أن هناك معنى آخر تحتمله الآية ويراد منها أولا وقبل كل شيء ذلك المعنى الظاهر الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره.
ويرى الدكتور جعفر في شرطه لقبول التفسير الصوفي أن تأويل الصوفية للقرآن أو الفهم الخاص له إذا خلا من أي هدف سياسي أو اجتماعى، سواء كان لرد اعتبار أو كوثيقة أمن أو بسط سلطان أو كسب ثروة أو احتفاظ بمراكز نفوذ تتعلق بأشخاص أو بجماعات، إذا لم يكن له مثل هذا الهدف وإذا كان لا يعارض نصا قرآنيا آخر، ولا يعارض الاستعمال العربي، ولا يؤدى إلى تحريف أو انحراف، وإذا كان وجوده يضيف ثروة روحية أو عقلية، وإذا كان لا يدعى من السلطة ما يجعله أمرا ملزما، بفرض واحديته في الأحقية، إذ كان كذلك فهو تأويل مقبول، ليست له غاية إلا تعميق الفهم عن الله الذي ما زال كتابه منبعا لا يغيض ومعينا لا ينضب للحقائق والأسرار (4).
(1) مذاهب التفسير الاسلامي، إجناز جولد تسهير، ترجمة: محمد يوسف موسى وآخرون، طبعة دار الكتاب العربي، 1959:207.
(2)
تاريخ الفلسفة الاسلامية، هنري كوربان، ترجمة: قيسي وزميله، بيروت، ط 1، 1966:10.
(3)
انظر: التصوف، د. محمد كمال جعفر:26.
(4)
التصوف، د. محمد كمال جعفر:26.